مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

العقيدة الأشعرية بالأندلس والمغرب في عهدي ملوك الطوائف والمرابطين وبداية الموحدين

 

كتبت : الدكتورة صباح بلحيمر:

   بعد استقراء كتب الرجال، تبرز شخصيات العلماء الأندلسيين في كثرة الإنتاج والمشاركة في مختلف العلوم، كالفقه والقراءات والتفسير، والحديث والعربية، وعلم الوثائق والفرائض والحساب، ولكن لم يكن لهم كبير اهتمام بعلم الكلام مقارنة بباقي العلوم وذلك لسببين:
الأول: تمثل في ميل الأندلسيين إلى البساطة والوضوح والواقعية، ونفورهم من التأويلات البعيدة، والنظريات الفلسفية، اقتداء بالإمام مالك الذي كان يقف عند الظاهر الواضح من النصوص القرآنية، ونصوص السنة الخاصة بالعقائد، وإتباع السلف في تعاطيهم مع النصوص وهو إمرارها كما جاءت، وقد عقد القاضي عياض في كتابه”ترتيب المدارك”الجزء الثاني بابا تحت عنوان “باب إتباعه السنن  وكراهيته المحدثات وبعض ما روي عنه في عقائد أهل السنة، والكلام في أهل الأهواء” ونقل عن مالك قوله:”ليس الجدال في الدين بشئ”.[1]   وكمثال على موقفهم المنكر والرافض لعلم الكلام،ما ذكره الحميدي في ترجمة الفقيه أحمد بن محمد بن سعدي أبي عمر فقال:”ورجع إلى الأندلس وحدث، فسمعت أبا عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الولي الأنصاري يقول:سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد يسأل أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي،عند وصوله إلى القيروان من ديار المشرق وكان أبو عمر دخل بغداد في حياة أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، فقال له يوما:هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ فقال:بلى حضرتهم مرتين ثم تركت مجالسهم ولم أعد إليها، فقال أبو محمد:ولم؟ فقال:أما أول مجلس حضرته، فرأيت مجلسا قد جمع الفرق كلها، المسلمين من أهل السنة والبدعة، والكفار والمجوس، والدهرية والزنادقة والنصارى وسائر أجناس الكفر، ولكل فرقة رئيس يتكلم على مذهبه ويجادل عنه(…)، قال أبو عمر:فلما سمعت ذلك لم أعد إلى ذلك المجلس، ثم قيل لي تم مجلس آخر للكلام فذهبت إليه، فوجدتهم مثل سيرة أصحابهم سواء، فقاطعت مجالس أهل الكلام فلم أعد إليها”.[2]الثاني: سياسي:إذ واجه علم الكلام مضايقات في عهدي ملوك الطوائف والمرابطين.
أ- عهد ملوك الطوائف:
   لقد كان لملوك الطوائف الدور المهم في الحركة العلمية وازدهارها من حيث استقطاب العلماء في بلاطاتهم، وإحاطتهم بضروب التكريم والدعمين المادي والمعنوي، وتميزت البيئة الأندلسية بسيادة المذهب المالكي مما جعل من الصعب توفر المناخ الملائم لعلم الكلام، خاصة وأن أصحابه يعتمدون العقل والمنطق في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وكان رأي الفقهاء واضحا في المسألة، وكان كل من يحاجج عن العقيدة الإسلامية بالحجج والبراهين يحارب، قال ابن عبد البر(ت463هـ): “أجمع أهل الفقه والآثار في جميع الأمصار، أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ لا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء”[3].
ونجد ابن حزم الأندلسي(ت456هـ)قد ألف كتابه الشهير”الفصل في الملل والأهواء والنحل”الذي لم يقتصر فيه على مهاجمة أهل المذاهب والنحل والديانات المنحرفة، بل شمل أبا الحسن الأشعري من حيث الطعن في آرائه ومعارفه.
فكان أن تعرض المشتغلون بهذا العلم للتضييق، مثال العلامة عبد الوهاب بن منذر القرطبي(ت436هـ)من أعلام إمارة بن جهور، والإمام بمسجد قرطبة، الذي نظر في شيء من الكلام فاتهم بالاعتزال، مما اضطره إلى الانقباض عن الخلق وملازمته لبيته”[4].
ب- عهد المرابطين:
   كان موقف السلطة المرابطية من علم الكلام، مشابها لمثيلتها في عهد ملوك الطوائف، ومثاله:
دعوة الأمير علي بن يوسف بن تاشفين(ت537هـ) إلى نهج مذهب السلف في ترك تأويل المتشابه من الآيات والأحاديث، ونهيه عن قراءة كتب العقيدة المؤسسة على قواعد الأشعرية، بل وأمر بإحراقها كما فعل بمؤلفات الغزالي[5] قال المراكشي:”وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين علي بن يوسف، تقبيح علم الكلام وكراهة السلف له، وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنه بدعة في الدين، وربما أدى أكثره إلى اختلال العقائد في أشباه لهذه الأقوال، حتى استحكم في نفسه بغض علم الكلام وأهله، وكان يكتب عنه في كل وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه، وتوعده من وجد عنده شيء من كتبه”[6].
وفي سنة واحد وخمسمائة، رحل محمد بن تومرت الملقب بالمهدي (ت522هـ)إلى المشرق للعلم، فجالس أئمة الأشعرية من أهل السنة، وأخذ عنهم واستحسن طريقتهم في الدفاع عن العقيدة السلفية بالحجج العقلية، ولقي أبا حامد الغزالي بالشام، وحكى له ما فعله الأمير بكتبه فأجابه الغزالي:”ليذهبن عن قليل ملكه وليقتلن ولده”[7].
   وبعد عودته إلى المغرب، أنكر على المغاربة جمودهم على مذهب السلف في إقرار المتشابه كما جاء، فلقي متاعب ومعارضة من طرف الفقهاء، كما واجه متاعب من طرف السلطة الحاكمة.
فالمهدي بن تومرت خصم سياسي للدولة المرابطية بالدرجة الأولى، لكننا لا يمكن أن ننكر بأن المشكلة العقائدية، عمقت الصراع بين الفريقين وجعلت السلطة الحاكمة تضيق الخناق عليه بمباركة الفقهاء، وأمثلته:
*توبيخ قاضي تلمسان ابن صاحب الصلاة له، لمنتحله ولخلافه أهل قطره[8].
*ضرب أهل مكناس له[9].
*تربص الفقهاء به للإيقاع به عند الأمير ، قال ابن خلدون:”ولقي ذات يوم الصورة، أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملثمين في زي نسائهم، فوبخها ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه، ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته، وكانوا ملئوا منه حسدا وحفيظة، لما كان ينتحل من مذهب الأشعرية في تأويل المتشابه، وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء،ويرى أن الجمهور لقنوه تجسيما، ويذهب إلى تكفيرهم بذلك على أحد قولي الأشعرية في التكفير بمآل الرأي، فأغروا الأمير به وأحضروه للمناظرة معهم، فكان له الفتح والظهور عليهم، وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق يومه بأغمات”[10].
*طرد علي بن يوسف له من أغمات[11].
فانتقل سنة خمس عشرة وخمسمائة إلى إيكيلين من بلاد هرغة، وبدأ يدرس بها مؤلفيه:المرشدة والتوحيد باللسان البربري.
*تحريض مالك بن وهيب -رئيس الفرقة العلمية بمجلس الأمير- عليه، فأرسل الأمير في طلبه وكلف عامل السوس أبو بكر اللمتوني بقتله[12].

 

 

الهوامش:

1- ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/38-39.
2- جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس للحميدي 1/175-176.
3- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي ص 157.
4- الصلة لابن بشكوال 1/361.
5- المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي ص 178.
6- المصدر السابق ص 172-173.
7- المصدر السابق ص 178- 179.
8- تاريخ ابن خلدون 6/468
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- المصدر السابق.
12- المصدر السابق 6/469.

 

رابط المصدر:
 http://j-m-m.in-goo.net/t5123-topic

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق