
الدكتور مصطفى مختار
باحث بمركز علم وعمران
توقف تصدر البيت العلمي، في الجامع الأعظم، بشفشاون، مع سيدي الحسن العلمي الذي انتقل إلى تطوان. وخلفه، في خطابة الجامع، القاضي سيدي الحسن بن محمد العمارتي [59] الذي سبق له أن درس بشفشاون وفاس قبل أن يعود إلى بلده قاضيا، مدرسا، خطيبا بالمصلى، مسهما في تسيير المكتبة الراشدية [60].
ولعل أخاه الحافظ سيدي الحاج التهامي العمارتي كان إمام الصلوات الخمس، بالجامع الأعظم، خلال فترة ما قبل أو ما بعد المترجم. حيث كان يختار من السور أو الآيات، في صلاة العشاء، ما يناسب دروس الوعظ التي يقوم بها العلامة سيدي علي بن أحمد الريسوني، حفظه الله، بين العشاءين [61]، بحسب ما سنتطرق إليه لاحقا.
أما سيدي الحسن العمارتي، فقد ناب عنه، خلال محنته، في إمامة الصلوات الخمس، بالجامع الأعظم، مؤذنه سيدي علال بن تحايكت، بدون مقابل، بحسب ما راج في إحدى عياداته له رفقة سيدي الحاج الهاشمي بن عبد السلام السفياني [62].
سبق للمترجم أن درس على المدرر سيدي أحمد الحضري، بكتابه الواقع غرب الباب الرئيس، الجنوبي الشرقي، من جامع حي ريف الأندلس، إلى أعلى، الصاعد إليه عبر درج، مثل ما درس بالزاوية الشقورية [63].
وناب عن سيدي الحسن العمارتي في خطابة الجامع الأعظم، خطيبه وإمامه- فيما بعد- سيدي الحاج الهاشمي السفياني [64]، دفين روضة المولى علي ابن راشد، خارج باب العين [65]، وقاطن درب الحراق، بحومة السويقة [66]. سبق له أن درس ببعض كتاتيب شفشاون ومساجدها وزواياها، بالموازاة مع تعلمه حرفة النجارة وتزويق الخشب على يد كافله عمه العربي بن محمد السفياني، دفين ضريح سيدي علي شقور، ومريد الزاوية الشقورية، قبل أن يصبح مساعده في تزويق خشبها، عاملا بدكان سيدي عبد السلام الذهبي العلمي، بقيسارية السويقة، وعونا لدى قاضي شفشاون سيدي الحسن العلمي، قيما على المكتبة الراشدية، عدلا ملحقا بمحكمة المدينة، موظفا بها، مديرا للمعهد الموسيقي، مدرسا بالزاوية الشقورية مقدما بها، زائرا لضريح سيدي محمد البوزيدي، بالسطيحات، وزاوية ابن عجيبة، بوادي لاو، وموسم أولاد ابن اعجيبة، بالزُّمِّيج، والزاوية الصديقية، بطنجة [67].
ومن أخبار خطابته أن أهل الفقيه سيدي الحسن العمارتي، بعد وفاته، أهدوا سيدي الحاج الهاشمي السفياني سلهامه، فحبسه على مقصورة الجامع الأعظم يرتديه هو ومن سينوب عنه [68].
ومن أخبار خطابته حضور السيد الحاج خاطري ولد سيدي سعيد الجُمَّاني صلاة الجمعة يوم 10 ذي القعدة عام 1395 هـ [69]، بشكل دال على صلة صحراء المغرب بشماله.
وكان ينوب عن الهاشمي السفياني أحيانا في خطابة الجامع الأعظم، الرجلُ المجتهد الفضيل، ذو الأيادي البيضاء، سيدي محمد بن عبد السلام بن تحايكت، رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم شفشاون حاليا [70]، حفظه الله.
ويبدو أنه كان يريد أن يهيئه ليخلفه في خطابة الجامع المذكور، بحسب ما راج في إحدى عياداته رفقة غيره لسيدي الهاشمي السفياني، خلال مرضه الأخير، قائلا له: "ألبستك لباس الجامع الكبير". فأراد شيئا، وأراد الله شيئا آخر [71].
وقد سبق للمترجم أن درس بشفشاون، وتخرج من كلية الشريعة، الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، قبل أن يصبح أستاذا بالتعليم الأصيل، بمراكش وشفشاون، فمدرسا بالزاوية الشقورية، فواعظا تابعا للأوقاف، فخطيبا بمسجد الحسن الثاني، فخطيبا بجامع محمد السادس وصلاة العيدين بمصلى الحاضرة الأخيرة [72].
وظل سيدي الحاج الهاشمي السفياني يؤم صلاة التراويح، بالجامع الأعظم، طيلة خمسين سنة [73]، مشجعا من يلتمس منهم الاجتهاد في ترتيل القرآن الكريم [74]. وخلال تغيبه كان ينوب عنه في هذه الصلاة تلميذه سيدي محمد ابن يعقوب [75]، حفظه الله، والذي كان يصلي وراءه ممليا عليه حين سهوه أو حين نسيانه، مواظبا على حضور صلاة الفجر بحض من أستاذه، وتشجيع رجلين درقاويين فضيلين كانا
أول من يدخل الجامع الأعظم. هما الحاج العربي احرازم، دفين روضة فوق السوق، صاحب دكان بقيسارية السويقة، والحاج عبد الكريم بن الدحمان العمارتي، صاحب دكان أعلى ساحة وطا الحمام. وقد سبق للمترجم أن درس بالمعهد الديني، بشفشاون، قبل أن يلتحق بكلية الشريعة، بفاس. فينهي عمله أستاذا ببلده الحبيب [76].
وخلف هذا الأخيرَ نائبا عن سيدي الهاشمي السفياني في صلاة التراويح، سيدي عبد السلام بن تريفت [77]، المنتدب لهذه الصلاة، بجامع الحسن الثاني، بشفشاون، حوالي عشرين سنة [78]، والذي سبق له أن أخذ عن الهاشمي السفياني [79].
وبعد وفاة هذا الأخير انْتُدب للصلاة المذكورة سيدي مصطفى مشطاط، نائبه فيها، وخليفته إلى حدود عام رمضان 2002 م [80]. سبق له أن درس على سيدي أحمد العشايشي، بمسجد العنصر، وعلى الهاشمي السفياني، بالمسجد الأعظم والزاوية الشقورية وداره قبل ذهابه إلى دار القرآن بالرباط [81].
وأما في خطابة الجامع الأعظم، فقد خلفه أخوه سيدي محمد السفياني [82]، دفين روضة المولى عبد الرحمان [83]. كان قد درس بشفشاون وفاس وتطوان قبل أن يصبح مدرسا بالمعهد الديني، بشفشاون، واعظا بها، وخطيب العيدين لفترات [84].
وكان إمام الصلوات الخمس، بالجامع نفسه، سيدي عمر ادمينو، آخر المورقين به [85]. وخلفه في الإمامة ابنه سيدي عبد المنعم ادمينو [86].
وأمّ صلاة الجنازة [87]، بالجامع الأعظم، عدد من الفقهاء [88]، مثل سيدي أحمد بن الحسين العلمي [89]، إمام الجامع الأعظم المذكور سابقا، ومثل سيدي عبد الهادي بن أحمد الصقلي الذي صلى على سيدي محمد بن محمد الحسين العلمي، دفين روضة أبيه سيدي محمد الحسين بن أحمد العلمي، فوق السوق [90]، ومثل القاضي المولى أحمد بن الحسين العلمي الذي صلى على الطالب سيدي محمد العلمي، دفين روضة أبيه المولى الحسين العلمي، فوق سوق الاثنين [91]، وعلى الطالب سيدي محمد الفيلالي، دفين جامع الجنائز، خارج الجامع الأعظم [92]، وعلى سيدي علي بن أحمد شقور، دفين داره- زاويته [93]، وعلى العالم سيدي عبد السلام بن أحمد العلمي، دفين مزارة المولى عبد السلام بن سليمان- مشيش، أعلى المصلى بطرف
سوق الاثنين [94]، ومثل سيدي بدر الدين بن عجيبة، شيخ الزاوية العجيبية بقبيلة بني سعيد، قيادة واد لاو [95]، الذي صلى على خطيب الجامع الأعظم سيدي الحاج الهاشمي السفياني، دفين روضة سيدي علي ابن راشد [96].
يتبع
الإحالات:
[59] الهاشمي السفياني رجل زمانه، ص70 والهامشان 153 و154، وص71، الهامش 155؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص37؛ والقاضي الحسن العمارتي وزملاؤه في التوثيق والتدريس والخطابة، علي الريسوني، وومضات من حياة وفكر القاضي الحسن العمارتي، المختار محمد التمسماني، وكلمة شكر وامتنان، أحمد العمارتي، في: العلامة القاضي الحسن العمارتي، مطبعة دار المناهل، 2001 م، ص76، وص87- 89، وص139.
[60] الهاشمي السفياني رجل زمانه، ص70 والهامش 154، وص101؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص22، الهامش 27؛ والعلامة القاضي الحسن العمارتي الإنسان والمربي، صفحات متفرقة؛ والبعثات العلمية الشفشاونية وأثرها في الوعي الوطني والثقافي، عبد السلام الهراس، في: تاريخ المقاومة والحركة الوطنية بإقليم شفشاون، مجموعة مجرة، 2005 م، ص82.
[61] القاضي الحسن العمارتي وزملاؤه في التوثيق والتدريس والخطابة، في: العلامة القاضي الحسن العمارتي الإنسان والمربي، ص74- 75.
[62] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص140.
[63] نفسه، ص14- 15 والهامشان 33 و34، وص140، الهامش 305؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص41- 42 والهامش 130.
[64] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص70- 72، وص73، وص140؛ وشيخي سيدي حمزة شقور، ص326.
[65] 1406 هـ: الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص10 والهامش 22، وص61؛ وشيخي سيدي حمزة شقور، ص331.
[66] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص5، وص141.
[67] شفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص32، الهامش 112، وص33، الهامش 113، وص44، وص52- 63؛ وشيخي سيدي حمزة شقور، ص326- 331.
[68] الهاشمي السفياني رجل زمانه، ص140. راجع عن المقصورة: المؤلَّف نفسه، ص137 والهامش 303؛ وجامع شفشاون، في: دعوة الحق، س.6، ع. 1، ص30.
[69] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص72.
[70] نفسه، ص78، الهامش 168، وص145.
[71] نفسه، ص145- 146.
[72] نفسه، ص78، الهامش 168، وص144- 145.
[73] نفسه، ص18، وص73- 74، وص146، وص147؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص32.
[74] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص74- 75؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص32.
[75] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص73- 74.
[76] نفسه، مطوي الغلاف، وص53، وص73- 74 والهامشان 161 و162، وص77، الهامش 167، وص83، وص137- 138؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص21، الهامش 23.
[77] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص74.
[78] نفسه، ص74.
[79] نفسه، ص30، الهامش 85، وص139 والهامش 304؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص60 والهامش 180.
[80] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص74، وص147.
[81] نفسه، ص64 والهامش 149، وص146- 147 والهامش 313.
[82] نفسه، ص5، الهامش 1، وص72.
[83] 1425 هـ: نفسه، ص5، الهامش 1؛ ومشاهير علماء المعاهد الدينية، ص32.
[84] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص5، وص7- 9، وص144، وص145؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج1، ص58 والهامش 172؛ ومشاهير علماء المعاهد الدينية بشمال المغرب، ص31- 32.
[85] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص81، الهامش 176؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص22 والهامش 30.
[86] المرجع الأخير، ص22، الهامش 30.
[87] يبدو أنها كانت تتم بجامع الجنائز عبر بابها. استأنس بـ: كناش الأشراف العلميين الشفشاونيين، ص43، وص83، وص84، وص86، وص87، وص94، وص96؛ والحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون، ص266؛ وشفشاون ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي، ج2، ص47 والهامش 68؛ وجامع شفشاون، في: دعوة الحق، س.6، ع.1، ص29؛ وشفشاون حاضرة شريفة بملامح أندلسية وقسمات جبلية، فاطمة بوشمال، في: مجلة المناهل، العدد 98، ص136.
[88] كناش الأشراف العلميين، ص83، وص84، وص86، وص87، وص94، وص96، وص97؛ والهاشمي السفياني رجل زمانه، ص5، الهامش 1، وص140.
[89] 1300 هـ: كناش الأشراف العلميين الشفشاونيين، ص37.
[90] 1310 هـ: نفسه، ص41.
[91] 1311 هـ: نفسه، ص42- 43.
[92] 1313 هـ: نفسه، ص43.
[93] 1315 هـ: نفسه، ص94- 95.
[94] 1318 هـ: نفسه، ص95- 96. قابل بـ: المصدر عينه، ص96.
[95] الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون، ص11، الهامش 24، وص59.
[96] 1406 هـ: نفسه، ص10- 11.