مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

الشيخ المربي سيدي عمر بن موسى الرجراجي (ت810هـ)

هو العارف الواضح، الولي الصالح، الخيّرُ الفاضل، العالم العامل، الناسك العابد، الزاهد في الدنيا وزهرتها، الراغب في الآخرة ونعمتها، الحاج الأبر، الورع المبارك، سيدي أبو حفص عمر بن موسى بن محمد الرجراجي الأصل، الفاسي النزل. أحد أهم فقهاء وصلحاء وعلماء وقته، أخذ العلم عن عدد من الشيوخ أبرزهم الصوفي والعالم الجليل سيدي ابن عبّاد الرندي، الذي أخذ عنه العلوم الشرعية إلى جانب السلوك والتربية الصوفية. كما أخذ عن شيوخ آخرين منهم الحافظ القباب، والعالم المفتي الصالح الوانغيلي، إلى جانب ما حصّله في رحلته إلى الحجاز من علوم، إذ التقى فيها بعدد كبير من الشيوخ سواء الذين أخذ عنه العلوم الشرعية أو الصلحاء والصوفية الذين تبرك بهم وأخذ عنهم مسالك التصوف، وذلك إثر حجّته المشهورة التي حجّها على قدم التجريد فلقي فيها الأكابر، ورأى العلماء واقتبس من أنوارهم، واستفاد من فوائدهم.

وبهذا فقد حصّل مكانة رفيعة في الشأنين معا، في العلوم الشرعية التي تمكّن فيها غاية التمكن، خاصة في الفقه والأصول، والحساب، والفرائض، والرواية، إلى جانب اشتهاره بالزهد والتصوف أو ما يعرف بعلم الحقيقة. وقد تصدّر في الشأنين معا، وأخذ عنه جم غفير منهم الشيخ عيسى بن علال المصمودي، وأبو عبد الله محمد العكرمي، وغيرهما. توفي سيدي عمر الرجراجي في سادس ذي القعدة الحرام سنة عشرة وثمانمائة، ودفن بمطرح الجنة، خارج باب الفتوح، والدعاء عنده مرجو الإجابة كما أشار إلى ذلك غير ما واحد من العلماء والفضلاء.

أهم ما ميّز حياة هذا الولي الصالح، أنه جمع بين علوم الظاهر والباطن، فكان غاية في الزهد والورع والتقى، كثير العبادة، منقطعا للطاعة، مؤْثرا للخلوة، اشتهر بذلك غاية الاشتهار، وعُرِف في سائر الأقطار، قال عنه الإمام السخاوي: "إِمَام جَامع الأندلس من فاس كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الزّهْد والورع مَعَ تقدمه فِي الْفِقْه". نال سيدي عمر درجة عالية ومكانة غالية في سماء الولاية، فجلّ من ترجم له وأشار إليه من العلماء والفضلاء نسبوه إلى هذا الميدان، وأثبتوا مكانته فيه، إلى جانب المكانة الكبيرة التي حصّلها في مجال العلوم الشرعية، فكل من ترجم له أجمع على علمه وصلاحه، ودينه وورعه، فهو يعتبر من الأفاضل الذين عمّروا أعمارهم بالعبادة والعلم والصلاح، وله في ذلك حالات مشهورة، وأفعال مرضية، وكان الشيخ أبو عبد الله ابن أملال يقول: "لو كان هذا السيد متقدما في الزمان، لذكره أبو نعيم في الحلية"، بالنظر لما حصّله من مكانة في العلم والصلاح معا، فهو في هذا الباب في مرتبة ابن عباد ومن هو في طبقته، قال عنه ابن قنفذ: "من الأولياء، وصدور العلماء، شهرته بالصلاح أكثر منها بالعلم. وكان كثير الخلوة، لا يعرف أحد أين هو، يلبس التليس على جسده ويستره بجبّة. وعيشه من حبك البرانيس، وغلة دويرة ورثها من أبيه، وليس له عادة في غداء ولا عشاء، بل إذا احتاج أكل"، وقال عنه ابن غازي: "هو الشيخ العالم الصالح، المتفق على علمه وصلاحه، تاج الزهاد، وإمام العباد، ولي الله تعالى".

وهو لم ينل هذه الرتبة بالدعة والكسل، أو القيل والقال، وإنما بالجد والاجتهاد، والورع والزهد والتقى، كان شديد الورع والاحتياط لدينه، وله في ذلك قصص مشهورة، وأحوال مأثورة، ومما أثر عنه أنه اكترى في وجهته ورحلته للمشرق جملا يحمل عليه ما يضطر إليه وقت دخوله البرية، فبعد أن حمل عليه ما احتاج بمرّة، نزع بعض ملابسه وغسلها وجعلها تنشف على كتفه، فقيل له: يا سيدي ألا تجعلها على الجمل، فقال: لم أشترطه في الكراء. ولم تكن له حالة إلا الأخذ في قراءة العلم، نفعه الله ونفع به. وغيرها من القصص الكثيرة التي وردت في ورعه وزهده وتقواه.

مع هذا الورع والزهد، كان سيدي عمر منخرطا في مجريات الواقع وأحداثه وهموم المجتمع ووقائعه، ويظهر ذلك من خلال المهام التي تصدّر لها، فقد تقلد القضاء، والخطابة بجامع الأندلس، والتدريس، وانتفع به خلق كثير، وقد كان موقرا ومحترما من لدن العامة والخاصة، وكان السلطان يزوره ويعظمه، ويأخذ بمشورته، وهو ما أهله لأن يتصدّر لتأطير المجتمع وتوجيهه، فقد كان حريصا على هذا الشأن غاية الحرص، فكان "قوالا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم"، وكان متتبعا للحالة الدينية والأخلاقية في المجتمع، يسعى إلى تغيير المنكر بنفسه، باللين والترفق، وقد أقام الحدّ على من لا يجسر عليه، فأعانه على ذلك العامة والخاصة، بحيث كانوا يمتثلون أوامره وتوجيهاته، كما كان يتفقد أمر القضاة وأصحاب الأحباس، فيغيّر كل من لا يصلح، فكان ذات صيت ومكانة عند الناس، بسبب ورعه وخوفه من الله وتقواه. فعُرضت عليه أمور من الدنيا كثيرة، لكنه تورع عنها وأبى أن يقبلها، واقتنع بالكفاف، وآثر الخمول، واختار الفقر، وتدرّع بالسلامة، وسلك سبيل العافية. وبهذا أسهم في توعية المجتمع وتخليقه وتأهيله على أكثر من مستوى، علميا وسلوكيا وأخلاقيا، فهو كثيرا ما كان يحظ ويؤكد على ضرورة العمل والتقوى إلى جانب العلم والتعلم، ومن الأقوال المأثورة عنه في هذا الباب قوله: "العلم ميت وحياته التعليم، فإذا حيّا فهو خفي، وظهوره المذاكرة فإذا ظهر فهو ضعيف، وقوته المناظرة فإذا قوي فهو عقيم، وثمرته العمل، ينادي العلم، أين العمل؟ فإن أجاب وإلا ارتحل".

تنظر ترجمته في:

الروض العطر الأنفاس، ص: 174.

سلوة الأنفاس، ج3، ص: 91.

السلسل العذب، للحضرمي.

الضوء اللامع، للسخاوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق