مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

الحلقة السادسة والأخيرَة

 

الحلقة السادسة والأخيرَة
خاتمة:
 وفي الختام أُورِدُ بعض النتائج التي خلصتُ إليْها من هذا البحث: 
1-سَمَّى النحاة هذه المفردات بالأدوات وبحروف المعاني؛ لدورها في إيصال معاني الأفعال إلى الأسماء، أو لدلالتها على معنى، كالإلصاق للباء مثلا، والاستعلاء لــ(على)، وابتداء الغاية لـ( من ).. وفي هذا الصدد – أي في ضوابط استعمال الأدوات- يقول أبو نزار، المعروف بملك النحاة، على ما أورده عنه  السيوطي في كتاب ” الأشباه والنظائر”  3/ 176  “إن الفعل قد يتعدى بعدة  من حروف الجر، على مقدار المعنى اللغوي المراد من وقوع الفعل؛ لأن هذه المعاني كامنة في الفعل،  وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجر ” – مثلا – ثم أردف قائلا: ” وذلك أنك إذا قلت خرجت، فأردت أن تبين ابتداء خروجك، قلت: خرجت من الدار، فإن أردت أن تبين أن خروجك مقارن لاستعلائك،  قلت: خرجت على الدابة ، فإن أردت المجاوزة للمكان قلت: خرجت عن الدار ، وإن أردت الصحبة قلت: خرجت بسلاحي،  فقد وضح بهذا ليس يلزم في كل فعل ألا يتعدى إلا بحرف واحد.. “.
2- إن أدوات المعاني تقوم بِدَوْرٍ أساسي في الكلام؛ ويمكن القول إن لها وظيفتين أساسيتين: 
أولها : وظيفة نحوية ، وهي تحقيق الترابط بين مكونات الجملة ، أو الكلام.
ثانيها : وظيفة دلالية معنوية ، وهي الإسهام في تحديد دلالة السياق . 
3-تبين من استقراء الأدوات، في سورة المطففين أن المعاني المترددة، تتفاوت كثرة وقلة، بحسب مقامات الكلام، والحاجة إلى المعاني، فأكثر المعاني ترَدُّداً، معنى:  
أ-استغراق الجنس، الذي تفيده أداة ” أل ”  الجنسية: وهي إما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها ” كل ” حقيقة، نحو: ( وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً ) النساء: 28، أو لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تخلفها ” كل ” مجازا، نحو: ” زيد الرجل علما ” أي الكامل في هذه الصفة، ومنه: ( ذلكَ الكتابُ ) البقرة: 2. أو لتعريف الماهية، وهي التي لا تخلفها ” كل ” لا حقيقة ولا مجازا، نحو: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) الأنبياء: 30. وقد فصل فيها القول ابن هشام في المغني، ص: 73. –
أما الآيات التي وردت في سورة المطففين في معنى الجنس، فهي كالتالي:
– قال تعالى: ” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ.. ”  أل التعريف هنا في ” المطففين ” مفيدة للجنس، ومعنى  الآية: ( ويل ) أي خسارة وهلاك ( للمطففين ) قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفيف، وهو القليل، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل وزن، وقال الزجاج: إنما قيل للفاعل من هذا مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف؛ وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه.. وقال أبو حيان الأندلسي، في تفسير البحر المحيط” والمطفف: الآخذ في وزن أوكيل طفيفا، أي شيئا حقيرا خفيفا، ولهذا فسر الله تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك، وهو الويل، بقوله تعالى: ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ).
قال تعالى: ” عَلَى النَّاسِ…” أل التعريف هنا في الآية مفيدة للجنس، ومعنى: ( على الناس)- كما ذكر الإمام برهان الدين البقاعي في تفسيره نظم الدرر- أي خاصة بمشاهدتهم كائنين من كانوا لا يخافون شيئا ولا يراعون أحدا، بل صارت الخيانة والوقاحة لهم ديدنا.
– قال تعالى: ” يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ…” أل التعريف هنا أيضا مفيدة للجنس، ومعنى الآية ( يوم يقوم) أي يوم يقفون على الأرجل ( الناس) أي كل من فيه قابلية الحركة يقفون في المحشر حفاة عراة خاشعين خاضعين لرب العالمين.
– قال تعالى: ” لِرَبِّ الْعَالمَـِينَ..” أل التعريف في الآية هنا مفيدة للجنس، ومعنى الآية : ( لرب العالمين)؛ أي لأجل موجد  حكم الخلائق ومربيهم كلهم، فلا ينسى أحدا من رزقه، ولا يهمله من حكمه،ولا يرضى بظلم أحد ممن يربيه، فهو يفيض لكل من كل بحكم التربية، هكذا قال الإمام البقاعي.
– قال تعالى: ” إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ” أل التعريف في : ” الفجار” مفيدة كذلك للجنس ومعنى الآية : ليس الأمر كما يذهب إليه الكافرون والمطففون من أنهم لا يبعثون ولا يعذبون؛ فإن صحائف أعمال الأشقياء الفجار، لفي كتاب جامع ، هو ديوان الشر دون الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس.
قال تعالى: ” أَسَاطِيرُ الاَوَّلِينَ ” أل التعريف في الأولين مفيدة للجنس، ومعنى الآية: إذا تليت عليه آيات القرآن الناطقة بحصول البعث والجزاء، قال عنها : هذه حكايات وخرافات الأوائل سطروها وزخرفوها في كتبهم.
إذن من هنا ندرك  أن أل الجنسية، الواردة في قوله تعالى ( ويل للمطففين ) – على سبيل المثال-  فيها وعيد شديد، مُسْتغرق لِكُلِّ مَنْ طَفَّفَ الكيل والوزن. 
– قال تعالى: ” يَشْهَدُهُ الْـمُقَرَّبُونَ ”  أل التعريفية في: ” المقربون ” تفيد أيضا الجنس، ومعنى الآية – كما قال القرطبي – أي يشهد عمل الأبرار، مقربو كل سماء من الملائكة. 
– قال تعالى: ” إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ”  أل التعريفية في الأبرار هنا أيضا مفيدة للجنس، والمعنى: إن أهل الصدق والطاعة في الجنات يتنعمون. 
– قال تعالى: ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ”  أل التعريف في الارائك، تفيد الجنس، والمعنى  المراد: أي على الأسرة المزينة، بفاخر  الثياب والستور، ينظرون إلى ما أعد الله لهم من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة. 
– قال تعالى: ” نَضْرَةَ النَّعِيمِ” أل التعريف في النعيم مفيدة للجنس، قال القرطبي في معنى قوله: ( نضرة النعيم ) أي:  بهجته وغضارته ونوره يقال : نضر النبات : إذا أزهر ونور؛ أي إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل نعمة، لما ترى في وجوههم من النور والبياض والحسن، ومن بهجة السرور ورونقه .
– قال تعالى: ” فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ” أل التعريف في “المتنافسون” تفيد كذلك الجنس، والمعنى : أي وفي هذا النعيم والشراب الهنيء، فليرغب بالمبادرة الى طاعة الله، وليتسابق المتسابقون، قال الإمام الطبري: التنافس مأخوذ من الشيء النفيس الذي يحرص عليه الناس.
– قال تعالى: ” عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمـُقَرَّبُونَ” أل التعريف في ” المقربون” مفيدة للجنس، ومعنى الآية : أي هي عين في الجنة يشرب منها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة، وقال فخر الدين الرازي في التفسير: هي كقوله تعالى: ( يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ).
– قال تعالى: ” مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ” أل التعريف هنا للجنس والمعنى – كما سبق آنفا – أي كما ضحك الكفار منهم في الدنيا مجازاة. 
– قال تعالى: ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ .. ” أل التعريف أيضا تفيد الجنس، والمعنى: والمؤمنون على أسرة الدر والياقوت، ينظرون إلى الكفار، ويضحكون عليهم، من سوء الحال، وإلى ما هم فيه من العذاب. 
– قال تعالى: ” هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ…” أل التعريف هنا مفيدة أيضا للجنس، والمعنى: أي هل جوزي الكفار في الآخرة بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين من السخرية والاستهزاء؟ نعم فقد جوزوا أوفر الجزاء.
نُدركُ أنّ أل التي تُفيدُ استغراقَ الجنس، كما ورَدَت في قوله تعالى: «وَيْلٌ للمُطفِّفينَ» على سبيل المثال، فيها وعيدٌ شديدٌ مُستغرِقٌ لكلّ مَن طفَّفَ الكيلَ والوزنَ.
ب-معنى الظرفية: الظرفية؛ كما ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب، ص: 223، وهي إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (.. غُلِبَتِ الرُّومُ فيِ أَدْنَى الاَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فيِ بِضْعِ سِنِينَ.. ) الروم: 1-4 أو مجازية نحو: ( وَلَكُمْ فيِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) البقرة: 179. ومن المكانية ” أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي” إلا أن فيه قلبا. والتي تفيده أداة ” في” للظرفية المجازية، مثلا في قوله تعالى من سورة المطففين: ( إن كتاب الفجارلفي سجين )، 
 والمراد في معنى الآية ( الفجار) هنا الكفار على ما قال أبو حيان، وعلى ما قال غير واحد ما يعمهم والفسقة، فيدخل فيهم المطففون.. وأداة ” إذا ” للظرفية الزمانية الصرفة، في قوله تعالى من سورة المطففين: ( .. وإذا انقلبوا.. ). أي وإذا انصرف المشركون ورجعوا إلى منازلهم ومجالسهم، رجعوا متلذذين، يتفكهون بذكر المؤمنين والاستخفاف بهم.. وقد وردت- أي إذا الظرفية – ست مرات في مختلف المقاما ت في سورة التطفيف وهي على النحو التالي:
قال تعالى: ” إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ ” وإعرابها: ” إذا ” ظرف لما يستقبل من الزمن، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بجوابه: ( يستوفون )، ومعناها هنا في الآية: ظرفية شرطية، والمراد في معنى الآية: أي إذا أخذوا من الناس ما أخذوا، بحكم الشراء ونحوه كيلا، يأخذونه وافيا وافرا.
-قال تعالى : ” وَإِذَا كَالُوهُمُ ..” وإعرابها : “إذا” ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط، وهو متعلق بجوابه: ( يخسرون) أما معناها هنا: فإنها ظرفية صرفة.
ومعنى الآية: وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم للبيع ، ينقصون الكيل والوزن.
– قال تعالى: ” إِذاَ تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا..” وإعرابها: إذا ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط،  مبني على السكون في محل نصب متعلق بجوابه: ( قال)،  ومعناها هنا : ظرفية صرفة،  والمراد من معنى الآية: ( إذا تتلى عليه آياتنا ) أي: القرآن، قال ابن كثير: أي : إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ، ويظن به ظن السوء، فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل.
– قال تعالى: ” وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ” وإعرابها : “إذا” ظرف لما يستقبل من الزمن ، تضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه: ( يتغامزون) ومعناها هنا : ظرفية صرفة، قال ابن كثير في معنى الآية: ( يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين، أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم، وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أي : محتقرين لهم) .
– قال تعالى: ” وَإِذَا انْقَلَبُواْ ..”  إعرابها : إذا:  ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط،  متعلق بجوابه : ( انقلبوا) ومعناها أيضا : ظرفية صرفة، ومعنى الآية:  أي وإذا انصرف المشركون ورجعوا إلى منازلهم وأهليهم، رجعوا متلذذين، يتفكهون بذكر المؤمنين، والاستخفاف بهم، وبالضحك منهم.
– قال تعالى: ” وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ” وإعرابها : إذا ظرف لما يستقبل من الزمن ، تضمن معنى الشرط متعلق بجوابه(قالوا) ومعناها كذلك : ظرفية صرفة، أما معنى الآية : قال الإمام الألوسي في تفسيره ” روح المعاني” :(وإذا رأوهم ): وإذا رأوا المؤمنين أينما كانوا ( قالوا إن هؤلاء لضالون):  يعنون جنس المؤمنين مطلقا لا خصوص المرئيين منهم، والتأكيد لمزيد الاعتناء بِسَبِّهِمْ .
ورود في الظرفية في سورة المطففين:
قال تعالى: ” لَفِي سِجِّينٍ” في هنا في الآية معناها ظرفية مجازية، وهي حرف جر، ومعنى ( لفي سجين): لفي حبس وضيق شديد، فِعِّيل من السجن، أي أن كتب أعمال الفجارمودعة في مكان اسمه سجين، جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم، أو لأنه يحل من الإعراض عنه، و الإبعاد له محل الزجر والهوان.
–  قال تعالى: ” لَفِي عِلِّيِّينَ ” في حرف جر وهي هنا ظرفية مجازية، ومعنى ( لفي عليين) معناه علو مضاعف، كأنه لا غاية له،  وهو للمبالغة، مشتق من العلوّ؛  لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه في مكان علي رفيع تحت العرش.
1- قال تعالى: ” لَفِي نَعِيمٍ” في حرف جر، وهي هنا أيضا ظرفية مجازية،  والمعنى : إن المطيعين لله في الجنات يتنعمون.
2- قال تعالى: ” وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ” : في حرف جر، وهي هنا ظرفية مجازية.
ج-معنى التوكيد: في ” إِنَّ ” ومن المعاني المترددة بكثرة في السورة،  التوكيد، وتمثله أداة إِنَّ، حيث وردت سبع مرات، وهي قوله تعالى: ( إِن كتاب الفجار لفي سجين )، إذ أكد الله سبحانه وتعالى أن كتاب أعمال الأشقياء، لفي مكان ضيق في أسفل السافلين، وقوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )، أي تأكيدا وحقا، إن الكفار في الآخرة، محجوبون عن رؤية ربهم.. وقوله عز وجل: ( إنهم لصالوا الجحيم ) أكد الله سبحانه، إنهم بعد كونهم محجوبين عن ربهم، لداخلون النار )، وقوله عز من قائل: ( إن كتاب الابرار لفي عليين )، أي حقا وصدقا، إن ما كُتِبَ من أ عمال الأبرار في مكان عال مشرف في أعلى الجنة. وقوله تعالى: (  إن الابرار لفي نعيم ) أي حقا وصدقا ويقينا إن المطيعين لربهم في الجنات الوارفة، يتنعمون في نعيم مقيم. وقوله سبحانه وتعالى: ( إن الذين أجرموا .. ) أكدت الآية: إن المجرمين الذين من طبيعتهم الإجرام، كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين استهزاء بهم، وهم رؤساء قريش من أهل الشرك. وقوله تعالى: ( إن هؤلاء لضالون ) والمعنى: أي إذا رأى  الكفار المؤمنين، قالوا إن هؤلاء المؤ منين؛ لإيمانهم بمحمد، وتركهم شهوات الحياة واللذات، لما يرجونه في الآخرة من الكرامات، فقد تركوا الحقيقة بالخيال .. فرد الله عليهم..
معنى التوكيد في (أَنَّ) : 
قال تعالى : ” أَ نَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ” أَنَّ” في الآية حرف توكيد ونصب مبني على الفتح. ومعنى الآية : أي ألا يوقن أولئك ، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والميزان أنهم سيبعثون ليوم عصيب شديد الهول كثير الفزع؟.
معنى التوكيد في اللام المزحلقة: من المعاني المتردِّدة كثيرا للتوكيد في سورة التطفيف، وتمثله اللام المزحلقة وهي كالتالي في سورة المطففين:
قوله تعالى : ” لَفِي سِجِّينٍ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وردت في الآية للتوكيد؛ وسميت اللام مزحلقة؛ لأنها زُحْلِقَت من صدر الجملة، حتى لا يجتمع في الصدر توكيدان: إن، واللام. والمعنى: أن كتب أعمال الأشقياء الفجار ، لفي مكان ضيق في أسفل السافلين.
قوله تعالى : “يَوْمَئِذٍ لَّـمَحْجُوبُونَ” : اللام المزحلقة حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد.  والمعنى: أي ليرتدع هؤلاء المكذبون عن غيهم وضلالهم ، فهم في الآخرة محجوبون عن رؤية المولى جل وعلا فلا يرونه.
– قوله تعالى : ” لَصَالُواْ الْجَحِيمِ “: اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، أتت هنا للتوكيد، أي: ثم إنهم مع الحرمان عن رؤية الرحمن ، لداخلو الجحيم ، وذائقو عذابها الأليم.
– قوله تعالى : ” لَفِي عِلِّيِّينَ” : اللام المزحلقة، و( في) حرف جر مبني على السكون، وهي هنا للتأكيد،  يقول سبحانه وتعالى: حقا إن كتاب الأبرار وهم بخلاف الفجار ( لفي عليين) أي مصيرهم إلى عليين ، وهو بخلاف سجين.
– قوله تعالى : ” لَفِي نَعِيمٍ ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد، أي إن المطيعين لله في الجنات الوارفة ، والظلال الممتدة يتنعمون.
– قوله تعالى : ” لَضَالُّونَ ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد، أي وإذا رأى الكفار المؤمنين ، قالوا : إن هؤلاء لضالون لإيمانهم بمحمد وتركهم شهوات الحياة ولذاتها لما يرجونه في الآخرة من الكرامات ، فقد تركوا الحقيقة بالخيال ، وهذا هو عين الضلال.
معنى الاستعلاء:
من أعلى المعاني ورودا في السورة الاستعلاء وقد ورد خمسة مرات, وتفيده أداة (على ) و(الباء), كالتالي:
-قوله تعالى : ” عَلَى قُلُوبِهِمْ ” : على في الآية، حرف جر مبني على السكون، وهي هنا استعلائية مجازية، أي غطاها كسبهم، أي غلب على قلوبهم ، حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي، والذنوب ، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي.
-قوله تعالى : ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ … ” على هنا في الآية استعلائية حقيقية، ومعنى (على الأرائك) : متكئين على السرر المزينة بفاخر الثياب والستور، ينظرون إلى ما أعد الله من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة .
– قوله تعالى : “عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ” :على هنا في الآية استعلائية مجازية. والمعنى : وما أرسل الكفار حافظين على المؤمنين ، يحفظون أعمالهم ، ويشهدون برشدهم أو ضلالهم ، وفيه تهكم وسخرية بالكفار كأنه يقول : أنا ما أرسلتهم رقباء ، ولا وكلتهم بحفظ أعمال عبادي المؤمنين حتى يرشدوهم إلى مصالحهم فلم يشغلون أنفسهم فيما لا يعنيهم؟.
– قوله تعالى : “عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ..” على: حرف جر، مبني على السكون، وهي في الآية:  استعلائية حقيقية ، أي: والمؤمنون على أسرة الدر واليا قوت ، ينظرون إلى الكفار يضحكون عليهم.
والباء للاستعلاء في قوله تعالى:
-” بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ..” الباء هنا جر مبني على الكسر، ومعناها الاستعلاء؛ كما قال الإمام ابن هشام في مغنى اللبيب، في مسرد الأدوات؛ في مورد حرف الباء المفردة، ص: 142 والـمعنى : وإذا مر هؤلاء المؤمنون بالكفار ، غمز بعضهم بعضا بأعينهم سخرية واستعلاء، واستهزاء بهم، أي محتقرين لهم، وقال السيوطي في الإتقان: إن الباء هنا للإلصاق المجازي، ومعنى ( إذا مروا بهم ): أي بمكان يقربون منه.
معنى الاستفهام:من أقلِّ المعاني وُرُوداً في السورة الاستفهام, الذي تفيده أداة (ما) وهمزة (أَلاَ),وَ (هَلْ) على النحو التالي:
-قال تعالى : ” وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ” ما في الآية في كِلاَ الموضعين للاستفهام في محل رفع مبتدأ، والاستفهام هنا : للتعظيم والتهويل ، أي هل تعلم ماهو سجين؟ قال الإمام ابن عطية الأندلسي -صاحب كتاب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز- في الآية ” ويحتمل أن يكون تقرير استفهام ، أي هذا مما لم يكن يعرفه الوحي”.
– قال تعالى: ” وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ” “ما” في الآية في كلا الموضعين للاستفهام، في محل رفع مبتدأ .ومعنى الآية : أي ما أعلمك يا محمد أي شيء عليون؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في المنزلة الرفيعة.
– قال تعالى : ” أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ …” الهمزة حرف استفهام مبني على الفتح ، وهو يدل على الإنكار والتعجيب العظيم من حالهم، من الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يخطرون التطفيف ببالهم، ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون فمسؤولون عما يفعلون. و”لا” حرف نفي مبني على السكون .قال الإمام النسفي : أدخل همزة الاستفهام على لا النافية توبيخا وليست هذه للتنبيه.
وهل للاستفهام:-قال تعالى : ” هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ…” هل حرف استفهام، يدل على التقرير؛ أي قد جوزي الكفار، وقال ابن كثير في معنى الآية: أي : هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا؟ يعني قد جوزوا أوْفَر الجزاء وأتمه وأكمله.
معنى الإلصاق:مِن أقلِّ المعاني ورودا في السورة الالصاق وتفيده أداة (الباء) وهي على النحو التالي:
-قال تعالى: ” بِيَوْمِ الدِّينِ…” الباء ” هنا في الآية: حرف جر, ومعناها: الإلصاق ، والمعنى : أي يكذبون، من كفار قريش بيوم الحساب والجزاء،  والمراد به الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأبو جهل ونظراؤهم.
– قال تعالى : ” بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ” الباء في ” به” حرف جر مبني على الكسر ، وتفيد الإلصاق .والمعنى: وما يكذب بذلك اليوم إلا كل فاجر، مجاوز للحد، معتد على الخلق في معاملته إياهم، وعلى نفسه، وهو أثيم في ترك أمر الله، وقيل هذا في الوليد بن المغيرة؛ لقوله تعالى : ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين).
– قال تعالى : ” بِهِ تُكَذِّبُونَ…” الباء هنا أيضا: مفيدة للإلصاق، ومعنى الآية : ثم تقول لهم خزنة جهنم : هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به رسل الله في الدنيا.
معنى: ” الردع و الزجر”: من أقل المعاني ورودا في السورة الردع و الزجر وتفيده أداة (كلا) وهذا بيانها:
-قال تعالى ” كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ” كلا هنا: حرف ردع وزجر،  أي ليس الأمر على ماهم عليه من تطفيف الكيل والميزان أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك ، فهي كلمة ردع وتنبيه، وبهذه المعنى ذكرها ابن قتيبة، في تأويل مشكل القرآن، مبحث ” كَلاَّ ” ص: 500، وفصل فيها القول ابن هشام في المغني، ص: 249 وما بعدها.
– قال تعالى: ” كَلاَّ بَل رَّانَ ” ،  كلا: حرف ردع وزجر ، أي ليرتدع هؤلاء الفجار عن ذلك القول الباطل ، فليس القرآن أساطير الأولين..
– قال تعالى : ” كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الاَبْرَارِ …”. كلا هنا أيضا حرف ردع وزجر مبني على السكون ، أي ليس الأمر كما يزعمون ، من مساواة الفجار بالأبرار ، بل كتابهم في سجين ، وكتاب الأبرار في عليين وهو مكان عال مشرف في أعلى الجنة.
معنى التبعيض:من أقل المعاني ورودا في السورة, التبعيض, وتفيده أداة (مِنْ) و(الباء), على النحو التالي:
-قال تعالى: ” مِن رَّحِيقٍ..” من هنا حرف جر,  ومعناها هنا: تبعيضية ، والمعنى يسقون من خمر في الجنة، بيضاء طيبة صافية ، لم تكدرها الأيدي، قد ختم على تلك الأواني فلا يفك ختمها إلا الأبرار.
-قال تعالى: ” مِنْ تَسْنِيمٍ” من في الآية حرف جر، مبني على السكون، ومعناها للتبعيض، قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية : أي ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم أي من شراب يقال له تسنيم وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه.
ومعنى التبعيض في الباء:
–  قال تعالى : ” يَشْرَبُ بِهَا الْمـُقَرَّ بُونَ ” الباء في ” بها ” حرف جرومعناها : التبعيض، والمعنى : قال ابن كثير: ( أي يشرب بها المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا، وقال الألوسي في روح المعاني: والباء : إما زائدة – صلة تأدبا- أي يشربها، أو بمعنى من،  أي: يشرب منها، وقال ابن قتيبة، في تأويل مشكل القرآن: تقول العرب: شربت بماء كذا وكذا، أي من ماء كذا.. ويكون المعنى: يشرب منها، ص: 513.
معنى السببية:من أقل المعاني ورودا في السورة معنى السببية. وتفيده أداة من, على النحو التالي:
-قال تعالى: ” مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ..” من هنا حرف جر مبني على السكون الذي حُرِّك إلى الفتح ؛ حتى لا يلتقي ساكنان، ومعنى من في الآية: سببية، قال ابن كثيرفي معنى الآية: يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين،  أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم.
– قال تعالى: ” مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ..”من معناها في الآية كالتي قبلها سببية، وإعرابها كمثيلتها السابقة ، ومعنى الآية: أي ففي هذا اليوم- يوم القيامة- يضحك المؤمنون من الكفار، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا جزاء وفاقا.
معنى الْـحَصْر:من المعاني التي وردت في السورة مرة واحدة الحصر, وتفيده أداة (إلا) وهذا بيانها: 
– قال تعالى: ” إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ” : إلا هنا حرف يدل على الحصر، ومعنى الآية ( إلا كل معتد): أي مجاوز للحد ( أثيم) أي : مكتسب للإثم، قال ابن كثير: أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح، والأثيم في أقواله إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.
والله تعالى أعلم،  وهو وَليُّ التوفيق.
***********************************
الهوامش: 
(1) انظر: أصول التشريع الإسلامي، علي حسب الله، مبحث القرآن، وحجيته، وإعجازه، دار المعارف، بمصر، الطبعة الرابعة/1971م، ص: 17 وما بعدها.
(2) إعجاز القرآن، للإمام أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ص: 39/ 40، دار المعارف بمصر/ 1971.
(3) إعجازالقرآن والبلاغة النبوية، الأستاذ مصطفى صادق الرافعي،  دار الكتاب العربي/ 1973م، ص: 273/274. 
(4) إعجاز القرآن، الرافعي، ص: 273. 
(5) انظر: حروف المعاني بين المناطقة والنحاة، فاطمة الحمياني، ص: 34/35، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى/2006م. 
(6) البرهان في علوم القرآن، الزركشي، الجزء الرابع، ص: 112 ومابعدها، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت/ 2009م. 
(7) المحرر الوجيز، ابن عطية الأندلسي، ج:  3، ص:478، تح: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة/1428هـ. 
(8) انظر: البرهان، الزركشي، 4/112 وما بعدها. 
(9)  انظر: الإتقان في علوم القرآن، الإمام السيوطي، ج: 2، ص: 184. 
*********************
أهم المصادر والمراجع: 
القرآن الكريم. –  
– إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس، ج: 5، تح: الدكتور زهيرغازي زاهد، عالم الكتب، الطبعة الثانية /1985م. 
– الأساس في التفسير، الشيخ سعيد حوى، المجلد الحادي عشر، دار السلام للطباعة والنشر بالقاهرة، الطبعة الأولى/1405هـ.
 – تأويل مشكل القرآن، الإمام ابن قتيبة.
– التحرير والتنوير، للإمام الطاهرابن عاشور، المجلد الثامن. 
– تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، المجلد السادس عشر، الجزء الحادي والثلاثون، دار الفكر، لبنان1415هـ/1995م. 
– الجامع لأحكام القرآن، الإمام القرطبي، الجزء التاسع عشر، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة / 1967م. 
– روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، العلامة شهاب الدين محمود الألوسي، المجلد الخامس عشر. 
– صفوة التفاسير، العلامة محمد علي الصابوني، القسم العشرون/ تفسير جزء عم، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة الأولى/ 1401هـ . 
– مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، للإمام جمال الدين ابن هشام الأنصاري، تح: الدكتور مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، ومراجعة: ذ. سعيد الأفغاني، ط: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى/ 1992م.
– نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للإمام البقاعي، المجلد الثامن، دار الكتب العلمية،بيروت،  لبنان، الطبعة الثالثة/1427هـ.

الحلقة السادسة والأخيرَة

خاتمة:

 وفي الختام أُورِدُ بعض النتائج التي خلصتُ إليْها من هذا البحث: 

1- سَمَّى النحاة هذه المفردات بالأدوات وبحروف المعاني؛ لدورها في إيصال معاني الأفعال إلى الأسماء، أو لدلالتها على معنى، كالإلصاق للباء مثلا، والاستعلاء لــ(على)، وابتداء الغاية لـ( من ).. وفي هذا الصدد – أي في ضوابط استعمال الأدوات- يقول أبو نزار، المعروف بملك النحاة، على ما أورده عنه  السيوطي في كتاب ” الأشباه والنظائر”  3/ 176  “إن الفعل قد يتعدى بعدة  من حروف الجر، على مقدار المعنى اللغوي المراد من وقوع الفعل؛ لأن هذه المعاني كامنة في الفعل،  وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجر ” – مثلا – ثم أردف قائلا: ” وذلك أنك إذا قلت خرجت، فأردت أن تبين ابتداء خروجك، قلت: خرجت من الدار، فإن أردت أن تبين أن خروجك مقارن لاستعلائك،  قلت: خرجت على الدابة ، فإن أردت المجاوزة للمكان قلت: خرجت عن الدار ، وإن أردت الصحبة قلت: خرجت بسلاحي،  فقد وضح بهذا ليس يلزم في كل فعل ألا يتعدى إلا بحرف واحد.. “.

2- إن أدوات المعاني تقوم بِدَوْرٍ أساسي في الكلام؛ ويمكن القول إن لها وظيفتين أساسيتين: 

أولها : وظيفة نحوية ، وهي تحقيق الترابط بين مكونات الجملة ، أو الكلام.

ثانيها : وظيفة دلالية معنوية ، وهي الإسهام في تحديد دلالة السياق . 

3-تبين من استقراء الأدوات، في سورة المطففين أن المعاني المترددة، تتفاوت كثرة وقلة، بحسب مقامات الكلام، والحاجة إلى المعاني، فأكثر المعاني ترَدُّداً، معنى:  

أ-استغراق الجنس، الذي تفيده أداة ” أل ”  الجنسية: وهي إما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها ” كل ” حقيقة، نحو: ( وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً ) النساء: 28، أو لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تخلفها ” كل ” مجازا، نحو: ” زيد الرجل علما ” أي الكامل في هذه الصفة، ومنه: ( ذلكَ الكتابُ ) البقرة: 2. أو لتعريف الماهية، وهي التي لا تخلفها ” كل ” لا حقيقة ولا مجازا، نحو: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) الأنبياء: 30. وقد فصل فيها القول ابن هشام في المغني، ص: 73. –

أما الآيات التي وردت في سورة المطففين في معنى الجنس، فهي كالتالي:

– قال تعالى: ” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ.. ”  أل التعريف هنا في ” المطففين ” مفيدة للجنس، ومعنى  الآية: ( ويل ) أي خسارة وهلاك ( للمطففين ) قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفيف، وهو القليل، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل وزن، وقال الزجاج: إنما قيل للفاعل من هذا مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف؛ وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه.. وقال أبو حيان الأندلسي، في تفسير البحر المحيط” والمطفف: الآخذ في وزن أوكيل طفيفا، أي شيئا حقيرا خفيفا، ولهذا فسر الله تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك، وهو الويل، بقوله تعالى: ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ).

قال تعالى: ” عَلَى النَّاسِ…” أل التعريف هنا في الآية مفيدة للجنس، ومعنى: ( على الناس)- كما ذكر الإمام برهان الدين البقاعي في تفسيره نظم الدرر- أي خاصة بمشاهدتهم كائنين من كانوا لا يخافون شيئا ولا يراعون أحدا، بل صارت الخيانة والوقاحة لهم ديدنا.

– قال تعالى: ” يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ…” أل التعريف هنا أيضا مفيدة للجنس، ومعنى الآية ( يوم يقوم) أي يوم يقفون على الأرجل ( الناس) أي كل من فيه قابلية الحركة يقفون في المحشر حفاة عراة خاشعين خاضعين لرب العالمين.

– قال تعالى: ” لِرَبِّ الْعَالمَـِينَ..” أل التعريف في الآية هنا مفيدة للجنس، ومعنى الآية : ( لرب العالمين)؛ أي لأجل موجد  حكم الخلائق ومربيهم كلهم، فلا ينسى أحدا من رزقه، ولا يهمله من حكمه،ولا يرضى بظلم أحد ممن يربيه، فهو يفيض لكل من كل بحكم التربية، هكذا قال الإمام البقاعي.

– قال تعالى: ” إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ” أل التعريف في : ” الفجار” مفيدة كذلك للجنس ومعنى الآية : ليس الأمر كما يذهب إليه الكافرون والمطففون من أنهم لا يبعثون ولا يعذبون؛ فإن صحائف أعمال الأشقياء الفجار، لفي كتاب جامع ، هو ديوان الشر دون الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس.

قال تعالى: ” أَسَاطِيرُ الاَوَّلِينَ ” أل التعريف في الأولين مفيدة للجنس، ومعنى الآية: إذا تليت عليه آيات القرآن الناطقة بحصول البعث والجزاء، قال عنها : هذه حكايات وخرافات الأوائل سطروها وزخرفوها في كتبهم.

– قال تعالى: ” يَشْهَدُهُ الْـمُقَرَّبُونَ ”  أل التعريفية في: ” المقربون ” تفيد أيضا الجنس، ومعنى الآية – كما قال القرطبي – أي يشهد عمل الأبرار، مقربو كل سماء من الملائكة. 

– قال تعالى: ” إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ”  أل التعريفية في الأبرار هنا أيضا مفيدة للجنس، والمعنى: إن أهل الصدق والطاعة في الجنات يتنعمون. 

– قال تعالى: ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ”  أل التعريف في الارائك، تفيد الجنس، والمعنى  المراد: أي على الأسرة المزينة، بفاخر  الثياب والستور، ينظرون إلى ما أعد الله لهم من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة. 

– قال تعالى: ” نَضْرَةَ النَّعِيمِ” أل التعريف في النعيم مفيدة للجنس، قال القرطبي في معنى قوله: ( نضرة النعيم ) أي:  بهجته وغضارته ونوره يقال : نضر النبات : إذا أزهر ونور؛ أي إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل نعمة، لما ترى في وجوههم من النور والبياض والحسن، ومن بهجة السرور ورونقه .

– قال تعالى: ” فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ” أل التعريف في “المتنافسون” تفيد كذلك الجنس، والمعنى : أي وفي هذا النعيم والشراب الهنيء، فليرغب بالمبادرة الى طاعة الله، وليتسابق المتسابقون، قال الإمام الطبري: التنافس مأخوذ من الشيء النفيس الذي يحرص عليه الناس.

– قال تعالى: ” عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمـُقَرَّبُونَ” أل التعريف في ” المقربون” مفيدة للجنس، ومعنى الآية : أي هي عين في الجنة يشرب منها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة، وقال فخر الدين الرازي في التفسير: هي كقوله تعالى: ( يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ).

– قال تعالى: ” مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ” أل التعريف هنا للجنس والمعنى – كما سبق آنفا – أي كما ضحك الكفار منهم في الدنيا مجازاة. 

– قال تعالى: ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ .. ” أل التعريف أيضا تفيد الجنس، والمعنى: والمؤمنون على أسرة الدر والياقوت، ينظرون إلى الكفار، ويضحكون عليهم، من سوء الحال، وإلى ما هم فيه من العذاب. 

– قال تعالى: ” هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ…” أل التعريف هنا مفيدة أيضا للجنس، والمعنى: أي هل جوزي الكفار في الآخرة بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين من السخرية والاستهزاء؟ نعم فقد جوزوا أوفر الجزاء.

نُدركُ أنّ أل التي تُفيدُ استغراقَ الجنس، كما ورَدَت في قوله تعالى: «وَيْلٌ للمُطفِّفينَ» على سبيل المثال، فيها وعيدٌ شديدٌ مُستغرِقٌ لكلّ مَن طفَّفَ الكيلَ والوزنَ.

ب-معنى الظرفية: الظرفية؛ كما ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب، ص: 223، وهي إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (.. غُلِبَتِ الرُّومُ فيِ أَدْنَى الاَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فيِ بِضْعِ سِنِينَ.. ) الروم: 1-4 أو مجازية نحو: ( وَلَكُمْ فيِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) البقرة: 179. ومن المكانية ” أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي” إلا أن فيه قلبا. والتي تفيده أداة ” في” للظرفية المجازية، مثلا في قوله تعالى من سورة المطففين: ( إن كتاب الفجارلفي سجين )، 

 والمراد في معنى الآية ( الفجار) هنا الكفار على ما قال أبو حيان، وعلى ما قال غير واحد ما يعمهم والفسقة، فيدخل فيهم المطففون.. وأداة ” إذا ” للظرفية الزمانية الصرفة، في قوله تعالى من سورة المطففين: ( .. وإذا انقلبوا.. ). أي وإذا انصرف المشركون ورجعوا إلى منازلهم ومجالسهم، رجعوا متلذذين، يتفكهون بذكر المؤمنين والاستخفاف بهم.. وقد وردت- أي إذا الظرفية – ست مرات في مختلف المقاما ت في سورة التطفيف وهي على النحو التالي:

قال تعالى: ” إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ ” وإعرابها: ” إذا ” ظرف لما يستقبل من الزمن، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بجوابه: ( يستوفون )، ومعناها هنا في الآية: ظرفية شرطية، والمراد في معنى الآية: أي إذا أخذوا من الناس ما أخذوا، بحكم الشراء ونحوه كيلا، يأخذونه وافيا وافرا.

-قال تعالى : ” وَإِذَا كَالُوهُمُ ..” وإعرابها : “إذا” ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط، وهو متعلق بجوابه: ( يخسرون) أما معناها هنا: فإنها ظرفية صرفة.

ومعنى الآية: وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم للبيع ، ينقصون الكيل والوزن.

– قال تعالى: ” إِذاَ تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا..” وإعرابها: إذا ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط،  مبني على السكون في محل نصب متعلق بجوابه: ( قال)،  ومعناها هنا : ظرفية صرفة،  والمراد من معنى الآية: ( إذا تتلى عليه آياتنا ) أي: القرآن، قال ابن كثير: أي : إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ، ويظن به ظن السوء، فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل.

– قال تعالى: ” وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ” وإعرابها : “إذا” ظرف لما يستقبل من الزمن ، تضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه: ( يتغامزون) ومعناها هنا : ظرفية صرفة، قال ابن كثير في معنى الآية: ( يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين، أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم، وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أي : محتقرين لهم) .

– قال تعالى: ” وَإِذَا انْقَلَبُواْ ..”  إعرابها : إذا:  ظرف لما يستقبل من الزمن، تضمن معنى الشرط،  متعلق بجوابه : ( انقلبوا) ومعناها أيضا : ظرفية صرفة، ومعنى الآية:  أي وإذا انصرف المشركون ورجعوا إلى منازلهم وأهليهم، رجعوا متلذذين، يتفكهون بذكر المؤمنين، والاستخفاف بهم، وبالضحك منهم.

– قال تعالى: ” وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ” وإعرابها : إذا ظرف لما يستقبل من الزمن ، تضمن معنى الشرط متعلق بجوابه(قالوا) ومعناها كذلك : ظرفية صرفة، أما معنى الآية : قال الإمام الألوسي في تفسيره ” روح المعاني” :(وإذا رأوهم ): وإذا رأوا المؤمنين أينما كانوا ( قالوا إن هؤلاء لضالون):  يعنون جنس المؤمنين مطلقا لا خصوص المرئيين منهم، والتأكيد لمزيد الاعتناء بِسَبِّهِمْ .

ورود في الظرفية في سورة المطففين:

قال تعالى: ” لَفِي سِجِّينٍ” في هنا في الآية معناها ظرفية مجازية، وهي حرف جر، ومعنى ( لفي سجين): لفي حبس وضيق شديد، فِعِّيل من السجن، أي أن كتب أعمال الفجارمودعة في مكان اسمه سجين، جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم، أو لأنه يحل من الإعراض عنه، و الإبعاد له محل الزجر والهوان.

–  قال تعالى: ” لَفِي عِلِّيِّينَ ” في حرف جر وهي هنا ظرفية مجازية، ومعنى ( لفي عليين) معناه علو مضاعف، كأنه لا غاية له،  وهو للمبالغة، مشتق من العلوّ؛  لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه في مكان علي رفيع تحت العرش.

1- قال تعالى: ” لَفِي نَعِيمٍ” في حرف جر، وهي هنا أيضا ظرفية مجازية،  والمعنى : إن المطيعين لله في الجنات يتنعمون.

2- قال تعالى: ” وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ” : في حرف جر، وهي هنا ظرفية مجازية.

ج-معنى التوكيد: في ” إِنَّ ” ومن المعاني المترددة بكثرة في السورة،  التوكيد، وتمثله أداة إِنَّ، حيث وردت سبع مرات، وهي قوله تعالى: ( إِن كتاب الفجار لفي سجين )، إذ أكد الله سبحانه وتعالى أن كتاب أعمال الأشقياء، لفي مكان ضيق في أسفل السافلين، وقوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )، أي تأكيدا وحقا، إن الكفار في الآخرة، محجوبون عن رؤية ربهم.. وقوله عز وجل: ( إنهم لصالوا الجحيم ) أكد الله سبحانه، إنهم بعد كونهم محجوبين عن ربهم، لداخلون النار )، وقوله عز من قائل: ( إن كتاب الابرار لفي عليين )، أي حقا وصدقا، إن ما كُتِبَ من أ عمال الأبرار في مكان عال مشرف في أعلى الجنة. وقوله تعالى: (  إن الابرار لفي نعيم ) أي حقا وصدقا ويقينا إن المطيعين لربهم في الجنات الوارفة، يتنعمون في نعيم مقيم. وقوله سبحانه وتعالى: ( إن الذين أجرموا .. ) أكدت الآية: إن المجرمين الذين من طبيعتهم الإجرام، كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين استهزاء بهم، وهم رؤساء قريش من أهل الشرك. وقوله تعالى: ( إن هؤلاء لضالون ) والمعنى: أي إذا رأى  الكفار المؤمنين، قالوا إن هؤلاء المؤ منين؛ لإيمانهم بمحمد، وتركهم شهوات الحياة واللذات، لما يرجونه في الآخرة من الكرامات، فقد تركوا الحقيقة بالخيال .. فرد الله عليهم..

معنى التوكيد في (أَنَّ) : 

قال تعالى : ” أَ نَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ” أَنَّ” في الآية حرف توكيد ونصب مبني على الفتح. ومعنى الآية : أي ألا يوقن أولئك ، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والميزان أنهم سيبعثون ليوم عصيب شديد الهول كثير الفزع؟.

معنى التوكيد في اللام المزحلقة: من المعاني المتردِّدة كثيرا للتوكيد في سورة التطفيف، وتمثله اللام المزحلقة وهي كالتالي في سورة المطففين:

قوله تعالى : ” لَفِي سِجِّينٍ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وردت في الآية للتوكيد؛ وسميت اللام مزحلقة؛ لأنها زُحْلِقَت من صدر الجملة، حتى لا يجتمع في الصدر توكيدان: إن، واللام. والمعنى: أن كتب أعمال الأشقياء الفجار ، لفي مكان ضيق في أسفل السافلين.

قوله تعالى : “يَوْمَئِذٍ لَّـمَحْجُوبُونَ” : اللام المزحلقة حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد.  والمعنى: أي ليرتدع هؤلاء المكذبون عن غيهم وضلالهم ، فهم في الآخرة محجوبون عن رؤية المولى جل وعلا فلا يرونه.

– قوله تعالى : ” لَصَالُواْ الْجَحِيمِ “: اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، أتت هنا للتوكيد، أي: ثم إنهم مع الحرمان عن رؤية الرحمن ، لداخلو الجحيم ، وذائقو عذابها الأليم.

– قوله تعالى : ” لَفِي عِلِّيِّينَ” : اللام المزحلقة، و( في) حرف جر مبني على السكون، وهي هنا للتأكيد،  يقول سبحانه وتعالى: حقا إن كتاب الأبرار وهم بخلاف الفجار ( لفي عليين) أي مصيرهم إلى عليين ، وهو بخلاف سجين.

– قوله تعالى : ” لَفِي نَعِيمٍ ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد، أي إن المطيعين لله في الجنات الوارفة ، والظلال الممتدة يتنعمون.

– قوله تعالى : ” لَضَالُّونَ ” : اللام المزحلقة، حرف مبني على الفتح، وهي هنا أيضا للتوكيد، أي وإذا رأى الكفار المؤمنين ، قالوا : إن هؤلاء لضالون لإيمانهم بمحمد وتركهم شهوات الحياة ولذاتها لما يرجونه في الآخرة من الكرامات ، فقد تركوا الحقيقة بالخيال ، وهذا هو عين الضلال.

معنى الاستعلاء:

من أعلى المعاني ورودا في السورة الاستعلاء وقد ورد خمسة مرات, وتفيده أداة (على ) و(الباء), كالتالي:

-قوله تعالى : ” عَلَى قُلُوبِهِمْ ” : على في الآية، حرف جر مبني على السكون، وهي هنا استعلائية مجازية، أي غطاها كسبهم، أي غلب على قلوبهم ، حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي، والذنوب ، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي.

-قوله تعالى : ” عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ … ” على هنا في الآية استعلائية حقيقية، ومعنى (على الأرائك) : متكئين على السرر المزينة بفاخر الثياب والستور، ينظرون إلى ما أعد الله من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة .

– قوله تعالى : “عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ” :على هنا في الآية استعلائية مجازية. والمعنى : وما أرسل الكفار حافظين على المؤمنين ، يحفظون أعمالهم ، ويشهدون برشدهم أو ضلالهم ، وفيه تهكم وسخرية بالكفار كأنه يقول : أنا ما أرسلتهم رقباء ، ولا وكلتهم بحفظ أعمال عبادي المؤمنين حتى يرشدوهم إلى مصالحهم فلم يشغلون أنفسهم فيما لا يعنيهم؟.

– قوله تعالى : “عَلَى الاَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ..” على: حرف جر، مبني على السكون، وهي في الآية:  استعلائية حقيقية ، أي: والمؤمنون على أسرة الدر واليا قوت ، ينظرون إلى الكفار يضحكون عليهم.

والباء للاستعلاء في قوله تعالى:

-” بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ..” الباء هنا جر مبني على الكسر، ومعناها الاستعلاء؛ كما قال الإمام ابن هشام في مغنى اللبيب، في مسرد الأدوات؛ في مورد حرف الباء المفردة، ص: 142 والـمعنى : وإذا مر هؤلاء المؤمنون بالكفار ، غمز بعضهم بعضا بأعينهم سخرية واستعلاء، واستهزاء بهم، أي محتقرين لهم، وقال السيوطي في الإتقان: إن الباء هنا للإلصاق المجازي، ومعنى ( إذا مروا بهم ): أي بمكان يقربون منه.

معنى الاستفهام:من أقلِّ المعاني وُرُوداً في السورة الاستفهام, الذي تفيده أداة (ما) وهمزة (أَلاَ),وَ (هَلْ) على النحو التالي:

-قال تعالى : ” وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ” ما في الآية في كِلاَ الموضعين للاستفهام في محل رفع مبتدأ، والاستفهام هنا : للتعظيم والتهويل ، أي هل تعلم ماهو سجين؟ قال الإمام ابن عطية الأندلسي -صاحب كتاب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز- في الآية ” ويحتمل أن يكون تقرير استفهام ، أي هذا مما لم يكن يعرفه الوحي”.

– قال تعالى: ” وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ” “ما” في الآية في كلا الموضعين للاستفهام، في محل رفع مبتدأ .ومعنى الآية : أي ما أعلمك يا محمد أي شيء عليون؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في المنزلة الرفيعة.

– قال تعالى : ” أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ …” الهمزة حرف استفهام مبني على الفتح ، وهو يدل على الإنكار والتعجيب العظيم من حالهم، من الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يخطرون التطفيف ببالهم، ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون فمسؤولون عما يفعلون. و”لا” حرف نفي مبني على السكون .قال الإمام النسفي : أدخل همزة الاستفهام على لا النافية توبيخا وليست هذه للتنبيه.

وهل للاستفهام:-قال تعالى : ” هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ…” هل حرف استفهام، يدل على التقرير؛ أي قد جوزي الكفار، وقال ابن كثير في معنى الآية: أي : هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا؟ يعني قد جوزوا أوْفَر الجزاء وأتمه وأكمله.

معنى الإلصاق:مِن أقلِّ المعاني ورودا في السورة الالصاق وتفيده أداة (الباء) وهي على النحو التالي:

-قال تعالى: ” بِيَوْمِ الدِّينِ…” الباء ” هنا في الآية: حرف جر, ومعناها: الإلصاق ، والمعنى : أي يكذبون، من كفار قريش بيوم الحساب والجزاء،  والمراد به الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأبو جهل ونظراؤهم.

– قال تعالى : ” بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ” الباء في ” به” حرف جر مبني على الكسر ، وتفيد الإلصاق .والمعنى: وما يكذب بذلك اليوم إلا كل فاجر، مجاوز للحد، معتد على الخلق في معاملته إياهم، وعلى نفسه، وهو أثيم في ترك أمر الله، وقيل هذا في الوليد بن المغيرة؛ لقوله تعالى : ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين).

– قال تعالى : ” بِهِ تُكَذِّبُونَ…” الباء هنا أيضا: مفيدة للإلصاق، ومعنى الآية : ثم تقول لهم خزنة جهنم : هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به رسل الله في الدنيا.

معنى: ” الردع و الزجر”: من أقل المعاني ورودا في السورة الردع و الزجر وتفيده أداة (كلا) وهذا بيانها:

-قال تعالى ” كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ” كلا هنا: حرف ردع وزجر،  أي ليس الأمر على ماهم عليه من تطفيف الكيل والميزان أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك ، فهي كلمة ردع وتنبيه، وبهذه المعنى ذكرها ابن قتيبة، في تأويل مشكل القرآن، مبحث ” كَلاَّ ” ص: 500، وفصل فيها القول ابن هشام في المغني، ص: 249 وما بعدها.

– قال تعالى: ” كَلاَّ بَل رَّانَ ” ،  كلا: حرف ردع وزجر ، أي ليرتدع هؤلاء الفجار عن ذلك القول الباطل ، فليس القرآن أساطير الأولين..

– قال تعالى : ” كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الاَبْرَارِ …”. كلا هنا أيضا حرف ردع وزجر مبني على السكون ، أي ليس الأمر كما يزعمون ، من مساواة الفجار بالأبرار ، بل كتابهم في سجين ، وكتاب الأبرار في عليين وهو مكان عال مشرف في أعلى الجنة.

معنى التبعيض:من أقل المعاني ورودا في السورة, التبعيض, وتفيده أداة (مِنْ) و(الباء), على النحو التالي:

-قال تعالى: ” مِن رَّحِيقٍ..” من هنا حرف جر,  ومعناها هنا: تبعيضية ، والمعنى يسقون من خمر في الجنة، بيضاء طيبة صافية ، لم تكدرها الأيدي، قد ختم على تلك الأواني فلا يفك ختمها إلا الأبرار.

-قال تعالى: ” مِنْ تَسْنِيمٍ” من في الآية حرف جر، مبني على السكون، ومعناها للتبعيض، قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية : أي ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم أي من شراب يقال له تسنيم وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه.

ومعنى التبعيض في الباء:

–  قال تعالى : ” يَشْرَبُ بِهَا الْمـُقَرَّ بُونَ ” الباء في ” بها ” حرف جرومعناها : التبعيض، والمعنى : قال ابن كثير: ( أي يشرب بها المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا، وقال الألوسي في روح المعاني: والباء : إما زائدة – صلة تأدبا- أي يشربها، أو بمعنى من،  أي: يشرب منها، وقال ابن قتيبة، في تأويل مشكل القرآن: تقول العرب: شربت بماء كذا وكذا، أي من ماء كذا.. ويكون المعنى: يشرب منها، ص: 513.

معنى السببية:من أقل المعاني ورودا في السورة معنى السببية. وتفيده أداة من, على النحو التالي:

-قال تعالى: ” مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ..” من هنا حرف جر مبني على السكون الذي حُرِّك إلى الفتح ؛ حتى لا يلتقي ساكنان، ومعنى من في الآية: سببية، قال ابن كثيرفي معنى الآية: يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين،  أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم.

– قال تعالى: ” مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ..”من معناها في الآية كالتي قبلها سببية، وإعرابها كمثيلتها السابقة ، ومعنى الآية: أي ففي هذا اليوم- يوم القيامة- يضحك المؤمنون من الكفار، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا جزاء وفاقا.

معنى الْـحَصْر:من المعاني التي وردت في السورة مرة واحدة الحصر, وتفيده أداة (إلا) وهذا بيانها: 

– قال تعالى: ” إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ” : إلا هنا حرف يدل على الحصر، ومعنى الآية ( إلا كل معتد): أي مجاوز للحد ( أثيم) أي : مكتسب للإثم، قال ابن كثير: أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح، والأثيم في أقواله إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.

والله تعالى أعلم،  وهو وَليُّ التوفيق.

***********************************

الهوامش: 

(1) انظر: أصول التشريع الإسلامي، علي حسب الله، مبحث القرآن، وحجيته، وإعجازه، دار المعارف، بمصر، الطبعة الرابعة/1971م، ص: 17 وما بعدها.

(2) إعجاز القرآن، للإمام أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ص: 39/ 40، دار المعارف بمصر/ 1971.

(3) إعجازالقرآن والبلاغة النبوية، الأستاذ مصطفى صادق الرافعي،  دار الكتاب العربي/ 1973م، ص: 273/274. 

(4) إعجاز القرآن، الرافعي، ص: 273. 

(5) انظر: حروف المعاني بين المناطقة والنحاة، فاطمة الحمياني، ص: 34/35، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى/2006م. 

(6) البرهان في علوم القرآن، الزركشي، الجزء الرابع، ص: 112 ومابعدها، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت/ 2009م. 

(7) المحرر الوجيز، ابن عطية الأندلسي، ج:  3، ص:478، تح: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة/1428هـ. 

(8) انظر: البرهان، الزركشي، 4/112 وما بعدها. 

(9)  انظر: الإتقان في علوم القرآن، الإمام السيوطي، ج: 2، ص: 184. 

 

 

 

*********************

أهم المصادر والمراجع: 

القرآن الكريم. –  

– إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس، ج: 5، تح: الدكتور زهيرغازي زاهد، عالم الكتب، الطبعة الثانية /1985م. 

– الأساس في التفسير، الشيخ سعيد حوى، المجلد الحادي عشر، دار السلام للطباعة والنشر بالقاهرة، الطبعة الأولى/1405هـ.

 – تأويل مشكل القرآن، الإمام ابن قتيبة.

– التحرير والتنوير، للإمام الطاهرابن عاشور، المجلد الثامن. 

– تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، المجلد السادس عشر، الجزء الحادي والثلاثون، دار الفكر، لبنان1415هـ/1995م. 

– الجامع لأحكام القرآن، الإمام القرطبي، الجزء التاسع عشر، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة / 1967م. 

– روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، العلامة شهاب الدين محمود الألوسي، المجلد الخامس عشر. 

– صفوة التفاسير، العلامة محمد علي الصابوني، القسم العشرون/ تفسير جزء عم، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة الأولى/ 1401هـ . 

– مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، للإمام جمال الدين ابن هشام الأنصاري، تح: الدكتور مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، ومراجعة: ذ. سعيد الأفغاني، ط: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى/ 1992م.

– نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للإمام البقاعي، المجلد الثامن، دار الكتب العلمية،بيروت،  لبنان، الطبعة الثالثة/1427هـ.

ر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق