السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -10- محمد بن عمرو الريفي
الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.
وبعد:
ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها:
«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»
-10- محمد بن عمرو الريفي (1)
أبو عبد الله محمد بن عمرو الريفي، الفقيه النبيه، الصالح النزيه، أستاذ مجود.
دخل مدينة شفشاون، فقرأ القرآن وجوَّده بالقراءات السبع، ثم انتقل منها إلى جبل العلم الذي به ضريح عبد السلام بن مشيش، وصار يقرئ به الطلبة، ثم قدم إلى فاس ومعه جماعة من الطلبة الذين يقرؤون عليه، فوجد المعلم الذي كان يعلم الصبيان بمكتب جامع ابن البياض، ويقال له المسيد المزوق، بأسفل عقبة ابن صوال قد مات؛ فطُلب منه أن يتولى إقراء الطلبة به، ففعل.
كان خيرا، دينا، ناسكا، تاليا، ذاكرا، مشتغلا بما يعنيه.
وكان من أهل الجد والاجتهاد في التعليم دؤوبا عليه، مؤثرا له على غيره، لا يخرج من المكتب أصلا إلا لقضاء حاجة الإنسان، أو للصلاة، أو عند تسريح الصبيان في الأوقات التي جرت العادة بتسريحهم فيها، فيذهب في غير الجمعة والخميس لجامع ابن البياض الذي قبالة مكتبه؛ فيجلس فيه يتلو أو يذكر، وفي الخميس أو الجمعة يذهب إلى مولانا إدريس؛ فيظل هناك بالتلاوة أو الذكر، هذا دأبه دائما إلى الوفاة.
تخرج به كثير من الطلبة، منهم:
محمد الشاهد بن الحسن اليوبي الشريف الحسني، أخذ عنه القراءات السبع.
جعفر بن إدريس الكتاني قرأ وحفظ عليه القرآن برواية ورش من «والمحصنات» إلى آخر القرآن، كما قرأ عليه أيضا رواية قالون، وقراءة عبد الله بن كثير المكي.
توفي رحمه الله بفاس بالطاعون سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف، ودفن بمطرح الأجلة بالقباب.
- مصادر الترجمة: إعلام أئمة الأعلام ص166-167، سلوة الأنفاس 3/68-69، إتحاف المطالع 1/206. وانظر: قراء المغرب الأقصى ص216-217.