وحدة الإحياءدراسات محكمة

التفسير المقاصدي.. قواعده وقضاياه

أنزل الله تعالى على النبي، صلى الله عليه وسلم، الفرقان لنقرأه تدبرا، ونتأمله تبصرا، ونسعد به تذكرا، فهو كتابه الدال عليه، وطريقه الموصلة إليه، ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمته المهداة، التي بها صلاح جميع المخلوقات، وهو الصراط المستقيم، والذكر الحكيم، كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكرا، زادها هداية وتبصرا.

إن المتكلم بالقرآن هو الموصوف بصفات الكمال، ولا أدل على مقصود ربنا من كلامه الذي أنزله في كتابه، ولا طريق إلى معرفة المقاصد الشرعية إلا بتدبر آيه، والتأمل في خطابه.

يقول الإمام الشاطبي: “وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة، وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الليالي والأيام”[1].

والبحث عن المقاصد الشرعية من خلال التفسير المقاصدي لا يُعنى بالبحث عن العلل والحكم فحسب، بل هو مفهوم أوسع يشمل كل المصالح والمفاسد سواء كانت مقصودة أصالة أو تبعا.

فالتفسير المقاصدي يسعى أساسا لبيان الحكم والغايات والأهداف، التي أنزل لأجلها القرآن الكريم، وشرعت من أجلها الأحكام مع عدم إغفال معاني الألفاظ ودلالاتها اللغوية.

والتفسير المقاصدي المصلحي يُعنى أساسا بالبحث في مقاصد النصوص، والمصالح المتوخاة منها، مع بيانها وإظهار جملة حكمها وأحكامها، انطلاقا من كون القرآن الكريم هو المصدر الأول للأحكام الشرعية، التي قصد الشارع بها ومن خلالها تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد.

وانطلاقا من أن “الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة والحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل”[2].

فالعلم بمقاصد الشريعة ليس مقصودا لذاته، وإنما غايته استثمار المقاصد وتوظيفها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الحكم والأحكام بها ومنها، وهو ينصب أساسا على النصوص الظنية الدلالة التي تحتمل أكثر من معنى؛ إذ يستعين الناظر في النصوص بالمقاصد، لفهم المعنى المناسب وتحصيله.

وقد أشار عدد من الباحثين في المقاصد إلى أن النصوص الشرعية من قرآن وسنة هي أول مجال اجتهادي يحتاج إلى النظر المقاصدي، وبصيغة أوضح فإن “أول مجال اجتهادي يتوقف على النظر المقاصدي ويستفيد منه هو مجال فهم النصوص وتفسيرها سواء كانت قرآنا أو سنة”[3].

وتفسير ذلك مقاصد الشريعة لا مصدر لها سوى نصوص الشريعة، مقاصد الشريعة مبتداها الكتاب والسنة، ومنتهاها الكتاب والسنة، ومن لم يكن على هذا فليس بسائر في طريق المقاصد الحقة، ولا هو من أهلها”[4].

ولذلك نجد الإمام الشاطبي يحذر العالم والناظر في كتاب الله من الغفلة عن المقاصد قائلا: “فزلة العالم أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه”[5].

المبحث الأول: التفسير المقاصدي: مفهومه وأهميته وضوابطه ونماذج منه

لقد اهتم المفسرون بجملة من أنواع التفسير، وبقي بعضها لم يوف حقه من التأصيل والتعريف، ومن ذلك التفسير المقاصدي، لبيان أسسه وقواعده وضوابطه، وكيفية نشأته وتطوره، فإن ما كتب فيه شيء يسير، لا يجد الباحث فيه مبتغاه.

إن الحديث عن التفسير المقاصدي باعتباره نوعا من أنواع التفسير الأكثر حاجة لوقتنا المعاصر، يعتبر أمرا في غاية الأهمية، وذلك لأن تناول المقاصد القرآنية من خلال التفسير يضفي على النص القرآني عمقه وفاعليته، وينفى عن تفسيره الجمود والقصور.

لذلك سنتناول في المطالب الآتية مفهوم التفسير المقاصدي، ونبرز أهميته وعلاقته بالقرآن الكريم، مع تبيان القواعد والضوابط المطلوبة في هذا النوع من التفسير.

المطلب الأول: مفهوم التفسير المقاصدي لغة واصطلاحا

أولا: مفهوم التفسير لغة واصطلاحا

1. لغة:

 التفسير مصدر على وزن تفعيل، وفعله الماضي رباعي مضعف، فسر تقول فسر، يفسر، تفسيرا، ورد في لسان العرب لفظ فسر تقول: “الفسر البيان، يقال: فسر الشيء يفسره بالكسر وتفسره بالضم فسرا، وفسره أبانه[6]، ومنه قوله عز وجل: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان: 33(.

قال ابن فارس: الفسر: كلمة تدل على بيان شيء وإيضاحه. تقول فسرت الشيء وفسرته[7].

2. التفسير في الاصطلاح:

قال الإمام الزركشي: “التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه[8].

وعرف الشيخ الزرقاني التفسير بقوله: “علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية”[9].

وقال الطاهر بن عاشور معرفا التفسير: “هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع”[10].

والأظهر أن تعريف الإمام محمد الطاهر بن عاشور هو الأقرب إلى ملامسة وتحقق المعنى المقاصدي في التفسير؛ لأنه ربط بين المعنى اللغوي للألفاظ، والمعاني والفوائد والحكم والغايات المستفادة من ورائها.

ثانيا: مفهوم التفسير المقاصدي وأهميته

التفسير المقاصدي للقرآن الكريم يعد نوعا من أنواع التفسير حيث يجعل المقاصد عنصرا أساسا من عناصر التفسير، وهو يعني أساسا بعرض هدايات القرآن، ويكشف أسراره ويوضح غاياته ويجلي حكمه، وينبه إلى ما فيه من المصالح حثا على إتيانها، وما في المفاسد من المضار حثا على تركها واجتنابها، فالقرآن الكريم جاء لأجل مصلحة العباد، وليدفع عنهم الفساد.

 والجدير بالذكر أن المفسرين القدماء لم يهتموا بوضع تعريف دقيق لمفهوم التفسير المقاصدي، بالرغم من أن المقاصد لم تغب عنهم أثناء تفسيرهم، وقد برز في القرون المتأخرة عنصر المقاصد عند عدد من المفسرين منهم، محمد عبده ورشيد رضا وابن عاشور، غير أنهم لم يهتدوا إلى وضع تعريف دقيق.

فالتفسير المقاصدي يحيل إلى “النظر والبحث في مقاصد النصوص والمصالح المتوخاة من أحكامها، ثم تفسيرها واستخراج معانيها، ومقتضياتها وفق ما لاح من مقاصد ومصالح دون تكلف ولا تعسف”[11].

كما يتحدد بكونه: “ذلك النوع من التفسير الذي يبين الحكم والغايات التي أنزل من أجلها القرآن، وشرعت من أجلها الأحكام، مع الكشف عن معاني ألفاظ القرآن الكريم، وتوسيع دلالاتها اللغوية”[12].

والقرآن لاشك أنه يضم معظم مقاصد الشريعة وأرقاها وأهمها بلا منازع، سواء كانت مقاصد عامة أو خاصة أو جزئية، كلية أو فرعية، ضرورية أو حاجية أو تحسينية، ذلك أن “المقرر شرعا وعقلا، اعتقادا وعملا، نصا واجتهادا، رأيا وإجماعا، إجمالا وتفصيلا، أن القرآن الكريم ينطوي على أرقى المقاصد وأكبرها، وأعلى المصالح وأعظمها، فهو أصل الأصول ومصدر المصادر وأساس المنقول والمعقول، وجميع المقاصد الشرعية المعتبرة والمعلومة والمقررة في الدراسات الشرعية إنما هي راجعة في جملتها أو تفصيلها، تصريحا أو تضمينا إلى هدى القرآن وتعاليمه وأسراره وتوجيهاته”[13].

ولعل ما ذكره العز بن عبد السلام عن تضمن المقاصد في آي القرآن فيه مزيد تأكيد وبيان، يقول: “لو تتبعنا مقاصد ما في الكتاب والسنة لعلمنا أن الله أمر بكل خير دقه وجله، وزجر عن كل شر دقه وجله، فإن الخير يعبر به عن جلب المصالح ودرء المفاسد، والشر يعبر به عن جلب المفاسد ودرء المصالح”[14].

ويضيف في نفس المعنى “والشريعة كلها مصالح: إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾، فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه، أو جمعا بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثا على إتيان المصالح”[15].

فالاتجاه المقاصدي في التفسير لا يلتزم بحرفية الألفاظ وظواهرها، بل يهدف إلى إظهار أسرارها وحكمها ومقاصدها، والمصالح المتوخاة منها، وهذا ما يشير إليه الشيخ الطاهر بن عاشور معتبرًا أن “أدلة الشريعة اللفظية لا تستغني عن معرفة المقاصد الشرعية”[16].

فمقاصد القرآن هي الميزان والمعيار الذي لابد منه للمفسرين في مناهجهم وتفسيراتهم، فبمعرفتها ومراعاتها يضمن المفسر لنفسه ولتفسيره أن تكون اهتماماته ومقاصده واستنباطاته في نطاق مقاصد القرآن، وهذا ضرب من “تفسير القرآن بالقرآن”.

إن تفسير النصوص الشرعية يتجاذبه عادة اتجاهان: اتجاه يقف عند ألفاظ النصوص وحرفيتها مكتفيا بما يعطيه ظاهرها، واتجاه يتحرى مقاصد الخطاب ومراميه[17].

وإذا قلنا إن فهم النصوص الشرعية وتفسيرها على الوجه الأكمل مفتقر إلى ضرورة العلم بالمقاصد الشرعية، فهذا لا يعني إلغاء ظواهرها، وتعطيل ألفاظها، وعدم الالتفات إلى منطوقها، هذا المأخذ ليس من دأب العلماء الراسخين، الذين رزقوا الفطنة والفهم الصحيح للدين.

 فالتفسير المصلحي بضوابطه وشروطه هو الذي يرفع التعارض الواقع أو المتوقع بين النصوص والمصالح التي قصدها الشارع الكريم من ورائها وذلك حين ينظر المفسر إلى المعاني والغايات والأهداف التي نزلت النصوص لأجلها؛ “لأن النصوص كلما فسرت تفسيرا يسقط مقاصدها ويضيع مصالحها أصبحت متنافية مع المصلحة بدرجة أو بأخرى”[18].

فالعبادات، على سبيل المثال، حين تفهم غاياتها ومقاصدها التربوية والروحية والاجتماعية، من إصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق والارتقاء بالروح، والسمو بالمؤمن إلى أعلى المراتب، يتشوف المسلم إليها، ويجد أمنًا وسكينة أثناء أدائها ويحرص على أوقاتها وتزداد نفسه تعلقا بها.

لهذا نجد النظر المقاصدي المعاصر ينتقد هذا الفهم الظاهري الجامد للنصوص وأحكامها، المغيب لحكمها ومقاصدها؛ فقد سادت لدى كثير من فقهاء المذاهب عقلية تتبنى التعامل مع أحكام العبادات على أنها مجرد كلفة وإلزام، فيجب أداؤها بانضباط وحرفية أداء لحق الله تعالى وإبراء للذمة، وألحقوا بها من المبالغات والاحتياطات ما عقدها وضاعف من كلفتها وغيبوا روحها ومقاصدها وأنها رأفة وصلاح ويسر[19].

المطلب الثاني: أهمية المقاصد في تفسير القرآن

أولا: فهم القرآن وتفسيره في ضوء مقاصده

لاشك أن طول معاشرة العالم للقرآن ومصاحبته له يورث فيه حسن الفهم لآياته، وإدراك مراد الله من كلامه.

إذ الحديث عن القرآن ومقاصده يقتضي ضرورة الكلام عن تفسيره، فالتفسير هو الذي يكشف عن الغايات والمرامي إذا تسلح العالم بالمقاصد، وأحسن الفهم للألفاظ والمعاني.

فالمفسر للقرآن بحاجة إلى المقاصد لأن النظر إلى الجزئيات مرتبط بالكليات، واستخراج المعاني يقتضي إدراك المقاصد والغايات.

1. مكانة التدبر في فهم القرآن

لذلك فالقرآن يدعو لتدبر آياته والغوص فيه لمعرفة حكمه وأسراره، وهذا من أسمى مقاصد إنزاله، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص: 28)، وقال أيضا: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 82).

يقول العلامة الطاهر بن عاشور: “والتدبر مشتق من الدبر، أي الظهر اشتقوا من الدبر فعلا فقالوا: تدبر إذا نظر في دبر الأمر؛ أي غايته أو في عاقبته وذلك يحتمل معنيين:

أحدهما؛ أن يتأملوا دلالة تفاصيل آياته على مقاصده التي أرشد إليها المسلمين أي تدبر تفاصيله.

وثانيهما؛ أن يتأملوا دلالة جملة القرآن ببلاغته على أنه من عند الله، وأن الذي جاء به صادق، وسياق هذه الآيات يرجح حمل التدبر هنا على المعنى الأول أي لو تأملوا وتدبروا هدي القرآن لحصل لهم خير عظيم.. إلا أن المعنى الأول أشد ارتباطا بما حكي عنهم من أحوالهم”[20].

والمعنى نفسه يؤكده الإمام الشاطبي بقوله: “التدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن، فلم يحصل منهم التدبر”[21].

2. حسن التأويل من ثمرات إدراك مقاصد التنزيل

لعل من ثمرات إدراك المقاصد عصمت المفسر من كثير من المنزلقات والمفاسد، وأشدها خطرا التأويل الفاسد الذي يكون منطلقه الهوى، أو عدم إدراك المقاصد وذلك مؤذن بسوء النتائج والعواقب.

والتأويل الفاسد لنصوص القرآن، كما ساد وانتشر في العصور الأولى للإسلام، أضحى اليوم سمة بارزة لكل من يدعى التحرر والتطور، وعدم الالتزام بالقيم والأحكام والتعاليم، التي نص عليها الدين، وهذا ناجم عن تحكيم الهوى، والارتماء في أحضان ثقافة الغرب التي ظلت وانحرفت وأفسدت.

3. اللغة العربية والمقاصد الشرعية شرطان لازمان لكل مفسر

المفسر المتبصر إذا أراد معرفة معنى آية من كتاب الله فإنه يبحث أولا في كتاب الله عن معنى يناسبها أو قريب منها، فإذا أعياه ذلك فإنه يبحث عن معنى يناسبها من سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا أعياه ذلك فإنه يجتهد في تفسيرها، مستحضرا حسن فهمه للغة العربية ومقاصد الشريعة، فإذا تمكن المفسر من ذلك، كان رأيه سديدا واجتهاده نافعا مفيدا.

يقول الإمام الشاطبي: “فإن القرآن والسنة لما كانا عربيين لم يكن لينظر فيهما إلا عربي، كما أن من لم يعرف مقاصدهما لم يحل له التكلم فيهما، إذ لا يصح له نظر حتى يكون عالما بهما، فإنه إن كان كذلك لم يختلف عليه شيء من الشريعة”[22].

فإدراك أسرار اللغة وقواعدها مقياس لفهم المسائل الشرعية، كما صرح بذلك الإمام الشاطبي: “فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة”[23].

وبذلك رسم الشاطبي حدا واضحا للنصاب اللغوي اللازم في فهم الشريعة ومقاصدها المباركة ولا يمكن الخروج عنه أو تجاوز بحال “ذلك أنه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه”[24].

ويتوج الشاطبي هذه المعالم الإجرائية والضوابط المنهجية بتنبيهه على أن “كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي، فليس من علوم القرآن في شيء، لا مما يستفاد منه ولا مما يستفاد به، ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل”[25].

4. رد المتشابه إلى المحكم

القرآن الكريم منه المحكم ومنه المتشابه، لذلك وجب رد المتشابه إلى المحكم، بقول سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ءال عمران: 7).

فالمحكم هو ما ظهر معناه، وانكشف كشفا يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال، وهو موجود في كلام الله تعالى. والمتشابه المقابل له: ما تعارض فيه الاحتمال كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (البقرة: 228)، وإنما سمي متشابها لاشتباه معناه على السامع[26].

فالمحكم ما كان أصلا بنفسه مستغنيا عن غيره من بيان وقرينة، والمتشابه: “ما يخالف ذلك فيحتاج إلى بيان، يدل عليه كما في سياق الآية: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ (ءال عمران: 7)، فثبت أنه يحتاج إلى تأويل وبيان[27].

إن المتشابهات تحتاج إلى رد إلى النصوص الأخرى المبينة عند وجودها، أو إلى ما يفهم من نصوص الشريعة الأخرى مجتمعة. فيحمل اللفظ المحتمل على ما يوافق نصوص الشريعة ومقاصدها، وإذا كان عندنا تفسيران للفظ أحدهما يوافق مقاصد الشريعة، والآخر يخالفها حملناه على ما يوافق مقاصدها، وذلك لدفع التناقض عن نصوص الكتاب.[28].

ثانيا: نماذج من التفسير المقاصدي

لقد درج معظم المفسرين القدامى للقرآن في مؤلفاتهم وكتبهم التفسيرية على بيان المعاني اللغوية للألفاظ، وتوسعوا في استنباط الأحكام الفقهية دون المعاني والحكم والمقاصد، لذلك فقد انتقد الشيخ محمد الغزالي هذا النهج الذي سلكه المتقدمون في تفاسيرهم قائلا: “هناك التفسير الفقهي للقرآن، وهو تفسير طوع الآيات لأحكام الفقهاء وطريقتهم في الاستنباط، ولم يهتم إلا بآيات الأحكام التشريعية، واقتصر في ذلك على الحكم الشرعي، دون النظر إلى المقاصد الأخرى، وهذا شيء يستدعي الاستدراك”[29].

ومن التفاسير المعاصرة التي استدركت هذا النقص الذي شاب تفسير الأوائل، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، وتفسير: تيسير الكريم الرحمان للسعدي.

1. تفسير الطاهر بن عاشور

لعل تفسير الطاهر بن عاشور من أبرز التفاسير الحديثة التي أعطت أولوية للجانب المقاصدي في النظر للآيات واستنباط الحكم والمعاني، يقول في مقدمة كتابه “فقد كان أكبر أمنيتي منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد، الجامع لمصالح الدنيا والدين، وموثق شديد العرى من الحق المتين، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها، والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها، طمعا في بيان نكت من العلم وكليات من التشريع، وتفاصيل من مكارم الأخلاق”[30].

وقد أوضح الغرض الذي ينبغي أن يحرص عليه المفسر “كأني بكم.. تتطلعون إلى الإفصاح عن غاية المفسر من التفسير ومن معرفة المقاصد التي نزل القرآن لبيانها حتى تستبين لكم غاية المفسرين من التفسير على اختلاف طرائقهم وحتى تعلموا عند مطالعة التفاسير مقدار ما أوفى به من المقصد، ومقدار ما تجاوزه، ثم ينعطف القول إلى التفرقة بين من يفسر القرآن بما يخرج عن الأغراض منه، وبين من يفصل معانيه تفصيلا”[31].

ونبه إلى المقصد الأعلى الذي من أجله نزل القرآن ذلك أن “القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لهم لتبليغهم مراد الله منهم.. فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية..

وقد أوجب على المفسر تعلم وإدراك مقاصد القرآن فقال: أليس قد وجب على الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها فلنلم بها الآن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا وهي ثمانية:

الأول: إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح.

الثاني: تهذيب الأخلاق.

الثالث: التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة.

 الرابع: سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها.

الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم، والتحذير من مساويهم.

السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع والأخبار، وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب.

السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وهذا يجمع جميع آيات الوعد والوعيد، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين وهذا باب الترغيب والترهيب.

الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول”[32].

وقد توصل الطاهر بن عاشور، بعد هذا الاستقراء، إلى خلاصة مفادها أن رسالة المفسر وهدفه الأكبر هو: “بيان ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأبه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، وما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم، أو يخدم المقصد تفصيلا وتفريعا مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء”[33].

وكان من نتائج هذا الاستقراء عند الطاهر بن عاشور، “أن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها، فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان ونبذ العبادة الضالة وإتباع الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طريق النجاح وتزكية نفوسهم، ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة..”[34].

2. تفسير السعدي

لقد حرص الإمام السعدي في تفسيره أن يكون المعنى هو المقصود والمراد، وهذا يسر استنباط الحكم والمقاصد من الآيات.

يقول السعدي: “ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرت ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم فجزاهم الله عن المسلمين خيرا”.

لذلك فقد عتب على من لم يعر المقاصد في تفسيره كبير اهتمام حيث قال: “قد كثرت تفاسير الأئمة، رحمهم الله، لكتاب الله، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود ومن مقصر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد. وكان الذي ينبغي في ذلك، أن يجعل المعنى هو المقصود واللفظ وسيلة إليه”[35].

ولهذا نبه السعدي على المنهج الذي يعين على فهم المراد من كتاب الله، قائلا: “ينظر في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر، ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله، من أعظم ما يعين على معرفته، وفهم المراد منه، خصوصا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها.

فمن وفق إلى ذلك، لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه.. وما تدل عليه منطوقا ومفهوما، فإذا بذل وسعه في ذلك، فالرب أكرم من عبده، فلابد أن يفتح عليه من علومه أمورا لا تدخل تحت كسبه”[36].

وقد أشار السعدي إلى المقصد الأعظم من نزول القرآن فقال: “وقال تعالى مخبرا عنه: ﴿º_ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ (هود: 1). فبين آياته أكمل تبيين وأتقنها أي إتقان وفصلها بتبيين الحق من الباطل والرشد والضلال، والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية”[37].

وأكد الإمام السعدي في تفسيره أن مقتضى الرسوخ في العلم يقتضي الرسوخ في معرفة مقاصد الشريعة، وذلك عند تناوله قوله تعالى بالتفسير: ﴿…وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ءال عمران: 7).

فأبان معنى الرسوخ في العلم بقوله: “وهذا قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا، وعارفا مدققا، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة علما وحالا وعملا”[38].

بناء على ما ذكره الإمام السعدي في تفسيره من أقوال، وما نبه إليه من تلميحات وإشارات يمكن القول باطمئنان: إن تفسيره اعتنى بالمقاصد أصولها وفروعها، كلياتها وجزئياتها، مع الاختصار المحقق للفائدة والاعتبار.

المطلب الثالث: ضوابط معينة على فهم القرآن وتفسيره في ضوء مقاصده

لعل أول شرط ينبغي أن يتحلى به الناظر في كتاب الله، هو الخشية من الله وتقواه، مصداقا لقول الباري جل في علاه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة: 281). وهو حقيقة لا ينبغي أن يعد من الشروط، بل إنه من البديهيات التي يتحتم على المفسر تحصيلها والتحلي بها قبل نظره في النصوص والكليات، حتى يسلم له النظر، ويكون محققا للمقاصد والغايات التي نزلت لأجلها الآيات البينات.

يقول ابن تيمة في هذا السياق: “إن النظر المجرد في الدليل دون توافر أسباب الهداية، من ذكر الله واللجوء إليه، ودون انتفاء الموانع المعوقة، من وسوسة الشيطان، لا يحصل الفقه الصحيح، ولا معرفة قصد الشارع من أوامره ونواهيه وأخباره، فبذكر العبد لله وبما أخبر عن نفسه سبحانه، يحصل للعبد العلم بأمور عظيمة، لا تنال بمجرد التفكير والتقدير”[39].

ومن أهم الضوابط والشروط التي على المفسر مراعاتها وعدم إغفالها:

1. الالتزام بضوابط التفسير

ومن ذلك تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن القرآن يبين بعضه بعضا، وأن ينظر كذلك لأقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأنه أعرف الخلق بالله وبمعاني كلامه، وأن ينظر لأقوال الصحابة لأنهم عاصروا نزول القرآن مع علمهم باللغة، وأن ينظر في تفسير التابعين الذين عاصروا الصحابة[40].

وهناك من ذكر شروطا للمفسر منها: “صحة الاعتقاد والتجرد من الهوى، والبدء بتفسير القرآن بالقرآن، ثم السنة ثم أقوال الصحابة، ثم أقوال التابعين، والعلم باللغة العربية وفروعها، والعلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن، ودقة الفهم”[41].

2. فهم المقاصد بلغة العرب

القرآن نزل بلغة العرب ولا يفهم من غير هذا الطريق قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (يوسف: 2)، وقال أيضا: ﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ (الشعراء: 195)، يقول الشاطبي: “فمن أراد تفهمه من جهة لسان العرب يفهمه ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة”[42].

وقد أشار ابن تيمية أن الخطأ دخل على كثير من الناس في فهم القرآن من جهتين:

أولهما؛ قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، فهم راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.

ثانيهما؛ قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به، فهم راعوا مجرد اللفظ وما يجور عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح لمتكلم به ولسياق الكلام فنظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق[43].

فاللغة العربية شرط أساس لإدراك مقاصد القرآن، وبغيرها يستحيل على الناظر في كتاب الله، معرفة مراد الله.

فمن رام فهم القرآن، وكانت له معرفة بمفردات اللغة وتراكيبها، لا يكون كمن له دربة في أساليب القرآن المختلفة فإنه لاشك سيفهم مقاصد القرآن بصورة أعمق، خاصة أن المقاصد تحتاج إلى نظر كلي شامل للنصوص، فمثلا قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ يفهم منه أن اليسر مقصد شرعي بصورة واضحة أما قوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْê﴾ (الحشر: 7)، فقوله: “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” يحتاج إلى إدراك أن “كي” من حروف التعليل وأن المقصود من قسمة الفيء أن لا يكون المال متداولا بين الأغنياء دون الفقراء، فهذا لابد فيه من فهم أساليب في الكلام، ومعرفة حروف التعليل.

ومباحث الدلالات لها أهمية كبرى في فهم المقاصد من القرآن، خاصة فيها ما يتعلق بالأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والمحكم والمتشابه، وغيرها من الدلالات.

وهنا ينبغي التنبيه إلى “أن اللغة التي يرجع إليها ويؤخذ بها هي: اللغة المعروفة في عصر نزول القرآن، والعبرة بما تدل عليه الألفاظ في ذلك العصر، لا بالدلالات الحادثة بعد ذلك، فكثيرا ما تتطور دلالات الألفاظ والجمل والتراكيب بتطور العصور وتطور المعارف والعلوم، ويتدخل العرف أو الاصطلاح أو غيرهما بإعطاء دلالات جديدة للألفاظ والجمل لم تكن لها في عصر النبوة، فلا يجوز أن نحكم هذه الدلالات الجديدة في فهم القرآن”[44].

جاء في الموافقات: “لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان العرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه”[45].

3. الاهتمام بالمعنى والسياق

بناء على “أن مقصود الخطاب ليس هو التفقه في العبارة، بل التفقه في المعبر عنه، وما المراد به”[46] وهذا ليس معناه عدم النظر كلية إلى الألفاظ لأنه لا سبيل لإدراك المعاني إلا بها “فاتباع أنفس الصيغ التي هي الأصل واجب لأنها مع المعاني كالأصل مع الفرع ولا يصح اتباع الفرع مع إلغاء الأصل”[47].

من أجل ذلك نقل الصحابة السياق والقرائن، والتي نقلها عنهم التابعون وتابعوهم فصدور الكلام في حال ومقام يختلف عن صدوره في حال ومقام آخر، فهذا له سياق يختلف عن سياق الآخر، والقرائن التي تحف بالكلام لها أثر واضح في فهم مراد المتكلم من كلامه[48].

4. معرفة أسباب النزول

إن معرفة أسباب النزول لم تكن مجرد ولع برصد الحقائق التاريخية التي أحاطت بتشكل النص، بل هدفت إلى فهم النص واستخراج دلالته، كما أن دراسة الأسباب والوقائع تؤدي إلى فهم حكمة التشريع خاصة في آيات الأحكام مما يساعد الفقهاء على نقل الحكم من الواقعة الجزئية، أو السبب الخاص، وتعميمه على الوقائع المتشابهة[49].

لذلك وجدنا الإمام الشاطبي يفند المزاعم التي تدعي أنه لا طائل تحت هذا الفن “زعم زاعم أنه لا طائل تحت هذا الفن  يقصد علم أسباب النزول لجريانه مجرى التاريخ وأخطأ في ذلك بل له فوائد منها:  معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم”[50].

ويضرب الإمام السعدي في تفسيره مثالا يوضح أهمية معرفة أسباب النزول في فهم المقصد من الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾ (البقرة: 103). كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول، صلى الله عليه وسلم، عند تعلمهم أمر الدين راعنا؛ أي “راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب ففيه النهي عن الجائز إذا كان وسيلة للمحرم، “وقولوا انظرنا” فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور”[51].

فهذه جملة من الضوابط يجدر بالمفسر مراعاتها والأخذ بمقتضاها حتى يكون نظره في النصوص سديدا واستنباطه للمقاصد من الآيات محكما مفيدا.

المبحث الثاني: نماذج وتطبيقات من قواعد التفسير المقاصدي

1. مفهوم جامع بين القاعدة التفسيرية والتفسير المقاصدي

يبدو لي أن أفضل تعريف جامع بين مفهوم قواعد التفسير والتفسير المقاصدي هو الذي يعتبر أن علم أصول التفسير يحيل إلى “مجموعة من القواعد والأصول التي تبين للمفسر طرق استخراج أسرار هذا الكتاب الحكيم بحسب الطاقة البشرية وتظهر مواطن العبرة من أنبائه وتكشف مراتب الحجج والأدلة من آياته الكريمة، فهي تعين عالم التفسير على فهم معانيه وإدراك عبره وأسراره، وترسم المناهج لتعرفها، وتضع القواعد والأصول ليسير المفسر على منهاجها القويم في سيره أثناء تفسيره”[52].

المطلب الأول: قواعد المصالح والمفاسد

ترد في القرآن الكريم ألفاظ بإطلاقات مختلفة، غايتها واحدة؛ وهي التنبيه إلى المصالح من أجل اكتسابها والتحذير من المفاسد من أجل اجتنابها، ومن هذه الألفاظ الخير والشر، النفع والضرر، المعروف والمنكر، الحسنة والسيئة، العدل والظلم، الحق والباطل، يقول العز بن عبد السلام: “ويعبر عن المصالح والمفاسد بالخير والشر، والنفع والضرر، والحسنات والسيئات؛ لأن المصالح كلها خيور نافعات، والمفاسد بأسرها شرور مضرات سيئات، وقد غلب في القرآن استعمال الحسنات في المصالح، والسيئات في المفاسد”[53].

 ومن الآيات الدالة في هذا الباب قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ (البقرة: 217)، وقوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: 26). وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 92).

وقوله تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا﴾ (النساء: 19)، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾.

فهذا أمر بالشيء مع بيان وجه المصلحة فيه، وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ (البقرة: 220). وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: 109). وهذا نهي عن الشيء مع بيان المفاسد المترتبة عنه.

أ. مفهوم المصلحة ومراتبها

وحفظ الضروريات لاشك أنه رأس المصالح، يقول الإمام الغزالي: “لكنا نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ومالهم، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.. وهذه الأصول الخمسة حفظها في رتبة الضرورات فهي أقوى المراتب”[54].

وقد قسم الإمام الغزالي المصلحة باعتبار قوتها إلى ثلاثة أقسام:

“المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها تنقسم إلى ما في رتبة الضرورات، وإلى ما في رتبة الحاجات، وإلى ما يتعلق بالتحسينات والتزيينات، وتتقاعد أيضا عن رتبة الحاجات”[55].

والإمام الآمدي، من جهته، أكد على هذه المصالح الضرورية بقوله: “المقاصد الخمسة التي لم تخلو من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال”[56].

والإمام الشاطبي هو الآخر أكد ما سبق الحديث عنه بقوله: “فإن الضروريات هي أصل المصالح”[57].

ب. قواعد المصالح ومراتب الترجيح بينها

ولعل من أهم قواعد المقاصد التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الباب ما ذكره العز بن عبد السلام بقوله: “الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح”[58]، وقوله: “اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة”[59]، وقوله “وإن تعذر الدرء والتحصيل؛ أي درء جميع المفاسد وتحصيل جميع المصالح، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي فوات المصلحة”[60]، وقوله: “الوسائل: تسقط بسقوط المقاصد”[61].

والإمام الشاطبي له إسهام نوعي في باب القواعد المقاصدية، نذكر من ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر، قوله: “درء المفاسد أولى من جلب المصالح”[62]، وقاعدة “المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية[63]، وقاعدة “كل تكملة من حيث هي تكملة شرط ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال”[64].

 ومن القواعد أيضا: “اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين؛ الضروري والحاجي بإطلاق وأنه لا يلزم من اختلال الباقيين اختلال الضروري”[65] وقال أيضا: “فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفا”[66].

هذا عن قواعد المقاصد مختصرا، فماذا عن الترجيح بين المصالح وترتيبها؟

 لمزيد من البيان والفائدة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا”[67]. وقال أيضا: “إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي، وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له”[68].

 ويتوج هذه القواعد بقاعدة نفيسة يقول فيها: “وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة، فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع”[69].

بعد استعراض جملة من قواعد المصالح، وضوابط الترجيح بينها، ننتقل إلى ذكر بعض الأمثلة والنماذج التطبيقية التي روعيت فيها المصالح والمفاسد.

1. تطبيقات لقواعد المصالح والمفاسد

أ. مسألة التعليل

يرى الشيخ الشنقيطي أن العلة التي من أجلها شرعت الأحكام هي العلل التي تشتمل على الحكم والمصالح، من جلب المنافع ودفع المضار، يقول في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء: 77-78).

واعلم أن التحقيق الذي لاشك فيه أن الله تعالى يشرع الأحكام لمصالح الخلق، فأفعاله وتشريعاته كلها مشتملة على الحكم والمصالح من جلب المنافع ودفع المضار… لأنه من المعلوم بالضرورة من الدين، أن الله، جلا وعلا، غني لذاته الغنى المطلق، وجميع الخلق فقراء إليه غاية الفقر والفاقة والحاجة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر: 15). ولكنه، جل وعلا، يشرع ويفعل لأجل مصالح الخلق المحتاجين الفقراء إليه لا لأجل مصلحة تعود إليه هو، سبحانه وتعالى، عن ذلك علوا كبيرا..

فالله، عز وجل، يشرع الأحكام لأجل العلل المشتملة على المصالح التي يعود نفعها إلى خلقه الفقراء إليه، لا إلى الله عز وعلا”[70].

ب. القرآن كتاب صلاح وإصلاح

يقول ابن عاشور في تفسيره: “إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لتبليغهم مراد الله منهم: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89). فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية.

فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، والباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر.

وأما الصلاح الجماعي فيحصل أولا من الصلاح الفردي إذ الأفراد أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية، وهذا هو علم المعاملات ويعبر عنه عند الحكماء بالسياسة المدنية.

وأما الصلاح العمراني فهو أوسع من ذلك إذ هو حفظ نظام العالم الإسلامي وضبط تصرف الجماعات والأقاليم بعضهم مع بعض على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعي المصالح الكلية الإسلامية، وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، ويسمى هذا بعلم العمران وعلم الاجتماع”[71].

قال: فمراد الله من كتابه هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه، فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص: 28)[72].

فيظهر، إذن، من تفسير الطاهر بن عاشور النظرة الشمولية للمقاصد في جميع مناحيها وأبعادها، بحيث تصبح المقاصد واقعة وملموسة للقارئ.

ج. حفظ الدين بالدخول فيه وعدم اتباع الشيطان

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (البقرة: 206).

دلالة الآية على المقصد: الأمر بدخول الدين كافة والنهي عن اتباع خطوات الشيطان يدل على أن حفظ الدين مقصود شرعا[73].

د. الاهتداء بالقرآن

قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 1). دلالة الآية على المقصد: التنصيص على وصف الكتاب بالهدى ومدح الله تعالى للذين يتبعون هذا الهدي ووصفهم بالمتقين يدل على أن الاهتداء بالقرآن أمر مقصود شرعا.

والهدى؛ ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة وقال: “هدى” وحذف المعلوم، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني: لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأخراهم”[74].

ﻫ. الخلافة في الأرض

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 29).

دلالة الآية على المقصد: تصريح الله بجعل آدم وذريته خلفاء في الأرض يدل على أن الخلافة أمر مقصود شرعا.

وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؛ أي نصلي لك؛ أي ولا يصدر منا شيء من ذلك، فهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال تعالى: مجيبا لهم عن هذا السؤال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾؛ أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل[75].

و. رفع الضرر

قال تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ (البقرة: 229).

دلالة الآية على المقصد: النهي عن الإمساك بقصد الإضرار يدل على أن رفع الضرر أمر مقصود شرعا. وقوله: “ضرارا” مفعول لأجله يدل على أن الإمساك لأجل الإضرار غير جائز”[76].

فالضرر والإضرار ممنوعان شرعا، ومن القواعد الشرعية العظيمة التي تعتبر أصلا من أصول هذا الدين “لا ضرر ولا ضرار”.

ز. ما يشترط في النهي عن المنكر

أوضح الشيخ الشنقيطي أن تغيير المنكر يشترط فيه عدم إفضائه إلى مفسدة أعظم، فقال في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: 107). فيشترط في جواز الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر، لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين، قال في مراقي السعود:

وارتكب الأخف من ضرين              وخيرن لدى استوا هذين

ويشترط في وجوبه مظنة النفع به، فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه كما يدل له ظاهر قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ (الأعلى: 9)[77].

هذه أمثلة من التفسير المراعي للمصالح والمفاسد، ذكرتها على سبيل التوضيح والبيان، وليس على سبيل الاستقصاء والتمام.

  المطلب الثاني: قواعد التيسير ورفع الحرج

ومن القواعد المقاصدية التي تحكم هذا الباب، نذكر جملة منها على سبيل التمثيل:

يقول الإمام الشاطبي في موافقاته: “ثبت في الأصول أن شرط التكليف أو سببه القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا”[78]. وقوله: “حيث تكون المشقة خارجة عن المعتاد حتى يحصل بها فساد ديني أو دنيوي فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة”[79]، وقاعدة: “فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه”[80]، ومن القواعد المؤكدة لوسطية الشريعة في التكليف ورفع الحرج عن المكلف، نجد قول الإمام الشاطبي: “ولأجل الدخول في الفعل على قصد الاستمرار وضعت التكاليف على التوسط وأسقط الحرج ونهي عن التشديد”[81].

ولعل من المبادئ الدالة على أن الشريعة مبنية على التيسير والرحمة ورفع الحرج ما ذكره الإمام ابن عاشور: “أما المسلك الثاني: فهو مسلك التيسير والرحمة والتسهيل، وللتيسير في الشريعة ثلاثة مظاهر: أحدها؛ أحكام الشريعة مبنية على رفع الحرج والتيسير في الغالب. والثاني؛ أنها تعمد إلى تغيير الأحكام من الصعوبة إلى السهولة عند الضرورة، فالقاعدة تقول: المشقة تجلب التيسير. والثالث؛ لم تترك للمكلفين عذرا للتقصير في تطبيقها فشرعة الرخص”[82].

بعد ذكر هذه القواعد المتعلقة بالتيسير ورفع الحرج عن المكلف، أنتقل إلى ذكر جملة من النماذج  والتطبيقات.

1. التيسير في الصيام

قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 184).

دلالة الآية على المقصد: قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ تعليلا لجميع ما تقدم من قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ إلى هنا فيكون إيماء إلى أن مشروعية الصيام، وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر، فإن في طيها من المصالح، ما يدل على أن الله أراد بها اليسر؛ أي تيسير تحصيل رياضة النفس بطريقة سليمة من إرهاق أصحاب بعض الأديان الأخرى أنفسهم”[83].

وهذا فيه دليل واضح على أن التيسير والرفق في الصيام مقصد شرعي.

2. لا تكليف بما لا يطاق

قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: 285).

قال الشيخ الطاهر بن عاشور: وهذا دليل على عدم وقوع التكليف بما فوق الطاقة في أديان الله تعالى لعموم “نفسا” في سياق النفي؛ لأن الله تعالى ما شرع التكليف إلا للعمل واستقامة أحوال الخلق، فلا يكلفهم ما لا يطيقون فعله، وما ورد من ذلك فهو في سياق العقوبات، هذا حكم عام في الشرائع كلها.

وامتازت شريعة الإسلام باليسر والرفق بشهادة قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ ولذلك كان من قواعد الفقه العامة، “المشقة تجلب التيسير”، وكانت المشقة مظنة الرخصة، وضبط المشاق المسقطة للعبادة مذكور في الأصول.. وما ورد من التكاليف الشاقة فأمر نادر، في أوقات الضرورة كتكليف الواحد من المسلمين بالثبات للعشرة من المشركين في أول الإسلام”[84].

3. قصر الصلاة في السفر

قال الشيخ الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (النساء: 101). الفرع الأول: أجمع العلماء على مشروعية قصر الرباعية في السفر، خلافا لمن شذ وقال: لا قصر إلا في حج أو عمرة، ومن قال: لا قصر إلا في خوف، ومن قال: لا قصر إلا في سفر طاعة خاصة”[85].

بعد ذلك أوضح الشنقيطي المقصد من القصر بأنه رفع المشقة في قوله: “لأن القصر شرع لأجل تخفيف مشقة السفر، ومن أقام أربعة أيام فإنها مظنة لإذهاب مشقة السفر عنه”[86].

المطلب الثالث: قواعد الذرائع والمآلات

تمهيد

مبدأ النظر في المآل واعتباره أصل دلت عليه شواهد كثيرة من كتاب الله تفوق الحصر، وذلك أنه لما كانت: “الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات”[87]، كان لزاما على المجتهد والمفسر والناظر في كتاب الله، أن يقدر مآلات الأفعال التي ينظر فيها ويدرك عواقبها وما يترتب عنها في الحال والمآل.

يقول الإمام ا لشاطبي: “النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل”[88].

وقد اعتبر الشاطبي العمل بالذرائع قاعدة مآلية بالنظر إلى ما تفضي إليه أفعال المكلفين؛ لأن الشارع قصد بالتشريع إدخال المكلف تحت قانون الامتثال.

وعرف ابن العربي قاعدة الذرائع بأنها: “كل عمل ظاهر الجواز يتوصل به إلى محظور”[89].

أما الشاطبي فعرف الذريعة بأنها: “التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة”[90].

وقد شدد الفكر الإسلامي المعاصر على مكانة قاعدة الذرائع في الفقه المالكي وأثرها في استنباط الأحكام من القرآن الكريم، بحيث على أساسها سار الفقه المالكي، مثلما سار قبله فقه عمر وسياسته الراشدة، فبالغ في سد ذرائع الفساد وتضييق مسالك الانحراف، وفي قمع المقاصد الفاسدة، رعاية للمقاصد الشرعية والمصالح المشروعة”[91]، وذكر الشاطبي أن مالكا حكم قاعدة الذرائع في أكثر أبواب الفقه[92].

ومبدأ إعمال المآل تندرج تحته مجموعة من القواعد لعل أهمها: قاعدة سد الذرائع وقاعدة إبطال الحيل وقاعدة الاستحسان وقاعدة مراعاة الخلاف.

وفيما يلي أمثلة وتطبيقات لهذه القواعد المآلية عند المفسرين.

أ. النهي عن سب آلهة المشركين سدا للذريعة.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: 109).

قال ابن عاشور في تفسيره: “والمخاطب بهذا النهي المسلمون لا الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يكن فاحشا ولا سبابا، لأن خلقه العظيم حائل بينه وبين ذلك… وإنما كان المسلمون لغيرتهم على الإسلام ربما تجاوزوا الحد، ففرطت منهم فرطات سبوا فيها أصنام المشركين… ووجه النهي عن سب أصنامهم هو أن السب لا تترتب عليه مصلحة دينية.

وقد احتج علماؤنا بهذه الآية على إثبات أصل من أصول الفقه عند المالكية وهو الملقب بمسألة سد الذرائع ومعنى سد الذرائع حسم مادة وسائل الفساد.

وهذه القاعدة تندرج تحت قاعدة: “الوسائل والمقاصد فهذه القاعدة شعبة من قاعدة إعطاء الوسيلة حكم المقصد خاصة بوسائل حصول المفسدة”[93].

ب. إبطال الحيل

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ (البقرة: 64).

المقصد من الآية: ترتيب العذاب على الذين اعتدوا في السبت وتحيلوا في أحكام الله يدل، على أن إبطال الحيل أمر مقصود شرعا.

 فهذا الأمر التكويني: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ كان لأجل العقوبة على ما اجترأوا من الاستخفاف بالأمر الإلهي حيث تحيلوا عليه وفي ذلك دليل على أن الله تعالى لا يرضى بالحيل على تجاوز أوامره ونواهيه، فإن شرائع الله تعالى مشروعة لمصالح وحكم، فالتحيل على خرق تلك الحكم بإجراء الأفعال على صور مشروعة مع تحقيق تعطيل الحكمة منها جراءة على الله تعالى[94].

خاتمة

وبعد، فإن الحديث عن التفسير المقاصدي ذو أهمية بالغة، وفائدة كثيرة نافعة، ولعل ما سأذكره من نتائج هذا البحث هو خير دليل على ذلك:

ـ أن مقاصد الشريعة لا مصدر لها سوى نصوص الشريعة..

ـ أن القرآن الكريم جاء موجها إلى المصالح كلها ومحذرا من المفاسد جميعها..

ـ أن التفسير المقاصدي غايته إبراز الحكم والغايات التي أنزل لأجلها القرآن، وشرعت من أجلها الأحكام..

ـ أنه بمراعاة مقاصد القرآن يضمن المفسر لنفسه ولتفسيره سلامة النظر وحسن القبول..

ـ أن فهم النصوص الشرعية وتفسيرها على الوجه الأمثل، مفتقر إلى ضرورة العلم بالمقاصد الشرعية..

ـ أن مقصود الخطاب التفقه في المعبر عنه لا العبارة..

ـ أن علم أصول التفسير ميزان يضبط المفسر و يمنعه من الخطأ في التفسير..

ـ أن المقاصد وقواعدها تقتضي أن المصالح والمفاسد ليست متساوية، ولا في مرتبة واحدة عند الترجيح..

ـ أن الحرج مرفوع شرعا، والمشقة تجلب التيسير..

ـ أن النظر إلى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، والعالم لا يحكم على فعل إلا بعد نظره إلى مآله وعواقبه.

الهوامش

[1]. الإمام الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: عبد الله دراز، بيروت: دار المعرفة، ط1، المكتبة الشاملة، 1/93.

[2]. ابن القيم، إعلام الموقعين، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1411ﻫ/1991م)، 3/11.

[3]. أحمد الريسوني، من أعلام الفكر المقاصدي، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، دار الهادي، ط1، (1424ﻫ/2003م)، ص111.

[4]. أحمد الريسوني، مقاصد المقاصد، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013، ص7.

[5]. الموافقات، م، س، 4/122.

[6]. ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، ط3، 1414ﻫ، ص55.

[7]. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، دار الفكر، ط1، 1979، ص4/504.

[8]. الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار المعرفة، ط1، 1957، 1/13.

[9]. الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط1، د. ت، 2/3.

[10]. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، ط1997، 1/11.

[11]. أحمد الريسوني، الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة، دمشق: دار الفكر، ط1، 2000، ص53.

[12]. نشوان عبده خالد، التفسير المقاصدي للقرآن الكريم، بحث غير منشور، ماليزيا: الجامعة العالمية، ص8.

[13]. نور الدين الخادمي، الاجتهاد المقاصدي، كتاب الأمة، العدد 65، السنة الثامنة عشرة، 1998، ص69.

[14]. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، م، س، 2/160.

[15]. المصدر نفسه، 1/9.

[16]. نور الدين الخادمي، الدليل عند الظاهرية، دار ابن حزم، ط1، (1421ﻫ/2000م)، ص39.

[17]. أحمد الريسوني، مدخل إلى مقاصد الشريعة، المكتبة السلفية، ط1، (1417ﻫ/1996م)، ص8-9.

[18]. الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة، م، س، ص53.

[19]. المرجع نفسه، ص54.

[20]. التحرير والتنوير، م، س، 5/138.

[21]. الموافقات، م، س، 1/124.

[22]. المرجع نفسه، 2 /74.

[23]. المرجع نفسه، 1/219.

[24]. المرجع نفسه، 1/307.

[25]. المرجع نفسه، 3/391.

[26]. الإحكام، م، س، 1/165.

[27]. عبد الكريم النملة، المهذب في علم أصول الفقه، الرياض: مكتبة الرشد، ط1، (1420ه/1999م)، 2/510.

[28]. محمد مسعود اليوبي، مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، الرياض: دار الهجرة للنشر والتوزيع، (1423ﻫ/2002م)، ص489.

[29]. محمد الغزالي، كيف نتعامل مع القرآن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط3، (1413ﻫ/1992م)، ص40.

[30]. التحرير والتنوير، م، س، 1/5.

[31]. المرجع نفسه، 1/365.

[32]. المرجع نفسه، 1/41.

[33]. المرجع نفسه، 1/41.

[34]. المرجع نفسه، 1/81.

[35]. عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبدالرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، (1420ﻫ/2000م)، ص30.

[36]. المصدر نفسه. ص29-30.

[37]. تيسير الكريم الرحمان، م، س، ص29.

[38]. المرجع نفسه، 1/122.

[39]. ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق: عبد الرزاق حمزة وسليمان الصنيع، د. ط، دار المعرفة، ص35.

[40]. ابن تيمية، مقدمة التفسير، ص84.

[41]. مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، مكتبة وهبة، مساعد بن سليمان الطيار، دار ابن الجوزي، ط2، 1428ﻫ، ص321.

[42]. الموافقات، م، س، 1/296.

[43]. ابن تيمية، شرح مقدمة في أصول التفسير، الرياض: دار ابن الجوزي/المملكة العربية السعودية، 3/139.

[44]. يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم، القاهرة: دار الشروق، ط6، 2008، ص232.

[45]. الموافقات، م، س، 1/307.

[46]. المصدر نفسه، 3/410.

[47]. المصدر نفسه، 2/150.

[48]. محمد بكر إسماعيل، مقاصد الشريعة الإسلامية تأصيلا وتفعيلا، مكة: دار طيبة، ط1، (1427ﻫ/2006م)، ص167.

[49]. خلود العموش، الخطاب القرآني: دراسة في العلاقة بين النص والسياق، عالم الكتب الحديث، ط1، (1420ﻫ/2000م)، ص83.

[50]. عبدالرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، صححه محمد سالم هاشم، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1421ﻫ/2000م)، 1/59.

[51]. تيسير الكريم الرحمان، م، س، ص61.

[52]. أصول التفسير وقواعده، م، س، ص11.

[53]. قواعد الأحكام، م، س، 1/4.

[54]. المستصفى، م، س، 1/417.

[55]. المصدر نفسه، 1/416.

[56]. الإحكام في أصول الأحكام، م، س، 3/274.

[57]. الموافقات، م، س، 1/258.

[58]. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، م، س، 1/9.

[59]. المصدر نفسه، 2/75.

[60]. المصدر نفسه، 1/83.

[61]. المصدر نفسه، 1/ 106.

[62]. الموافقات، م، س، 4/272.

[63]. المصدر نفسه، 1/259.

[64]. المصدر نفسه، 1/258.

[65]. المصدر نفسه، 1/259.

[66]. المصدر نفسه، 1/268.

[67]. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن محمد بن قاسم، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف/المملكة العربية السعودية، (1416ﻫ/1995م)، 23/343.

[68]. المصدر نفسه، 28/129.

[69]. المصدر نفسه، 10/512.

[70]. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر/لبنان، (1415ه/1995م)، 4/214.

[71]. التحرير والتنوير، م، س، 1/38.

[72]. المصدر نفسه، 1/39.

[73]. تيسير الكريم الرحمان، م، س، ص563.

[74]. المصدر نفسه، ص40.

[75]. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1419ﻫ، 1/124.

[76]. التحرير والتنوير، م، س، 2/423.

[77]. أضواء البيان، م، س، 1/465.

[78]. الموافقات، م، س، 1/326.

[79]. المصدر نفسه، 1/360.

[80]. المصدر نفسه، 1/335.

[81]. المصدر نفسه، 2/168.

[82]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص371.

[83]. التحرير والتنوير، م، س، 2/175.

[84]. المصدر نفسه، 3/135.

[85]. أضواء البيان، م، س، 1/265.

[86]. المصدر نفسه، 1/275.

[87]. الموافقات، م، س، 2/323.

[88]. المصدر نفسه، 1/271.

[89]. ابن عربي، أحكام القرآن، 2/798.

[90]. الموافقات، م، س، 1/274.

[91]. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، م، س، ص92.

[92]. الموافقات، م، س، 4/198.

[93]. التحرير والتنوير، م، س، 7/427-431.

[94]. المصدر نفسه، 1/546.

Science
الوسوم

د. مومني الراضي

باحث في الفكر الإسلامي ومقاصد الشريعة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق