الشيخ أبو زكرياء يحيى بن أحمد السراج (ت805هـ)

الفقيه الصوفي، الإمام الصالح، العالم الناصح، الرحالة المحدث الهمام، المكثر في الرواية، القائم بها فهما ودراية، سيدي أبو زكرياء يحيى ابن الفقيه العالم الصالح أبي العباس أحمد بن محمد بن حسن بن يحيى بن عاصم بن القُس النَّفزٍي الحِمْيَري الرُندي الأصل الفاسي المولد والوفاة المعروف بالسراج.
ينحدر سيدي أبو زكرياء من بيت بني السراج وهو بيت علم ودين بالأندلس، ونسبهم إلى حِمْير. كان منهم برندة ثم انتقل إلى فاس. ذكر هو في فهرسته في ترجمته لوالده سيدي أحمد أنه رندي الأصل، فاسي المولد والوفاة، مما يفيد أن مستقر عائلته قديم في فاس، وأن أحد أجداده هو من انتقل من رندة إلى فاس واستقر بها.
ولد سيدي أبو زكريا بمدينة فاس وبها نشأ في وسط من العلم والتقوى والورع، أخذ عن جم غفير من العلماء، أشهرهم والده أبو العباس، وسيدي محمد بن عباد، والشيخ أبو البركات ابن الحاج البلفيقي، والفقيه المدرس القاضي أبو محمد عبد النور بن محمد العمراني الفاسي، وغيرهم. غير أنه اختص كثيرا بالشيخ الكبير والصوفي الشهير أبي عبد الله محمد ابن عباد النفزي، وقد كانت بينهما قرابة ونسب وكانت بينهما صلة وثيقة، وهو يعتبر من أخصّ تلامذته ورفيقه كما نبّه على ذلك غير ما واحد ممن ترجموا له، وقد كانت بينه وبين الشيخ ابن عباد مراسلات ورسائل عديدة، وقد أثبت ابن عباد كثيرا منها في رسائله الكبرى، إذ أغلب تلك الرسائل كان المخاطب فيها سيدي يحيى السراج.
وبشكل عام فقد حصّل سيدي يحيى درجة كبيرة في العلم والصلاح معا، وقد كان كثير الاطلاع والبحث، قال عنه ابن القاضي في جذوة الاقتباس: "قلما تجد كتابا في المغرب ليس عليه خطه وله فهرسة وسماع عظيم، انتهت إليه رواية الحديث ورياسته". توفي سيدي يحيى السراج رحمه الله بفاس المحروسة سنة خمس وثمانمائة (805هـ)، ودفن مع شيخه سيدي ابن عبّاد بكدية البراطيل داخل باب الفتوح، وضريحه عن يمين الداخل لروضة الشيخ ابن عباد.
وأما عن خصوصية الشيخ سيدي يحيى السراج وتميّزه، فكل ذلك يظهر فيما حصّله من مكانة كبيرة في العلم والفقه والرواية، إلى جانب ما حصّله من درجات في التقوى والولاية والصلاح، وهذا الأمر نتبيّنه وندركه من خلال مطالعة فهرسته وهي فهرسة كبيرة تقع في سفرين كما وصفها غير ما واحد، التي تضمنت العديد من الإشارات والتصريحات في الجانبين معا، سواء في جانب تحصيله العلمي وكتبه ومؤلفاته، وسماعاته؛ إذ فيها سماع عظيم، أو في جانب ما دوّن فيها من خصوصياته التدينية، وما تخللها من علامات التقوى والصلاح، وأيضا ما وثقته لنا من تفرد في مجال التصوف، الذي أخذه عن شيخه الصوفي الشهير ابن عباد الرندي شارح الحكم العطائية، فقد ثنّى به سلسلة شيوخه بعد والده الفقيه والمقرئ أحمد السراج، قال عنه: "لازمته كثيرا، وقرأت عليه، وسمعت منه، وأنشدني من شعره ومن شعر غيره، وتردّدَتْ بيني وبينه الرسائل أيام كونه مقيما بمدينة سلا، وانتفعت به منفعة عظيمة في الطريقة الصوفية وغيرها، وأجازني إجازة عامة في جميع ما صدر عنه من تأليف وتقييد ونظم ونثر، وكتب لي خطه بذلك".
ويكفي لتبين القدر الكبير الذي حصّله سيدي يحيى في المجال الصوفي الوقوف عند ما خصّه به سيدي ابن عباد في رسائله الكبرى، حتى نتبيّن ما حصّله في هذا المجال الروحي والتزكوي، إلى جانب ما حصّله من مكانة كبيرة في جانب اشتغاله بالعلم والرواية، فهو بقدر ما كان مشتغلا بالعلم الشرعي والفقه والرواية، كان مشتغلا في جانب آخر وبشكل كبير أيضا بالعمل والسلوك وكل ما فيه الخير والصلاح، ومن أكثر ما يبرز هذا الجانب أنه كان مشتغلا كثيرا بالذكر وفي مقدمة ذلك قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يشتغل كثيرا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد في ذلك الشيء الكثير؛ تحبيبا في الأمر وتنبيها على قدره وفضله وآثاره، وقد أورد في ذلك كثير من الروايات والكرامات الواقعة لكثيرين من الفضلاء إثر الاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والرؤى المحصلة لدى كبار الصلحاء والعلماء في ذا الشأن، وهو ما تبلور في بعد واقعي من حياته وهو ما ترجمه في سلوكه وأخلاقه وفضائله، ويكفي لتبيّن هذا الجانب تتبع الشهادات التي قدمت في حقه في هذا الشأن سواء من شيخه ابن عباد أو من العديد من علماء وقته، فقد كان نموذجا عمليا للتنزيل الواقعي للأخلاق الإسلامية والفضائل المحمدية السامية، والحرص على كل ما فيه الخير والصلاح والفائدة والنفع لعموم الناس. فقد كان منخرطا في الحياة المجتمعية فاعلا فيها وموجها لمقتضياتها، سواء من خلال عقده لمجالس العلم والتدريس، فإليه انتهت رئاسة الحديث في وقته. أو من خلال تصدره للإفتاح والوعظ والتوجيه، أو من خلال انخراطه الفعلي وبثه السلوكي والواقعي للقيم الإسلامية الأصيلة التي تمثلها وأعطى النموذج والقدوة الحية فيها عبر أخلاقه وسلوكه.
تنظر ترجمته في:
ضوء السراج في ترجمة أبي زكرياء السراج 89.
جذوة الاقتباس 539 الترجمة رقم: 623.
سلوة الأنفاس، الترجمة رقم: 2/159 الترجمة رقم:166.
كفاية المحتاج 2/273، الترجمة رقم: 689.
نيل الابتهاج 2/335 الترجمة رقم: 791.