مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةنصوص مترجمة

الكيمياء والخيمياء والتقنية الكيميائية

 الكيمياء والخيمياء والتقنية الكيميائية1

أصول خيمياء الشرق الأدنى

كانت كلمة خيمياء تستخدم في اللغات الأوروبية للدلالة على علم زائف، وهي مرتبطة في أذهاننا بتحويل تأملي وغير مفَسَّر للمعادن الخسيسة إلى الذهب. وفي اللغة العربيةal – Kimyaā  تعنى الكيمياء ((chemistry، إذن فــ “الكيمياء” في اللغة العربية تعني كلاًّ من الكيمياء والخيمياء في الواقع، إن الخيمياء هي المرحلة المبكرة للكيمياء.

لا تتناسب الكيمياء مع المعادن والمواد فحسب، إنها مرتطبة أيضا بالمسائل الروحية والنفسية إذن، بإمكاننا أن نميز بين الخيمياء الروحية التي تتناسب مع الروح وتحولاتها، والكيمياء الفيزيائية التي تتفق مع الجواهر والمعادن، وكلاهما يستعملان نفس الرموز ونفس اللغة.

المبادئ الأساسية للخيمياء الاسكندرية في فجر العلوم الإسلامية:

1-  كل الجواهر تتألف بنسب مختلفة من أربع عناصر: الهواء، النار، الماء، التراب

2-  من الممكن تحويل معدن إلى آخر بواسطة تغيير نسب العناصر الأربعة في التركيبة.

3-  بإضافة الأثير الذي يعتبر جوهراً، مهيأ بالإمكان تحويل معدن خسيس إلى معدن خالص. لذا كان الاهتمام الأساسي للخيمياء هو تحويل المعادن الخسيسة كالرصاص أو النحاس إلى معادن نفيسة كالفضة أو الذهب.

اعتمدت مجموعة من الكيميائيين البارزين في أوروبا في أواخر القرن السابع عشر على نظريات المادة التي لم تكن متقدمة أكثر من تلك المفاهيم2.

ترجع أصول الكيمياء والخيمياء في الحضارات القديمة للشرق الأدنى إلى مصر وسوريا وحضارة بابل، وظهرت منذ 3400 قبل الميلاد عدة صناعات مثل صناعة المعادن بما فيها الذهب والفضة والنحاس والبرونز، وصناعات أخرى تشمل الزجاج والأصباغ والزيوت والذهون، وصناعة العطور والدباغة وصناعة الأدوية، كما تم استعمال بعض المواد الأساسية كالشب، والمياه الغازية، والملح،  والجبص. وكان هذا عبارة عن تطبيق كيميائي، ولم تكن هناك أي نظرية تعطي تفسيراً كافياً لمسار صناعة المعادن.

كان حرفيو صناعة المعادن في مصر ينسجون تخمينات حول أسباب الوقائع الفيزيائية التي قاموا بملاحظتها، ولا يقومون بتجهيز الأجسام من الذهب والفضة للأغنياء فحسب بل يقومون كذلك بإنتاج منتوجات أرخص للفقراء. لقد حاولوا بقدر الإمكان تقليد الذهب والفضة الحقيقين.

وتبين لهم بعد التعرف على النظريات الأرسطية أنه لا يوجد أي سبب يكمن وراء عدم مقدرتهم على صنع ذهب أو فضة حقيقيين بدون مواد خام.

توصل هؤلاء الحرفيون بحافز جديد عن طريق الأفكار الفلكية التي وصلت مصر من حضارة بابل. وانعكست بعض الأحداث في عالم الكواكب والنجوم على عالم الفرد، والعكس صحيح. هكذا يمكن تسهيل حدوث تحويل معدن الرصاص إلى الذهب وذلك تحت التأثيرات الفلكية.

أدت التأثيرات الفلكية إلى إرجاع كل معدن إلى جسم سماوي، إذ إن الذهب ينتمي إلى الشمس، والفضة تنتمي إلى القمر، والنحاس ينتمي إلى الزهرة، والرصاص ينتمي إلى زحل، والحديد ينتمي إلى كوكب مارس، والقصدير ينتمي إلى كوكب المشتري، والزئبق ينتمي إلى نفس الكوكب.

ظهرت الكيمياء نتيجة لتركيب العمليات الكيميائية وصناعة المعادن في الشرق الأدنى، وكذلك نتيجة  للنظرية السائدة  لطبيعة  مادة الفلاسفة اليونانين والأفكار الفلكية والدينية للوقت.

 ترجع أولى الكتابات في الخيمياء لليوناني المصري بولس المندائي  Boulos of Mendesالذي  عاش قرب نهر النيل حوالي 200 قبل الميلاد3، وبرز قبله كيميائي آخر كتب موسوعة الخيمياء يعتبر أهم منه هو المصري زوسيموس Zosimus  الذي عاش حوالي سنة 300 قبل الميلاد.

تدهورت الفلسفة في الإسكندرية شيئا فشيئاً، إذ انسلخت عن مبادئها التقنية والعلمية مركزة من ثم على الوحي الإلهي للغنوصية والأفلاطونية المحدثة والمسيحية. وأصبحت الكتابات الكيميائية صوفية واستعارية متجهة إلى الممارسة الخرافية.

لقد كانت هناك أنشطة كيميائية في سوريا وكذا بابل، وكان في مدينة حران سبع معابد مهداة إلى الشمس والقمر والكواكب، كان يمثل كل واحد منها إحدى المعادن السبعة. كانت آلهتهم الأساسية متطابقة مع أجتودايمون وهرمس ترسمجيتوس، وكانت هذه الأسماء مبجلة في فترة ما قبل ظهور الخيمياء الإسلامية. كانت سوريا مسقط رأس أبولونيوس تانيا4 Apollunius of Tyana  الذي يرجع إليه كتاب “سر الخليقة”، وهو عمل كيميائي مهم كتب بالتأكيد في سوريا. أنشأت ماريا القبطية (أو اليهودية حسب المصادر الفرنسية) مع أجتادايمون مدرسة سورية للخيمياء، وكانت كل من المدرسة السورية والمصرية مترابطتين فيما بينهما.

لم تكن الخيمياء في عمومها تجريدية أو فلكية، بل اعتمدت على مقاربة تجريبية نتج عنها اختراع لجهاز التقطير، والذي نسب إلى ماريا القبطية التي ذكرت في غالب الأحيان مع زوسيموس، واعتبر كل من ماريا و أجتودايمون كمؤسسين للكيمياء التجريبية قبل الإسلام5.

ظهر حديثا انتشار أدبي بخصوص الدور الذي لعبته الكيمياء الصينية في تطور هذا العلم في الإسلام وكذلك الغرب. نجد هنا آراء متعارضة، إذ المسلم به أن الصينيين اكتشفوا بأنفسهم العديد من خصائص المعادن، ولقد حاولوا إعداد أدوية تمنح حياة طويلة أو خالدة. لكن بعض مؤرخي الكيمياء مثلE.O.Vonlippnon  يعتقد باحتمال وصول الخيمياء للصين عبر الغرب خلال القرن الثامن بعد الميلاد وذلك بعد فتح ميناء كانتون للأجانب، إذ أرست أولى بواخر العرب التي في كانتون سنة 714/96، بعد ذلك تطورت الصناعة بسرعة هائلة. توصل عالم الحضارة الصينية  ريشتوفن Richtofen  إلى خلاصة مفادها أن الصين قد اكتسبت خيمياء حقيقية وصفوها بعد ذلك باكتشافهم الوطني. جاء بعض مؤرخي العلم ك جوزيف نيدهامJoseph Needham  6 بدليل يؤيد فيه نظرية تقول إن الأسبقية والشرف ينبغي أن ينسبا إلى الإنجازات الصينية. ومع هذه الآراء المتعصبة يصعب الوصول إلى أي حكم قطعي، لذا عندما يواجه مؤرخ الكيمياء هذا سؤال الإسهام الصيني في الكيمياء لن يجد أي بديل سوى كتابة اعتذار لعدم ذكر الصينيين في كتابه “أصول الكيمياء” « The Origins of Chemistry »   قائلا: ” أهمل إلى حد كبير تاريخ علم المادة في الهند والصين وفي الشرق الأقصى، ويرجع السبب الأول في ذلك إلى ندرة الدراسات الخاصة بتاريخ الكيمياء في تلك الثقافات، لكن يجب أن نذكر أن هناك دراسات ظهرت ومالت إلى الإشارة إلى أن استمرارية علم الكيمياء في الظهور كان ظاهرة غريبة على الغرب. كانت كل من الفلسفة الطبيعية والكيمياء التطبيقية والخيمياء متبعة في الشرق الأقصى في وقت مبكر جدا باستقلالية عالية جدا. لكن من المؤكد أن الغرب هو من شهد على أصول علوم الخيمياء7“.

 كل ما يجب علينا قوله مع هذا الغموض هو أن هناك تأثيرات مشتركة فيما بين الصين والغرب من خلال العلاقات التجارية قبل الإسلام وبعده الشيء الذي قد يكون موضوعا للبحث. لكن لم يكن هناك تقليد للتبادلات الأدبية أو أي حركة للترجمة، وستبقى كل النظريات عن التأثيرات المشتركة مجرد افتراضات.

الكيمياء الإسلامية

الفترة المبكرة

بدأت الكيمياء الإسلامية  حسب المصادر العربية مع الأمير الأموي خالد بن يزيد (704/85)،  الذي درس تفاصيل هذا الفن على يد راهب يدعى ماريانوس، وقد انخرط مع خدمات راهب اسكندري يدعى استيفانوس (Istifan) مترجما لمقالات في الكيمياء والفلك والطب. ويكمن اهتمام خالد الأول في الكيمياء في تحويل المعادن الخسيسة إلى الذهب، ونسبت له بعض المقالات والقصائد، لكن أنشطته بما فيها كتاباته يكتنفها بعض الغموض، وقد قاد طموحه رجالاً آخرين لدراسة الكيمياء8.

يعتبر الإمام جعفر الصادق الإمام السادس (148/765) عند الشيعة كيميائيا بارزا وكان أستاذا لجابر بن حيان، ونسبت إليه بعض المقالات كـ “رسالة جعفر الصادق في علم الصنعة والحجر المكرم”.

من بين الكتابات الأولى المهمة في الكيمياء العربية كتاب منحول نسب إلى أبولونيوس تانيا “سر الخليقة” وعرف أيضا تحت إسم “كتاب العلل”. ويعتبر“اللوح الزمردي” من بين النصوص المهمة لكيمياء القرون الوسطى  (The Tabula Smaragdina) إذ يشكل جزءاً من كتاب “سر الخليقة” ينتمي حسب رأي الرازي إلى عصر الخليفة المأمون (198-210/813-833).

ويعتقد بعض المؤرخين أن كتاب “مصحف الجماعة” (Turba Philosophorum) قد كتب من قبل عثمان بن سويد من مصر في أوائل القرن 3/9، إذ تعتبر النسخة اللاتينية لهذا الكتاب من أشهر الأعمال الخيميائية إذ أصبح مألوفا طوال العصور الوسطى وحتى عصر النهضة.

عالم آخر كتب في الخيمياء الصوفية وعاصر ابن سويد هو المصري الصوفي “ذي النون المصري” (245-246/859-866)، يجدر بنا ذكر “ابن وحشية” (نهاية القرن 3/9)، المعروف بأعماله في الفلاحة وقد كتب العديد من المقالات في الخيمياء، بما فيها “كتاب الأصول الكبير” ولكن الشخصية الأهم في المدرسة الصوفية هو محمد بن أميل (267-349/900-960) وله كتاب “الماء الورقي والأرض النامية” خدم كمصدر رئيسي لعدة كتابات صوفية.

جابر بن حيان9

يعتبر جابر بن حيان أعظم كيميائي في الإسلام، إذ ترجع أصول الكيمياء إليه بالإضافة إلى الرازي وكيميائيين آخرين، قدمت عائلة جابر بن حيان من جنوب الجزيرة العربية وكان أبوه صيدلانيا ولد سنة 103هـ/721م أو 104هـ/722م وتوفي حوالي 198هـ/813م في سن 95 كان مريد الإمام جعفر الصادق، ورحب به في منتصف حياته إلى بلاط هارون الرشيد في بغداد بعد سقوط “برمقدس” (Barmakids) سنة 188هـ/803م، فر إلى “الكوفة” حيث قضى ما تبقى من حياته، يعتبر جابر ابن حيان رجل ثقافة وعلم، وعلى الرغم من أن اهتمامه الرئسيي كان منصبا على الكيمياء فقد كان بارعا في مجالات أخرى.

أصبحت الخيمياء مع ظهور الإسلام موضوع تخمين ومجال للخرافات شيئا فشيئاً، ساد هذا الوضع إلى عصر جابر بن حيان. لذلك ليس من المفاجئ أن نجد بعض كتاباته متأثرة بالمعتقدات الصوفية. من ميزات جابر بن حيان أنه رغم ميولاته الصوفية يعترف بالتجربة ويشدد على أهميتها أكثر من أي عالم كيميائي سابق؛ إذ أحرز تقدما جديرا بالذكر في الجانبين التطبيقي والنظري للكيمياء.

من بين إنجازات جابر بن حيان تعديله لبنية معادن أرسطو، فقد قام بذلك من أجل أن يجعلها أقل غموضا من خلال إبراز أهمية الكبريت والزئبق في تشكيل المعادن، تطورت نظرية جابر بن حيان مع بعض التعديلات والإضافات حتى بداية الكيمياء المعاصرة في القرن 18م.

كان جابر بن حيان مطلعا على العمليات الكيميائية إذ كان له مختبره الخاص، وصف في كتابه العديد من العمليات المهمة كالتقطير والتصعيد، والتكليس، والإذابة، وحاول دائما فهم التحولات التي تصاحب تلك العمليات، وفي بعض الأحيان يقدم تعليماته في نتائج عمليات اكتشاف حمض النتريك ومعادن حمضية أخرى، وقد وصف أيضا عمليات الصباغة، والعديد من العمليات التكنولوجية.


1 – النص الأصلي: « Alchemy, Chemistry And Chemical Technology », Ahmad Y. al-Hassan in the « The Different  Aspects Of Islamic Culture » vol.4 « Science and Technology in Islam », Part II « Technology And Applied Sciences » Editor : Prof.A.Y. al-Hassan, Co-Editors : Prof. Maqbul Ahmed, Prof. A.Z. Iskandar, pp 41.45

2  – ر.ب. مولتوف، أصول الكيمياء، لندن، 1966، ص ص. 315-320.

3 – مولتوف نفسه، ص. 93

4 – فيلسوف من المدرسة الفيثاغورية الجديدة من تانيا بآسيا الصغرى.

5 – تاريخ الخيمياء ما قبل الإسلام يمكن إيجاده في تاريخ العلم والكيمياء. وهذه جزء منها:  ج.م. ستيلمان “تاريخ الخيمياء والكيمياء“، نيو يورك، دوفر، 1960 مولتوف “أصوال الكيمياء”،هـ.م. ليسيستر، “الأصل التاريخية للكيمياء”, نيو يورك 1956، إ.ج. هولميارد  “صناع الكيمياء” أكسفورد 1962، س.ف. تايلور “الكيميائيون” لندن 1958 ج. ريد، “مقدمة للكيمياء“، M.I.T، press 1966.

 6 – مؤرخ وعالم بريطاني وكان كذلك عالم بالحضارة الصينية عرف أيضا باسم « Li Yuese »، له كتابات و أبحاث علمية حول العلم الصيني،  انتخب ليصبح عضو في الأكاديمية البريطانية سنة 1917.

7 – مولتوف، أصول الكيمياء، ص15. الغرب هنا يستعمل بعلاقة مع الشرق الأقصى، إذن فإنه يتضمن الشرق الأدنى

8  – ف.ك. ابراهيم، “خالد بن يزيد”، بغداد، 1984؛ ف.سيزكين، « Geschichte des Arabischen Schrifttums, IV, Leiden, 171, pp.120-126.

9 – جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي عالم عربي، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة، ويعد جابر بن حيان أول من استخدم الكيمياء عمليا في التاريخ.

Science

ذة. كنزة فتحي

حاصلة على الإجازة في الفلسفة

باحثة سابقة بمركز ابن البنا المراكشي

مهتمة بدراسة تاريخ النساء العالمات في الحضارة العربية الإسلامية

ترجمت عدة مقالات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق