مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

الفرقُ بين الحَرف والصّوت

حرفُ الشيء حدُّه وحرفُ الصوتِ طَرَفه وأصلُه، من غير تأثرٍ بما قبلَه ولا تأثيرٍ فيما بعدَه، والحرفُ في العربيّة هو الذي يُعرَف في علم اللغة بالفونيم [Phoneme] ويعرفونه بأنّه أصغرُ وحدة لغوية غير دالّة على معنى في ذاتها ولكنها تتركب من مَجموعها الكلمةُ، وذكرَ أهلُ العلم باللّغة من المُعاصرينَ أيضاً أنّ وَحدةً صوتيةً مجرّدةً لا يُمكنُ أن تتحقّقَ ويَكون لها وجودٌ إلاّ في سياق صوتي أي في موقع تقعُ فيه بين أصواتٍ قبلها وبعدَها، فإذا عُزلَت عن السياق الصّوتيّ فهي حرفٌ، وإذا رُكِّبَت بين الأصوات فهي صوتٌ بين الأصوات يتأثّر بالسابق ويؤثّر في اللاحق، ومن صفاته أيضاً أنّ له من المظاهر والمَلامح المُحقِّقَة له نطقياً، بعدد المواقع التي يَقَع فيها، فحرف الراء في ذاته حرف ولكنّه عندَ وضعه في كلمات مختلفَة يتّخذُ أشكالاً مختلفةً، بها يعرفُ حرفُ الراءِ طَريقَه إلى التّصويت.
وقَد تكلَّم عن هذه الحقيقة ابنُ جنّي بعدَ نظرِه في أقوال الخليل وسيبويْه في حقيقة الحرف والصوت؛ فقالَ في الخصائص: «الحرفُ السّاكنُ ليسَت حالُه إذا أدرجتَه إلى ما بعدَه كَحالِه لَو وقفْتَ عليه؛ وذلك لأنّ من الحروفِ حروفاً إذا وقفْتَ عليْه لحقَها صُوَيْتٌ ما مِن بعدِها، فإذا أدرجْتَها إلى ما بعدَها ضعُفَ ذلك الصُّوَيْت، وتضاءَل للحس؛ نحو قولكَ: اِحْ اِصْ اِثْ… فإذا قلتَ يَحرِدُ ويَصبِرُ ويسْلمُ… خَفِيَ ذلك الصُّوَيْتُ وقلّ، وخفَّ ما كانَ له من الجَرْس عندَ الوُقوف عليْه، وقَد تقدَّم سيبويه في هذا المعنى بما هو مَعلومٌ واضحٌ.

وسببُ ذلكَ عندي أنّك إذا وقفتَ عليه ولم تتطاولْ إلى النطق بحرف آخرَ من بَعدِه تَلَبَّثْتَ عليه، ولم تُسرِع الانتقالَ عنه، فقدرتَ بتلك اللُّبثة، على إتباع ذلك الصوت إياه. فأمّا إذا تأهَّبتَ للنطق بما بَعدَه، وتهيأتَ له، ونَشَمْتَ فيه [أي ابْتدأتَ فيه]، فقد حال ذلك بينكَ وبين الوقفة التي يتمكنُ فيها من إشباع ذلك الصويت، فيستهلكُ إدراجُك إياه طَرفاً من الصوت الذي كان الوقفُ يقرُّه عليه ويسوغك إمدادك إياه به» الخصائص، لأبي الفَتح عُثمانَ ابنِ جنّي، تحقيق: محمد علي النّجّار، دار الكتب العلمية، ج1، ص:57.

ومعنى ذلِك: أنّ الحرفَ السّاكنَ يكون على حالٍ هي أقرب إلى الأصليّة والبُعد عن التأثّر، وأمّا إدراجُه إلى ما بعدَه فيجعلُه يَتّخذ أشكالاً وصوراً فرعيّةً مختلفةً.

وهذا تحليل من ابن جنّي ، ومن قَبْلِه الخليل وسيبويْه، مفصّل مبيِّنٌ طريقةَ الانتقال من الحرف الأصليّ إلى الصّوتِ الفرعيّ أو الصُّوَيْت.
وأمّا الحركاتُ فهي أيضاً أصواتٌ تمدّ الحرفَ أو تُدرجُه إلى ما بعدَه أو تفخّمُه أو ترقّقه فهي أصواتٌ مؤثّرةٌ في أصل الحرف مُخرجةٌ له عن حدّه، فإذا نطقْتَ بالصّوت متحركاً فذاكَ مُركَّبٌ صوتيّ اجتمَعَ فيه أكثر من صوت: أصل الحرف، والحركةُ المؤثّرة فيه، وهيئة النطق به متأثراً بما قبلَه أو ما بعدَه، فحرف الراء في أصله مفخم، فإذا كُسرَ رُقّقَ فتحوّل من حالٍ إلى أخرى متأثراً بصوت الحركَة ويتأثر وهو مكسورٌ بما بعدَه، فقَد يكون ما بعدَه ساكناً كالوقف عليه، أو مَمدوداً بالألف أو الواو أو الياء نحو: سيرا – سيروا – سيري…

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق