يصادف المرء، وهو يتلو القرآن الكريم ويجول ببصره وذهنه في ثناياه، ألفاظا مُكَررَة وجملا مترددة وقصصا ومواضيع معادة في عدة سور، بل وفي سورة واحدة وموضع واحد حيث تتعاقب هذه الألفاظ واحد تلو الآخر؛ فينتابه تساؤل عن علة هذا التكرار وحكمته ومقصده .
فالتكرار أسلوب من أساليب اللغة العربية، كما أن النص القرآني بما له من إعجاز وبلاغة خاصة ألسنُ النصوص العربية وأبينُها، وأكثرها بيانا وذرابة وذلاقة. وعليه فإن هذا المقال يتناول هذه الظاهرة معرفا بها وبمقاصدها، مفتتحا بتعريف التكرار.
المقصود بالتَّكرار: تَردَادُ الشيء وإعادته مرة بعد أخرى. قال ابن منظور: «كَرَّرَ الشَّيْءَ وكَرْكَره: أَعاده مَرَّةً بَعْدَ أُخرى. والكَرّةُ: المَرَّةُ، وَالْجَمْعُ الكَرَّات. وَيُقَالُ: كَرَّرْتُ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وكَرْكَرْتُه إِذا رَدَّدْتُهُ عَلَيْهِ...قَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: قُلْتُ لِأَبِي عَمْرٍو: مَا بَيْنٌ تِفْعالٍ وتَفْعال؟ فَقَالَ: تِفْعالٌ اسْمٌ، وتَفْعالٌ، بِالْفَتْحِ، مَصْدَرٌ»[1].
والتكرار في الكلام بلا معنى وفائدة يعد حشوا للكلام وتخليطا فيه واستعمالا له على وجهٍ قبيحٍ ضعيفٍ، لكن إذا كان التكرار لفوائد جليلة ومعان لطيفة ومقاصد عظيمة فإنه يعد من الأساليب الغوية البليغة التي يستعملها العرب الفصحاء الذي نزل القرآن بلسانهم ووفق عادتهم في الخطاب.
فالتكرار في القرآن ليس بالتكرار الذي سببه العيّ واللكن والإطالة، بل هو من البراعة والفصاحة وحسن اللسان
وقد أسهب الباقلاني في ذكر فوائد التكرار في القرآن ومقاصده[2]. والمتأمل في كلامه في هذا الموضوع يجد أن للتكرار فوائد عامة أينما وجد في القرآن وفي أي موضوع ورد، كما أن للتكرار في كل موضع معان خاصة تخرجه عن التكرار بنفس المعنى وبلا فائدة جديدة.
فالمعاني الإجمالية للتكرار في القرآن من خلال الانتصار للقرآن لأبي بكر الباقلاني تتمثل في ما يأتي:
1. مراعاة معهود العرب في كلامهم وأساليبهم في خطابهم حتى يتم إيصال الرسالة القرآنية بأبلغ الكلام وأفصح الألفاظ؛ لأنه جاء وف أساليبهم في الخطاب، ولم يخالفها فتقع الوحشة والنفور. وكان العرب تَعمَد في خطابها تارة إلى تكرار بعض أجزاء الكلام إذا كان ذلك أبلغ في مُرادِها وأنجع، وتحذف منه وتختصره في المواطن التي تستدعي الحذف والإيجاز، وكل ذلك مراعاة للحاجة والسياق.
فالعرب تقول: عجِّل عجِّلْ وقُم قُم، فتقول: والله لا أفعلُه، ثم والله لا أفعلُه، إذا أرادت التوكيد وحسمَ الطمعِ في فعله، وتقولُ تارة: واللهِ أفعلهُ بإسقاط "لا" فتختصرُ مرةً وتطولُه أخرى.
وعلى هذا الوجه جاء في القرآن تكرار؛ من مثل قوله تعالى: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)﴾ [القيامة: 34ـــــ35]، و﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)﴾ [التكاثر: 3ـــــ4]، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)﴾ [الانفطار: 17ــــــ18] ، وقوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ [ الشرح: 5ـــــ6].[3]
2. تعاظُمِ النفعِ بتكريرِ الزجرِ والوعظِ، وعظيم موقعهِ من النفسِ، وتوفيقِه للقلبِ، والتثبيتِ على طاعةِ الله، والإذْكارِ لجنتهِ ونارِه، وفي ذلك تثبيت المؤمنين على الاستمرار على طاعة الله، وتنبيههم من العفلة والكسلان، وتحذير للكافرين والعصاة مرة بعد أخرى من عقاب الله وعذابه وسطوته ونكاله؛ كي يؤمنوا ويتوبوا إلى الله قبل يوم الحساب والجزاء، وهذا من حكم الله تعالى في عدم إنزل القرآن جملة واحدة كما طلب الكفار، بل نَزَّلَهُ أجزاء ليحصل النفعِ العظيم بتكريرِ الزجرِ والوعظِ والتثبيتِ على طاعةِ الله، والإذْكارِ لجنتهِ ونارِه [4]. وهذا المعنى يتكرر في كل جزء من أجزاء القرآن ليترسخ في الأذهان؛ فتحصل الندامة والإنابة والتوبة بعد كل غفلة وزلة وعثرة.
3. التكرار في القرآن جاء في مواضع متغايرةٍ ولأسبابٍ مختلفةٍ متضمنا معان سامية، ودلالات رفيعة، ومقاصد جَمَّة على عادة العرب في كلامهم الذي نزل القرآن بلسانهم. وإنما يكون التكرار عيبا إذا وقع في موقف واحد ولسبب واحد.
4. تكرار القصة الواحدة في أكثر من موضع في القرآن بألفاظ مختلفة يكون لمعان جديدة، فيستفيد كل أنواع الخلائق في القصة الواحدة، كما يستفيدون من قصص متباينة كل حسب اهتمامه وما يستهويه ويأخذ قلبَه، فربما تكون القصة الواحدة ترد بألفاظ أكثر تأثيرا في قوم، وتكون بألفاظ أخرى أنفع وأنجع لقوم آخر. يقول الباقلاني: »فأنزلَ الله سيرةَ نبيٍ بعد نبيٍ وقصةً بعد قصةٍ، والقصةُ واحدة بألفاظٍ مختلفةٍ لِتقرَأ كل قصةٍ على أهلِ ناحية، ولُتقرأ القصةُ الواحدةُ بالألفاظِ المختلفةِ على أهل الأطراف والنواحي المختلفة، وربما علم أن سماعَ أهلِ النواحي المتغايرةِ القصةَ الواحدةَ يكونُ لُطفاً لهم في الانزجارِ والانقيادِ إلى الإيمانِ فكررها وأنزلها بألفاظ مختلفة على قدر ما أراده تعالى وعَلمهَ من اللطف، ثم على سماعِه لتلكَ القصةِ بالألفاظِ المختلفة، وربما كان لطفُ أهل الناحيتينِ والمصيرينِ في استماعِ قصتينِ من قصصِ الرسلِ والإخبارِ بنوعينِ من العقاب، وإن كانت سيرة النبِيينِ مع قومهما سواء»[5].
5. المقصد البلاغي الإعجازي؛ إذ إن القرآن تحدى العرب أن يأتوا بمثله أو بجزء منه، فَكَرَّرَ ذكر موضوع واحد أو قصة واحدة في مواطن متغايرة ليعلم أن القرآن ليس له لفظ واحد تحدى به العرب، وإنما تحداهم أن يأتوا بمثل أي لفظ قرآني يختارونه فعجزوا؛ لأن الله تعالى أراد «حسمَ أطماعِ العربِ في التعلُّقِ بذلك فكرر القصة الواحدة، والقصَصَ المتماثلة والمعنى الواحدَ بألفاظٍ مختلفةٍ من بحرٍ واحدٍ وعلى وزنٍ واحدٍ هو وزنُ القرآنِ الخارجِ عن جميعِ النظومِ والأوزانِ لِيُعْلِمَهُم اقتدارَه وعظمَ البلاغةِ في كلامِه ويعرفَهم عجزَهُم عن ذلك ويقطعَ به شعثَهم وشُبههم، وهذا من جيِّدِ ما يُعتمدُ عليه في فوائدِ التكرارِ«[6].
وأما فوائد التكرار الجزئية المتعلقة بكل موضع على حدة فقد اجتهد الباقلاني في استنباطها في بعض الألفاظ المكررة في القرآن يخرجه عن التكرار بنفس المعنى، وإليكم بعض النماذج لذلك مما أورده الباقلاني:
معاني التكرار في سورة "الكافرون":
التكرار الوارد في سورة "الكافرون" ليس هو التكرارا الحقيقي الذي يكون بترداد اللفظ بنفس المعنى، بل هو تكرار لفظي لدلالات مختلفة محتملة التي منها:
- أنه أرادَ: "يا أيها الكافرون لا أعبدُ الآنَ ما تعبدون، ولا أنتم الآنَ عابدونَ ما أعبدُ، ولا أنا عابدٌ ما عبدتُم في المستقبل، ولا أنتم عابدونَ ما أعبدُ في المستقبلِ...وإذا كان ذلك كذلك خرجَ الكلامُ على هذا التأويل ِ عن أن يكونَ تكراراً".[7]
- يُحتمل أن يكونَ أراد: "لا أعبدُ ما تعبدونَ مع عبادتي الله بل أُفردهُ بالعبادةِ وحدَه، ولا أنتم عابدون ما أعبدُ مع عبادتكم الأصنامَ، ولا أنا عابد ما عبدتُم مفردا لعبادِته ولا قارنا بينها وبين عبادة اللهِ تعالى"، وهذا أيضاً يخرجُ الكلامَ عن التكرار.[8]
- يُحتمل أن يكونوا قالوا له: "اُعبدْ بعضَ آلهتنا حتى نعبدَ إلهكَ، فقال: لا أعبدُ ما تعبدونَ ولا أُسَلِّمُه، ولا أنتم عابدونَ ما أعبد"، يريدُ إن لم تؤمنوا حتى أَعبُدَ أنا بعضَ آلهتكم، وهذا أيضًا يخرجُ الكلامُ من التكرار.[9]
- يحتملُ أن يكونوا قالوا له: "اُعبدْ آلهتنا يوما واحدا أو شهرا واحدا حتى نعبد إلهكَ يوما أو شهرا أو حولا»، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)﴾. على شريطةِ أن تؤمنوا به في وقتِ وتشركوا به في وقتِ آخر، وهذا أيضا يُزيلُ معنى التكرار.[10]
- قيل: إنَّ قريشا ودَّت أن يعبد النبي صلى الله عليه وسلم آلهتها ليعبُدوا ما يعبدُ، وأنّهم كرروا هذا القولَ وأبدوا وأعادوا به، فكرَّرَ اللهُ سبحانه جوابَه، وأبدى وأعاده؛ لكي يقطعَ بذلكَ أطماعَهم فيما أرادوه منه. قالوا: وهو تأويلُ قوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾[القلم: 9]، أي: تلينُ لهم فيلينون في أذاهُم، وهذا أيضا فائدة أخرى في جنسِ التكرارِ في هذهِ السورةِ وترِدادِ الكلامِ.[11]
معاني تكرار ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ في سورة المرسلاتِ:
ورد تكرار لفظ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ في سورة المرسلاتِ عشر مرات، وقد علَّلَ الباقلاني هذا التكرار هنا بأمرين:
الأول: أن الله تعالى ذكر أمورا واحدا تلو الآخر، ورتب على جحود وتكذيب كل أمر منها استحقاق الويل والثبور، فكل من يكفر بأي شيء ذكره الله تعالى يثبت له العقاب والهلاك وإن لم ينكر الأمور الأخرى، ولذا جاء عقيب ذكر كل أمر استحقاقُ المكذب به الويل والعذاب، بقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
قال الباقلاني: «فأما قولُه تعالى في المرسلاتِ: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ فهو: أنه ذكر فيها، تعالى أمراً بعد أمرٍ من خلقِهم وأهلِ الكفر والطغيانِ من عبادِه خلَفِهم بسلَفِهم، ثم قال عقيبَ كل شيءِ يذكره من ذلك ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بهذا الشيء الأول، الذي ذكرتُه، ثم ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالشيء الثاني الذي ذكرتُه، فالويلُ الثاني غيرُ الويلِ الأولِ»[12].
الثاني: أن المكذب بالشيء الأول غير المكذب بالشيء الثاني والمكذب بالشيء الثاني غير المكذب بالشيء الثالث وهكذا، فكأن تكرار لفظ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ واقع لتعدد المكذبين، كل مكذّب وما يكذّب به؛ لأنّه تعالى قال: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)﴾ بإهلاكنا الأولين وإلحاقنا بهم الآخرين، ثم قال: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)﴾.
لأن المكذب بأي شيء وارد في الشرع يثبت له الهلاك والعقاب وإن لم يكذب بجميع الأشياء، كما قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ ﴾[البقرة: 85].
وعليه، فإن تكرار التكذيب بالشيء لأغراض مختلفة ومقاصد متباينة «لا يعدُّه أحد من أهلِ اللسان عيًّا ولا لَكْنًا وإطالةً وتكراراَ»[13]، بل هو تأكيد وتقرير لمقصد التحذير والتخويف للردع والاتعاظ والانزجار.
معاني تكرار قوله تعال: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ في سورةِ القمر:
وأما قوله تعالى: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ فقد تكرر ست مرات في سورةِ القمر لطلب الاتعاظ والانزجار عقيب ذكر كل نعمة ومنة وأعظمها تيسير القرآن، أو كل عذاب وانتقام في قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾ .
ثم قال: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)﴾، وتيسير القرآن غير الآية والسفينة والغرق وإهلاك أشياع أهل الكفر.
ويقال الأمر نفسه في حكمة تكرار قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، وقالَ عقيبَ ذكر كل قصةٍ من قصص السابقين، ولقد يسرنا لكم قراءةَ القرآن وحفظَ القصصِ المتغايرةِ التي أودعناها، فهل من مذكر ومتعظٍ بتيسيرنا لذلكَ وسماعِه وحفظِه له.
فبعد ذكر كل قصة يأتي عقيبها طلب الاتعاظ بها وأخذ العبرة منها، وهذا ليس بتكرار.[14]
وبنفس المعنى وقع تكرار قوله تعالى: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل: 60 إلى 64] الوارد خمس مرات في سورة النمل بعد ذكر كل نعمةٍ من نعم الله، وأنه من آثارِ قدرته وشواهدِ ربوبيته على وجه التنبيه لهم والاذكار. وليس هذا ونحوه من العيِّ والتكرار في شيء.
معاني تكرار ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ في سورة الرحمن:
ورد ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ في سورة الرحمن واحدا وثلاثين مرة؛ لأن الله: عدَّد لهم ضروباً من الإنعام مختلفة، ثم قال للإنس والجن عقيبَ ذكرِ كل نعمة: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ، أي بأيِّ هذا تكذبان أم بهذا أم بهذا، فيدلُهم بذلك على كثرةِ نعمِه عليهم[15]، وأنه لا ينبغي أن يكفروا ويجْحَدوا شيئا من ذلك، فيأتي عقيب ذكر كل نعمة تنبيه وزجر بتكذيبها وبطَرها.
وهذه بعض الأمثلة الدالة على نفي التكرار بلا معنى في القرآن الكريم مما قد يبدو للناظر في الوهلة الأولى أن في القرآن الكريم تكرارا للإطالة لا غير. فالألفاظ المتكررة في القرآن إنما هو تكرار لفظي لا معنوي، وليسَ فيه عيّ من القولِ بل هو نفسُ تعبيرِ البراعة، وحُسنِ اللَّسَن. وهو سار على عادة العرب في خطابهم الذي نزل القرآن به.
والمقصد العام للتكرار في القرآن إنما هو تقرير المعاني المؤكدة بالتكرار والتنبيه إليها لعِظَمِها وأهميتها أو التحذير من فداحتها وفظاعتها للاتعاظ والانزجاز والإقلاع والارتداع.
الهوامش:
[1] لسان العرب، محمد جمال الدين ابن منظور (بيروت: دار صادر، الطبعة: الثالثة، 1414 هـ)(5/135ـ136).
[2] ينظر: الانتصار للقرآن، أبو بكر الباقلاني، تحقيق: د. محمد عصام القضاة )عمان: دار الفتح، بيروت: دار ابن حزم، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م)( 2/800-808).
[3] المصدر نفسه (2/800-801).
[4] نفسه (2/801).
[5] نفسه (2/803)
[6] نفسه.
[7] نفسه (2/800-804).
[8] نفسه (2/804)
[9] نفسه.
[10] نفسه.
[11] نفسه (2/804).
[12] نفسه (2/805).
[13] نفسه.
[14] نفسه (2/806).
[15] نفسه (2/807).