مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 5

محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 

مناقشة مذهب الجبرية

ناقش أهل السنة رأي الجبرية الخالصة وأوردوا الأدلة على أنه بصورته التي تنفي أيَّ إرادة للبشر مذهب باطل بالبداهة، مخالف لأصل التكليف إذ يلزم منه بطلان الأمر والنهي والثواب والعقاب والمدح والذم، وأن تكون بعثة الأنبياء وإنزال التشريع عبثا[1]. فيكون تكليف العبد بناء على هذا المذهب من قبيل قول الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له

 

إياك إياك أن تبتل بالماء

ولا طائل وراء تتبع أدلة هذا المذهب مادام أنه اندثر منذ أمد بعيد ، وفي ذلك يقول  التقي السبكي :”إن أراد نفس جهم فهو ليس بموجود و الكلام معه ضياع”[2]اهـ المراد منه.

ويقول العلامة الكوثري:”وكان جهم منبوذا لم يبق بعد قتله من تابعه أصلا[3]، وقال:”وتنسب لجهم آراء، وليس له فرقة تنتمي إليه بعده، ونسبة غالب من نسب إليه من قبيل النبز بالألقاب[4]اهـ

وقال الإمام مصطفى صبري:”هذا كله بالرغم من أن الجبر المحض مذهب فئة قليلة خلت من المسلمين وانقطع نسلهم منذ ألف سنة[5]اهـ

وقال جمال الدين الأفغاني:”مذهب الجبر المحض انقرض أهله في أواخر القرن الرابع من الهجرة ، ولم يبق لهم أثر ولا يوجد مسلم في هذا الزمان الذي راجت فيه الشكاية من عقيدة القضاء والقدر من سني وشيعي وزيدي وإسماعيلي ووهابي وخارجي يرى مذهب الجبر المحض” قال:”نعم كان بين المسلمين طائفة تسمى الجبرية..و مذهب هذه الطائفة يعده المسلمون من منازع السفسطة الفاسدة. وقد انقرض أرباب هذا المذهب في أواخر القرن الرابع من الهجرة و لم يبق لهم أثر[6]اهـ

و يقول الشيخ الهرري:”و أما الجبرية فقد ذكر سيف الحق أبو المعين النسفي أنها طائفة لم يبق لهم مناظر يحاج عن نحلتهم ولا تدعو الحاجة إلى الاستعداد لمناظرتهم، وقد دلت نصوص الأجزية في الآخرة ونصوص الوعيد على بطلان قولهم. كقوله تعالى :﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾[7] وقوله تعالى: ﴿بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد﴾[8] وقوله: ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾[9].

ومما يبطل قولهم أننا نتحقق في أفعال العباد اختيارا يبعثهم على الفعل لا على طريق الإجبار والاضطرار، فإن من يقصد تحريك يده يجد لنفسه ويتحقق اختيارا في الفعل و تركه، وكذا في جميع الأفعال، بخلاف المضطر فإن تحريك يده يوجد منه اضطرارا حتى لو أراد ترك التحريك لم يقدر على ذلك”[10]اهـ

 

 

 


[1] – عبد القادر المجاوي الجزائري “تحفة الأخيار” ص:5 ، قال الكوثري في “تقدمته على تبيين كذب المفتري”:” والجبرية دعاة الجمود ونذير الدمار نتجت عن بحث غير علمي، علوقها من مجاورة السمَنية والبراهمة وغيرها من فرق الإباحة والخمول”اهـ

[2] – “تبديد الظلام المخيم”ص:437

[3] – الكوثري”تبديد الظلام”” ص:432

[4] – الكوثري “مقدمات الإمام الكوثري” ص:43

[5] -صبري”تحت سلطان القدر”ص:239

[6] – الأفغاني”القضاء والقدر”ص:8  و”العروة الوثقى ” جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده ، إعداد: هادي خسرو شاهي: ص115

[7] -سورة السجدة، الآية:17

[8] – سورة الحج، الآية:10

[9] -سورة الزلزلة،الآية:7-8

[10] – الهرري “إظهار العقيدة السنية بشرح العقيدة الطحاوية” ص:270-271

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق