
الدكتور مصطفى مختار
باحث بمركز علم وعمران
بادر أعلام آخرون غير عَلَميين إلى التدريس بالجامع الأعظم من شفشاون. مثل القاضي الأديب أبي محمد سيدي عبد الملك الخيراني الورديغي الذي درّس صحيح البخاري بعد سيدي أحمد بن الشاهد العلمي [134]. ومثل الفقيه سيدي عبد السلام بن سعيد زنبار الجباري الذي أمر له المولى سليمان العلوي بثلاثين أوقية شهريا تشجيعا له على التدريس [135].
ومنهم العدل والقاضي سيدي عبد الكريم بن الحاج عبد السلام الحضري [136] الذي ختم صحيح الإمام البخاري على سيدي محمد بن عبد السلام العلمي، بزاوية سيدي محمد بن ناصر الدرعي، بشفشاون [137].
ومنهم القاضي سيدي عبد الكريم الورديغي، وسيدي محمد العربي الريسوني، والرحالة سيدي عبد القادر الورديغي [138]، والعلامة سيدي محمد الغالي المكلف بتدريس مختصر خليل، بالجامع الأعظم [139]، والعدل والقاضي سيدي أحمد السمار المكلف بتدريس الشمائل به [140]، والعلامة سيدي أحمد بن محمد ابن خجو، الشهير بولد أزياتة، متصدرا للعلم بالجامع الأعظم [141] بعد أن درس بقبيلة الأخماس وفاس واشتغل مدرسا بفكيك [142]. ومنهم سيدي أحمد الحضري [143].
ومن مدرسي الدروس النظامية ودروس بين العشاءين، بالجامع الأعظم، سيدي محمد بن عياد الخمسي [144]، محبس كتاب أو أكثر على المكتبة الراشدية [145]. درس بمدشر الهوْتة، ربع بني تليد، وقرى قبيلته الأخماس، وببني يدر، وبني كرفط، وفاس، وبرواق المغاربة من الأزهر الشريف قبل أن يصبح مديرا للمعهد الديني، بشفشاون [146]. وسبق له أن أحيا ختم صحيح البخاري بحدائق قصبة شفشاون، خلال الأربعينيات [147].
ومن المدرسين، بالجامع الأعظم، سيدي الحسن العمارتي [148]، مورقا به، ساردا صحيح البخاري وخاتمه خلفا لسيدي الحسن العلمي [149]، وشارحا همزية الإمام البوصيري. حيث حضر العلامة سيدي علي بن أحمد الريسوني، أطال الله عمره، إحدى حلقات أستاذه العمارتي، وهو صغير السن، أيام المولد النبوي [150].
وشاء ربك أن يكون سيدي علي الريسوني واعظا بالجامع الأعظم نفسه [151]. وقد سبق له أن درس بشفشاون قبل أن يصبح أستاذا بالمعهد الديني بها، فأستاذا بمؤسسة تعليمية عمومية، رئيسا لجمعية الدعوة الإسلامية، عضوا بالمجلس العلمي المحلي لإقليم شفشاون [152].
ومن الطريف أن المترجم، وهو صغير جدا لا يأبه، لقي الشيخ تقي الدين الهلالي ضيفا بدار والده سيدي أحمد بن الأمين الريسوني، بساحة وطا الحمام، محاذيا لباب السور [153]. ومن الجدير بالذكر أن الشيخ تقي الدين الهلالي كان يلقي دروسا في المسجد الأعظم، خلال فترتين [154] بعد أن درس بتافيلالت وفاس والشرق العربي [155].
أما سيدي الحاج الهاشمي السفياني، فخلف سيدي الحسن العمارتي في التوريق، بالجامع الأعظم [156]، عاكفا فيه على قراءة صحيح البخاري وختمه خمس عشرة مرة [157]، بدون مقابل بالرغم من وجود وقف (دبنة البخاري)، بمدشر غاروزيم جنوب شفشاون، على القراءة المذكورة [158]، مدرسا للفقه والترتيل، بالجامع الأعظم، عند مكتبة المسجد ومقصورته [159]، مهتما بإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف [160].
وكان ينوب عنه في سرد صحيح البخاري وختمه تلميذه سيدي محمد بن عبد السلام بن تحايكت إلى أن خلفه فيهما. حيث كان يقوم بشرح أحاديث من الصحيح المذكور بعد صلاة التراويح، وفي أيام الأحاد من غير رمضان، بين العشاءين، في الجامع الأعظم [161].
وظل سيدي الحاج الهاشمي السفياني يشجع أخاه سيدي محمدا السفياني على التدريس بمساجد الحاضرة حتى جلس على كرسي إحدى الحلقات العلمية، بالجامع الأعظم [162]. ويبدو أنه ابتداء من يوم الجمعة 27 رمضان 1390 هـ واظب سيدي عبد السلام بن عبد القادر الحضري على إلقاء دروس يختم بها صحيح البخاري، بالمسجد الأعظم [163]. سبق له أن درس بشفشاون وتطوان قبل أن يشتغل مديرا لمؤسسة تعليمية بالحاضرة الأولى، فأستاذا بالمعهد الديني بها، مدرسا سيدي محمد ابن يعقوب، عدلا، وإماما لمسجد ريف الأندلس، مورقا به، خلفا للفقيه سيدي الحاج عبد السلام بن أحمد عيسى، وخليفة لخطيب صلاة العيدين [164].
وفي يوم الجمعة 12 ربيع الثاني عام 1397 هـ/ فاتح أبريل 1977 م ألقى الشيخ سيدي محمد المكي الناصري، بالجامع الأعظم، درسا دينيا قبل صلاة الظهر [165].
وكان سيدي محمد ابن يعقوب مسهما، بشكل موازٍ في ختم صحيح البخاري، خلال فترة إمامة الحاج الهاشمي السفياني [166] الذي بعد وفاته كان سيدي عمر ادمينو، إمام الجامع الأعظم، آخر من قام بالتوريق به خلفا له، بحسب خبر موثق بنظارة الأوقاف من شفشاون [167].
وإذ وصلنا في مسير الجامع الأعظم، بشفشاون، هذا المبلغ، نميز فيه بين فترتين تاريخيتين. أولاهما: فترة تصدر بيت الشرفاء العلميين له. وثانيهما: فترة ما بعد تصدر البيت العلمي. حيث برزت أسر أخرى وأعلام آخرون في الساحة الثقافية، بشكل دال على تداول ثقافي يمكن أن يشكل ركيزة من ركائز التناوب الديموقراطي ذي الخصوصية المغربية.
والله الموفق للصواب والمعين عليه.
الإحالات:
[134] جامع شفشاون، في: دعوة الحق، س6، ع1، ص34.
[135] نفسه، ص31.
[136] نفسه، ص34.
[137] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص78- 80 والهامش رقم 169؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص37- 39 والهامش رقم 63. استأنس بـ: جامع شفشاون، في: دعوة الحق، س6، ع1، ص32، وص34.
[138] جامع شفشاون، في: دعوة الحق، س6، ع1، ص34.
[139] مشاهير علماء المعاهد الدينية بشمال المغرب، ص34.
[140] مشاهير علماء المعاهد الدينية بشمال المغرب، ص34. استأنس بـ: المرجع نفسه، ص35؛ والهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص101 والهامش 225.
[141] شفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص33- 34 والهامش 115.
[142] شفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص34، الهامش 114 استأنس بـ: جامع شفشاون، في: دعوة الحق، س6، ع1، ص33.
[143] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص14- 15.
[144] نفسه، ص15، الهامش 36، وص16.
[145] نفسه، ص101.
[146] نفسه، ص15، الهامش 36، وص16؛ ومشاهير علماء المعاهد الدينية بشمال المغرب، ص36- 38. استأنس بـ: شيخي سيدي حمزة شقور، ص321- 322.
[147] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص80 والهامش 175.
[148] نفسه، ص70، الهامش 154؛ وومضات من حياة وفكر القاضي الحسن العمارتي، في: العلامة القاضي الحسن العمارتي الإنسان والمربي، ص87؛ وكلمة شكر وامتنان، في: المرجع نفسه، ص139.
[149] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص82؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص21، وص22، بتصرف تركيبي، وص37.
[150] القاضي الحسن العمارتي وزملاؤه في التوثيق والتدريس والخطابة، في: العلامة القاضي الحسن العمارتي الإنسان والمربي، ص76.
[151] القاضي الحسن العمارتي وزملاؤه في التوثيق والتدريس والخطابة، في: العلامة القاضي الحسن العمارتي الإنسان والمربي، ص74- 75.
[152] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص12، الهامش 30.
[153] من تاريخ شفشاون، ص159- 160.
[154] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص88، الهامش 199؛ ومن تاريخ شفشاون، ص160- 163، بتصرف.
[155] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص88، الهامش 199؛ ومن تاريخ شفشاون، ص157- 158.
[156] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص82؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص21، وص22، بتصرف تركيبي، وص37.
[157] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص76- 84، وص138، وص145- 146؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص35- 36، وص37، وص39؛ وشيخي سيدي حمزة شقور، ص327.
[158] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص76 والهامشان 164 و 166، وص78؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص35 والهامشان 57 و 58.
[159] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص28، وص74، وص82- 83، وص135، وص137- 138، وص138- 139 والهامش 304، وص145- 146، وص147؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص54؛ وج2، ص32؛ وشيخي سيدي حمزة شقور، ص327.
[160] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص52- 53؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص139- 140، وص145. استأنس بـ: شيخي سيدي حمزة شقور، ص326- 327.
[161] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص78 والهامش 168، وص144، وص145- 146.
[162] نفسه، ص144.
[163] نفسه، ص77، وص78؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص36- 37، وص39.
[164] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص77، الهامش 167، وص81- 82، الهامش 178، وص114؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص21 والهامش 23، وص50، الهامش 73؛ ومشاهير علماء المعاهد الدينية بشمال المغرب، ص33- 35، بتصرف.
[165] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص71، وص128.
[166] نفسه، ص83- 84 والهامش 185؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص39- 40.
[167] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص81، الهامش 176؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص22.