مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة المحدث الشيخ سيدي عبد الله التليدي رحمه الله، وجهوده في خدمة السنة النبوية تدريسا وتأليفا

 

 

 

القسم الخامس

4 ـ إتحاف المسلم بزوائد أبي عيسى الترمذي على البخاري ومسلم

 

     بعدما فرغ الشيخ من تهذيب جامع الإمام أبي عيسى الترمذي رحمه الله، ظهر له بعد ذلك إفراد زياداته على البخاري ومسلم، فاستخرجها، وزاد فيها تحقيقات على التهذيب.[1]

     والمراد بالزوائد التي تولى الشيخ “جمعها والكلام عليها، هي أحاديث تفرد بإخراجها الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى عن البخاري ومسلم في جامعه العظيم، وإن رواها غيرهم.

     وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

     ـ قسم منها: لم يخرجه البخاري ومسلم لا بلفظه ولا بمعناه، لا من رواية الصحابي الذي سنذكره، ولا من رواية غيره.

     ـ والثاني: يكون الحديث الزائد قد خرجه الشيخان أو أحدهما لكن من رواية صحابي آخر.

     ـ الثالث: يكون الحديث الزائد مخرجا عندهما أو أحدهما من رواية صحابي واحد، غير أن الزائد المذكور في سياقه زيادات تشتمل على أحكام ليست في أصل الحديث.

     والقسم الأخير نادر في الكتاب”.[2]

     وقد بلغ “عدد هذه الزوائد نحو من ألفين ومائة ونيف وعشرين، وفيها المتواتر والصحيح والحسن بأقسامها، وفيها الضعيف بأغلب أنواعه حتى الواهي والموضوع. فالصحيح منها نحو من ألف وستمائة وإحدى وعشرين حديثا، أما الضعيف وهو الباقي فنحو من خمسمائة حديث. أما الموضوع المدرج في كتب الموضوعات فأكثر من عشرين حديثا بعضها ظاهرة الوضع لا تخفى على طالب هذا العلم.

     أما الأحاديث التي تفرد بإخراجها الترمذي عن بقية كل الجماعة وهم البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، فتربو على ستمائة وستين حديثا، أكثرها صحيحة أو حسنة”.[3] 

     هذا، ومما ذكره الشيخ أيضا في مقدمة الكتاب: جماعة من العلماء المحدّثين الذين ألفوا في الزوائد، وفائدة ما قاموا به من تقريب السنة المحمدية، كالبوصيري في “مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة” على الكتب الخمسة، وفي “إتحاف السادة المهرة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة” على الكتب الستة، وابن حجر في “المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية”، والهيثمي في كتابة النافع المفيد “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد” الذي جمع فيه زوائد مسانيد: أحمد وأبي يعلى والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة، على الكتب الستة، وخرجها، وتكلم عليها وعلى أسانيدها…، وغير ذلك من المؤلفات في الموضوع.[4]      

     كما وضع في آخر الكتاب فهارس علمية هامة:

     الأول: عبارة عن فهرست لقواعد وفوائد حديثية تتعلق بهذه الزوائد، مع ذكر أوهام لجماعة من المحدثين والحفاظ.

     والثاني: فهرس عام مرتب على الأبواب لموضوعات الكتاب.

     والثالث: فهرس لأحاديث الكتاب مرتبة على الأطراف، سماه الشيخ بـ”الرائد بمفتاح أحاديث الزوائد”، وقسمه على أربعة أقسام، وجعله “مرتبا على حروف المعجم إذا كان الحديث قوليا ولو من كلام الصحابة أو غيرهم، أما ما كان من الأفعال مما لا يدخل في الحروف فرتبه على مسانيد الصحابة، وهم مرتبون على الحروف كذلك”.[5]

 5 ـ الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة

       السبب الرئيسي الذي من أجله ألف الشيخ رحمه الله هذه الموسوعة التفسيرية بالآثار الصحيحة، هو أنه “مع كثرة ما كتب في التفسير بالمأثور، فقد وقع فيه من الضعيف والواهي والمنكر والموضوع ما هو معلوم لأهل العلم، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى قولته المشهورة: ثلاثة أمور ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي. ومراده أن غالبها ليس لها أسانيد صحاح، وليس المراد أنه لم يصح فيها شيء… بل صح الكثير الطيب منه والحمد لله.[6]

     وقد أورد الشيخ رحمه الله في كتابه هذا: “الأحاديث النبوية المرفوعة المتعلقة بالسورة أو الآية أو الكلمة، ويشمل ذلك أحاديث أسباب النزول وهي كثيرة، والناسخ والمنسوخ وهي قليلة، والأحاديث الشارحة لبعض الآيات أو الكلمات، أو بيان لحقائق شرعية، وأحاديث جاء فيها استشهاد النبي صلى الله عليه وسلم بآيات…وأحاديث فضائل السور والآيات، وذكر السور التي كان يقرأها في صلاته، وأحاديث سجدات القرآن… وقد يذكر من حين لآخر تفاسير بعض الصحابة الموقوفة وخاصة ما جاء عن الإمام علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وهي قليلة”[7]، وقد بلغ مجموع ذلك: ألفا وثلاثمئة وسبعة وثلاثين حديثا وأثرا من الثابت المقبول من صحاح وحسان، وبعض الضعيف المنجر.

     ولم يكتف الشيخ أجزل الله مثوبته بمجرد إيراده لهذه اللآلئ والجواهر الصحيحة المنتقاة المحكمة العزو والتخريج إلى مصادرها المسندة؛ بل كمل ذلك بشرحه للآيات والأحاديث، مع تحقيقه القول في كثير من المسائل العلمية.

     وأضاف إلى ذلك أنه رحمه الله أورد في بداية الكلام عن كل سورة “ما اختصت به عن غيرها من العلوم والأحكام والأخلاق والعقائد والقصص والحِكم والأسرار وما إلى ذلك…”[8]، ويبلغ مجموع هذه الخصائص التي لم يسبق الشيخَ أحدٌ إلى استنباطها على النحو المذكور أكثر من تسعمئة خصيصة.

     وخدم الشيخ رحمه الله الكتاب بفهارس متنوعة تقربه؛ الأول منها خاص بالآيات التي ورد فيها سبب نزول، والثاني للأحاديث مرتبة على الأطراف، والثالث للموضوعات والفوائد.

     وقد صدر الشيخ الكتاب بمقدمة هامة -كما هي عادته – مما تناول فيها: بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن، ومفهوم التفسير، والحاجة الماسة إليه، وأوجه التفسير، ومصادره، وتاريخ التأليف فيه، وأحسن التفاسير التي تكفي لفهم كلام الله تعالى، وما يكفي من العلوم لمن يريد فهم القرآن الكريم.

 6 ـ جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار

      يذكر شيخنا رحمه الله أن موضوع الأحاديث القصار قد ألف فيه جماعة من العلماء القدامى، كالقضاعي في كتابه “الشهاب في الحكم والآداب”، وابن عائم في “الفائق في الكلام الرائق”، والسيوطي في “در البحار في الأحاديث القصار”، والمناوي في “كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق”..وهذا شيء جيد لو كان ما في هذه الكتب صحيحا، لكنها مليئة بالواهي والموضوع، فضلا عن مطلق الضعيف.[9]

     لهذا السبب يقول الشيخ: “ولذلك خالفت منهجهم، فاقتصرت في كتابي هذا على الصحيح والحسن، مستوعبا كل الموضوعات، غير مقتصر على الآداب والمواعظ والحكم والأمثال”[10]، و”بحيث لا يتجاوز كل حديث منها سطرا، وذلك تسهيلا على من يريد حفظ الحديث النبوي الشريف، وتثقيفه من نور مشكاة الوحي الإلهي المحمدي مباشرة وفي أقرب وقت”[11].

     و”الكتاب مرتب على حروف المعجم، وهو بهذا الترتيب وإن كان يخل بفائدة عظيمة وهي ترتيبه على الكتب والأبواب؛ فإنه لا يخلو من فوائد، من أهمها أن قارئه لا يزال يجني ثماره المتنوعة، ويقطف فواكهه المختلفة في كل آن وحين… على أن الشيخ ذكر آخر الكتاب مفتاحا له مرتبا على الموضوعات والكتب والأبواب إتماما للفائدة”.[12]

     وقد انتقى الشيخ رحمه الله كتابه هذا من “صحيح الجامع الصغير وزياداته”، مع إضافته لعشرات الأحاديث من الصحيحين والسنن وغيرها مما لم يرد له ذكر فيه.

     وكان في كل ذكر يرجع إلى المصادر والأصول، ويخرج الأحاديث منها مباشرة، ويجتهد في النظر في أسانيدها وعللها والحكم عليها… ولذلك نجده يخالف في أحيان كثيرة كلاًّ من الحافظ السيوطي والمحدِّث الألباني رحمهما الله تعالى، ويستدرك عليهما أوهاما وقعت لهما في العزو والتصحيح والتضعيف.

     كما شرح رحمه الله الأحاديث شرحا مبسطا واضحا بالطريقة المزجية مع متن الحديث، مع ذكره لأسباب ورود الحديث، وترجمته للرواة من الصحابة تراجم موجزة عند أول ذكر لهم.

     وقد كتب الله لهذا المؤلَّف قبولا واسعا في مشارق الأرض ومغاربها، فدرَّسَه جماعة من أهل العلم، وعكف على حِفظِه جمهرة من الطلبة والدعاة والوعاظ والخطباء، ونفدت طبعته في فترة وجيزة، وكثر الطلب عليه…وهذا من مَكرُمات الله سبحانه وفضله على شيخنا رحمة الله عليه.

يتبع…

 ***************

  المصادر والمراجع:

 

1-   إتحاف المسلم بزوائد أبي عيسى الترمذي على البخاري ومسلم، عبد الله التليدي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1434هـ/2014.

2-   جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار، عبد الله التليدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى: 1419هـ/1998م.

3-  الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة، الشيخ عبد الله التليدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى: 1424هـ/2003م.

*************

 

هوامش المقال:

[1]  إتحاف المسلم بزوائد أبي عيسى الترمذي على البخاري ومسلم، ص: 3.

[2]  المرجع نفسه، ص: 4.

[3]  المرجع نفسه، ص: 3.

[4]  المرجع نفسه، ص: 4ـ6، بتصرف.

[5]  المرجع نفسه، ص: 767، بتصرف يسير.

[6]  الجواهر واللآلئ المصنوعة، 1/ص:8، بتصرف يسير.

[7]  المرجع نفسه 1/ص:21-22، بتصرف.

[8]  المرجع نفسه، ص:21.

[9]  جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار، 1/ص: 12، بتصرف.

[10]  المرجع نفسه، 1/ص: 12.

[11]  المرجع نفسه، 1/ص: 11.

[12]  المرجع نفسه، 1/ص: 11 – 12، بتصرف.

بقلم الأستاذ: أسامة الهدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق