مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء (من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍) -44- محمدُ بن عليِّ بن محمد بن عبد الرحيم بن هشام الأَنْصاريُّ الأوْسيُّ، أبو عبد الله(1)

محمدُ بن عليِّ بن محمد بن عبد الرحيم(2) بن هشام الأَنْصاريُّ الأوْسيُّ، مَرّاكشيٌّ، نشَأ بسَلَا، قُرطُبيُّ أصلِ السَّلف، أبو عبد الله، ابنُ هشام.

رَوى بسَلا عن أَبيه، ومؤدِّبِه أبي عليّ عُمرَ بن موسى بن الحَسَن بن عليّ بن مُكابِر بن بلولٍ الصُّنْهاجيّ الفشْتاليّ من بني بلول، ثم مِن بني عَطّاف، وبه انتفَعَ في العربيّة والطريقةِ الأدبيّة؛ والزاهدِ الفاضل أبي إسحاقَ بن أحمدَ القَلَبَّق، وأبي جعفر ابن فَرْقَد، وأبي عبد الله ابن حَمّاد، وروى بفاسَ عن جماعة منهم: أبو عبد الله ابنُ عبو.

وشَرَّق مرّتَيْن حَجَّ فيهما، فَصَلَ في أُولاهما من سَلا سنةَ ثمانِ عشْرةَ وست مئة، وجال في بلادِ المشرق والشَّام والعراق، ودَخَلَ بغدادَ وتَكْريتَ والمَوْصِل ومِصرَ والإسكندَريّة، ورَوى عن طائفةٍ كثيرة من بقايا الشيوخ سَماعًا وقراءةً، وأجاز له منهم جَمْع لا يُحصَوْنَ كثرةً، فمن شيوخِه ببغدادَ: أبو إسحاق إبراهيمُ بن عبد الرّحمن بن أبي ياسر القَطِيعيُّ الخَيّاط، وأبو بكرٍ محمدُ بن أبي بكر بن عبد الله .. ، وأبو حَفْص عُمرُ بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعد السُّهْرَوَردي، وأبو سَعْد ثابتُ بن مُشرَّف بن أبي سَعْد بن إبراهيمَ الأزَجيُّ البناء، وموفَّقُ الدِّين أبو عبد الله بن عبد اللّطيف ابن يوسُف بن محمد بن عليّ البغدادي ومحمد بن أحمدَ بن صَالح بن شافِع الجِيليُّ، وبتكريتَ: أبو المعالي محمدُ بن نَصْر بن محمد بن المبارَك ابن البَرْدَغُوليِّ ابنُ الطاهِريّ، وبحَماةَ: أبو القاسم عبد الله الحُسين بن عبد الله بن رَواحةَ الحَمَويُّ، وبدمشقَ: خطيبُها جَمالُ الدِّين أبو عبد الله بنُ أحمدَ بن محمد بن قُدامةَ المَقْدِسيُّ، وشمسُ الدّين أبو نَصْر محمدُ بن هبة الله بن مَمِيل الشِّيرازيُّ، والقاضي أبو .. الشَّهْرَزُوريُّ وغيرُهم، بإفادةِ صاحبِه أبي عبد الله بن يوسُف البِرْزاليِّ الإشبيلي مُستوطِنِ دمشقَ. وقَفَلَ من وِجهتِه هذه سنةَ ثِنتينِ وعشرينَ وست مئة، واستَوطنَ مَرّاكُشَ وقتًا.

ثم رَحَلَ إلى الأندَلُس وسَكَنَ إشبيلِيَةَ مدّة وشَرِيشَ أُخرى، ومنها فَصَلَ لرحلتِه الثَّانية سنةَ ثمانٍ وأربعينَ، وكان محرِّكُه إليها وباعثُه عليها ما حدَّثني به ونقَلتُه من خطِّه، قال: وذلك رؤيا رأيتُها في المنام لم تكنْ من أضغاثِ الأحلام؛ رأيتُ في العشر الأواخِر من رمضانَ سيّدَ البشَر الشفيعَ المشفَّع في المَحْشَر، جالسًا على سرير، تُبرِقُ من وجهِه الأسارير، فبادرتُ إليه مُسرعًا، ووقَفْتُ بين يَدَيْه متخضّعًا، وقلتُ له بعدَ أن سلّمتُ عليه، وقُمتُ مقام المستكينِ بين يدَيْه: يَا رسُولَ الله، ما أعظمَ عندَ الله تعالى مَن سَلّم عليك، وقبَّل ثَرى نَعْلَيْك! فقال لي عليه الصلاةُ والسلامُ مجُيبًا، بعدَ أن رَحَّب ترحيبًا: إنّي أُحبُّك، إنّي أُحبُّك، إنّي أُحبُّك ثلاثًا يُعدِّدُها، وُيكرّرُ الكلماتِ وُيردِّدُها، ثم قال لي في الآخِر: ومن أحبَّ شيئًا أكثرَ من ذكْرِه، فاستيقَظْتُ من منامي، وقمتُ على أقدامي، والعزائمُ منّي مشحوذة، وعِلَقُ تعلُّقي بحبالِ هذه الفانية بمُدى اليأسِ مقطوعةٌ مجذوذة، وخرَجْتُ لا أَلْوي على مُتعذِّر، خروجَ المجدِّ إلى لقاءِ المحبوبِ المشمِّر، فسِرتُ على عَوْنِ الله متورِّكًا، وبرؤيتي هذه المنامةَ متبرِّكًا، وبعُرَى وُدِّي الصّحيح، وحبِّي الصّريح متمسكًا. ولم يُعْنَ في هذه الرحلة بالأخْذِ عن أحد، ورَوى عن الخطيبِ بباعوثا: من أرضِ عجلونَ من بلادِ الشَّام أبي عليّ بن عُمرَ الأنصاريِّ ابن الأنْدَلُسيّ، وببُونةَ عن أبي القاسم محمد .. محمد ابن مُحرِز التَّميميّ التونُسيِّ من ذريّة الفاضل، الشهيرِ الكرامات ..

عرفتُه بمَرّاكُش، وصحِبتُه كثيرًا وأخَذْتُ عنه معظمَ ما كان عندَه.

وكان .. من أهل الصِّدقِ والعدالة، سُنّيًّا فاضلًا مُنحِيًا على أهل البِدع .. بارعَ الخَطّ، سريعَ البديهة في النَّظم، مُكثرًا منه محُسِنًا في بعضِه، حافظًا للقرآنِ العظيم، مُثابِرًا على تلاوته، طيِّبَ النفْس كريمَ الأخلاق جميلَ الدُّعابة مُمتِع المجالسة.

وُلد بمَرّاكُشَ سنةَ خمس وتسعينَ وخمسِ مئة، وتوفِّي بها نصفَ ليلة الخميس الحادية والعشرينَ من ذي قَعْدةِ أحدٍ وسبعينَ وستّ مئة، ودُفنَ إثْرَ صلاةِ العَصْر من يوم الخميس المذكور بجَبّانة أسر غسن بمقرُبة من جامع عليّ بن يوسُف، عَمَرَه اللهُ بدوام الذِّكْر فيه، وشَهِدَ جَنازتَه خَلْقٌ كثير، وأثنَوْا عليه صالحًا، وكان أهلًا لذلك.

 

  • الذيل والتكملة 5/ 231- 235.
  • في ترجمة أبيه عند المصنف عبد الرحمن بدل عبد الرحيم.
  • أثبت ترجمته في القراء لما ورد في آخرها من أنه كان حافظا لكتاب الله، مثابرا على تلاوته.
Science

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق