مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -14- قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها:

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-14- قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي(1)

قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي، يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن درهم، مالقي، أصله من جبال تاغسى، ودخل غرناطة وقرأ بها.

حاله: من تذييل صاحبنا القاضي أبي الحسن، قال فيه: «كان، رحمه الله، واحد زمانه، ينبوع الحكمة يتفجر من لسانه، وعنوان الولاية على طيلسانه».

ومن «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، علما من أعلام الزهد والورع والديانة، والتقلّل من الدنيا، والعكوف على تجويد كتاب الله وإقرائه، منقطع القرين فيه، كثير المناقشة والتحقيق، يرى أن ليس في الأرض من يحكم ذلك حق إحكامه، ما لم يأخذه.

مشيخته: قرأ على جملة من حملة كتاب الله بالمشرق والمغرب والأندلس، وعني بذلك. ثم لم يعتمد منهم إلّا على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي بسبتة، والخطيب أبي جعفر بن الزيات ببلّش من الأندلس، واستمرت حاله على سبيلها من الزهد والانقباض والتنطّع، والإغراق في الصلاح، والشّذوذ في بعض السجايا إلى أن توفي.

بعض من نوادره مع اخشيشانه: حدّثني القاضي أبو الحسن بن الحسن أن بعض الطلبة المتنسّكين قال له: أتيتك أقرأ عليك، فأستخير الله، ثم أتاه فقال: قد استخرت، وهمّ بالقراءة، فقال له الشيخ: أمسك حتى أستخير أنا الله في قراءتك عليّ، فقال الطالب: وهذا عمل برّ، فقال له: الحجة عليك، فانفصل عنه. ثم عاد إليه يسأل منه القراءة، فقال: يا بني، ظهر لي أن لا تقرأ عليّ، فانصرف.

ومن أخباره في الكرامة، قال لي المذكور، وقد أزمعت السفر إلى ظاهر طريف مع جمع المسلمين، أنك إن سافرت يا ولدي، تقاسي مشقّة عظمي إن سبق القدر بحياتك، والله يرشدك، وقد كنت شرعت في ذلك مع رفقائي. وفي سحر ليلة اليوم الذي انهزم فيه المسلمون، رأيته في النوم يقول لي منكرا عليّ: قلت لك لا تسافر، يكرّرها، فاستيقظت، وأوقع الله بقلبي الرجوع إلى الجزيرة، لآراب أقضيها، فما بلغ زوال الشمس من اليوم إلّا ومقدّمة الفلّ على أطواق البلد في أسوإ حال.

وفاته: توفي ببلدة مالقة خامس صفر، من عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطّاعون، توفي وآخر كلامه: رزقنا الله عملا صالحا يقربنا إليه زلفى، وجعلنا ممن يمرّ عقبتي الدنيا والآخرة مرور أهل التقوى.

مصادر الترجمة: الإحاطة في أخبار غرناطة 4/220-221، تاريخ قضاة الأندلس ص133-134.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق