مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة المحدث الشيخ سيدي عبد الله التليدي رحمه الله، وجهوده في خدمة السنة النبوية تدريسا وتأليفا

 

 

 

القسم الثالث

ثالثا: جهود العلامة التليدي في خدمة الحديث النبوي تأليفا:

      يعد شيخنا العلامة الحافظ سيدي عبد الله التليدي رحمه الله تعالى، من العلماء المغاربة المكثرين من التأليف؛ فقد أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات قيمة، كان لها الأثر الطيب، والقبول والاستحسان من قبل العلماء وطلبة العلم في شتى ربوع العالم الإسلامي. وقد خدم السنة النبوية الشريفة بجملة من هذه المؤلفات، نخص منها بالذكر:

1ـ بداية الوصول بلب صحيح الأمهات والأصول:

     يعد هذا الكتاب الماتع، أكبر وأجمع كتاب ألفه شيخنا الفقيه المحدث سيدي عبد الله التليدي رحمه الله، بل هو مشروع عمره، إذ أودع فيه خلاصة مصاحبته، وتدريسه، ومطالعاته لأمات كتب السنة المسندة، والجوامع منها، والمجاميع، والأجزاء الحديثية، وكتب شروح الحديث، والعلل، والرجال، والجرح والتعديل، والتخريج، وغريب الحديث…

وقد أمضى الشيخ في تأليفه لهذا الكتاب مدة تقارب الأربع عشرة سنة، حيث بدأ فيه عام 1414هـ، وفرغ منه ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من المحرم الحرام عام 1428هـ.[1]

وهو: “كتاب جامع ملخص يشتمل على سلسلة تجمع الحديث النبوي الصحيح، مع شرح موجز له عقب كل حديث من غير إملال ولا إخلال”[2]

     وأما مقصود الشيخ رحمه الله من تأليفه لهذا الكتاب فقد عبر عنه بقوله: “وضعته بالأصالة تذكرة لي، ثم إفادة للقاصرين والمتكاسلين الذين ليس لهم من الوقت ما يساعدهم على قراءة المطولات، ولا لهم أهلية تمكنهم من التعرف على صحيح الحديث من ضعيفه”[3].

     ويقول الشيخ رحمه الله عن المصادر التي استمد منها الأحاديث والآثار في موسوعته هذه، وكيفية استمداده منها: “انتقيتها من الأمهات والأصول المشهورة المعتمدة التي جمعت أصول الحديث النبوي والسنة المطهرة، ولم يعزب عنها منه شيء إلا ما كان من المكررات وتعدد الطرق والأسانيد، أو كان من الغرائب المهجورة الغير محتج بها والمعمول بمقتضاها لضعفها وسقوطها”[4].

ثم يذكر من هذه الأمهات: “الموطأ، والبخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، والبيهقي، مسانيد: أحمد، الحميدي، أبي يعلى، البزار، مصنف ابن أبي شيبة، مصنف عبد الرزاق، صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، معاجم الطبراني الثلاثة، وغيرها مما سيرى القارئ العزو إليها…”[5].وهي كثيرة جدا أربت على السبعين مصدرا من أمهات المصادر الأثرية المسندة.

     وقد اقتصر الشيخ في استمداده من كل هذه المصادر الحديثية على: “لب ما فيها من صحاح وحسان، مرتبة على الكتب والأبواب، وفيها كل أقسام الحديث النبوي المقبول، من: متواتر لفظي ومعنوي، وآحاد: مشهوره، وعزيزه، وغريبه، وصحيحه، وحسنه بأقسامهما[6].

     ثم يقول الشيخ بعد هذا: “ولم أودع فيه حديثا اتفق المحدثون على ضعفه”[7].

     وهذه العبارة الأخيرة من الشيخ لها أهميتها بالنسبة لكل من يريد التعامل مع موسوعته الحديثية هذه، فلا يوجد في الكتاب من أوله إلى آخره حديث واحد اتفق المحدثون على رده، وهذا أمر واضح لكل من قرأ تخريجات الشيخ للأحاديث في شتى مجلدات الكتاب…

     ثم إن من أهم ما استودعته هذه المعلمة الحديثية في طياتها من الأحاديث والآثار: “جمهرة واسعة زائدة على الصحيحين تعد بالألوف، إذ البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وإن جمعا في كتابيهما العظيمين ألوفا من الصحاح، فإنهما لم يقصدا الاستيعاب كما هو معلوم، فقد فاتهما أكثر مما ذكرا، ولذا توجد أحاديث كثيرة صحيحة على شرط الصحيح، أو على شرطهما، أو شرط أحدهما خارج صحيحيهما في الصحاح الأخرى، والجوامع، والسنن، والمسانيد…التي ألفت قبلهما وبعدهما…”[8].

     وعموما، فقد ضم كتاب “بداية الوصول بلب صحيح الأمهات والأصول” أكثر من ستة آلاف وثلاثمئة حديث؛ مخرجة معزوة إلى أصولها ومصادرها بدقة وإحكام – مع تصحيح أوهام وأخطاء وقعت لبعض كبار المحدثين والحفاظ في العزو، والتخريج، والحكم على الأحاديث، والطرق والرجال-، وبيان لغريب الحديث ومشكله، ثم بيان المعنى العام للحديث، وما يستفاد منه من فقه وأحكام وحِكَم، وغير ذلك من الفوائد…بأسلوب واضح مبسط يفهمه جل القراء.

     وفي هذه الأحاديث من الزوائد الصحيحة على الصحيحين أو على أحدهما- حسب إحصاء أولي – حوالي ألفان وستمئة وأربعون حديثا، بيّن الشيخ أثناء تخريجها: درجة كل منها، من حسن أو صحة؛ مع إيراده لأحكام كبار الحفاظ على تلك الأحاديث، وعلى الرجال والرواة، الشيء الذي يظهر معه الاطلاع الواسع للشيخ على كتب علوم الحديث وفنونه المختلفة…

ومن المحدثين الحفاظ الذين نجد الشيخ يعتمد أحكامهم وينقلها في تضاعيف كتابه: الشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن معين، ويحيى القطان، وابن مهدي، وابن المديني، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، والترمذي، وأبو داود، وحمزة الكناني، وابن خزيمة، وابن منده، وابن المنذر، وابن جرير، وابن عدي، والدارقطني، والطحاوي، والحاكم، وابن عبد البر، وابن حزم، والخطابي، وابن حبان، والبيهقي، والديلمي، وابن الجوزي، وابن السكن، وابن سيد الناس، وابن عبد الهادي، والعلائي، وابن التركماني، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي، و المنذري، والحازمي، وابن الصلاح، والنووي، والمزي، والذهبي، وابن القيم، وابن كثير، وابن الملقن، وابن دقيق العيد، والزيلعي، والعراقي، والهيثمي، والحافظ ابن حجر، وابن الجزري، والسخاوي، والسيوطي، والبوصيري، والمناوي، والشوكاني، والكوثري، وأحمد شاكر، وأحمد بن الصديق الغماري، والألباني، وشعيب الأرنؤوط…وغيرهم، رحمة الله عليهم.[9]

ثم إن الشيخ في شرح الأحاديث وبيان معانيها وفقهها، والتنبيه على أسرار التشريع الإسلامي، يستمد من مصادر وموارد شتى، نذكر من أهمها: “معالم السنن” للخطابي، و”التمهيد” و”الاستذكار” لابن عبد البر، و”المحلى” لابن حزم، و”شرح صحيح مسلم” و”المجموع شرح المهذب” كلاهما للنووي، و”جامع العلوم والحكم” للحافظ ابن رجب، و”زاد المعاد” للحافظ ابن القيم، و”فتح الباري” للحافظ ابن حجر،و”شرح السنة” للبغوي، وشروح ابن بطال، والعيني، والقسطلاني، كلها على صحيح البخاري، و”المنتقى في شرح الموطأ” للباجي، و”المعلم بفوائد مسلم” للمازري، و”إكمال المعلم” للقاضي عياض، و”إكمال الإكمال” للأبي، و”عارضة الأحوذي” لابن العربي، و”النهاية في غريب الحديث والأثر” لابن الأثير، و”فيض القدير شرح الجامع الصغير” للمناوي، و”شرح الموطأ” للزرقاني، و”نيل الأوطار” للشوكاني، و”شرح العمدة” لابن دقيق العيد، و”الاعتبار” للحازمي، و”الجامع لأحكام القرآن”للقرطبي، و”إحياء علوم الدين” لحجة الإسلام الغزالي، و”قواعد الأحكام” للعز بن عبد السلام، و”حجة الله البالغة” لولي الله الدهلوي، و”بداية المجتهد” لابن رشد، و”الرسالة” لابن أبي زيد، وشرحها لابن ناجي، ومختصر العلامة خليل، وشروحه كــ”مواهب الجليل” للحطاب، و”القوانين الفقهية” لابن جزي، ومختصر الخرقي، وشرحه”المغني” لابن قدامة، و”الإشراف” و”الإجماع” كلاهما لابن المنذر، و”منتقى الأخبار” للمجد ابن تيمية، و”مجموع الفتاوى” لأبي العباس ابن تيمية، و”شرح الفقه الأكبر” لملا علي القاري، و”الفقه الإسلامي وأدلته” للدكتور الزحيلي، وغيرها…

وأمامن حيث الناحية الموضوعية لكتاب:”بداية الوصول”، فإنه يمثل جامعا متكاملا، يضم كل الموضوعات التي صنفت فيها كتب الحديث، من: عقائد، وعبادات، ومعاملات، وتاريخ، ومغازي وسير، وسيرة وشمائل، ومناقب وفضائل، ورقائق، وزهديات، وفتن وملاحم، وغيبيات…وفيما يلي تفصيل ذلك:

     خرج الكتاب إلى عالم المطبوعات، عبر ثلاث دفعات:

الأولى سنة: 1425هـ، 2004م، وشملت: المجلدين الأول والثاني، ويضمان الكتب التالية: العلم، والاعتصام بالكتاب والسنة، والإيمان، والإسلام، والقدر، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والأذكار والدعوات.

     ومجموع ما فيهما من الأحاديث، حوالي: ألف وسبعمئة وستة عشر حديثا، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما حوالي: ستمئة واثنان وستون حديثا.

الثانية سنة: 1427هـ، 2006م، وشملت المجلدات:

الثالث والرابع؛ ويضمان قسم التفسير، وفيه من الأحاديث حوالي تسعمئة وخمسة وستون حديثا، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما حوالي: أربع مئة وأربعون حديثا.

الخامس والسادس والسابع والثامن؛ وتضم كتب: البيوع، الإجارة، الصلح، الهبة والهدية، الوقف، الوصايا، اليتامى، الفرائض والمواريث، أحكام الرقيق، الأطعمة، الصيد والذبائح، الأشربة، المرض والطب، اللباس والزينة، الرؤيا والتعبير، النكاح، النفقات، الرضاع، الطلاق، الأيمان والنذور، الإمارة والخلافة والقضاء، الدماء والجنايات، الديات والحدود، الجهاد في سبيل الله وما يتبعه، التاريخ: بدء الخلق، والأنبياء. وفي هذه الكتب من الأحاديث حوالي: ألف وستمئة وخمسة وعشرين حديثا، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما أكثر من: ستمئةحديث. 

الثالثة سنة: 1431هـ، 2010م، وتشمل المجلدات:

التاسع: وهو خاص بالسيرة النبوية الصحيحة،ضم بين جنباته أكثر من سبعمئة وأحد عشر أثرا، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما أكثر من عشرة ومئتي حديث. وهذا المجلد بمفرده يعد معلمة هامة فيما ألف في السيرة النبوية الصحيحة؛ إن لم يكن أجمع وأنقى ما ألف في الموضوع.

 العاشر: وهو خاص بأبواب الفضائل والمناقب، ويحتوي على حوالي خمسمئة وثلاثة وعشرين حديث، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما أكثر من مئتي حديث.

     الحادي عشر: ويشتمل على الآداب والأخلاق والبر والصلة، والزهد والرقائق، في أحاديث تبلغ حوالي واحدا وخمسين وستمئة حديث، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما حوالي مئتان وثمانونحديثا.

الثاني عشر: ويشتمل على الفتن وأشراط الساعة الصغرى والكبرى، وقيام الساعة، والبعث والنشور ويوم الجزاء، والجنة والنار. ويضم من الأحاديث حوالي خمسمئة وستة عشرحديثا، الزائد منها على الصحيحين أو على أحدهما حوالي: مئتان وأربعون حديثا. وبه تم كتاب بداية الوصول.

وتجدر الإشارة إلى أن العلامة التليدي رحمه الله، صدّر موسوعته الحديثية: “بداية الوصول” بمقدمة هامة، تناول فيها: مفهوم السنة، وتاريخ كتابتها وتدوينها، ثم من ألف في الصحيح، ومن ألف في المختصرات والجوامع، وموقع السنة من التشريع، ثم مختارات من فضائل الاشتغال بالحديث النبوي الشريف ونشره والدعوة إليه.[10]

يتبع…

****************

المصادر والمراجع:

– بداية الوصول بلب صحيح الأمهات والأصول،عبد الله بن عبد القادر التليدي، دار ابن حزم، المجلدان الأول والثاني: الطبعةالأولى: 1425هـ/ 2004، ومن المجلد الثالث إلى الثامن: الطبعة الأولى: 1427هــ/2006م، ومن المجلد التاسع إلى الثاني عشر: الطبعة الأولى: 1431هـ/2010م.

***************

 

هوامش المقال:

[1] بداية الوصول بلب صحيح الأمهات والأصول، 12/ 952.

[2]المرجع نفسه، 1/ 5.

[3]المرجع نفسه.

[4]المرجع نفسه.

[5]المرجع نفسه، 1/ 6.

[6] المرجع نفسه، 1/ 6،5.

[7]المرجع نفسه.

[8]المرجع نفسه.

[9] ينظر على سبيل المثال تخريج الأحاديث التالية من  “بداية الوصول”: (1/ح13،64،74،195،219،245،247،342،392،406،451)و(2/ح1126،1167،1199،1299،1438،168)و(3/ح15،111،173،175،242،261)و(4/ح549،911)و(5/ح7،18،123،149،196،199،205،212،248،543)و(6/ح612،615،683،744،781،793،940،952،1021)و(7/ح14،24،73،76،84،95،148،162،378،401)و(8/ح442،456،470،481،483،522،549)و(9/ح1،6،19،30،34،244،251،346،414،612،709)و(10/ح42،131،201،203)و(11/ح136،202،327)و(12/ح131،211،455،509).

[10]المرجع نفسه، 1/ 6 ـ 20.

بقلم الباحث: أسامة الهدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق