مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

المخضرمون من رواة الحديث (عرض لبعض النماذج)

بسم الله الرحمن الرحيم

 تمهيد:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وبعد:

        فإن الدين الإسلامي اهتم بالشهادة وعدالة الرجال، فكان في كل عصر من العصور عدول يحملون هذا الدين، ينفون عنه  تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وعبث العابثين، وأباطيل الكاذبين، ومن هذا المنطلق ألف العلماء كتبا في الرجال الثقات، الذين حفظوا لنا شرع الله وحملوه من خير القرون إلى عدول هذه الأمة من التابعين، ومن هؤلاء: المخضرمون.

ولأهمية الموضوع أفردته بهذا المقال الذي سأتناول فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ معنى المخضرم لغة واصطلاحا، وعن عددهم، مع ذكر بعض النماذج من هؤلاء وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

معنى المخضرم لغة واصطلاحا

المخضرم في اللغة: هو الذي عاش نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام، سواء أدرك الصحابة أم لا.

فلم يشترط بعض أهل اللغة نفي الصحبة. قال الجوهري: «والمخضرم أيضا الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد»([1])، وقال صاحب القاموس: المخضرم هو  الماضي نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام أو من أدركهما أو شاعر أدركهما كلبيد([2]).

وأما في اصطلاح المحدثين: هو التابعي الذي أدرك الجاهلية وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست له صحبة لعدم لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الصلاح : « المخضرمون من التابعين هم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم. وحدهم مخضرَم -بفتح الراء- كأنه خضرم أي: قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها»([3]).

فالمخضرم باتفاق أهل العلم بالحديث ليس بصحابي، بل هم معدود في كبار التابعين، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل؛ وقد عدهم الإمام مسلم عشرين نفسا قال الحاكم: قرأت بخط مسلم بن الحجاج رحمه الله ذكر من أدرك الجاهلية ولم يلق النبي ﷺ ولكنه صحب الصحابة بعد النبي ﷺ وذكرهم([4])، وأضاف عليه الحافظ أبو عمرو                   ابن الصلاح في مقدمته اثنين([5])، ثم زاد عليهما  الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح عشرين آخرين([6])، فبلغ عددهم عند هؤلاء الأئمة الثلاثة اثنين وأربعين رجلا، وأفردهم البرهان سبط ابن العجمي الحلبي في جزء سماه: «تذكرة الطالب المعلم بمن يقال إنه مخضرم» فزاد عليهم كثيرين بلغوا: أربعين ومائة نفس من الرجال ثم النساء([7]).

وبعد هذا التعريف الموجز عن المخضرم، وعن عددهم عند الأئمة، أنتقل إلى ذكر نماذج من هؤلاء، وسأقف على عشرة منهم، وقد رتبتهم على حروف المعجم، ذاكرة  اسمه، ونسبه، وزمن اسلامه، وتاريخ وفاته إن ذكرت، مع إيراد بعض مصادر ترجمتهم.

المخضرمون من رواة الحديث (عرض لبعض النماذج)

أحزاب بن أسيد: أبو رُهم السمعي ذكره  بعضهم في الصحابة،  والراجح أنه  أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وذكره في التابعين: البخاري، وأبو حاتم الرازي، وابن حبان، وغيرهم، وهو ثقة([8]).

الأحنف بن قيس بن معاوية: أبو بحر التميمي، اسمه الضحاك، وقيل: صخر، وكان يضرب بحلمه المثل، قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الأحنف سيد أهل البصرة. مات سنة سبع وستين، وقيل: اثنتين وسبعين هـ وهو ثقة([9]).

الأسود بن يزيد بن قيس النخعي: أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، وهو  من العباد المشهورين. وقد أطال الذهبي ترجمته في السير، مات سنة أربع، أو خمس وسبعين هـ وهو ثقة([10]).

ثمامة بن حزن بن عبد الله بن سلمة القشيري: قدم على عمر بن الخطاب في خلافته، وهو ابن خمس وثلاثين سنة، مات بعد سنة إحدى ومائة هـ وهو ثقة([11]).

جبير بن نفير بن مالك الحضرمي الشامي: أبو عبد الله، روى عنه ابنه عبد الرحمن، أنه قال: أدركت الجاهلية وأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمن فأسلمنا. مات سنة ثمانين هـ، وقيل: بعدها. وهو ثقة([12]).

خالد بن عمير العدوي البصري: أدرك الجاهلية، وشهد خطبة عتبة بن غزوان بالبصرة وكان واليا عليها من قبل أمير المؤمنين عمر.وهو مقبول([13])

ربعي بن حراش العبسي الكوفي: أبو مريم، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وسمع خطبة أمير المؤمنين بالجابية بالشام، مات سنة مائة، وقيل: إحدى ومائة، وقيل: أربع ومائة، وهو ثقة([14])

رُفيع بن مهران: أبو العالية الرياحي، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، مات سنة تسعين على الصحيح ، وهو  عالم مفسر ثقة لكنه كثير الإرسال([15]).

شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي: أبو المقدام الكوفي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إلا بعده. مات سنة ثمان وسبعين هـ وهو ثقة([16])

عبد الرحمن بن مل: أبو عثمان النهدي، أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وهاجر إلى المدينة بعد موت أبي بكر مات سنة خمس وتسعين هـ وهو ثقة ثبت عابد([17]).

*****************

هوامش المقال:

([1])  الصحاح (5 /1914).

([2])  القاموس المحيط ص: (1103).

([3])  مقدمة ابن الصلاح ص: (512).

([4])  معرفة علوم الحديث ص: (207).

([5])   وهما: أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس: مقدمة ابن الصلاح ص: (514).

([6])  ذكرهم في التقييد والإيضاح  ص: (282).

([7])  حيث ذكر: 138 رجلا وامرأتان.

([8])  انظر: التاريخ الكبير (2 /64)، الجرح والتعديل (2 /348)، الثقات (4 /60)، تهذيب التهذيب (1/190)، التقريب ص: (121).

([9])  انظر: الطبقات الكبرى (7 /94)، تهذيب التهذيب (1 /191)، التقريب ص: (121).

([10])  انظر: سير أعلام النبلاء (4 /50)، تهذيب التهذيب (1 /342)، التقريب ص: (146).

([11])  انظر: الجرح والتعديل (2 /465)، الثقات (4 /97)، التقريب ص: (189).

([12])  انظر: الطبقات الكبرى (7 /440)، التاريخ الكبير (2 /223)، التقريب ص: (195).

([13])  انظر: التاريخ الكبير (2 /162)، الجرح والتعديل (3 /343)، التقريب ص: (289).

([14])  انظر: تهذيب التهذيب (3 /236)، التقريب ص: (318).

([15])  انظر: الطبقات الكبرى (7 /112)، تهذيب التهذيب (3 /284)، التقريب ص: (328).

([16])  انظر: التاريخ الكبير (4 /228)، الجرح والتعديل (4 /333)، التقريب ص: (435).

([17])  انظر: الطبقات الكبرى (7 /97)، و (4 /175)، التقريب ص: (601).

***************

لائحة المراجع المعتمدة:

التاريخ الكبير. عبد الله بن إسماعيل البخاري. دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد (د-ت).

تقريب التهذيب. أحمد بن حجر العسقلاني. تقديم: بكر بن عبد الله أبو زيد. دار العاصمة الرياض. ط2/ 1423.

التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح. زين الدين عبد الرحيم العراقي. دار الحديث. ط2/ 1405-1984.

تهذيب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الهند. ط 1325.

الثقات. محمد بن حبان البستي. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الهند ط1 /1393- 1973. 

الجرح والتعديل. ابن أبي حاتم الرازي. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.ط1 /1371-1952.

سير أعلام النبلاء(ج4). شمس الدين الذهبي. أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط- تحقيق: مأمون الصاغرجي. مؤسسة الرسالة. ط11/ 1417-1996.

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. إسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. الناشر: دار العلم للملايين – بيروت. ط4/ 1990.

الطبقات الكبرى. ابن سعد. دار صادر بيروت.

القاموس المحيط. مجد الدين الفيروز آبادي. تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسوسي. مؤسسة الرسالة. ط8/ 1426-2005.

معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه. أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. شرح وتحقيق: أحمد بن فارس السلوم. دار ابن حزم. ط1/ 1424-2003.

مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح. عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. دار المعارف. ط 1411- 1990.

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق