محمد كرماط
باحث متخصص في العقيدة الأشعرية
فظهر،إذن، أن فرق مذهب الإمام عن مذهب المعتزلة إنما هو في استنكافهم عن إطلاق لفظ الخالق[1] على العبد بالرغم من إثبات معناه له وشجاعة المعتزلة على إطلاق اللفظ على معناه بعد الجبائي[2]. وأما إضافة فعل العبد إلى الله خلقا من حيث أنه خالق قدرة العبد على الفعل فليس فيها ما يزيد على مذهب المعتزلة الذين وصفهم بالضلال والإضلال، وإن ادعى تميزه عنهم وأبدى إعجابه واقتناعه بما اكتشفه من طريق حل لهذه المعضلة.
لذا أنكره عليه سائر أصحابه ومنهم الإمام أبو القاسم الأنصاري شارح "الإرشاد" وقالوا هو أقرب لمذهب المعتزلة، ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم. ولم يتلقه علماء أهل السنة الذين جاءوا بعد الإمام بالقبول، ولم يجده المحققون جديرا بالاختيار حتى إن هذا القول من الإمام وقع في طي النسيان، فذكروه في كتب الكلام هكذا:"ويروى[3] عن إمام الحرمين" ، قال العلامة اليوسي في"حاشيته على الكبرى":"إن ما نقل عن إمام الحرمين قول مرغوب عنه لا يصح القول به، ولا نقلده في ذلك إن صح لفساده قطعا وعدم جريانه على السنة عقلا ونقلا" "[4]
. إلى أن جاء ابن القيم فبعثه من مرقده واختاره بالرغم مما حكاه من إنكار أصحاب الإمام هذا القول عليه، وقال:" إنه توسط حسن بين الفريقين وإنه أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني"؛ وقوله هذا لا قيمة له غير الانجذاب بالاسم[5].
فأنت ترى بعد استعراض هذه المذاهب المخالفة لمشهور المذهب، أن كل من فر من الجبر وباعده ولم يقنع بابتعاد الأشاعرة عنه فقد وقع في الاعتزال أي إلى إنكار القدر. و ما أسد قولة الإمام التاج السبكي في المسألة:" فإن سئلنا عن التعبير هذا الكسب بتعريف جامع مانع،قلنا: لا سبيل لنا إلى ذلك والسلام؛ فرب ثابت لا تحيطه العبارات ومحسوس لا تكتنفه الإشارات. ومن أصحابنا من أخذ يحقق الكسب فوقع في معضل أرب لا قبل له به"[6]اهـ .
[1] - والنزاع لم يكن متعلقا باللفظ بقدر ما كان راجعا إلى قاعدة كلامية 🙁 استناد جميع الممكنات إلى الله تعالى بلا واسطة )
[2] - فقد كان الأوائل منهم يتحاشون إطلاق الخلق بل يكتفون بالموجد والمحدث وغير ذلك، لكن لما رأى الجبائي أن معنى الكل واحد وهو المخرج من العدم إلى الوجود تجاسروا على لفظ الخالق.
[3] - فهناك من رأى فيه التضعيف من حيث نسبنه للإمام ، وهناك من رأى التضعيف لذات المذهب.
[4] - بواسطة النشر الطيب"(1/465)
[5] - مع أنه في أحيان ليست بالقليلة يخطئ تصور كلام الإمام، لذلك قال صبري في"سلطان القدر"ص:195:" ومن العجب أن ابن القيم لا يحيط بحقيقة مذهبه و مذهب إمامه (أي الجويني)" وقال في ص:197:"فالحق أن أقواله متضاربة"
[6] - التاج السبكي "شرح مختصر ابن الحاجب"(1/462)