الرابطة المحمدية للعلماء

الحجاج في اللغة و الخطاب: قراءة في أعمال د.أبوبكر العزاوي

في إطار الاهتمام بالدراسات الحجاجية التي تستقطب حقولا ومباحت معرفية مختلفة النظريات والأطر المرجعية ,انعقدت مؤخرا ندوة وطنية بالدار البيضاء بشراكة بين الجمعية المغربية لتكامل العلوم ومؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية و العلوم الإنسانية لأجل الاحتفاء بالرمز و الباحث في الحجاج اللغوي الطبيعي الدكتور أبو بكر العزاوي,وقد شارك في أشغال هذه الندوة أساتذة وباحثون من مختلف المؤسسات العلمية و الجامعية

نعرض ملخصات مداخلاتهم أدناه:

التحليل الحجاجي للغة و الخطاب المفاهيم-الأطر-الأبعاد: قراءة في مشروع د.أبو بكر العزاوي

     د. حسن مسكين(جامعة أبي شعيب الدكالي الجديدة)    
وقد استهدفت مداخلته إبراز السمات النسقية التي تميز مشروع د.أبو بكر العزاوي و المتمثلة في مقومات عامة وعناصر خاصة ، فأما العامة فمن أبرزها ذلك الترابط العلاقي بين مؤلفاته ودراساته الحجاجية المتسمة بعمق النظرية ودقة الإنجاز، وأما الخاصة فمن أهمها تحليل البنيات الحجاجية في اللغة و الخطاب من خلال مستويات عدة (أقوالا، وجملا، ومعجما، وتركيبا، ودلالة، ووظائف)، وصولا إلى بعدها التداولي أيضا ، ذلك المستوى الذي ظل باهتا في الدراسات الحجاجية السابقة. إذ التداول لدى د. العزاوي هو المستوى الأعمق والأوسع الذي تتحقق فيه روح الحجاج بكافة تجلياتها.فإذا كان هذا الاخير يعد أبرز الوظائف الحاسمة في اللغة ، فإن مظاهره لا تحد في عنصر ولا تحصر في خطاب، بل تشمل كل الخطابات مهما كانت طبيعتها ومرجعيتها ومقاصدها ( أدبية أم قانونية أم سياسية أم تجارية أم علمية) مادامت اللغة هي القاسم المشترك بينها جميعا .

كما سعت المداخلة إلى توضيح العناصر الآتية:
•    الأطر التي استند اليها في الانتقال من اللغة إلى الخطاب .
•    مستويات ودرجات تحقق الحجاج في اللغة والخطاب .
•    تأكيد قصور النموذج المنطقي الرياضي في إبراز حجاجية اللغة والخطاب .
•    بيان الاختلاف القائم بين خصائص اللغات الطبيعية مقارنة باللغات الصورية .
•    إظهار كفاية و إجرائية التحليل الذي تبناه الكاتب و القائم على المنطق الطبيعي أو منطق اللغة ((logique  du langage  من خلال  تنوع المدونة و تعدد النماذج (أشعار و أمثال و إشهار)

ثم إن هذه المداخلة حاولت أن تبين سمات أخرى حضرت في هذا المشروع مثل 🙁 المرونة –الانفتاح-المقارنة-البدائل-الشمولية ) ،وهي سمات علمية جديرة بالتحليل و المناقشة

الحجاج في الخطاب الإشهاري: L’argumentation dans le discours publicitaire         
ذ.خليل مسافر كلية الحقوق جامعة الحسن الأول-سطات

يكتسي موضوع الإشهار عموما أهمية كبرى في المجتمعات الحديثة باعتباره أحد العوامل الأساسية للتأثير في حياة الناس أفرادا و جماعات. وبحكم تعدد القطاعات التي يشملها الإشهار ،فان هذا الشكل التواصلي يلازم الإنسان في كل حركاته و تحركاته، بل إنه أصبح قاعدة أساسية لتغيير سلوكيات الناس ونمط عيشهم. ونظرا لما يتميز به الخطاب الإشهاري من قدرة خارقة في تشكيل الرأي العام و بلورة ثقافة استهلاكية تساير التوجهات الاقتصادية للمقاولة و مساهمته في نموها التجاري، فإن تناول هذا النوع من الخطاب بالبحث والدراسة في بلادنا وفق مقاربة تواصلية، لا يزال أمرا في بداياته. كما أن مسايرته بوصفه شكلا من أشكال الثقافة الحديثة، وذلك في كافة تمظهراته، وتمفصلاته، وإدراجه باعتباره أساسا من أسس الثقافة الحديثة وضمن إطار الممارسة الحقيقية للفعل الثقافي يظل أمرا تعترضه صعوبات جمة، بسبب الطبيعة المعقدة للخطاب الإشهاري. إذ أصبح جليا أن هذا النوع من الخطاب يؤثث الفضاء اليومي للإنسان المعاصر ويتفاعل معه في مختلف مجالات حياته، كما أنه يستهلك، وربما بشكل أكثر من الخطابات الأخرى كالخطاب السياسي مثلا.

انطلاقا من هذا الأساس فإن دراسة الخطاب الإشهاري وبشكل خاص ودقيق مسألة “الحجاج في الخطاب الإشهاري la question de l’argumentation dans le discours publicitaire    قد خصص لها أستاذنا الجليل أبو بكر العزاوي فصلا كاملا في مؤلفه اللغة والحجاج والذي سنلقي من خلاله الضوء على جملة من العناصر اللغوية والتداولية التي تشكل البنية الحجاجية لهذا الشكل التواصلي. كيف يوظف الخطاب الإشهاري الحجاج؟ وهل للحجاج الإشهاري خصوصيات ما، تميزه عن الأشكال الخطابية الأخرى؟وما مدى استلهام النظريات الحديثة في ميدان الحجاج للتأثير على المواطن المغربي والعربي عموما ؟.

الحجاج من اللغة إلى الخطاب : قراءة في أعمال “أبو بكر العزاوي”
ذ.فضيل ناصري (جامعة عبد المالك السعدي – تطوان )

وقد اعتزم في بحثه هذا و الذي اتخذ عملي الباحث “أبو بكر العزاوي ” المرجعيين الموسومين “اللغة و الحجاج “و “الخطاب و الحجاج”موضوعا له الاضطلاع بمهمة و فعل “القراءة “بما هي فن كسر الحواجز و استكناه المكنون و سبر غوره و جعله متكشفا عما فيه من الدرر و اللالى و قد أقر أن قراءة بهذه المعاني و المواصفات متأبية و عصية على غير الرائض و المتعجل.

كما اتكأ الباحث بالإضافة إلى العملين المذكورين أعلاه على جميع المنجزات النصية للباحث ذات الصلة  بالموضوع ،مقالات ،حوارات ،شهادات لباحتين كبار في حق المؤلف ، كيما يخلص و ينتهي في المحصلة الأخيرة إلى قراءة جامعة ملخصة ناقدة مركبة مولدة.

و لأجل هذا جعل بحثه مقدمة مهد فيها للموضوع تمهيدا عاما و قارب العلاقات و التواشجات المنعقدة بين المنطق و الحجاج و عرض فيها بالدرس و التحليل لعلاقة المنطق باللغة وحدد فيه مفاهيم “الحجاج”و “السلم الحجاجي” و الرابط الحجاجي” و كذا علاقة هذه المفاهيم بمفاهيم أخرى محاقلة لها كالجدل و المناظرة و الاستدلال …..

و خلص فيه إلى أن اللغة الطبيعية تنفرد بمنطق خاص هو الحجاج و أردف المقدمة بمطلبين إثنين:
-مطلب أول :دعاه الحجاج في اللغة و ارتكز فيه على كتاب “اللغة و الحجاج ” و قدم فيه لمحة عامة عن مضامين الكتاب ، كما تناول فيه بعض الظواهر اللغوية المستبطنة للحجاج كالاستعارة ….ودور الروابط الحجاجية في بناء المعنى .
-مطلب ثان: سماه الحجاج في الخطاب و قد جعل عمدته في  هذا المطلب كتاب “الخطاب و الحجاج” أي اشتغل على حجاجية خطابات طبيعية ،كالخطاب القرأني ، و الخطاب الشعري ،و الخطاب المثلي ، و الخطاب الإشهاري .
و انتهى من هذا كله إلى خاتمة سجل فيها أهم الخلاصات و الاستنتاجات ،و قرر أن الحجاج هو المنطق الداخلي للغة الطبيعية و أن مجاله الاحتمال و هدفه التأثير.

الحجاج في القرآن الكريم و الشعر و الأمثال و الإشهار  
ذ.زكرياء السرتي (جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال).

ثمة نموذج تحليلي ينبغي أن يحظى بالعناية و الاهتمام من لدن المنشغلين ،في الفضاء اللساني و البلاغي العربي ,بمدارس و اتجاهات “تحليل الخطاب” عموما و بمميزات وقضايا “التحليل الحجاجي ” خصوصا .إنه كتاب أبي بكر العزاوي “الخطاب و الحجاج” الذي صدر سنة 2007 قي طبعته الأولى عن “الأحمدية للنشر ” بالدار البيضاء .
قدم الكتاب نموذجا تطبيقيا في مضمار تحليل الخطاب العربي استنادا إلى نظرية الحجاج اللغوي ،خاصة وأن هذه النظرية ،التي وضع أساسها و جهازها المفهومي ديكرو و أنسكومبر ،اقتصرت في الغالب على الجمل و الأقوال ولم تمتد إلى دراسة الخطاب .

يمثل الكتاب ،حسب مؤلفه حلقة من حلقات مشروع علمي يهدف إلى “تطوير النظرية الحجاجية، وتوسيع مجال تطبيقها ليشمل مختلف النصوص الدينية و الأدبية و السياسية و التاريخية و الصحفية والإشهارية في الفصول الأربعة من الكتاب، أثار الباحث قضايا نظرية مثل الفعالية الحجاجية للخطاب وعلاقة الشعر بالخطاب، وعلاقة الشعر بالحجاج، وضعف كفاية التحليل الاستلزامي المنطقي، كما عرض إجراءات تحليلية لدراسة أربعة أنواع من الخطاب: الخطاب الديني، والخطاب الشعري، والخطاب المثلي، والخطاب الإشهار (الصورة الإشهارية). وقد كان عرض الباحث للقضايا النظرية والإجراءات التحليلية التطبيقية في السياق ذاته، أي دون فصل وتخصيص .

وقد حاولت المداخلة التركيز بشكل رئيسي على التحاليل الحجاجية المنجزة للنصوص والخطابات المدروسة وفقا لمنهجية قائمة على استكشاف صنف الظواهر والقضايا التي اتجه إليها نظر الباحث، ونمط المفاهيم والآليات التي وظفها في ثنايا ” تحليلية الحجاجي ” .

البعد التجاري للمثل المغربي الشعبي .
ذ. نور الدين مومنين (جامعة الحسن الأول)

ليس من السهل معرفة أي الأشكال الفنية أو التعبيرات الثقافية هي الأكثر حضورا و الأوسع اهتماما لدى الملتقي، لأن جلها قد  تعولم بدوره، وهي لا تزال تسعى لتجاوز الحدود القومية و تخطي اللغات المحلية، وقد بينت العديد من الدراسات أنه بالرغم من ذلك ما تزال بعض التعابير الثقافية (كالأمثال)، حاضرة بقوة ومرتبطة بالقضايا المحلية ،فالعولمة لا يمكن أن تذيب الهويات القومية و المحلية، لأنها أي الأمثال طبعت مسلكيات و ذهنيات أجيال من المغاربة و أطرت سيروراتهم عبر التاريخ .

ويمكن تأكيد المثل بوصفه تعبيرا و خطابا خطيا بالدراسة و التحليل من عدة جوانب دلالية و تداولية و قولية و منطقية و غيرها لغناه و أصالته و قيمته البالغة .

وقد ركزت المداخلة على البعد التجاري لهذا الموروث الشعبي من خلال مقاربة حجاجية وعيا بضرورة تفعيل و ترسيخ المشروع العلمي للأستاذ الدكتور أبو بكر العزاوي الذي لم يستثن الخطاب المثلي من دائرة الخطابات و النصوص المحللة حجاجيا.

فالمثل لغة غنية يمكن اعتباره حجة قوية و حجة جاهزة كما يمتاز – في حالة المغرب – بالتنوع الراجع إلى اختلاف ظروف العيش و التضاريس، و أصل السكان من منطقة إلى أخرى: (الصحراوين  السوسيون ،المراكشيون، التطاونيون….)، فلكل منطقة مميزاتها و مميزات سكانها مما أدى إلى إضفاء الطابع الخاص للمثل المغربي الشعبي وهو التميز، ووجدنا المثل نفسه يختلف من منطقة إلى أخرى و ذلك راجع إلى نقطة (اللكنة)، و كذلك التنوع يرجع إلى نوع النشاط التجاري والاقتصادي السائد بالمنطقة. أما التنوع التاريخي فراجع إلى ظروف الحقبة، فإذا كانت المرحلة تتسم بالعسر و الجفاف سادت و ظهرت الأمثال التي تحث على الاقتصاد، وإذا كانت المرحلة مرحلة يسر و رخاء ظهرت الأمثال التي تحث على الإنفاق.

حول المشروع النقدي الحجاجي من خلال أعمال الدكتور أبي بكر العزاوي
ذ. سعيد أيت العرابي (باحث).

وقد قصدت المداخلة بالدرجة الأولى إلى التركيز على التصور المنهجي و المقاربة الحجاجية بناء على المشروع النقدي الذي يسعى المؤلف إلى إرساله و تأصيله من خلال مقاربة أشكال خطابية متنوعة. كما ركز الباحث على أهم النظريات و المرجعيات الفكرية التي ساهمت في تأطير مشروعه الحجاجي النقدي و تشييد منهج جديد لتحليل الخطاب.

و بين أن الكتابين يعدان مرجعين نظريين وتطبيقيين لدراسة وتحليل النصوص الشعرية والروائية و الإشهارية والدينية والمثلية، كما أنهما يتكاملان في السعي إلى تأصيل تصور منهجي جديد قائم على روافد سيميائية ولسانية ومرجعيات حديثة في الدلالة المعرفية.

إن المقاربة المنهجية التي يسعى الدكتور أبو بكر العزاوي إلى إرسائها في الثقافة العربية تستمد أصولها من نظرية الحجاج في اللغة التي وضع أسسها الباحث اللغوي الفرنسي أوزفالد ديكرو، و مفاد هذه النظرية أن اللغة ذات طبيعة حجاجية.

ومعلوم أن الحجاج نجده في كل أنماط الخطاب و أنواع النصوص ، و خاصة القصائد الشعرية و المقالات الأدبية و المتون الإشهارية والمجادلات والمناظرات الفكرية وفي الروايات والمسرحيات والخطب السياسية.

إن الوظيفة المهيمنة في الخطاب هي الوظيفة الحجاجية الإقناعية التي تتحكم في توجيه مسار الخطاب و تحديد مقصديته.

الاستلزامات الفكرية و المعرفية لكتاب اللغة و الحجاج  
ذ.سعيد بليماني (باحث)

يعتبر كتاب اللغة و الحجاج مرجعا أساسيا في فهم المصادر المؤسسة للعمل الاستدلالي والحجاجي في اللغة و الفكر بصفة عامة .كما أن البناء المعرفي الذي يعتمده هذا النص يؤكد أن الكتاب يشكل إضافة نوعية في المدرسة التي  ينتمي إليها ديكرو ، فضلا عن كونه يمثل نموذجا يحتذى في فهم هذه المدرسة وتمثل مقولاتها الفكرية والمعرفية بشكل جيد.

لذلك ركز الباحث في العرض على إبراز هذه الخصائص المعرفية التي للحجاج بوصفه فكرا، كما اهتم بتتبع ذلك من خلال فصول الكتاب، ومن خلال البناء الهيكلي الذي تركب من خلاله الموضوعات الأساسية لتناول الحجاج في الدراسة اللغوية وامتدادتها الفكرية. إذ بين الموضوعات الأساسية كالقيمة الحجاجية والروابط الحجاجية وفي الأخير العلاقة بين الاستعارة والحجاج. باعتبارها مادة خصبة تميز هذا الكتاب عن باقي الدراسات اللغوية الأخرى. والمهم في الأمر أن الكتاب لا يشير بصفة صريحة إلى الدراسات اللغوية التركيبية والتداولية السابقة في الدراسة اللغوية ويرد عليها معرفيا بطريقة غير مباشرة ويبني ذلك بطرق استدلالية مقنعة كحديثه عن القيمة الإخبارية  والقيمة  الحجاجية أو العلاقة بين المقام والحجاج ..الخ. ويندرج هذا العرض في هذا السياق التوضيحي في الحديث عن هذا الكتاب .

الخطاب والحجاج
ذ. عبد الله بريمي ( الكلية المتعددة التخصصات – الرشيدية )

يقدم كتاب ” الخطاب والحجاج ” للدكتور أبوبكر العزاوي، إبدالا Paradigme معرفيا لإنتاج وتفسير الأنساق الثقافية، سواء كانت دينية ( الخطاب القرآني من خلال سورة الأعلى) أو الشعرية (من خلال قصيدة العلة لـ  أحمد مطر) أو الإشهارية ( من خلال تحليله لعينة من الصور الإشهارية) أو المثلية      ( من خلال رصده لمجموعة من الأمثال العامية المغربية). و الإبدال المعرفي الذي يقدمه الكتاب و يسعى المؤلف إلى تأسيسه و محاولة استنباته  في حقل الثقافة العربية ، إبدال بالغ الأهمية و التفرد من حيث أصوله و امتداداته ومن حيث مردوديته و أساليبه التحليلية ، فهو إبدال يستمد أصوله و آلياته من مجموعة من الحقول المعرفية الفلسفية مثل: اللسانيات و المنطق و البلاغة …و بموجب هذا الإبدال ستتغير قواعد القراءة و التحليل ، وتتم إعادة النظر في آليات التعاطي مع كل الوقائع اللسانية منها و غير اللسانية، بما فيها مفهوم النص و مكوناته و بنياته الداخلية و طريقته في إنتاج معانيه و حججه.

ينحو بنا مؤلف الكتاب، إلى إبراز أن مهمة التوقف عند حجاجية النص ليس فقط كشف معناه الباطن، بل محاولة اكتشاف كل ما فيه من ثراء و سمو التجربة الإنسانية، أي اكتشاف العالم الذي يحيلنا إليه ،بعد أن نكون قد كشفنا عن كل القوى  الخفية التي كانت تختفي وراءه. فالتحليل الحجاجي للنص، لا يقتصر على الأفعال المباشرة فقط، بل يشمل جميع الأفعال الإرادية والانفعالية، أي جميع ما يدور في النفس من أفعال مستلزمة و لعل الغاية من ذلك تتبدى في اكتشاف منطق اللغة ومنطق الخطاب و هو ما تقوم به الوظيفة الحجاجية للغة.

فالحجاج في-ظل المقاربة التداولية المعتمدة –يعد سيرورة تساهم في تحويل العالم من حالته العديمة الشكل إلى ما يحدد الأشكال المختلفة للإدراك ، انطلاقا من التمفصلات الدلالية و التداولية الممكنة .إنه يحول العالم إلى أشكال و موضوعات ثقافية تضطلع بدور البرنامج ، وتشتغل باعتبارها تعليمات و آليات تهدف إلى  خلق و ضعيات جديدة يستطيع من خلالها الفرد بناء عالمه بصورة تجعله قادرا على فهم تجربته  و تعميمها و تأويلها و تنظيمها في أشكال و صيغ قابلة للتحقيق ،أي إنه ينتقل من إنتاج الخطاب إلى تفسيره و تأويله .إننا بمعنى آخر نصوغ من خلال هذا السلوك الحجاجي الجديد الواقع الذي نعيش فيه و العالم الذي نرغب أن نحياه .

يسعى الحجاج في دلالته الفلسفية إلى الوصف والإظهار والكشف عن المنطق الداخلي للخطاب لمعرفة مدى تماسك وانسجام عناصره، ومدى صحة حججه وأدلته، وهي النتيجة التي ينتهي إليها الدكتور أبو بكر العزاوي في تحليله و دراسته لطبيعة الحجاج في القرآن و الشعر و المثل و الإشهار.

إن معالجة الناقد لهذه الأنساق قادته إلى تأويل /حجاجي ذي شمولية ،و الشمولية لا تلغي التاريخي والثقافي، بل الشمولية تتبدى في امتلاك الناقد لخطاب معرفي قادر على الاستيعاب و التفاعل و الحوار المعرفي ضمن تصور نظري جديد هو حصيلة و نتاج لمثاقفة لسانية وفكرية منتجة.

كتاب الدكتور أبو بكر العزاوي قيم للغاية و هو أروع لوحة جامعة ومفيدة يقدمها القارئ العربي حول تداوليات الحجاج، لوحة ناصعة اقتصر فيها على أهم الأنساق الفكرية والرهانات الإبستمولوجية التي ميزت الحجاج في تجلياته اللسانية وغير اللسانية، ولعل الكتاب كان مهما استطاع فيه الدكتور أبو بكر العزاوي التحكم في أدواته المفهومية والنقدية واللسانية، والإقدام على العرض والتحليل بلياقة لغوية وبراعة فكرية. ولا شك أن هذه المحاولة الثرية ستغني المكتبة العربية بالدرس الحجاجي الذي أضحى اليوم الضرورة والغاية لموضوعاته الضرورية.

البنيات التداولية للخطاب الإعلامي : السياق المعرفي و الاستدلالي الحجاجي
ذ. عبد الصادق معافة (باحث).

وتهدف هذه المداخلة إلى عرض أساليب إعمال الخطاب الإعلامي بشكل مقتضب و رصد البنيات المتحكمة في أدلته و الفاعلة في آليات إنتاجه بغية  الوصول إلى كشف طبيعة تحقيقه لاتساق في التنظيم وانسجام في النسق الدلائلي التواصلي.

وتندرج هذه المقاربة في إطار عمل أكاديمي مندمج وشمولي يروم استكناه البنيات والأنساق التداولية المشكلة للخطاب الإعلامي والأنماط والتمثلات المعرفية المتضمنة في الفعل التواصلي. على هذا الأساس تم تسطير بعد ثنائي عام ينبني من جهة، على تبيان المسار السياقي المعرفي ومن جهة ثانية، رصد محددات الاستدلال الحجاجي لهذا الخطاب.  

ويكمن المغزى من تفسير إثباتية الخطاب الإعلامي في مستوييه المعرفي التواصلي في الإقرار بكون هذا الخطاب إفرازا لتفاعل مقاصد البنيات النصية والمسارات الاجتماعية والثقافية والمعرفية. من هذا المنطلق، يبدو أن رصد الظاهرة الاقتضائية والاستلزامات المستندة إلى السياق المعرفي والاستدلالات الحجاجية من بين الخصائص العامة للخطاب الإعلامي الذي يستلزم افتراض إعمال تنظيم هرمي للمعلومة الخبرية داخل بنيتها. كما أن امتلاك المعلومات مراتب مختلفة بصفتها وحدات  متميزة يستوجب خضوعها إلى توزيع وترتيب ضمن سلم الأهمية منظم على مستويات متباينة.

علاوة على ذلك، تشكل الاقتضاءات أحد المسالك الممكنة التي تتيحها اللسانيات قصد تحقيق توزيع هرمي للمدلول وخضوع بعض وحدات المعلومة إلى تبئير وتظهير. كما أن الاستلزامات المستندة إلى السياق والكفاية المعرفية والمرونة التأويلية الاستنتاجية تمكن من جعل الخطاب الإعلامي محققا لتخاطب تواصلي بامتياز بين المخاطب والمخاطب ضمن نسق متماسك المبادئ ومحكم الضوابط.

على هذا الأساس، يظل الاحتكام إلى اعتماد إسنادات ذهنية وبنيات حجاجية جوهريا لضمان استمرار التفاعل التواصلي واحترام مقومات التعاون والمعرفة المشتركة بين المتواصلين. ويعد هذا المعطى قمينا بإظهار بعض حمولات الخطاب الإعلامي الذهنية ومسالكه التبليغية المتصفة بطابع تخاطبي وارتكاز هذا الخطاب على خلفية لسانية معرفية تستثمر تباعا عملية التسييق والتبيئة في إطاره المخصص والإطار المعمم للعالم المعرفي.
الاستعارة الحجاجية في كتاب اللغة والحجاج للدكتور أبوبكر العزاوي

عبد الرزاق عميري ( مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود – البيضاء)
ليست الاستعارة مجرد شكل بلاغي وأسلوبي أو نوعا من أنواع  التلفظ البياني المتسم بالزخرف والبديع. وإنما الاستعارة من أهم خاصيات اللغة الطبيعية التي حظيت بالعديد من الدراسات والأبحاث ليس فقط من قبل اللغويين والبلاغيين وإنما من طرف العديد من الدارسين ينتمون إلى مشارب معرفية متنوعة كالأدب والفن والفلسفة وعلم النفس…إلخ.   

وقد تناول الدكتور العزاوي هذه الظاهرة من منظور حجاجي في كتابه اللغة والحجاج وأبرز أن الاستعارة تملك قوة حجاجية. وأثبت ذلك من خلال دراستها داخل منظومة السلم الحجاجي والقوة الحجاجية.
 كما اعتبر دورها مماثلا للدور الذي تقوم به الروابط الحجاجية، حيث يكون الدليل الذي يلي الرابط الحجاجي هو الأقوى حجاجيا ويأتي في أعلى السلم الحجاجي تماما كما هو الشأن بالنسبة للأقوال الاستعارية التي تعتبر أيضا الأعلى درجة في السلم الحجاجي والأقوى من حيث قوتها الحجاجية في سياق الخطاب الذي وردت فيه.

إن الاستعارة على هذا النحو وسيلة لغوية قوية تيسر الأهداف الحجاجية للمتكلم وما فتئت تستخدم بشكل واسع من أجل هذه الغاية. ومن خاصيات الاستعارة الحجاجية كونها لا تأتي في سياق الإبطال والتعارض الحجاجي كما هو الشأن بالنسبة للأقوال العادية. فالقول الحجاجي لا يفترض أن يليه رابط حجاجي يعارض قوته الحجاجية، إذ لا يمكن بحال تصور ورود سياق الإبطال والتعارض الحجاجي بعد قول استعاري. واستنادا لأعمال النقاد واللغويين القدامى والمحدثين من جهة والدراسات الغربية حول موضوع الاستعارة، يمكن تقسيم هذه الأخيرة إلى نوعين رئيسين. النوع الأول اصطلح عليه الدكتور العزاوي الاستعارة الحجاجية، أي الاستعارة المفيدة كما جاءت عند عبد القاهر الجرجاني أو الاستعارة اللغوية الفنية كما جاءت في أعمال كونراد.

وهذا النوع من الاستعارة مرتبط بمقاصد المتكلمين والسياق التخاطبي و التواصلي عندهم. ونجد لها الكثير من الأمثلة في الخطابات الأدبية، السياسية، الصحافية وغيرها. أما النوع الثاني، الذي وصفه الجرجاني بالاستعارة الجمالية كما سماها كونراد، فهو نوع من الاستعارات ذات البعد الجمالي الذي يتسم بالزخرف والبديع من الكلام ولا يعدو أن يكون تعبيرا عن التمكن من اللغة و التفنين في استعمال أسلوب يهدف إلى إبراز المهارة العالية في توظيف المحسنات البديعة التي تتوخى التأثير وليست لها أهداف تواصلية أو تخاطبية كما هو الحال بالنسبة للاستعارة الحجاجية.

                                                                  ذ.فضيل ناصري           
                                                                   (جامعة عبد المالك السعدي –تطوان)

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. بسم الله الرحمان الرحيم
    ندوة تستحق نشر أعمالها في كتاب ليطلع عليها الجميع ولأنها تعرف بالحجاج اللغوي الطبيعي لدى الباحث المقتدر "أبو بكر العزاوي" هنيئا للمشاركين فيها و شكرا لفضيل ناصري إذ يظطلع بنشر هذا التقرير المفصل بعض الشيء عنها.
    وفقكم الله أستاذنا "أبو بكر العزاوي"لخدمة البحث و الباحثين المهتمين بالحجاجيات

  2. بسم الله الرحمان الرحيم
    ندوة تستحق نشر أعمالها في كتاب ليطلع عليها الجميع ولأنها تعرف بالحجاج اللغوي الطبيعي لدى الباحث المقتدر "أبو بكر العزاوي" هنيئا للمشاركين فيها و شكرا لفضيل ناصري إذ يظطلع بنشر هذا التقرير المفصل بعض الشيء عنها.
    وفقكم الله أستاذنا "أبو بكر العزاوي"لخدمة البحث و الباحثين المهتمين بالحجاجيات

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق