وحدة الإحياءدراسات عامة

السعي الإنساني “الشتّى” بحثا عن وجهة، من الاستباق إلى العمران

إن حركة السعي الإنساني “الشتى” آية من الآيات المقدرة في الكون وفق الوحي القرآني، ومن لزومياته تعدد الوجهات نحو شهادة الأمة المقصودة، ومآب ذلك إلى أصول الاختلاف وتعدد الشِّرَع وتنوع المناهج، المترجمة في خصيصة الاستباق لكسب ذلك التدافع الكوني، الأمر الذي يعرض حتما لسؤال المعنى في هذا الاستباق: “أيّ هدف وما القصد وبأي رؤية وما السبيل؟”

 إن وحدة الأصل الخلقي وتعدد المناهج وتنوع الشرع في التصرفات الإنسانية لن تفضي إلا إلى تعدد في حركة السعي، بناء على طبيعة الاستباق والتنافس في الدنيا، ورغم تعدد المساعي الإنسانية واختياراتها في اتخاذ وجهات مختلفة، فإنها لا تخرج عن اتجاهين اثنين، اتجاه في السعي الضليل وآخر في السعي المشكور، إنما السعي الإنساني يقتضي التأهب لإقامة الوجهة القيمة بعمران الأرض، وعمران الروح، وعمران الاجتماع، سبلا ليرتقي عمرانيا مشكورا، وهو الذي أمر الخالق بإقامته في الأرض بداية من إقامة الصلاة مدخلا لإقامة صروح الروح، ومرورا بإقامة العدل طريقا لإقامة صروح الاجتماع الإنساني، وانتهاء بعمارة الأرض سبيلا لإقامة صروح الحياة.

فكيف يفهمنا الوحي الكريم بآياته الحكيمة آيات السعي العمراني المشكور، ومقتضياته السننية في فقه حركته المتناسبة، وتصريفها في مواقع الوجود الإنساني؟

أولا: أسس حركة السعي الإنساني

تعود حركة السعي الإنساني في مواقع وجوده إلى ثلاثة أسس كبرى؛ بينتها آية التعارف القرآنية في سورة الحجرات، وهي أساس الخلق الموحد، وأساس تعدد الشّرع، وأساس تنوع حركة السعي واتجاهاته.

1. أساس الخلق

تتحدد تجليات الخلق الإلهي للبشرية ومظاهر وجودها من خلال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13) في ثلاث أبعاد أساسية، لتجعل منها كلية وجود الإنسان، ومصير سعيه في الكون.

البعد الأول: فعل الخلق

 يظهر تأكيد الفعل الخلقي من الذات المتعالية عن كل خلق، وفي الكون للناس كافة في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ﴾؛ فالخلق صبغة إلهية واحدة، وهذه الواحدية في الخلق تنفي أي تعال للمخلوقين فيما بينهم، فهم سواء من حيث أصل الخلق. قال ابن عربي: “بين الله تعالى في هذه الآية أنه سبحانه خلق الخلق من ذكر وأنثى، ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم، أو دون ذكر كخلقه لعيسى، أو دون أنثى كخلقه لحواء من إحدى الجهتين. وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود”[1].

البعد الثاني: أصل الخلق

كل الناس أصل خلقهم الأول ذكر وأنثى، وإن من معاني وحدة الخلق البشري عودة أصلهم جميعا إلى نسل واحد، وذلك ما يجعل أصول اجتماعهم غالبة على أصول تنافرهم، فأصل الفطرة والجنس والنسل كلها دلائل وحدة واتحاد، تدفع نحو البحث عن المشتركات المبدئية لخلق ذلك التكامل الإنساني في الوجود، والذي يدعو الخطاب الإلهي إلى ترجمته على صعيد التعايش والمصير، “بعد هذه المدارج إلى ذلك الأفق السامق، يهتف بالإنسانية جميعها على اختلاف أجناسها وألوانها، ليردها إلى أصل واحد، وإلى ميزان واحد”[2] إن قوله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ توجيه بليغ وتذكير خطير لا ينبغي للناس الغفلة عنه وهم يسعون في الأرض ويسيرون في الآفاق، للنظر في معرفة كيفية بداية الخلق، حتى لا يزيغوا عن بوصلة وجهة التعايش والتنافس في التقرب إلى حقيقة الخالق: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ (العنكبوت: 19).

البعد الثالث: جنس الخلق

 كما أن بشرية هذا الوجود تعود في أصلها الخلقي إلى نسل موحد ذكر وأنثى “آدم وحواء”، فإنها تتحدد أيضا في الأجناس المتناسلة عنها، حيث لا تخرج عن وحدة الزوج الذكر والأنثى، تعيش بنفس الخصائص الأولى وتمتلك سماتها، منذ بداية النسل البشري، لذلك فلا حضور لأي فروق جوهرية تضع حدودا ثقافية أو حضارية بين الناس، لأن الأصل واحد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1)، وكما تم الخلق من جنس الذكر والأنثى فإن السعي الإنساني مختلف وشتى بدرجة فرق واختلاف الجنسين، وهو المقسوم به في آية: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ (الليل: 12-4).

2. أساس تعدد الشِّرع

وإن كان يلزم من وحدة أصل الخلق البشري وحدة في الاتجاه وتوحيدا في الوجهة: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ فإن مقتضى الرؤية الوحيانية غاير في الاتجاه وعدّد في الوجهة، طلبا للابتلاء في المؤتى وتقصيدا للاستباق الحضاري في العمران الإنساني: ﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، لذلك فإن المعنى من قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة: 50) هو” أن لكل فريق اتجاها من الفهم والخشية عند طلب الوصول إلى الحق، وهذا الكلام موجه إلى المسلمين؛ أي اتركوا مجادلة أهل الكتاب في أمر القبلة ولا يهمنكم خلافهم، فإن خلاف المخالف لا يناكد حق المحق، وفيه صرف للمسلمين بأن يهتموا بالمقاصد ويعتنوا بإصلاح مجتمعهم[3].

فكان إذن، تعدد الشّرع وما يستتبعه من تنوع المناهج مسلكا من مسالك التعبد، والالتفاف إلى واحدية الخلق، بحسبانه آية من آيات الرحمن: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (الروم: 21) الآيلة إلى التفكر والتدبر في علامات وجوده والتسبيح بعظمته: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ (الروم: 16).

3. أساس تنوع السعي

إن وحدة الأصل الخلقي وتعدد المناهج، وتنوع الشرع في التصرفات الإنسانية لن تفضي إلا إلى تعدد في حركة السعي، لأنها من طبيعة الاستباق والتنافس في الدنيا، فالسعي إذن، هو الحركة المنهاجية المتبعة مع استصحاب القصد المتعين، والنية المبيتة: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى(النجم: 38) وهو “المشي القوي الحثيث، وهو مستعار هنا للعمل والكد”[4].

 ورغم تعدد المساعي الإنسانية واختياراتها في اتخاذ وجهات مختلفة فإنها لا تخرج عن اتجاهين اثنين، اتجاه في السعي الضليل وآخر في السعي المشكور: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف: 99) وكذا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(الإسراء: 19).

إن هذا التباين في السعي المفضي إلى التبيان في التفضيل بين السعيين الضليل والمشكور، من حيث العاجل والآجل، لا يستلزم ضرورة تباينا في الإمكانات والأسس، بل إن الإمداد لكل المساعي في المتناول، والعطاء المؤتى لكلا الوجهتين موفور وليس بمحظور: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ إن هاتين المزيتين المسخرتين للإنسان في الكون، من إمداد مؤتى وعطاء موفور، إنما هما محض ابتلاء واختبار في التماس السعي المرجو والمشكور، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام: 167).

وقد أقسم الخالق على هذا التنوع في السعي الإنساني، كما نوع في خلقه بين الذكر والأنثى وبين الليل والنهار، وهذا الفارق المتسع في التمييز بين المقسوم به تأكيد على فارق التنوع في السعي واستحالة اتحاده، وكونه سنة من سنن التكوينية الملزمة، فقال الرحمن: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ (الليل: 1-4). قال القرطبي: “إن سعيكم لشتى هذا جواب القسم، والمعنى: إن عملكم لمختلف (…)؛ أي إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض، لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى، أي فمنكم مؤمن وبر، وكافر وفاجر، ومطيع وعاص، وقيل: لشتى؛ أي لمختلف الجزاء فمنكم مثاب بالجنة، ومعاقب بالنار، وقيل: أي لمختلف الأخلاق فمنكم راحم وقاس، وحليم وطائش، وجواد وبخيل، وشبه ذلك”[5].

 إن الفساد والإفساد في الأرض يمثل أحد المداخل الكونية للسعي الضليل: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ (البقرة: 203)، و”في تفسير التولي هنا قولان: أحدهما؛ أن صاحب الدعوى القولية إذا أعرض عن مخاطبه وذهب إلى شأنه، فإن سعيه يكون على ضد ما قال، يدعي الصلاح والإصلاح وحب الخير، ثم هو يسعى في الأرض بالفساد، ذلك أنه لا هم له إلا في الشهوات واللذات والحظوظ الخسيسة، فهو يعادي لأجلها أهل الحق والفضيلة ويؤذيهم، لأنه ألد خصم لهم للتناقض والتضاد في الغرائز والسجايا..

والقول الآخر: أن المراد بـ(تولّى) صار واليا له حكم ينفّذ وعمل يستبد به، وإفساده حينئذ يكون بالظلم مخرب العمران وآفة البلاد والعباد، وإهلاكه الحرث والنسل يكون إما بسفك الدماء والمصادرة في الأموال، وإما بقطع آمال العاملين من ثمرات أعمالهم وفوائد مكاسبهم”[6].

ثانيا: مسالك السعي الإنساني المشكور

إن من حسن مواجهة الابتلاء المقدر على الإنسان في الكون، والمستصحب لتعدد الشرع وشتى السعي، التزام وامتلاك مقاصد الاستباق الخيري النافع للناس، ثم تحسين التدافع بين المناهج والشرع، وكذلك التعارف المتكارم.

1. الاستباق الخيري

إن مشيئة الخالق في وحدة الشرع والمناهج للناس وجعلهم في وحدة الأمة سيكون حسما للاختبار الإنساني، والابتلاء البشري، في طلب تلك الوحدة وتوحيد المناهج، وهو ما فتح للإنسانية مداخل الاستباق الحضاري في فعل الخيرات النافعة للناس، والدافعة نحو وحدة الأمة وتوحيد الخالق، وهذا ما يخبرنا به قول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة: 50).

 فهذا الاستباق بكل ما يحمله من دلالات المسارعة والتسارع نحو الخير، والاستمرار في طلبه، والتقصيد في الظفر بمحاسنه، مسلك من مسالك السعي المشكور، الذي به يوجه الإنسانية لسبيل وطريق الوجهة المحمودة والسليمة. وقوله: “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ”؛ أي “فاجعلوا أنتم مقصدكم أنواع الخير من القبلة وغيرها، وتسابقوا في قصدكم إليها؛ أي كانوا في المبادرة إلى أفعال الخير كمن يسابق خصما فهو يجتهد في سبقه، فإن الاستباق تكلف السبق والسبق بروز أحد المتحاربين”[7].

إن استباق الخيرات الموصلة إلى سعادة الإنسانية والتماس مداخل السعي المشكور تنبؤنا بها تتمة سورة الليل، فقد جعلت من العطاء والتقوى والتصديق مصاديق الاستباق والتنافس، فالعطاء بتنوعه الروحي والمادي والأخلاقي هو الأساس الأول الذي به يلتمس سبيل السعي: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ إنما البخل الروحي والمادي والأخلاقي لا يوصل إلى المطلوب ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، فذكر أن من أعطى، وظاهر ذلك إعطاء المال، وهي أيضا تتناول إعطاء الحق في كل شيء، قول أو فعل، وكذلك البخل المذكور بعد، يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها”[8].

لذلك، فإن تلك الشرع المتنوعة والمناهج المختلفة من دون شك لها وجهات متغايرة، تولاها الإنسان بحسب طوائفه المختلفة، وهو ما يدعو إلى التماس الخيرات في سباق وتسابق واستباق: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[9] (البقرة: 147) وهذا الاستباق كما يكون في طلب الخير والمنافع، يكون أيضا في طلب والتماس الحق لأن قوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ تفريع للأمر على ما تقدم؛ أي لما تعددت المقاصد فالمنافسة تكون في مصادفة الحق[10] وكذلك “ابتدروها بالمسابقة إليها، وهذا أبلغ من الأمر بالمسارعة، لما فيه من الحث على إحراز قصب السبق، والمراد بالخيرات جميع أنواعها مما ينال به سعادة الدارين[11]“.

2. التعارف المتكارم

إن التعارف في الخطاب القرآني مقصد أصيل من الخلق الإلهي للبشر، ومن التنوع الإنساني من شعوب وقبائل كما أنه مدخل حضاري للتثاقف والتحاضر بين تلك الشعوب المختلفة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13) .

فإذا كانت مقاصد التعارف بين الذكر والأنثى، “الذين يؤول خلقهما إلى الخالق جل وعلا تنحصر في التزاوج والتناسل والتساكن، فإن مقاصد التعارف بين الشعوب والقبائل؛ التي يعود جعلها الثقافي إلى الله، عز وجل، تتحدد في التواصل الحضاري، والتكارم الإنساني. يقول ابن العربي في بيان هذا الأمر من الآية: “خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنسابا وأصهارا، وقبائل وشعوبا، وخلق لهم منها التعارف، وجعل لهم بها التواصل، للحكمة التي قدرها، وهو أعلم بها، فصار كل أحد يحوز نسبه، فإذا نفاه عنه أحد استوجب الحد بقذفه له، مثل أن ينفيه عن رهطه وجنسه”[12].

وقد تزين بنو آدم بزينة التكريم مع باقي الخلائق، ووشح بلباس التفضيل عليها، وليس له من ذلك شيء في علاقته مع باقي جنسه، لذلك فإن مناط التكريم للإنسان في علاقته مع الإنسان لا يتحقق في الأوصاف المادية الخلقية والجنسية أو الإثنية، بل في الوصف الخلقي المرتكز في التقوى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء: 70) وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، إشارة بليغة إلى ذلك المعنى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..”[13].

وقد أبدع التوصيف القرآني بهذه الإشارة أيما توصيف: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ فصفة الأكرمية لها وثاقة دقيقة بقيمة التقوى، وسواء كان الوقف في قراءة النص عند “إن أكرمكم” ثم استؤنف، أو عند “عند الله” ثم كان الاستئناف، فالمعنى لا تغيب عنه تلك الصفة العظيمة والمميزة، ففي الأول دلالة على أن الكرم بين الناس مدخل لصفة التقوى، والثاني لا يحوز صفة الأكرمية عند الله إلا أهل التقوى، وأنت ترى ما بين المعنيين من توافق وتكامل.

إن من حسن فقه الخطاب الإلهي؛ وتمثله بين الناس في حياتهم الإنسانية تمكنهم في امتلاك الوجهة الصحيحة في السعي، وتصريف الأحكام، إضافة إلى حرصهم على جعل مقصد تلك الوجهة مناط تنافسهم؛ في تحقيق قيم التعبد والاستخلاف والشهود. لأن من المقاصد الكبرى للتكارم الإنساني حفظ مزايا ذلك التعدد الجميل، ومراعاة ذلك الاختلاف الحميد بين صنوف الناس المعتبرة من أبهى آيات الخالق في خلقه: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (الروم: 21).

وإن التنافس في حيازة مكارم الكرامة والأكرمية والكرم سباق حضاري شريف، شرعه ذو الجلال والإكرام لضمان تدافع إنساني حضاري نبيل في هذا الكون، ولحفظ سفينة هذا الكون التي تمخر عباب بحر متلاطمة أمواجه، بين قائم على حفظ السفينة وغير متورع عن الخرق في أسفلها[14].

إن التكارم بين الأمم والشعوب قيمة من قيم التدافع الحضاري، ومدخل أساس لبناء صرح ذلك الشهود الذي أنيطت به أمة الإسلام، لكن أمة الشهادة لا تنفك عنها مسؤوليات كبرى في ظل ذلك التكارم الثقافي، والتنافس في المدافعة، حتى تكسب ذلك الرهان القيمي في السعي الشتى وتتحقق تجليات التقوى.

ثالثا: وجهة السعي العمراني المشكور

إن السعي الكوني الإنساني يقتضي التأهب لإقامة الوجهة القيّمة بعمران الأرض، وعمران الروح، وعمران الاجتماع، سبيلا ليرتقي خالصا مشكورا: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 29) وفي آية أخرى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾.

وإقامة الوجه هو تقويم المقصد، والقوة على الجد في أعمال الدين، وخص الوجه بالذكر لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه، ودخل في هذا الخطاب أمتُه باتفاق من أهل التأويل، وحنيفا معناه معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة”[15]، ليكون بذلك إقامة الوجه إقامة للقصد والدين والعمل[16].

إن وجهة السعي المشكور القيّمة هي وجهة العمران الإنساني في الكون، التي أمر الخالق بإقامتها في الأرض، بداية من إقامة الصلاة مدخلا لإقامة صروح الروح: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ (البقرة: 3) فهو بمثابة عمران سجود، ومرورا بإقامة العدل طريقا لإقامة صروح الاجتماع الإنساني: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ (المائدة: 9) وكذا قوله جل وعلا: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (الرحمن: 7)، إشارة إلى عمران شهود، وانتهاء بعمارة الأرض سبيلا لإقامة صروح الحياة: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا(هود: 60) دلالة على عمران وجود.

 وكل هذه العمرانيات الإنسانية المختلفة والمطلوبة؛ من عمران سجود وعمران شهود وعمران وجود إنما سبل ووسائل للعمران الحق الذي هو عمران خلود: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(الإسراء: 19) ثم قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 50).

1. العمران الروحي

إن من مقتضيات وجهة السعي الإنساني المشكور انبناؤه على التقصيد العمراني الروحي والقيمي، الذي يستعيد به الإنسان وجوده الكوني، وأهم تجليات ذلك الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ (البقرة: 3)، ولا تكفي إقامة الصلاة بالإعداد لها والتهييء لصحتها، والإحسان فيها لإقامة وجهة حنيفية يتقصد بها السعي المشكور، بل يشترط في ذلك استصحاب الإيمان الصادق بالغيبيات: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(الإسراء: 19)، إنه عمران سجود الذي يتمثل الجانب الروحي إعدادا للإقامات الضرورية الأخرى اللازمة. والتي تظهر في بناء وإقامة النظام الاجتماعي السليم، والمتمثل في عمران شهود وما يليه من عمرانيات.

2. العمران الاجتماعي

بنفس القدر الذي أُمر به الإنسان المكلف في الأرض بإقامة الصلاة المستصحبة للإيمان بالغيب؛ باعتبارها عمرانا روحيا أي عمران سجود، طلب منه إقامة النظام الاجتماعي على سبيل الدعوة إلى القيامة بالقسط: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ (المائدة: 8) وإقامة الوزن بالقسط دون خسران الميزان وتضييعه: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان﴾ (الرحمن: 7).

وقد ضرب الرحمن مثلا لهذا التباين في الاستواء بين المكلفين، باتخاذ الوجهة القيّمة القاصدة للسعي المشكور، والأخرى القاصدة للسعي الضليل، وعدم الاستواء والهداية مناطه في إقامة العدل والأمر به والدفع إليه، إنه سبيل إلى امتلاك ناصية السعي المشكور في بناء عمران الوجود: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (النحل: 76).

وقد بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الملك: 23) “وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه، كمثل من يمشي مكبا على وجهه؛ أي يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه؛ أي لا يدري أين يسلك، ولا كيف يذهب؟ بل تائه حائر ضال، أهذا أهدى (أمن يمشي سويا)؛ أي منتصب القامة (على صراط مستقيم)؛ أي على طريق واضح بين، وهو في نفسه مستقيم، وطريقه مستقيمة، هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة”[17].

3. العمران المادي

إن قصد النشأة الأولى للخلق البشري هو عمارة الأرض وإسكانها، وقد قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 60)، والمراد أنه هو المنشئ لخلقكم والممد لكم بأسباب العمران والنعم فيها، فلا يصح أن تعبدوا فيها غيره، لأنه هو صاحب الفضل كله، والمستحق للعبادة وحده”[18].

 ومما جاء في معنى: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ “أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن، وغرس أشجار. وقيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها”[19]، وقيل أيضا في معناها: أمركم بعمارتها بما تحتاجون إليه. وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة، والغراس، والأبنية[20].

وإن من تجليات السعي الإنساني القاصد حفظ العمران في الأرض، من جانب وجوده، ودفع الفساد من جانب عدمه: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة: 203)، وقد بين التنزيل الكريم ذلك من خلال مسلك التدافع الإنساني، بإرادة الحضور والمشاركة من كل السعاة في السعي الحضاري الشتّى، سواء كان مشكورا أو ضليلا، وفرضِ وجودهم الثقافي بشتى الوسائل والآليات..

 وفي هذا السياق قال الزمخشري كلاما جميلا وشاهدا في نفس المعنى وهو يفسر قوله تعالى في الآيتين: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة: 249)، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ (الحج: 38).

حيث قال في الأولى: “ولولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض، ويكف بهم فسادهم، لغلب المفسدون وفسدت الأرض، وبطلت منافعها، وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل، وسائر ما يعمر الأرض، وقيل لولا أن الله ينصر المسلمين على الكفار لفسدت الأرض بعيث الكفار فيها وقتل المسلمين، أو لو لم يدفعهم بهم لعم الكفر، ونزلت السخطة، واستؤصل أهل الأرض”[21]. بل إن ذلك خطر على الديانات وأهلها كما قال في الآية الثانية: “ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبّداتهم فهدموها، ولم يتركوا للنصارى بيعا، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلوات ولا للمسلمين مساجد..”[22].

خاتمة

جال هذا التفكر القرآني في رحاب آيات سننية في البناء العمراني من الذكر الحكيم، متقصدا استكشاف بعض الآيات والعلامات المؤسسة لحركة السعي الإنساني، حتى يلامس مقتضياتها العمرانية، ضمن حركة السعي الكونية “الشتى”، تجنبا لسبيل السعي الضليل، وتشوفا إلى سبيل حركة السعي العمراني المشكور، سواء تعلق الأمر بعمران السجود؛ أي العمران الروحي الأساس في الطلب، أم عمران الشهود المستند إليه في تمتين شبكة العلاقات الاجتماعية، القائم على العدل والميزان بالقسط بين الناس، أم عمران الوجود المتجلي في البناء العمراني المادي، لحماية النوع الإنساني ورفاهيته، لينتهي بعد هذه العمرانيات بحركة السعي العمراني المشكور إلى بناء عمران الخلود المقصود بالقصد الأصلي والأعظم. وقد جعلت هذه الورقة من الكلام في أسس حركة السعي الإنساني، وشروط قيامه ليكون مشكورا، وتحديد وجهته لينتهي عمرانيا في جوانبه كلها مطالب كبرى في صياغة هذا التفكر.

الهوامش

[1]. أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، لبنان: دار الفكر للطباعة، 4/158.

[2]. سيد قطب، في ظلال القرآن عند تفسير، بيروت-القاهرة: دار الشروق، ط17، 1412ﻫ، 6/3348.

[3]. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، 1984م، 2/43.

[4]. المرجع نفسه، 31/380

[5]. أبو عبد الله محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، القاهرة: دار الشعب القاهرة، ط2، 1372ﻫ، 20/74، وأنظر أيضا أبو الحسن الماوردي، النكت والعيون (تفسير الماوردي)، السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ج1، 6/286، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، بيروت: دار الكتاب العربي، ط3، 1407ﻫ، 6/385.

[6]. محمد عبده، ورشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، دار المنار، ط2، 1947م، 2/200، وانظر أيضا: التحرير والتنوير، م، س، 2/269 والكشاف، م، س، 1/416، محمد الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1422ﻫ، 1/222.

[7]. أبو بكر البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1415ﻫ/1995م)، 2/230.

[8]. ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1422ﻫ، 8/633.

[9]. “وتستعار الوجهة لما يهتم به المرء من الأمور تشبيها بالمكان الموجه إليه تشبيه معقول بمحسوس، ولفظ وجهة في الآية صالح للمعنيين الحقيقي والمجازي فالتعبير به كلام موجه وهو من المحاسن، وقريب منه قوله عز وجل: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ التحرير والتنوير، م، س، 2/43.

[10]. التحرير والتنوير، م، س، 2/43.

[11]. محمد جمال الدين القاسمي، تفسير القاسمي، دار إحياء الكتب العربية، ط1، (1376ﻫ/1957م)، 2/148.

[12]. ابن عربي، أحكام القرآن، م، س، 4/158.

[13]. رواه الإمام أحمد بن حنبل في باقي مسند الأنصار، والبيهقي في سننه.

[14]. ولنا في حديث السفينة الرائع خير تصوير لهذا المشهد العالمي الذي نعيشه اليوم، فقد جاء فيه: “روى الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، رحمه الله، في صحيحه: عن النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا”.

[15]. القرطبي، م، س، /24. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1419ﻫ، 6/314.

[16]. انظر: تفسير الماوردي، م، س، 4/312.

[17]. تفسير ابن كثير، م، س، 181/8.

[18]. تفسير المنار، م، س، 12/102.

[19]. الجامع لأحكام القرآن، م، س، 52.

[20]. أبو بكر الرازي الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد صادق القمحاوي، عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط، 1405ﻫ، 2/54.

[21]. الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، م، س، 1/382.

[22]. المصدر نفسه، 3/16.

الوسوم

د. الحسان شهيد

أستاذ التعليم العالي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، تطوان-المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق