بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
تقديم:
إنَّ من أشـرف العلـوم ، علـم الحديث النبـوي الشـريف، ومن أجل معارفه: معرفة الصحابة رضي الله عنهم من غيرهم؛ لأن بمعرفتهم يتميز الحديث المرسل من المتصل، وقد اهتم العلماء بهذا الجانب؛ فميزوا الصحابة عن غيرهم ممن لم تثبت صحبته؛ إلا أن هناك عددا من الرواة اختلف الأئمة فيهم؛ فمنهم من أثبت لهم الصحبة، ومنهم من نفاها عنهم ؛ ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترت الحديث عنه وذلك وفق الآتي:
أولا: التعريف بالصحابي، مع ذكر سبب اختلاف العلماء في إثبات الصحبة.
ثانيا: من طرق العلماء في إثبات الصحبة من عدمها.
ثالثا: بعض المصنفات والدراسات في المختلف في صحبتهم.
وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:
أولا: التعريف بالصحابي لغة واصطلاحا مع ذكر سبب اختلاف العلماء في إثبات الصحبة.
1-التعريف بالصحابة لغة واصطلاحا:
الأصل في الصحبة لغة: الملازمة والمعاشرة .
قال الجوهري (393هـ) في الصحاح :" الصحابة بالفتح : الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وجمع الأصحاب: أصاحيب، وأصحبته الشيء: جعلته له صاحبا..، واصطحب القوم: صحب بعضهم بعضا"([1]).
وقال أبو بكر الباقلاني (403هـ): "لا خلاف بين أهل اللغة في أن القول : "صحابي" مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره؛ قليلا كان، أو كثيرا جار... ؛وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار"([2]).
وقال ابن منظور (711 هـ) في لسان العرب: "صحبه، يصحبه، صحبة، بالضم، وصحابة بالفتح؛ وصاحبه: عاشره، والصحب جمع الصاحب مثل: راكب، وركب، والأصحاب جماعة الصحب"([3]).
وأما تعريف الصحابة اصطلاحا فقد اختلف في ذلك اختلافا ومن هذه التعاريف أذكر الآتي:
قال سعيد بن المسيب (94هـ): "الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة، أو سنتين، وغزا معه غزوة، أو غزوتين "([4]).
وقال البخاري (156هـ): "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"([5]).
وقال محمد ابن عمرو الواقدي (207 هـ): "ورأيت أهل العلم يقولون : كلّ مَن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم وأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار"([6]).
وقال ابن الصلاح (643هـ): "المعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة"([7]).
وقال ابن حجر (852هـ) -وهو خير ما أختم به هذه التعاريف-: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام"، وخلص إلى أن " هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين؛ كالبخاري، وشيخه أحمد بن حنبل ، ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة"([8]).
ومن بين أسباب اختلاف العلماء في إثبات الصحبة؛ اختلافهم في تحديد المفهوم الاصطلاحي للصحابي؛ لأن منهم من توسع في مدلول الصحبة حتى شملت كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه مؤمنا به ولو كان صغيرا ، ومنهم من ضيق فاشترط طول الملازمة مثل تعريف سعيد بن المسيب رضي الله عنه، وقد قال السيوطي في تعليل هذا التعريف: "ووجهه أن لصحبته صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما ،فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيها الخلق المطبوع عليه الشخص؛ كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب ، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف بها المزاج"([9]).
ثانيا: من طرق العلماء في إثبات الصحبة من عدمها:
ذكر العلماء طرقا تثبت بها الصحبة من عدمها، ومن هؤلاء: العلامة ابن الصلاح([10]) ، والعراقي([11]) ، وابن حجر ([12])، والسخاوي ([13]) ، وابن كثير([14]) ، والسيوطي([15])، وغيرهم، على اختلاف يسير بينهم.
ذكر ابن الصلاح في المقدمة([16])، والعراقي في الألفية([17])، والسيوطي في التدريب([18]) ، من أن الصحابة يعرفون بأحد الطرق الأربعة وهي: أولا: التواتر، ثانيا: الاستفاضة القاصرة عن التواتر، ثالثا: بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، والرابعة: بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابي.
وأما ابن حجر فقد ذكر زيادة على ذلك أمرا خامسا وهو : إخبار بعض ثقات التابعين بكونه صحابيا قال: "يعرف كونه صحابيا بالتواتر، أو الاستفاضة، أو الشهرة، أو بإخبار بعض الصحابة، أو بعض ثقات التابعين، أو بإخباره عن نفسه بأنه صحابي، إذا كانت دعواه ذلك تدخل تحت الإمكان" ([19]).
وهذه الأمور الخمسة هي التي أشار إليها كذلك الإمام السخاوي في فتح المغيث([20]) وغيرهما، وأما الحافظ ابن كثير رحمه الله-وهو خير ما أختم به الكلام- فذكر طريقا آخر بدلا من القول الرابع وهو : روايته عن النبي صلى الله عليه سلم([21]).
ثالثا: بعض المصنفات والدراسات في المختلف في صحبتهم.
لما كان الخلاف في صحبة الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يترتب عليه اتصال السند من عدمه ، وكذا التوثيق من عدمه؛ لأن الصحابة كلهم عدول بشهادة القرآن والسنة، كان لابد أن نجد من أهل العلم من اهتم بالتصنيف خاصة، -وإن كانوا قلة قليلة- ، ومن المؤلفات التي تيسر لي الوقوف عليها مؤلفين اثنين وهما :
1-نقعة الصديان فيمن في صحبتهم نظر من الصحابة وغير ذلك. للحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني المتوفى (650هـ) ([22])، الذي هو مختصر لكتابه الآخر عقلة العجلان، وقد أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه حيث قال: "سميته "نقعة الصديان " حذوت به حذو كتابي "عقلة العجلان"؛ إلا أن هذا لمن نشر في فضا الأفاضل جناحه، وأهب في هواء الفضائل رياحه، وذاك لمن قصر في علم الحديث باعه، وضاق عنه عطنه ورباعه فالأول للطالب المستعجل ، والثاني للراغب المتمهل، والله تعالى العاصم مما يعصم ويعيب وهو خير سامع ومجيب، واستخرجته من نفائس الأصول وجعلته أربعه فصول:
الفصل الأول: في الصحابة الذين في صحبتهم نظر.
الفصل الثاني: في الصحابة الذين نسبوا إلى أمهاتهم.
الفصل الثالث: في الذين غير النبي صلى الله عليه أسماءهم.
الفصل الرابع: في أسامي المؤلفة قلوبهم. "([23]).
2-الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة. لعلاء الدين بن قليج مغلطاي المتوفى (762هـ)([24]) ، وقد قسم كتابه إلى أجزاء ، وبلغ عدد المذكورين في القسم المطبوع (1203 ) ترجمة؛ منهم المختلف في صحبتهم، لأن الكتاب مبتور في عدة مواطن كما أشار إلى ذلك محققه([25]) ، وقد رتبه على حروف المعجم .
وهناك بعض الدراسات المعاصرة في هذا الموضوع، ومن هذه الدراسات أذكر ثلاثة منها وهي:
3-الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة . للدكتور كمال قالمي الجزائري وأصل هذه الدراسة عبارة عن : رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه من قسم علوم الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة السعودية نوقشت بتاريخ 03-04-1425هـ. ([26]).
4-منهجية التمييز بين المختلف فيهم من الصحابة، دراسة نقدية؛ وهي عبارة عن رسالة دكتوراه، نوقشت في جامعة اليرموك الأردنية للباحث عبد ربه سلمان أبو صعيليك([27]).
5-من اختلف في صحبته وليس له في سنن ابن ماجه سوى حديث واحد؛ جمع ودراسة: إبراهيم محمد علي فرج عواد الخلف([28])
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:
إن من أجل معارف علـم الحديث النبـوي الشـريف: معرفة الصحابة رضي الله عنهم من غيرهم؛ لأن بمعرفتهم يتميز الحديث المرسل من المتصل، وقد اهتم العلماء بالتأليف فيهم، فميزوا الصحابة من غيرهم.
اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للصحابي، فمنهم من توسع في مدلوله حتى شمل كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه مؤمنا به ولو كان صغيرا، ومنهم من ضيق فاشترط طول الملازمة وقد ذكرت بعض هذه التعريفات.
إن اختلاف العلماء في تحديد المفهوم الاصطلاحي للصحابي يعد أحد أسباب اختلاف العلماء في إثبات الصحبة.
ذكر العلماء طرقا تثبت بها الصحبة من عدمها ، فمنهم من ذكر أربعة طرق، ومنهم من زاد على ذلك، وقد أشرت إلى ذكر بعض منها في المقال.
هناك من العلماء من اهتم بالتصنيف في المختلف في صحبتهم ، وقد ذكرت مؤلفين اثنين ، كما توجد بعض الدراسات المعاصرة التي اهتمت بهذا الموضوع، وقد اكتفيت بذكر ثلاثة منها.
*******************
هوامش المقال:
([1]) الصحاح (1 /161-162) مادة: "صحب".
([2]) الكفاية في علم الرواية (ص: 51).
([3]) لسان العرب (1 /519) مادة: "صحب".
([4]) الكفاية في علم الرواية (ص: 50).
([5]) صحيح البخاري (3 /5)، كتاب: فضائل الصحابة ، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
([6]) نقلا من الكفاية في علم الرواية (ص: 50).
([7]) مقدمة ابن الصلاح (ص: 486).
([8]) الإصابة في تمييز الصحابة (ص: 11).
([10]) مقدمة ابن الصلاح (ص: 489).
([11]) شرح ألفية العراقي(3 /11-12).
([12]) شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص: 131).
([14]) الباعث الحثيث (ص: 185).
([15]) تدريب الراوي (2 /672-673).
([16]) مقدمة ابن الصلاح (ص: 489).
([17]) انظر شرح ألفية العراقي (3 /11-12).
([18]) تدريب الراوي (2/ 672-673).
([19]) شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص: 131).
([21]) الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (ص: 185).
([22]) وهو كتاب مطبوع بتحقيق سيد كسروي حسن عن دار الكتب العلمية بيروت 1990مـ
([24]) وهو كتاب مطبوع بتحقيق السيد عزت المرسي- إبراهيم إسماعيل القاضي- مجدي عبد الخالق الشافعي.
([25]) الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة (1 /27 ) و (1 /32-33).
([26]) وهو كتاب مطبوع من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في طبعته الأولى 1428 هـ- 2007مـ .
([27]) وهي رسالة مطبوعة بدار النوادر دمشق 1433هـ- 2012مـ.
([28]) وهو مقال منشور في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية. المجلد 16 العدد 2 / 1441هـ-2019مـ.
*****************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
الإصابة في تمييز الصحابة. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. المكتبة العصرية بيروت. ط1/ 1433هـ- 2012مـ
الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة. لعلاء الدين بن قليط مغلطاي تحقيق السيد عزت المرسي- إبراهيم إسماعيل القاضي- مجدي عبد الخالق الشافعي. مكتبة الرشد الرياض (د.ت).
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير. لأحمد محمد شاكر. دار الكتب العلمية بيروت. (د.ت).
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. لجلال الدين السيوطي. حققه أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي. مكتبة الكوثر بيروت. ط2/ 1415هـ.
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1/ 1400هـ.
شرح ألفية العراقي المسماة: بالتبصرة والتذكرة. لزين الدين عبد الرحيم العراقي. دار الكتب العلمية بيروت. (د. ت).
شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني . حققها وشرحها: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد. دار الأثور السعودية. ط1/ 1432هـ- 2011 مـ
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. لإسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: لأحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين بيروت. ط4 / 1984مـ.
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي . دراسة وتحقيق: د عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير- و د محمد بن عبد الله بن فهيد آل فهيد. مكتبة المنهاج الرياض. ط1/ 1426هـ.
الكفاية في علم الرواية. لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي. دائرة المعارف العثمانية. 1357هـ.
لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي. دار صادر بيروت ط3/ 1414هـ- 1994مـ.
مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح. لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. دار المعارف القاهرة. 1409هـ-1989مـ.
نقعة الصديان فيمن في صحبتهم نظر من الصحابة وغير ذلك. للحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني. تحقيق: سيد كسروي حسن. دار الكتب العلمي بيروت. ط1/1410هـ- 1990مـ.
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو