مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

الدرس الثاني من المصادر الأولى في النقد والبلاغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبيه الأمين.

وبعد: فهذا هو الدرس الثاني  من دروس المصادر الأولى في النقد والبلاغة، نبدؤه، إن شاء الله تعالى، بحديثٍ عن صحيفةِ بشر بن المعتمر (ت: 210 هــ).

وحديثنا، أولا، عن المصادر والمراجع التي ننصح بها للاستئناس فقط، على اعتبار أن ما سنقوله لن يكون ضرورة موجودا في هذه المراجع التي نشير إليها، فذ كرنا لها لمن يريد التوسع في الموضوع لا غير.

فمن هذه المراجع التي ننصح بها، كتاب: التراث النقدي والبلاغي للمعتزلة حتى نهاية القرن السادس الهجري للدكتور وليد قصاب، لأن فيه حديثا عن بشر بن المعتمر تجده ما بين الصفحة الثامنة والثلاثين والصفحة الرابعة والأربعين من هذا الكتاب، وكتاب: ثورة العقل: دراسة فلسفية في فكر معتزلة بغداد للدكتور عبد الستار عز الدين الراوي، وفيه حديث عن بشر تجده بين الصفحة الأولى بعد المائة والصفحة الرابعة والعشرين بعد المائة، ويمكن أن نستأنس بعض الاستئناس بمقال لمحمد جواد علي وعقلان عبد الهادي رشيد، ورد في مجلة جامعة تكريت بالعراق تحت عنوان: صحيفة بشر بن المعتمر: دراسة تحليلية. والكتاب الأجود في نظري هو كتاب الدكتور أحمد أبو زيد: «المنحى الاعتزالي في البيان وإعجاز القرآن»، فهذه الكتب لمن أراد أن يقرأ كلاما غير الذي سنقوله.

 ومِمَّن كتب في هذا الموضوع من غير ما ذكرناهم آنفا: الدكتور عبد الحكيم راضي. كتب كتابا سماه: «الأبعاد الكلامية والفلسفية في الفكر البلاغي والنقدي عند الجاحظ». والدكتور عماد حسن مرزوق صاحب كتاب عن الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم عند المعتزلة. ومن الجامعة المستنصرية الدكتور علي حاتم حسن الذي كتب رسالة تحت إشراف الدكتور غالب فاضل المطلبي، موضوعها: البحث الدلالي عند المعتزلة.

مواطن ورود صحيفة بشر بن المعتمر.

يذكر معظم الدارسين كتاب «البيان والتبين» للجاحظ(ت: 255هـ) أصلا أولَ لورود هذه الصحيفة. وهذا كلام صحيح، وهو أصح إذا ضممت إليه كتاب «الأخبار الموفقيات في الحوادث والسِّيَر الماضيات »، للزبير بن بكار (ت:256هـ). واعتناء هذين العالمين الجليلين بصحيفة بشر فيه علامة على أن هذه الصحيفة كان لها شأن منذ القرن الثالث للهجرة.

وقد كنا نرجو أن يصلنا كتاب «الأخبار الموفقيات» كاملا، وهو الكتاب الذي ألفه الزبير بن بكار للموفق بن الخليفة المتوكل العباسي، وبه سمي: «الموفقيات». لنفاسته، وكبر حجمه، وعلم صاحبه، غير أن أكثر أجزائه ضاع ، ولم يُعثر منه إلا على قطعتين، حققهما الدكتور سامي مكي العاني. فلو وصلنا كاملا لأسعفنا في أمور كثيرة.

وقد وردت هذه الصحيفة، بعد ذلك، في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه (ت: 328هـ)، وفي كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري (ت: بعد 395هـ)، وفي كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني (ت: 456هـ)، فيستحسن للباحث أن يرجع إلى هذه الكتب لموازنة العبارات، فإن عبارة هؤلاء تكون أحيانا كالشرح لعبارة الأصل الأول.

ويكتفي من لا يستطيع العودة إلى هذه الكتب كلها بأن ينظر في كتاب «البيان والتبين» للجاحظ لكي يتابع شرحنا لهذا النص النفيس، إن شاء الله تعالى.

 من هو بشر بن المعتمر(ت: 210هـ)؟

هذا لا نطيل فيه جدا لأن ترجمته موجودة في أكثر من مصدر، ولكننا نكتفي بما ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء»، إذ ذكر أنه كان شيخ المعتزلة، وأنه صاحب التصانيف، وأنه كان من القراني الكبار (يقصد: من الأصول الكبار) وكان أخباريا، شاعرا، متكلما.

ووصفه له بأنه كان شاعرا مهم جدا في فهم النص بعد ذلك. إذ كانوا، كما قال، يفضلونه على أبان اللاحقي(ت: 200هـ). يقصد أنهم كانوا يفضلونه من جهة الطبع، ومن جهة كثرة الشعر، وطول النَّفَسِ فيه. ويكفي، من هذه الجهة، أن تعلم أن اللاحقي نظم “كليلة ودمنة” في أربعة عشر ألف بيت، على ما بلغنا. إذ كُتُبُ أبان كلها مفقودة، وإن كان وصلنا من شعره في مصادر مختلفة. ولكل من أراد أن ينظر في هذا فعليه بالبحث الجيد الذي كتبه الدكتور أحمد علي محمد، ونشره في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، في الجزء الثاني من المجلد السادس والسبعين، تحت عنوان: «أبان اللاحقي: سيرته، شاعريته».

فتفضيل بشر على أبان، إذن، دال على أنه كان شاعرا متميزا. وهذا مهم جدا في معرفة نقده. فنحن نحتاج، في هذا الباب، إلى معرفة جملة أمور، منها: معرفة مذهبه الكلامي، وهو الاعتزال، ومعرفة مكانته في الشعر، وفيم قدم فيه.

ذلك أن النقاد إلى صنفين: نقاد علماء لم يكونوا من الشعراء، ولم يجربوا كتابة الشعر، ولم ينبغوا فيه. نذكر منهم، مثلا: صاحب نقد الشعر قدامة بن جعفر.

ونقاد شعراء، نذكر منهم، مثلا،  عبد الله بن المعتز، صاحب كتاب البديع، الذي كان شاعرا يتحدث عن صناعة خَبَرَهَا، وابن رشيق القيرواني صاحب العمدة، وأنموذج الزمان، وقُراضة الذهب، وعلي بن شرف القيرواني صاحب مسائل الانتقاد.

فكلام هؤلاء مختلف عَمَّن كان ينظر إلى الشعر بالأدوات المجردة لا عن تجربة فيه.

فلذلك كانت عنايتنا بكلمة الذهبي عن بشر، عندما قدمه في صناعة الشعر عن مثل أبان، وهو من هو في الشعر، والتمكن فيه.

ثم إنه ذكر من صفاته العقلية الذكاء، وذَكَر الفطنة، ومع ذلك قال: لم يؤتَ الهدى. لأنه كان يعتبر أن الهدى لا ينتج عن الذكاء ضرورة، وإنما هو أمر رباني يهبه الله تعالى لمن يشاء. ذلك أن الرجل كان على مذهب الاعتزال، وهو مذهب ضلالة وبدعة في رأي الذهبي، ومن تَقَيَّلَه. وذلك قولُه: نعوذ بالله من البدع، وأن نقول على الله ما لا نعلم.

وذكر في صفاته الجسدية البرص. وليس ذِكْرُ البرص، هنا، لتمييزه. لأن ذكر العاهة قد يجوز عندهم للتمييز بين رجلين أو أكثر، لا يُمَيَّزُ بينهما بغير ذلك. وهذا غير حاصل هنا. فيكون وصفه بذلك لغير ضرورة دعت لهذا الوصف. فإن شئت أن تجعله للغض منه كان لك ذلك غير مدافَع.

وممن ترجم لبشر ابن حجر العسقلاني في “لسان الميزان”. وقد ذكر، كما ذكر غيره، أنه كان من كبار المعتزلة وأنه انتهت إليه رئاستهم ببغداد.

وقد تعودوا في ترجمته أن ينقلوا كلام الجاحظ فيه، وأن يشيروا إلى ما اشتهر عنه من قوله بالتولد.

 وممن ترجم لبشر أحمد بن يحيى بن المرتضى (763ـ840هـ) في كتاب طبقات المعتزلة، وكان المرتضى زيديا شيعيا، وكان يزعم أن الاعتزال يرجع إلى الصدر الأول.

والمرتضى أحد أبرز فقهاء المذهب الزيدي في تاريخ اليمن، صنف كتابا في العقائد والفرق سماه «الملل والنحل» ثم شرحه في كتاب «المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل»، طُبع منه الجزء المتعلق بالمعتزلة، فصار يعرف بطبقات المعتزلة.

وقد جعل بشرا في الطبقة السادسة، وهذا أمر غريب(أقصد جعله في الطبقة السادسة) لا يُفهم إلا إذا علمنا أن المرتضى كان يزعم أن الاعتزال يرجع إلى الصدر الأول.

Science

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق