عُرِّف التصوف تعاريف عدة، بفعل خصوصية التجربة التي يعيشها الصوفية أثناء ممارستهم التعبدية، لذلك فإن ما يعبرون عنه في كلامهم حول معنى التصوف يأخذ طابعا نسبيا، بحكم ما يتنزله كل واحد منهم في تجربته الخاصة، إلا أن هذا التنوع الذي تصطبغ به هذه التعاريف لا يمكن النظر إليها نظرة تجزيئية، بل أن تأخذ وفق نظرة تكاملية، تأخذ بعين الاعتبار مبادئ ثلاث:
1- مبدأ التنوع:
أ- باعتبار أن موضوع التصوف هو الاشتغال بالكمالات الأخلاقية، ونشدان الحقائق الإيمانية، وإذا كان الأمر كذلك، فإن المعاني الواردة على قلب الصوفي تكون على قدر رسوخه المعرفي في مقامات القرب، الأمر الذي يجعل هذه التعاريف تصطبغ بأحوال العارف المُعرِّف وتعبِّر عن ذوقه.
ب- كما أن هذا التنوع مرتبط بمعطى آخر، وهو أن المعاني الصوفية متقيدة في توجهها بنوع المتلقي، آخذة بما يوافق سلوكه، ويتناسب مع أحواله.
2- مبدأ تراتبي: حاصل هذا المعنى أن التبحر في مقامات الإحسان يكون على قدر همم السالكين، الشيء الذي يفرض القول بسُلَّمية المعرفة داخل الحقل الصوفي، بحيث إن التعريف الصوفي يعرف تشكلات تتمايز بفعل ما يتنزله الصوفي من مقامات.
فإذا نحن أخذنا بهذه المبادئ الثلاث تيسر لنا فهم هذا التنوع، وأن مرده إلى أن موضوع التصوف مما لا يمكن الإحاطة به، ومجال المعرفة الإلهية ليس لها حد تقف عنده لارتباطها بالذات الإلهية، والله تعالى يقول: ﴿وأنى إلى ربك المنتهى﴾ [النجم،ـ 42] ، وهو ما أكد عليه الفقيه الصوفي الشيخ زروق: «وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ الألفين مرجعها كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه»[1]
3- مبدأ اعتباري: إذا كانت التعاريف على ما سبق ذكره تحمل في طياتها فاعلية نابعة من حركية الصوفي في مجال رقيه المعرفي، فإنها –التعاريف- مرتبطة أيضا بمشرب الصوفي، لذلك فإن هذه التعاريف تأخذ لون صاحبها ما بين تخليق وتحقيق، وهو الأمر الذي أشار إليه الطوسي بقوله: «ولبعض المشايخ في التصوف ثلاثة أجوبة: جواب بشرط العلم: وهو تصفية القلوب من الأكدار واستعمال الخلق مع الخليقة، واتباع الرسول في الشريعة، وجواب بلسان الحقيقة: وهو عدم الاملاك والخروج من رق الصفات والاستغناء بخالق السماوات، وجواب بلسان الحال: أصفاهم بالصفا عن صفائهم، وصفاهم من صفاتهم فسموا صوفية»[2]، ولذلك نجد المغاربة غلب عليهم المنحى التخليقي، حتى عُرف عند إمامهم بكونه: «اجتناب كل خلق دني واستعمال كل خلق سني، وأن تعمل لله ثم لا ترى أنك عملت».[3]
4- مبدأ واقعي: من الحيثيات التي ينبغي اعتبارها في الخطاب الصوفي عموما، وفي جانب التعاريف على الخصوص، مسألة السياق الذي يتعامل في إطاره الصوفي، بحيث إن الصوفي ابن بيئته، مشغول بهواجس أهل زمانه، فخطابه يكون مراعيا لهذا السياق العام غير متجاهل له، متفاعل مع إشكالاته غير متحاش عنها، مؤثر في توجهاته غير ساكن لها، ما يبرز بأن للتصوف من الإمكانات في رسم معالم المجتمع الأخلاقية، واعتباره عامل توازن في الحفاظ على الكيان الوجداني داخل الأمة.
وعليه فمفهوم التصوف يمكن النظر إليه بهذه الاعتبارات السالفة الذكر، حتى يمكن إدراك أصول الاختلاف في التعريف الصوفي وفق منطق داخلي ينسجم مع مبادئه الأصلية.
هوامش
[1] قواعد التصوف: أحمد زروق، تحقيق وتقديم الشيخ عثمان الحويمدي، دار وحي القلم، ط.الأولى: 1425هـ-2004م، ص 22.
[2] اللمع: الطوسي، تحقيق: عبد الحليم محمود، طه عبد الباقي سرور، مكتبة الثقافة الدينية، ط. 1423هـ/2002م، ص48.
[3] تاج العارفين: الجنيد البغدادي، دار الشروق، القاهرة، مصر، ط3، 2007م. ص 181.