الرابطة المحمدية للعلماء

اللغة العربية في إفريقيا: الواقع والتحديات

واقع وتحديات اللغة العربية والمستعربين في إفريقيا

قال الدكتور الخضر عبد الباقي محمد مدير المركز النيجيري للبحوث العربية إن أهم التحديات المعاصرة التي تواجه اللغة العربية في القارة الإفريقية، كون الثقافة العربية هي ثقافة الأقلية، بسبب قلة عدد المتحدثين بها والمنتمين إليها مقارنةً ببقية السكان، كما تتسم الثقافة العربية في إفريقيا المعاصرة بأنّها ثقافة خارج السياق المحلي، فلا يوجد للعربية وجود ثقافي مستقلّ في المحافل الوطنية الإفريقية، ولا وجود لها في إطار الأنظمة والمؤسسات الرسمية الحكومية جاء ذلك في محاضرة ثقافية نظّمها المركز الثقافي الإعلامي التابع للشيخ سلطان بأبوظبي، بعنوان: “اللغة العربية في إفريقيا: الواقع والتحديات”، بحضور حشد من الباحثين ورجال الفكر والإعلام.

في خطوة منه لإعادة إحياء لغة القرآن الكريم في إفريقيا. وللكشف عن اللغة العربية وملامح تجذّرها في إفريقيا، كما ألقى الضوء على التحديات المعاصرة التي تواجهها اللغة العربية في القارة السمراء، وناقش قضية المستعربين الأفارقة من حيث الواقع والتحديات.

من جهة أخرى أكد د. عبد الباقي مدى أهمية اللغة العربية كوعاء للثقافة الإسلامية، مشيراً إلى ضرورة تدعيم مكانة اللغة العربية والعمل على نشرها وتعليمها لغير الناطقين بها من الشعوب الإسلامية، لتوفير الأمن الثقافي الحضاري للأمتين العربية والإسلامية.

وفي معرض تناوله للخصوصيات المميزة للّغة العربية في إفريقيا، أكّد د. الخضر أن الثقافة الإسلامية في معظم البلاد الإفريقية اتسمت بالعروبة في طابعها، حتى إنّ الذاكرة المركزية لكثير من دول غرب إفريقيا تعتمد بدرجة كبيرة فيما وثّق منها على اللغة العربية، ويرجع ذلك إلى أن أكثر الهجرات إلى إفريقيا جاءت من بلاد المغرب العربي. وأشار إلى تأثير العديد من المفكرين الأفارقة في الحياة الثقافية العربية مثل المؤرخ العلاّمة عبدالرحمن السعدي الذي أشار في أشهر مؤلفاته “تاريخ السعدي” إلى دلائل وشواهد تؤكد وجود مجتمع ثقافي عربي في غرب إفريقيا يحاكي المجتمعات العربية في شمالها، وهناك مدن ومراكز ثقافية عريقة للعربية في إفريقيا اشتهرت بالعلم والفكر، منها: تمبكتو، وأودغست، وأغدس، كما ذكر العديد من الممالك وإلامبراطوريات الإفريقية ذات المرجعية الثقافية العربية، فكراً ونهجاً مثل غانا، مالي، صنغي، برنو، كانم، صكوتو.

وسلّط الضوء على واقع ومشكلات المؤسسات المعنية باللغة العربية في إفريقيا، مثل المدارس والجامعات والمساجد، مستشهداً ببعض الإحصائيات التقديرية عن هذه المؤسسات، حيث تقدّر عدد المدارس القرآنية في نيجيريا بقرابة المليون مدرسة، أما في كوت ديفوار فهناك حوالي 500 مدرسة، وفي السنغال تقدر بحوالي 200 ألف مدرسة.

وذكر أنه من ملامح الواقع الحالي في إفريقيا، قلة المدارس العربية مقارنة بغيرها من المدارس – رغم ارتفاع نسبة الاحتياج إليها في الأوساط المحلية- وغياب التمويل ومجانية تعليم العربية في تلك المدارس وما يصاحبها من تواضع أجور المدرسين، وعدم الاعتراف الحكومي بالعديد من المدارس العربية.

وتطرق المحاضر إلى العديد من الإشكالات التربوية في المدارس العربية في القارة الإفريقية، وكان أبرزها عدم وجود مناهج ثابتة، وفقدان عناصر المنهج التربوي السليم، وعدم توفر الكتب والمقررات المدرسية، وضعف المنهج بالإضافة لصعوبته.

ووضّح أهم ملاحظاته على هذه المدارس، وكان منها عدم وجود رؤية منهجية شاملة وواضحة للعمل لدى كثير منها، وعدم وجود دراسات موضوعية عن البيئة العامة ومتطلباتها من الثقافة والخبرات، فضلاً عن عدم وجود خطة عملية منظمة، تتعاون عليها المؤسسات المعنية بالعربية.

وناقش الدكتور الخضر قضية المستعربين الأفارقة من حيث الواقع والتحديات، وأشار إلى غياب الإحصائيات الدقيقة في هذا الشأن، وأرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل أهمها:

– الإشكالات السياسية: فالمخاوف السياسية قائمة من أنّ تزايد الاهتمام بهذا الاتجاه من شأنه أن يؤدي إلى تغيير المعادلة القائمة، ويستدعي معه نظرة جيبولوتيكية توسعية من الخارج.

– الإشكالات الثقافية: والتي ترتبط بمخاوف أصحاب النفوذ والمصالح من أن توفير أي معلومات من هذا القبيل من شأنه فتح المجال لجهود استعادة العربية لمكانتها المسلوبة.

الإشكالات دينية: حيث تتزايد المخاوف من أن يثير الاهتمام بهذا الجانب نعرات دينية طائفية بين المسلمين والمسيحيين. وصنّف المحاضر المستعربين الأفارقة وفق بعدين رئيسيين هما: المنتمون للثقافة العربية، والمتحدثون باللغة العربية كلغة الثقافة والفكر.

كما استعرض تحديات الهوية العربية التي تواجه المستعربين الأفارقة من الداخل والخارج، وقسّم هذه التحديات إلى: تحديات ذاتية تتمثل في غياب الإدراك والوعي التام عن المستعربين بذاتيتهم الثقافية واستقلاليتها عن التبعية للآخر، وتحديات داخلية تتلخص في كون العربية ثقافة خارج حدود الاعتبار السياسي لمعظم الأنظمة السياسية في إفريقيا جنوب الصحراء، كما هناك تحديات في الوسط الثقافي، والتي لها وقع أكبر على أوضاع المستعربين، بسبب حالة التغييب المتعمد التي يتعرضون لها، بالإضافة إلى تحديات الوسط الاجتماعي، فهناك تفاعل متبادل بين المجتمع والمستعربين الأفارقة، غير أنّ طبيعة الخاصية الدينية للغة العربية وثقافتها والمتمثلة في الإسلام، قد ألقت بظلالها على ذلك من خلال تصوير البعض لهؤلاء المستعربين على أنهم دجالين، ما أساء إلى سمعة الكثير منهم.

وأخيراً أوضح المحاضر صور التحديات الخارجية، والمتمثلة في شبهات وإشكالات مثارة ضدّ الثقافة العربية في بعض المناطق الإفريقية، فهناك حملات عدائية قوية تشنّ ضدّ العرب وثقافتهم العربية والتي تروّج لها بعض القوى والجهات عبر عدة قنوات في الأوساط الإفريقية، لإعاقة الجهود والمحاولات الرامية لتعزيز التقارب بين الأفارقة والعرب من جهة، وبين المدّ الإسلامي وانتشاره من جهة أخرى، وتقوم الفكرة الأساسية لتلك الحملات على جدلية العلاقة بين العروبة والأفريقانية باعتبارهما هويتين متناقضتين لا يمكن أن يلتقيا.

وأشار الدكتور الخضر إلى أن المستعربين في إفريقيا واجهوا خلال تاريخهم الحديث مهمات صعبة، مثل مسؤولية الانعتاق من الهيمنة والغزو الثقافي الغربي الاستعماري، وقد شكّل خيار المواجهة الإطار العام للعمل منذ سقوط الإمبراطوريات الإفريقية الإسلامية ذات المرجعية الثقافية العربية، فقد برز في هذا الشأن طروحات وأفكار تمثّل تيارات فكرية مختلفة (المحافظ/الليبرالي/ الإصلاحي).

(عن ميديل إست أو لاين ـ بتصرف)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق