مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمعالم

الدور السياسي لمدينة تكاوست من خلال معاهدة بوطاطا

 

شهد التاريخ الحديث لمنطقة وادي نون جملة من المتغيرات على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والسياسي فرضتها مجموعة من التحولات الجيوستراتيجية على مستوى غرب الصحراء الكبرى من جهة,والتحولات التاريخية التي عرفتها اروبا من جهة ثانية .

وفي سياق هذه التحولات ظهرت مدينة تكاوست من موقعها الإقتصادي الذي جعلها تتربع على الطرق التجارية القادمة من السودان الغربي والمتوجهة إلى أروبا بحرا عبر البوابة البحرية لوادي نون حيث تم تسجيل البدايات الأولى للظهور الإبيري في المنطقة .

وقد أسالت المكانة الإقتصادية لمدينة تكاوست لعاب التاج الإسباني جعلته يضع هذه المنطقة نصب عينيه من خلال العلاقات التي سينسجها مع الكيانات السياسية في المنطقة وعلى رأسها مملكة بوطاطا التي اتخذت من تكاوست عاصمة لها .

ومنذ سنة 1499 م عقدت معاهدة شهيرة بين إسبانيا وزعماء منطقة وادي نون سميت "معاهدة بوطاطا".

فماهي مضامين هذه المعاهدة ؟ وماهي حدود مشاركة القبائل المحلية فيها ؟ وماهوالدورالسياسي الذي لعبته مدينة تكاوست في هذه المعاهدة ؟

 

1-معاهدة بوطاطا : المجال والحدث:

عقدت هذه المعاهدة بين حاكم جزر كناريا لوبيز شونشيزي دي فلانزويلا وحاكم مملكة بوطاطا في 15 فبراير 1499 . وقد وردت هذه المملكة في مجال خارج عن السيطرة الوطاسية , وكانت تحمل اسم بوطاطا . لكن لا نعرف مدلول هذه الكلمة هل هي إسم لزعيم فنرجح بذلك التفسير القائل بأن مملكة مشابهة في المنطقة اتخذت إسم زعيمها في فترات لاحقة وهي مملكة تازروالت التي كان يطلق عليها إسم مملكة سيدي هاشم أم أن الكلمة هي اسم لمجال جغرافي فنرجح بذلك الطرح القائل بأن كلمة طاطا هي إسم يطلق على واحة في باني على بعد 220 كلم شمال شرق مدينة كلميم . وانطلاقا من موقعها كمنفذ وسط الأطلس الصغير , شكل واد طاطا حدا فاصلا بين مجموعة من الإمارات والعصب والرابطات التي شكلت الحدود الشرقية للمملكة .

     على أن هناك تفسيرا آخر يمكن إدراجه بقراءتنا للخريطة التي أوردها خوليو كاروباروخا عن حدود مملكة بوطاطا , حيث وردت داخل هذه الخريطة مجموعة قبلية تحمل اسم " إد بوطاطن " شمال شرق مدينة إفني .فهل يتعلق الأمر بالمجموعة القبلية التي أسست المملكة ?تبقى هذه التساؤلات مطروحة في غياب تأكيدات في المصادر العربية التي لم تشر إلى هذه المملكة خصوصا حسن الوزان الذي زار المنطقة بعد المعاهدة ب 14 سنة . ثم أن المصطلح لم يعرف إلا في وثيقة المعاهدة التي أبرمها زعماء منطقة وادي نون مع حاكم جزر كاناريا .أما عن امتدادات مملكة بوطاطا فلا توجد هناك معطيات محددة يمكن من خلالها ضبط مجال المملكة لكن بعض القرائن تحيلنا على وضع تصور للحدود التقريبية لهذه المملكة من خلال المداشر التي وقعت على بنود المعاهدة , والتي تمتد بين مصب واد أساكا وتراب إيشت شرقا مرورا بافني وتكاوست  وتيغمرت وتمنارت. وتمتد هذه المداشر على مجال تصل مساحته حوالي 160 كلم من الغرب نحو الشرق(1) وقد لعبت كل من تكاوست وتيغمرت دورا رياديا في الحياة العامة للمملكة جعل من الأولى تلعب دور العاصمة الاقتصادية والثانية اعتبرت العاصمة السياسية لمملكة بوطاطا(2).  أما عن أطوار المعاهدة فإنها تكتسي أهمية بالغة لكونها اعتبرت حدثا تاريخيا متميزا عرفته وادي نون في مرحلة محددة من مراحل تاريخها، حيث ستلعب دورا كبيرا في بلورة واقع اجتماعي قبلي واقتصادي وسياسي حيث"إن الصورة التي تمنحها معاهدة 1499م ترصد الشخوص والأحداث المتميزة لهذه الفترة الحاسمة"(3). وهي وثيقة تمنح بموجبها إسبانيا الحماية لشيوخ قبيلة  بني عامر مقابل الضرائب والجبايات التي اعتادوا دفعها لملوكهم السابقين… كما أنها تجسد إطارا ملموسا لصياغة نوعية العلاقات بين الغور الجزولي واللمطي من جهة، ومشايخ القبيلة الأعرابية من جهة ثانية… ورغم أن المعاهدة تبدو بسيطة وعادية، إلا أن تشابك وغنى إحالاتها تسمح بمواكبة التحولات التي وقعت على المنطقة منذ القرن الرابع عشر، فهي تردد التفاصيل الضمنية لصراع سياسي واقتصادي وديني" متعدد الأطراف. جاءت معاهدة تكاوست لتبين حدة الصراع بين القوتين الاستعماريتين الإسبانية والبرتغالية حول مناطق النفوذ في العالم عامة وأفريقيا خاصة.  فإذا كان تاريخ المعاهدة بين الإسبانيين وحكام منطقة وادي نون هو 15 فبراير 1499 فإنه يأتي بعد سنتين فقط من الاتفاقية التي أبرمها الملك البرتغالي مع سكان ماسة(3). من هنا تكمن حدة التنافس على المناطق الساحلية المطلة على المحيط الأطلنتي والموصلة إلى منابع تجارة السودان، خصوصا إذا ما علمنا أن ماسة ومدشري وادي نون : نول لمطة وتكاوست توجد على الطريق الساحلية التي تصل إلى أوليل والطريق التجارية الداخلية التي تصل إلى وادان ثم ولاته.4 وإضافة إلى إشارة الأستاذ مصطفى ناعمي حول أهمية الوثيقة(5 )

 

الحدود التقريبية لمملكة بوطاطا في حدود 1499 م

المصدر :         CARO BAROJA  J ,Las actas de 1499 Las tierras del num Dra,Madrid:in Studios Magrebies, p 78

 

في إبراز التحولات التي عرفتها منطقة وادي نون، فإن أهمية الوثيقة تكمن أيضا في كونها تحتوي على معلومات هامة عن طوبونيميا  المنطقة والمجموعات البشرية القاطنة بها والتي لم ترد عنها معلومات في المصادر الأخرى، وإذا كان ذلك فنزر يسير(6). وقد حررت هذه الوثيقة من طرف كونزالودي بوركوس Gonzalo de Burgos  الموثق الرئيسي لجزر كاناريا والذي تابع كل الأحداث التي جاءت في الوثيقة(7).

وقد اعتبرت تكاست (الكصابي)(8) مسرحا للأحداث التي ارتبطت بتوقيع المعاهدة باعتبار ها من أكبر المدن وأهمها في سوس والمغرب الصحراوي ،ومركز تجاري كبير ليس فقط للتبادل الجهوي بل أيضا للتبادل التجاري مع السودان(9). وقد شملت المعاهدة مناطق أخرى منها افني (45 كلم شمال تكاوست )، وافران (75 كلم  شمال شرق تكاوست) ، وتمنارت (165 كلم شرقا). ويبدو من عبارات المعاهدة أن تكاوست كانت عاصمة لمملكة بوطاطا.  وتحتوي على قصبة أكاوس التي يتوفر بها عامل جزر كاناريا لوبيز سانشيز دو فلانزويلا Lope Sanchez de Valenzuela   على مسكن كان هو مقر اجتماع 15 افبراير1499. الذي ضم علاوة عن شيوخ قبيلة أولاد عامر وشيخ تيغمرت، عامل كاناريا والموثق وشاهدين إسبانيين وامرأة كلفت بالترجمة وهي من أصول مورسكية(10).

 

2- مضامين معاهدة تكاوست :

حسب المعلومات الواردة عند دولاشابيل وجاك مونيي فإن المعاهدة كانت لها فصول:

· معاهدة إفران: كان تاريخ توقيعها في 15 فبراير1499 بين زعيم المدينة حامد وممثل المملكة الاسبانية، يقدم بموجبها الأول ولاء وطاعة مدينة إفران ونواحيها للتاج القشتالي، وفي المقابل يقدم هذا الأخير الحماية للمدينة وسكانها. وتم تكريس هذا الاتفاق بالزيارة التي قام بها وفد من مدينة إفران في 9 مارس 1499 لتأكيد الولاء والطاعة. وقد عقدت هذه المعاهدة بحضور محمد ميمون زعيم تكاوست(11).

·معاهدة إفني: تم توقيعها في 18 فبراير، حيث انتقل الكاتب الشرعي لمدينة تكاوست إلى إفني ليتلقي باسم عامل تكاوست طاعة وولاء سكان القصر بحضور زعيمهم العربي سيدي موم زعيم أولاد عامر. وبعد ذلك بيومين انتقل وفد من سكان إفني إلى تكاوست ليؤكدوا ولاءهم ويؤدوا الواجبات التي كانوا يخصصونها للملوك القدامى. وفي مقابل ذلك وعدهم عامل تكاوست بمنحهم حماية تاج قشتالة(12).

·معاهدة تمنارت: عقدت المعاهدة في مارس بين زعماء تمنارت والقرى المحيطة بها وبين عامل تكاوست وممثل التاج القشتالي. كانت هذه المعاهدة مماثلة في مضامينها لسابقاتها. إضافة إلى ذلك، منحت امتيازات إدارية لزعماء تمنارت حيث تم تعيينهم قواد على أقاليمهم(13)

·معاهدة تيغمرت: وقعت في نفس اليوم الذي وقعت فيه معاهدة تمنارت،وكان ذلك بحضور بوعلي نبوكو زعيم تيغمرت وهو أحد حفدة الملك ما قبل الأخير  لمملكة بوطاطا. ولم يقتصر الأمر على ولاء وطاعة علي نبوكو، بل سلم إلى التاج القشتالي كافة مقاليد السيادة التي كان يتمتع بها وأجداده على مملكة بوطاطا. وأكد أنه سيدفع الأتاوات والواجبات إلى التاج الكاستيلاني، وقد تعهد حاكم كناريا، مقابل ذلك بتوفير الحماية لزعيم تيغرت، بل عينه قائدا على تيغمرت وقلعتها. وبعد ذلك كلف بوعلي نبوكو شخصيتان لتنفيذ الاتفاق المبرم مع التاج الكاستيلاني والشخصيتان هما سيدي سعيد ميمون وسيدي موم، الأول بربري من أولاد عامر وهو أخ لحكام تكاوست الثلاثة الذين نصبوه لعقد الحلف مع كاستيلا. والثاني عربي من أولاد عامر الذين عقدوا معاهدة إفني(14).

· معاهدة تكاوست : عقدت المعاهدة في 20 مارس بين حكام تكاوست وأكاوس وتيسكنان(15) والتاج القشتالي في إطار التبادل المشترك بالطاعة والحماية. وقد أرسل حكام تكاوست أخوهم سيدي سعيد كسفير، وأعطوه كامل الصلاحية لضمان سريان الاتفاق. وفي مقابل ذلك تم تنصيبهم  كزعماء في القلاع الثلاث وكانت تلك هي رغبتهم. وقد كان قائد أكاوس محمد بن أحمد يتكلم باللغتين العربية والقشتالية، وهو صهر محمد بن ميمون قائد قلعة وقصر تسكنان(16 ).

إضافة إلى الحكام فقد تقدمت قبيلة أولاد عامر العربية، بزعامة قائدها على بن يبيت، تبعيتها وولاءها للتاج الملكي. والتزم هذا الزعيم بأداء الأتاوات التي كانوا يعطونها للملوك السابقين. وقد اختير أخوه موم سفيرا يمثل القبيلة لدى التاج الملكي الذي أعلن حماية القبيلة ضد أي خطر يهددها.  وفي 22 مارس، وفي طريقه إلى جزر كاناريا، توقف العامل في مرسى افني حيث استقبل من طرف حوالي ثلاثمائة فارس وعدد كبير من الراجلين وكلهم من قبيلة أولاد عامر العربية، حيث رافقوه إلى مسجد عتيق ليقروا أداء التزاماتهم السابقة(17 ). من خلال استعراضنا لأطوار المعاهدة التي أبرمت بين الإسبانيين ومداشر وادي  نون ونواحيها، نخلص إلى جملة من المعطيات التاريخية التي تم السكوت عنها، وأخرى تم نفض الغبار عنها.

إن المادة التي قدمها دو لاشابيل وجاك مونيي تصف موجة الانخراط في الولاء للأسبان بطريقة مبالغ فيها دون الإشارة إلى أدنى معارضة من أي طرف من الأطراف. إن الوثيقة التي تضمنت أطوار المعاهدة عثر عليها في إحدى المخطوطات في خزانة أكاديمية التاريخ بإسبانيا، من هنا يمكن أن نستنتج أن الاسبان كانوا يسعون من وراء هذه الوثيقة إلى إظهار منطقة وادي نون ونواحيها كمجال يتهافت على الحماية الإسبانية. فهل الأحداث التاريخية التي عرفتها المنطقة كانت تعكس فعلا هذا التوجه ؟ هل منطقة وادي نون كانت معزولة سياسيا وإداريا عن باقي المغرب ؟

 

3-  مضامين المعاهدة والوقائع المحلية تطابق أم تنافر ؟

تشير بعض الأحداث التاريخية أن منطقة وادي نون تعرضت لحملات عسكرية اسبانية منذ 1476م(18)، بلغت حوالي ستة وأربعين حملة تجاوزت مدينة الكصابي (تكاوست)(19). لكن هذه الحملات تلقت مواجهة عنيفة من طرف السكان المحليين(20). وقد وقعت هذه الأحداث قبل معاهدة بوطاطا بما يزيد عن عقدين من الزمن. وفي نفس الاتجاه، وبعد عقد معاهدة تكاوست بين الاسبان وسكان منطقة وادي نون سنة 1944، أعطى ملك قشتالة، بعد ذلك بسنة، أوامره ببناء ثلاثة قلاع على ساحل المنطقة لمواجهة أي هجوم تقوم به المجموعات  القبلية : الأمازيغية الجزولية واللمطية، والعربية المعقلية. وأمر أن تبنى واحدة من هذه القلاع على مصب وادي نون(21). وفي نفس الاتجاه قام عامل تنريفي بالإبحار نحو كناريا للتزود بالمدفعية والرجال من ميناء سان مكويل دي ساكا، ومن تم أبحر متجها نحو وادي نون(22)، وفي اليوم الموالي جند قواد تكاوست ثمانين فارسا وأربعمائة راجل لمحاربة الاسبانيين(23) ومنعهم من النزول على الساحل. لكن ميزان القوى العسكري كان لصالح القوات الاسبانية التي استطاعت أن تشيد مجموعة من الأجهزة الدفاعية بحيث أصبحت المنطقة محاطة بثلاثة أسوار من التراب المدكوك(24).

وبعد معاهدة تكاوست بخمس سنوات، أي بعد سنة 1504 لم تعد توجد أية إشارة إلى التجارة مع تكاوست، مما ذهب معه الاعتقاد إلى أن الدور التجاري للمدينة اختفى بعد سنة 1504 بقليل.25 وبعد معاهدة سينترة (1509) بين اسبانيا والبرتغال، لم يعد رعايا كناريا يأتون إلى تكاوست إلا بمناسبة غارة أو لافتداء الأسرى(26).

يتضح من خلال هذه القرائن التاريخية أن سكان وادي نون(27) باختلاف تلويناتهم الاثنية لم ينخرطوا في سلسة الولاءات الجماعية والفردية للاسبان، كما تصور لنا ذلك الاسطغرافية الغربية(28)، غير مستحضرة ظروف بداية القرن السادس عشر والمتمثلة في نشاط الزوايا في سوس خاصة والجنوب عامة  لتعبئة الجهاد ضد التواجد الابيري في المنطقة(29) "وهكذا اشتعل القرن السادس عشر منذ بدايته بشعلة الجهاد كمسؤولية اجتماعية أو كطقس يتعين على كل مؤمن حقيقي القيام به"(30). وفي نفس الاتجاه وبالضبط  سنة 1500 بدأت تنهال الهجمات على الحصون والقلاع الايبيرية(31) وقد تشكلت إحدى الحملات الموجهة إلى سنتا كروز Santa Crus  من عشرة آلاف راجل وألفي فارس حالت دون القلعة والاستنجاد كعادتها بسكان الجزر الخالدات سنة 1524م(32). وتحيلنا قضية الولاء بدورها إلى إشكالية علاقة المنطقة بالمخزن.  فالمعاهدات التي أوردناها سابقا تبين المنطقة على شاكلة جسم منعزل، وكيان مستقل وسائب عن سلطة المخزن. وفي هذا الإطار نكتفي بما أوردته جاك مونيي التي حاولت أن تؤكد هذا الطرح، حيث أشارت إلى أن قبائل وادي نون كانوا دائما يرغبون في نسج علاقات مع الأوروبيين الذين يصلون إلى سواحل المنطقة، حيث يشترون المواد التي يتم حملها إلى السودان مقابل حمولة القوافل الآتية من نفس المنطقة(33). لكنها مع ذلك، تشير إلى الحضور المخزني في المنطقة بقولها " إن سكان وادي نون يتحاشون دفع الرسوم التي يفرضها المخزن"(34). نخلص من هذه القرائن إلى أن حضور جهاز الدولة أو المخزن  ولو بحدود متفاوتة. ولعل ما يشفع لنا في  ذلك كون المنطقة كانت متوجهة نحو نسق جديد يتحكم في بناء الدولة المغربية. إن العمليات الجهادية التي قامت بها الزوايا ضد المد الايبيري قد أفرزت قيام كيان جديد تمثل في الدولة السعدية أو دولة الإشراف التي شكلت قطيعة مع أنظمة الحكم السابقة التي كانت تقوم على الأساس القبلي والتحكم في الطرق التجارية الصحراوية ونخص هنا بالذكر الدولتين المرابطية والموحدية.  فأصبح الشرف والجهاد معطيين واردين لتأسيس الدولة(35 )،على أن الشرف بالجنوب لم يمارس خصوصيته اللاحقة بل ظل هامشيا وارتبط أساسا بعنصر الجهاد في القرن الخامس عشر(36)هذا باقتران مع المد التصوفي(37) ، الذي انتشر في البوادي المغربية، ومن ضمنها الجنوب على الخصوص، والذي كان يتفرخ وينشطر في جو الأزمة، وهذا واقع الحال في منطقة وادي نون التي عرفت تدخلا ايبيريا وضعفا في السلطة.

4-  النسيج الاجتماعي في تكاوست من خلال معاهدة بوطاطا:

إذا كانت معاهدة تكاوست قد أظهرت منطقة وادي نون على أنها عبارة عن كيان جهوي منعزل إلا في علاقته مع جزر كناريا، ومن خلالها مع إسبانيا،فقد أظهرت هذه المعاهدة ،مع ذلك عناصر جديدة على ساحة المجتمع الوادنوني تمثلت في العناصر العربية التي كان حضورها قويا  في كل الاتفاقيات التي أبرمت بين البربر وكاستيلا(38)، ونخص هنا بالذكر قبيلة أولاد عامر العربية التي كان يتزعمها شخص يحمل اسم علي بن يبيت ينبيت(39) وأخوه سيدي موم الذي كان من بين الشخصيات التي قدمت الطاعة لحكام كاستيلا. وفي نفس الاتجاه وأثناء انعقاد معاهدة تكاوست، ظهرت أسماء لها دلالات خاصة، وأخص بالذكر محمد بن ميمون قائد قلعة وقصة تيسكنان، وسيدي ميمون أخ حكام تكاوست الثلاثة الذين نصبوه ليعقد الحلف مع حكام كاستيلا(40)، وهم ، كما ورد عند جاك مونيي، من البربر. وقد ورد اسم "ميمون" كثيرا في المحيط الجغرافي لمدينة القصابي(41) والذي كان تابعا لأولاد ادريس خصوصا إذا ما ربطنا بين هذه الاسماء واسم إحدى فصائل أولاد دريس(42) وهي أولاد ميمون(43). بالإضافة إلى هذه العناصر كانت هناك التشكيلات القديمة والأصلية المتمثلة في المجموعات اللمطية والجزولية، إلا أن ما أغفلته المعاهدة أنها لم تبرز لنا بعض العناصر المشكلة لمجتمع تيسكنان في هذه المرحلة باستثناء ما ورد من معلومات حول محمد بن أحمد قائد اكاوس وهو صهر محمد بن ميمون قائد قلعة وقصر تيسكنان(44). فقد كان في المدشر أولاد بن عزيزي(45) المنتمين إلى قبيلة كنتة(46). وباستنطاقنا لبعض الوثائق التاريخية الدفينة تزودنا بمعلومات عن طائفة اولاد بن عزيزي الكنتية، وهي معلومات تكاد تكون ناذرة عن أشكال سيطرتهم على المجال في مدشر تيسكنان من خلال تملكهم للاملاك الترابية ومنافذ الماء أو العيون(47) إضافة إلى المعطيات الوثائقية التي تثبت ملكية الأرض ومنافذ المياه، فإن الرواية الشفوية تزودنا برصيد هام من المعلومات .

حول محنة أولاد بن عزيزي وصراعهم المرير مع أولاد دريس والذي انتهى بالمذبحة الرهيبة التي تعرض لها أولاد بن عزيزي، لازالت الرواية الشفوية تتحدث تتحدث عن وقعها البالغ في نفوس السكان. والغالب على الظن أن أبعاد الصراع كانت مبنية على المنافسة على اكتساب منافذ الماء والأملاك الترابية. إضافة إلى أولاد بن عزيزي، هناك تواجد لبعض العائلات الشريفة ونخص بالذكر أهل بلا الذين تعتبرهم الرواية الشفوية من أقدم العناصر المعمرة لمدشر تيسكنان أحد أضلاع مدينة تكاوست، وكانت لهم بدورهم أملاك ترابية إلى جانب أولاد بن عزيزي وأولاد ادريس.

وإذا كانت معاهدة بوطاطا قد أظهرت بعض ملامح العلاقة بين منطقة وادي نون والتاج الاسباني، ومبرزة في نفس الوقت المكانة السياسية التي تربعت عليها مدينة تكاوست ونفوذها على باقي الحواضر المتواجدة شرق منطقة وادينون، فإنها قد أعطتنا ملامح التشكيلة القبلية في المنطقة والتي ميزها الاختلاط بين القبائل الأصلية والأخرى الطارئة منذ القرن الثالث عشر الميلادي. ومن ثمار هذا التمازج الاثني بروز تشكل جديد بدأت الوثائق تتحدث عنه منذ أواخر القرن السادس عشر أي في الفترة التي حكم فيها أحمد المنصور السعدي المغرب، حيث حمل هذا التشكل إسم قبائل " تكنة "التي تم تمييزها عن قبائل سوس الاخرى نظرا لطبيعة تركيبتها الاثنية واللغوية.

 

خــاتمــــــة :

شكلت معاهدة بوطاطا واحدة من أهم ملامح التاريخ السياسي لمدينة تكاوست إحدى العواصم الكبرى لمنطقة وادي نون على ان الاسطغرافية الاسبانيية كان لها السبق في تبيان بعضا من ملامح هذا التاريخ السياسي للمدينة ناهيك عن الاشارات الصريحة أو الضمنية عن بعض ملامح التاريخ الاجتماعي ، وتبقى الأسطغرافية المغربية خصوصا والعربية عموما ، حسب اطلاعنا وإلى حين بروز معطيات ذفينة عن تاريخ المدينة خصوصا ومنطقة وادي نون عموما، تعاني من فقر في المعلومات عن المنطقة. وتبقى الأبحاث الأركيولوجية الجارية الآن في محيط مدينة تكاوست التاريخية القديمة هي الكفيلة بإبراز معطيات جديدة ونادرة عن الملامح غير المعروفة عن تاريخها خصوصا وأن النتائج الأولية التي تمخضت عن التحليلات الأولية على التحف التي أخذت من أطلال مدينة تكاوست وأرسلت إلى فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية أعطت معلومات قيمة عن تاريخ المدينة (48)، في انتظار تكثيف الأبحاث الأركيولوجية في المنطقة.

 

عمر ناجيه

 


)1( Meunie D , Jaque , Opcit , p 315

)2( Ibid, p316

)3( Meunie D , Jaque , Opcit , p 315

)4( Caro baroja. J, Op cit , p 105. Caro baroja, Sobre el viejo comercio sahariano , Afroca N° 171, 1956, p114

(5) في سنة 1886 أثناء البحث عن المكان الاصلي لسانتا كروزدي ماريكينيا من طرف الاسبان افني قام خمنيس دي لاسبادا بنشر وثيقة في مجلة Boletin de la sociedad geografica de Madrid  وتعتبر هذه الوثيقة من الاهمية بمكان حيث وجدت في مخطوط بخزانة اكاديمية التاريخ. لإنها الوثيقة الخاصة بمعاهدة تكاوست سنة 1499 بين منطقة وادي نون وكاستيلا تحت عنوان : " شهادة المدن والمداشر والقصبات التابعة لصاحب السمو في افريقيا" للمزيد من االطلاع يرجى الرجوع إلى : de cenival . p et de la chapelle, Opcit, p 55

(6) De cenival . p et de la chapelle, opcit , p55 meunie D. Jacque,opcit, p 312

وقد رتب كارو باروجا االعلام التاريخية والجغرافية الواردة في الوثيقة بشكل منظم ،

 للمزيد من الاطلاع يرجى الرجوع إلى : 77-76-75-74 J.Caro barjoja, Opcit , pp

(7) Cenival. P et F . de la Chapelle, Opcit , p 55

(8 )سنخصص في فصل لاحق حيزا متميزا لهذه المدينة قبل مجيء آيت لحسن ثم بداياتهم الأولى فيها كعاصمة مركزية لأفراد القبيلة.

(9) L'africain Leon, J, Description de l'Afrique, Tom1, p 179 

10) Meunie D. Jacque , Opcit , p 315

(11 )   Meunie D. Jacque, Opcit, p 312     De Cenival P. et de la Chapelle, Opcit , p 54

)12( De Cenival P. et de la CHAPELLE, Opcit, p 55 Meunie D Jacque, Opcit, p 313                 

(13)Ibid, p 56, p 313

(14)Ibid, p 56 , p 313

(15) هي عبارة عن قصبات متقاربة مجاليا وهي تمثل الامتداد الترابي والعمراني لمدينة تكاوست، سنحاول التوسع في هذه النقطة عند تطرقنا إلى مدينة تكاوست(الكصابي).

16) Meunie D J , p 314

17) Meunie D J p 315

(18 ناعمي مصطفى، الصحراء من خلال بلاد تكنة تاريخ العلاقات التجارية والسياسية، منشورات دار عكاظ، 1988. ص : 106.

(19) نفسه ، ص : 106

(20 نفسه ، ص : 106

21Meunie D J p 320

22)   Ibid , p 320

23Ibid, p 320

24) كانت تكاوست (الكصابي بدورها محاطة بإحدى هذه الأسوار. وتذكرنا الاستراتيجية الاسبانية هذه بسلسلة التحصينات التي دشنها الرومان إبان تواجدهم العسكري في شمال افريقيا لتقوية نفوذهم العسكري من جهة، وللاحتماء من هجمات لقبائل المحلية والثورات المضادة للتواجد الروماني بالمنطقة.

((25  Meunie J , p 3221

(26 Ibid, p : 321

(27 نشير في هذا الاطار إلى التحولات الجوهرية التي مست البنية الاجتماعية لسكان المنطقة، حيث تكونت الملامح الأولى للشكيلات القبلية المختلطة العربية والأمازيغية، انظر في هذا الباب : ناعمي مصطفى، م ، س ، ص : 99

Montagne Robert , les portugais et le Sahara Atlantique au XI siècle, C.I.H.E.M , 1930 p                 

(28 نخص هنا بالذكر المعلومات التي أوردها دولاشابيل ومونيي جاك.

(29 ظهرت انتاجات غزيرة حول العمليات الجهادية ضد التواجد الايبيري في الجنوب خاصة والمغرب عامة، انظر في هذا الباب الاسطغرافية المغربية في العهد السعدي والتي نورد بعضها.

– الفشتالي أبو فارس عبد العزيز، مناهل الصفاء في مآثر موالينا الشرفاء دراسة وتحقيق عبد الكريم كريم، منشورات وزارة الأوقاف، الرباط ، 1972

– مؤلف مجهول، تاريخ الدولة السعدية التكمادرثية ، نشره جورج كولان، المطبعة الجديدة، الرباط 1934.

– لافراني الصغير محمد بن الحاج  عبد الله، نزهة الحادي لأخبار ملوك القرن الحادي، نشره هوداس، ناهيك عن انتاجات الفقهاء والمتصوفة التي أحدثت تراكما كبيرا في ملف الثقافة الجهادية بالمغرب ونورد في هذا الباب الحركة الجزولية بزعامة الامام محمد بن سليمان الجزولي.

30) ناعمي مصطفى، الصحراء من خلال بلاد تكنة، ص : 113

(31) نخص بالذكر حصون وقلاع مدينة تكاوست وتوابعها من المداشر الأخرى، والتي بينت من طرف الاسبان لحماية تواجدهم في المدينة وصد هجمات القبائل العربية والأمازيغية.

(32 ناعمي مصطفى ، الصحراء من خلال بلاد تكنة، ص : 113.

)33(Meunie J , p320      

)34( Ibid. J, P 320  

35) للمزيد من التوسع في هذه الفكرة يرجى الرجوع إلى : محمد قبلي، " مساهمة في تاريخ التمهيد لظهور دولة السعديين" ، مجلة كلية الآداب، جامعة محمد الخامس العدد : 3-4 ، الرباط، 1978.

Tearasse Henri, Histoire du Maroc , Voll Ed Atlantide Casa , p 160                       

)36 (Ibid.

)37      (   MeunieJ .op cit, p 317.

)38 (Meunie J Op cit p 317

)39( Ibid, p 315

أثناء حديث جاك مونيي عن أولاد عامر تقع في خلط بين هذه القبيلة وايت عمر التي تنتمي إلأى فصيلة آيت بو مكر وهي إحدى الفصائل المكونة لآيت لحسن. كما اعتبرت ان ايت عمر كانت من أسياد القصابي المكونة لآيت لحسن. كما اعتبرت ان آيت عمر كانت من أسياد القصابي قبل قدوم آيت لحسن وهذا يتنافى مع المعطيات التي حاولنا  تجميعها حول هذه النقطة بالذات، ذلك أن آيت عمر هي إحدى الفصائل الثلاثة التي تكون فصيلة آيت بومكوت والتي ثبت تاريخيا أ،ها كانت قد استوطنت قرية أسرير قبل قدوم آيت لحسن إلى مدينة القصابي، وما لم تتفطن له الباحثة هو أن المدينة كانت تحت سيطرة اولاد ادريس الذين كانوا هم أسياد المدينة وقد طردوا منها وتم تشتيتهم من طرف قبيلة آيت لحسن التي استغلت قضية مساندة اولاد بن عزيزي الذين واجهوا حملة تنكيل واسعة النطاق من طرف اولاد ادريس، ليتم لهم بذلك السيطرة على مدينة القصابي والمداشر التابعة لها حتى تلوين.

)40 (Meunie . J , Opcit , pp 313 -114

(41) ورد الاسم في وثيقة بحوزتنا يعود تاريخها إلى سنة 1006هـ

(42 )تتجه الرواية الشفوية إلى إبراز الأاصول الشريفة لأولاد دريس حيث تشير إلى أنهم شرفاء ويقتسمون الشرف مع أهل بلا في تيسكنان.

(43 )بعد طرد أولاد ادريس من القصابي نزح قسم من أولاد ميمون إلى منطقة رأس الواد في تارودانت وفي منطقة المنابهة في برحيل، ونزح قسم منهم إلى منطقة اسندي الموجودة بآيت باعمران، على أن أهل رمضان المنتمين إلى أهل حماد ابراهيم وهي إحدى قسمات آيت عمر تربطهم مع أولاد ميمون وأولاد بن عزيزي علاقات مصاهرة. للاشارة فالمعلومات مستقات من الرواية الشفوية.

)44  (Meunie. J , Op CIT , pp 314

(45 )توجد بحوزتنا شجرة اولاد بن عزيزي والتي تنتمي إلى قبيلة كنتة الزاوية المشهورة.

(46 )حول كنتة انظر : بول مارتي، كنتة الشرقيون، تعريب محمد محمود ولد ودادي ، دمشق : مطبعة زيد بن ثابت ، 1985.

Hamet ismael , les kounta, R.M.M 5ème année n° 19, 1911

Capitaine Salvy . G, Les Kounta du Sud Marocain , Traveaux de I.R.S

Université Alger TVII 1951

(47 )المعلومات مأخوذة من وثائق تاريخية بحوزتنا

(48) بدأ فريق العمل المغربي التابع لمعهد الاثار والفريق الاسباني التابع لجامعة كناريا الحفريات

        الأركيولوجية في مدينة تكاوست في مارس 2012، وينتظر أن تستمر الحفريات لاحقا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق