الرابطة المحمدية للعلماء

الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم عند إيزوتسو

المستشرقون اليابانيون كانوا أكثر موضوعية من نظرائهم الغربيين

ألقت د. فريدة زمرد، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء ورئيسة لجنة الدراسات والأبحاث بها، يوم الأربعاء الماضي 24 دجنبر 2008 بدار الحديث الحسنية، محاضرة تحت عنوان “الله والإنسان في القرآن: قراءة في علم دلالة القرآن عند إيزوتسو توشيهيكو”.

وقد تناولت المحاضرة أربع محاور أساسية تحدثت في البداية عن الكاتب وعرفت بمؤلَّفه، وتطرقت بعد ذلك إلى المنهج الذي اعتمده في بحثه، كما بسطت بعد المفاهيم الدلالية التي وردت فيه، ثم أخيرا أبدت بعض الملاحظات والاستنتاجات حول الكتاب.

وقالت د. فريدة، وهي أيضا أستاذة بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، إن الكاتب الياباني إيزوتسو (1914 ـ 1993) من المفكرين المستشرقين القلائل الذين تبحروا في اللغة العربية وآدابها وشعرها، وربما من الأوائل الذين ترجموا القرآن الكريم إلى اليابانية، حيث وُصفت إنتاجاتهم الفكرية بالموضوعية والرزانة العلمية والمعرفة الدقيقة بالثقافة العربية والإسلامية.
وعمل إيزيستوا أستاذا بـ”معهد الدراسات الثقافية واللغوية بجامعة كيو بطوكيو”، كما كان أستاذا زائرا بالعديد من جامعات العالم، وقام بتأليف كتب كثيرة عن الإسلام مثل “الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم (1964)، و”المصطلحات الأخلاقية الدينية في القرآن (1966)، و”مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي (1965).
واستغربت الدكتورة زمرد كيف أن كتاب الله والإنسان في القرآن لايزوتسو طبع سنة 1964، ولم تتم ترجمته إلى اللغة العربية إلا في سنة 2007، مثلها مثل العديد من الباحثين الذين عبروا بدورهم عن اندهاشهم جراء هذا الإهمال الذي طال هذا الباحث الياباني وأعماله، التي كانت مميزة عن باقي المستشرقين الغربيين.

وأشارت المحاضرة إلى أن الإنتاج الاستشراقي الياباني، بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي، أُسس بصفة عامة على دراسات موضوعية ميزته عن الاستشراق الغربي، الذين تحامل رواده في كثير من مواقفهم على القرآن الكريم والإسلام، وأبانوا عن تعصب لحضارتهم الغربية.
وبخصوص المنهج الذي اعتمده إيزوستو في كتابه الله والإنسان في القرآن، قالت د. فريدة، عضو معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، إن صاحب الكتاب تناول الوحي من زاوية دلالية تعتمد على ما يسمى بعلم الدلالة. هذا الأخير عرفه الباحث بكونه “دراسة تحليلية للتعابير المفتاحية في لغة من اللغات ابتغاء الوصول إلى فهم رؤية العالم عند القوم الذين يستخدمون هذه اللغة في مرحلة محددة من تاريخهم الثقافي”.

واستثمر الباحث الياباني في منهجه، تضيف المحاضرة، ما توصل إليه اللغوي الألماني “ليو فايسجربر” (Leo Weisgerber)، وما تتيحه الأبحاث الانتربولوجية في هذا المجال. وحسب د. فريدة، فإن صاحب الكتاب، بالرغم من ارتكازه على تلك المراجع اللغوية والإنسانية، إلا أنه تعامل مع القرآن باعتباره نظاما مفهوميا كليا، وبالتالي انطلق في بحثه من معجم لغوي يتألف من عدد من “الحقول الدلالية” تتكون من مجموعة من “الكلمات المفتاحية” التي  تربط بينها علاقات دلالية معينة.

وأشارت الأستاذة إلى ملاحظة منهجية تحدث عنها المستشرق الياباني في كتابه مفادها أن تعامله مع القرآن الكريم كان دون أي تصور قبلي أو خلفية مسبقة لديه، إلى درجة أنه فضل الاستناد إلى الحمولة المفاهيمية الأصلية للصحابة الكرام في تعاملهم مع الوحي، دون الالتفات إلى فهومات غيرهم ممن جاؤوا بعدهم من التابعين ومن تبعهم من المفكرين المسلمين.

وتقول الباحثة إن الكاتب ايزوتسو لا يعتبر أن “الكلمات” لوحدها هي التي أحدثت تغييرا في البيئة العربية الجاهلية، بالرغم من أن العرب هو أيضا استعملوها قبل نزول الوحي، وإنما التحول المفاهيمي الذي لحق تلك الفترة التاريخية كان نتيجة استخدام القرآن لتلك الكلمات ذاتها لكن في إطار منظومة مفاهيمية جديدة أبدعت تصورا جديدا للإنسان والعالم.

ومما أضفى على الكتاب بعدا تاريخيا أيضا ـ تضيف د. زمرد ـ أنه ميز بين ثلاث مستويات للكلمات في تعاقبها الزمني من خلال تداولها في الفترة الجاهلية، وما أصبحت تحمله من دلالة في فترة نزول الوحي، ثم ما أضحت تعنيه في الفترات اللاحقة من تاريخ الأمة الإسلامية، بل تؤكد الباحثة أن الكاتب رصد التحول الدلالي للكلمات داخل القرآن نفسه بين الفترة المكية وما بعد هجرة المسلمين إلى المدينة.

وبعد هذا التقديم المنهجي الذي اعتمده إيزوستو وخصص له حيزا هاما في كتابه، انتقلت الباحثة إلى تقديم بعض النماذج التطبيقية للحقول الدلالية المبنية على التضادات المفاهيمية، وهي أربع “علائق”، كما جاءت في الكتاب، علاقة وجودية، وعلاقة اتصالية بين الله والإنسان، وعلاقة العبد بربه، ثم علاقة أخلاقية، وهي علائق تفرعت عنها مفاهيم كثيرة مثل (الله والإنسان، الغيب والشهادة، الدنيا والآخرة، الإيمان والكفر…).

وأنهت الدكتورة فريدة زمرد محاضرتها بتسجيلها لبعض الملاحظات حول الكتاب؛ بكون موقفه من الوحي كان متميزا وموضوعيا عكس غيره من المستشرقين الغربيين الذين تعصبوا لثقافتهم الغربية وديانتهم المسيحية، إلا أن إيزوستو ـ تضيف الدكتورة ـ لم يكن موفقا في نظرته إلى اللغة العربية، حيث اعتبر أن القرآن استعملها لحاجة فيها وليسن لميزة فيها، وهو كلام يحتاج إلى رد، حيث إنها على عكس ما ذهب إليه الباحث الياباني، كانت لغة وحي الله وهي قادرة على إبانة كلامه تعالى أكثر من أي لغة أخرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق