مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -5- محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الجزري

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-5- محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الجزري(1)

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الجزري وَلد شمس الدين ابن الجزري, أبو الفتح الشافعي، ولد يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق.

قال ابن حجر: «نزيل بلاد الروم ثم دمشق، باشر الأتابكية بدمشق .. وكان جيد الذهن، يستحضر كثيراً من الفقه، ويقرئ بالروايات ويخطب جيداً».

حضر الشاطبية على إبراهيم بن أحمد الإسكندري بسماعه من الفزاري، وسمع الشاطبية على الشيخ عبد الوهاب بن السلار، وقرأ عليه الفاتحة بالقراءات السبع، وسمع عليه إلى «وَارْكَعُواْ مَعَ اَ۬لرَّٰكِعِينَ» بالقراءات، وسمع من أصحاب أبي سليمان، وابن المشرف، وابن الموازيني، وغيرهم، كالشيخ الحافظ ابن المحب، وابن عوض، وابن محبوب، وسواهم.

حفظ القرآن وله ثماني سنين واستظهر الشاطبية والرائية ومنظومة أبيه الهداية، وشرع في الجمع بالعشر على أبيه ابن الجزري، فرحل به إلى الديار المصرية، فأدرك به أبا الفتح محمد بن أحمد العسقلاني آخر أصحاب الصائغ سنة ثمان وثمانين, فقرأ عليه القراءات الاثنتي عشرة بمضمن عدة كتب بحضور المقرئ الفاضل صدقة الضرير مؤدبه, ثم جمع ختمة بالسبع على أحمد بن بيبرس صاحب السراج بمضمن الإعلان، وسمع كثيرا من كتب القراءات على ابن السويداوي.

ثم اشتغل بالفقه وغيره، فحفظ عدة كتب في علوم مختلفة؛ كالتنبيه للإمام أبي إسحاق، وألفية ابن مالك، ومنهاج البيضاوي، وتلخيص المفتاح، والمنهج في أصول الدين لشيخ الإسلام البلقيني، وألفية العراقي في علوم الحديث، وغير ذلك، وعرض محفوظاتِه مرات على شيوخ عصره وأجازوه، وأذن له بالإفتاء والتدريس شيخُه الإمام برهان الدين الأبناسي.

أحضرَه أبوه كتابَي أبي داود والترمذي كاملا على عمر بن أميلة، وشيئا من مسند الإمام أحمد على ابن أبي عمر، والمائة العلائية من مشيخة ابن البخاري عليهما، وغير ذلك, والثاني من الجزئيات على ابن هبل بسماعهم من ابن البخاري، والإرشاد من ابن أميلة عن الفاروثي وابن البخاري, وأجازه الشيخ عبد الرحمن بن البغدادي، والحرّاز صاحب الدمياطي.

ولما دخل والده الروم باشر وظائفَه بدمشق، ودرَّس وأقرأ حتى اخترمته يد المنون بالطاعون, فإنا لله وإنا إليه راجعون، سنة أربع عشرة وثمانمائة؛ انقطع ثلاثة أيام بمنزله بالأتابكية بسفح قاسيون، وصُلي عليه بعد العصر من يومئذ بالجامع المظفري، ودفن تحت الروضة من غربيّها إلى جانب قبر القاضي جمال الدين ابن جمله. ووالدُه بشيراز, فلا حول ولا قوة إلا بالله.

  1.  غاية النهاية 2/ 251-252، تاريخ ابن حجي 2/975، إنباء الغمر 2/503، الضوء اللامع 9/287-288، الشقائق النعمانية ص26-27.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق