مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةنصوص مترجمة

التداوليات والمَعْنى المُضمَر

إيدجيكوركوت Ece Korkut

جامعة هاتشيتيبي – أنقرة  (تركيا)

Université Hacettepe-Ankara

 ***ملخص المقال:

يتناولُ هذا المقالُ بالدّرسِ مَفهومَ المضمَر، من خلالِ ما تقترحُه التّداوليّاتُ2 من تَقسيمٍ وطُرقٍ، ويقفُ عندَ مَفهومينِ رئيسَين من مَفاهيم المضمَر، مع التّمثيلِ لهما، هما الاستلزامُ Présupposition، والمعنى الخفيّ المسكوت عنه Sous-entendu.

الكلمات المفاتيح: التّداوليّات، أفعال الكَلام، الـمَعنى الـمُضمَر، الاستلزام، المعنى المسكوت عنه.

1- مدخَل: 

يَنزعُ الباحثونَ اللّسانيّونَ، على اختلاف الأنظمَة العلمية التي يَستنِدونَ إليها في مُنطَلَقاتهِم (الفلسفة، المنطق، علم الاجتماع، تَعليم اللّغات…) إلى التّمييزِ بين اللّغة العلميّة التي يجبُ أن تتميَّزَ بوحدةِ الدّلالةِ Univoque ووُضوحِ البيان Explicite، واللغة العاديَةِ التي تتميّزُ باللَّبس والاحتمالِ Equivoqueوالغُموض والإضمار ( بلانشيBlanchet, 1995: 15).

أمّا الفيلسوفُ الأمريكيّ موريس (C.Morris)3 فيُقسّمُ البحثَ السّيميائيَّ إلى ثلاثةِ أنواعٍ من البَحثِ، أنجِزَت في مَجالِ اللّغَة، وإن لم مُتَمايزةً أو مُستقلّةً:

1- التّركيب، الذي يُعْنى بالعَلاقاتِ بينَ العَلاماتِ اللّغويّةِ

2- علم الدّلالَة، الذي يُعْنى بعَلاقةِ العَلاماتِ بالواقعِ 

3-علم التَّداوليّات، الذي يهتمُّ بالعَلاقاتِ بين العَلاماتِ اللّغويّةِ ومُستعمِليها، وبينَها وبينَ استخدامِها، وآثارِها المترتِّبَةِ (انظر: مانجونوMaingueneau, 1996: 65.).

 وإذا أخذنا بعَين الاعتبارِ هذا التّقسيمَ الذي يظلُّ مُقيِّداً إلى حدّ ما، فينبغي لنا أن نُضيفَ أنّ التّداوليّاتِ، بدلاً من أن تظلَّ ميداناً بعيداً مُستقلاً، تظهرُ نظاماً يستخدمُ كلَّ الأبحاثِ اللّسانيّةِ السّابقةِ والمعاصِرةِ، مثل الأبحاثِ السّيميائيّةِ والبيانيّةِ والتّواصليّةِ والحِجاجيّةِ والبلاغيّةِ وغيرِها. وبما أنّ الأمرَ يتعلّقُ في الـمَقامِ الأوّلِ بتأثيرِ اللّغةِ في المتحدِّثينَ، فيُمكننا أن نَقولَ عندئذٍ إنّ التّداوليّاتِ نفسَها تَقومُ بَديلاً للبلاغةِ التّقليديّةِ. 

و يقترحُ إيكو (Eco)4– انطلاقاً من تأكيدِه على أنّ شُعَبَ السّيميائيّاتِ الثَّلاثَ مُتَعالقةٌ– دراسةً متأنّيةً تُميّزُ بين العناصرِ والطّرقِ التي اقْترَحها موريس، ويصوغُ بوضوحٍ عناصرَ البحثِ الرّئيسةَ المتعلّقةَ بكلّ شعبةٍ من تلكَ الشُّعبِ ويُبيّنُ الحدودَ التي يُمكنُ أن تُرسمَ بينَها، لا سيَّما بين السّيميائيّاتِ والدّلالياتِ والتّداوليّاتِ: « تَدرُسُ السيميائيّاتُ إمّا البنيةَ المجرّدةَ لأنساقِ الدّلالةِ (مثل الخطابِ الشّفويّ، ولُعبةِ الورَق، ولافتاتِ الطّريقفِ، وقَوانين تَفْسيرِ الأيقوناتِ نفسها…) وإمّا السّياقاتِ التي يُطبّقُ في إطارِها المتكلّمونَ قَواعدَ هذه الأنساقِ من أجلِ التّواصُل […]. ونَميلُ إلى القولِ بأنّ علمَ الدّلالةِ يُعْنى في المقامِ الأوّلِ بالأنساقِ الدّلاليّةِ بينما التداولياتُتهتمُّ بسياقِ التّواصُل (إيكو(Eco, 1992: 291والحديثُ عن سياقِ التّواصُلِ يَعني في الوقتِ ذاتِه، وقبلَ كلّ شيءٍ، الحديثَ عن حُضورِ مُرسِلِ الكلامِ وعن تأويلِ متلقٍّ له، ولا يبقى بعدَ ذلكَ إلاّ اختلافُ التّعريفاتِ بين الباحثينَ بحسبِ ما يُفضّلونَ، من أجلِ إيضاحِ الـمَفاهيمِ نفسِها. واختلافُ تعريفاتهم إنّما هو وجهاتُ نظرٍ تتفاوتُ بين الإطلاقِ والتّقييدِ.

***2- التواصُلُ التّضمينيّ والتّداوليّاتُ:

 يتحقّقُ التّواصُلُ – بالمعنى الدّقيقِ – في سلسلةٍ (كَلاميّةٍ) تتكوّنُ حلقاتُها من مُتكلِّمَيْنِ يحرِصانِ على أن يَستمعُ كلُّ واحدٍ منهُما إلى الآخَر باهتمامٍ ومن غيرِ انقطاعٍ، ويعقدانِ الأهمّيةَ على التّفاهُم الصّحيحِ التّامِّ. وإنّما يَضمنُ نَجاحَ التواصُلِ الإصْغاءُ مع الانتباهِ الدّائمِ، ويَتلوه فهمٌ جيّدٌ لما يَنطقُ به المتكلّمُ (نُطقاً مباشراً وصريحاً) أو يُلمّحُ إليه (تلميحاً تضمينياً غيرَ مباشرٍ). ومعنى ذلكَ أنّه يَنبغي أن يُشارَ على الفورِ – خلافاً لِما يُمكنُ انتظارُه –إلى أنّ الخطابَ الـمُباشرَ الصّريحَ يظلُّ حالةً نادرةً بالنّسبةِ إلى الخطابِ غير الـمُباشرِ ذي الدّلالةِ التّضمينيّةِ الـمُضمَرَة «وهذه الـمُحتوَياتُ التّضمينيّةُ  (كالـمَعاني الـمُعبَّرِ عنها بألفاظٍ مَجازيّةٍ، والسّرائرِ والخلفيّاتِ الذّهنيّةِ الـمَفهومَةِ من بينِ السّطور) ذاتُ وزنٍ ثَقيلٍ داخلَ الـمَلفوظاتِ؛ ما أثقَلَ وزنَها وما أخطَرَ دورَها في تشغيلِ الآلَةِ التّفاعليّةِ» (كيربرات-أوريتشيوني)(Kerbrat-Orecchioni, 1986: 6) ، ولتأويلِ هذا الجُزء الـمُضمر و (أو) التّضمينيّ على الـمُتحدّثينَ أن يَبذلوا جهداً خاصّاً، لغوياً وتأويلياً: «[…] استخلاصُ مُحتوىً تضمينيّ أو مَعْنىً مُضمَر يَفرضُ على الـمُفسِّرِ مُفكّكِ الرّموزِ(Decodeur) جهداً تفسيرياً كبيراً وعَملاً تأويلياً بالغاً […]» (المرجعُ نفسُه، ص:5).

ولكي نتوصَّلَ إلى ربطِ دورِ المتكلّمِ بدورِ المخاطَبِ في الإنجازِ الجيّدِ للتّعبيرِ والفَهمِ الجيّد لَه، نَقترِحُ عَرضَهُما باختصارٍ، على النّحوِ التالي: إنّ التّواصُلَ الكَلاميَّ يستلزمُ في آنٍ واحدٍ ما يَلي: [من جانبِ الـمُحاوِر / اللاّفظِ]

     1-أ      التّبليغُ الجيّدُ لقَولٍ يُطابقُ ما يَدورُ في ذهنِ الـمُخاطَب.

  1-ب التَّبليغُ الجيّدُ (أو الإخْفاءُ) لشُعورٍ يُطابقُ ما ينبضُ به قلبُ المتكلّم.

     1-ج    إحداثُ تأثيرٍ في الـمُخاطَب بما يُناسبُ مَقاصدَ المتكلّم.

إنّ نَجاحَ المتكلّم في تلكَ الخُطواتِ الثّلاثِ الـمُتزامنةِ يُمكنُ أن يَتَحقّقَ بما يلي:

[من جانبِ الـمُخاطَب / الـمُتلقّي] 

2- أ) الفَهم الصّحيح لـمَلفوظِ الـمُتكلّم(الذيسيُعرِبُعَمّا في ذهنِه)

2- ب)الالتقاطُ الجيّدُ (وفكّ الرّموز) لشعورٍ مُعيّنٍ (يَكون عندَ المتكلّم في أثناءِ الكَلام) مُدمَجٍ في الكلامِ الملفوظِ، تَصريحاً أحياناً أوتضميناً في أغلبِ الأحيانِ

2 -ج) الاستعدادُ والقابليّةُ للتأثرِ بما يقصدُ المتكلّمُ إلى إحداثِه من تأثيرٍ والحاصلُ في قضيّةِ جَودةِ التّواصُلِ، أنّ التّعبيرَ الجيّدَ (المتكلّم/أو اللاّفِظ) والفهمَ الجيّدَ (المخاطَب/أو الـمُحاوِر) يتعلّقانِ، في فعلِ التَّواصُل عند الطّرفيْنِ مَعاً، بجودةِ تنظيمِ الأفكارِ والـمَشاعرِ، من جهةٍ، وبجودةِ التّلقّي والتَّدبيرِ لعناصرِ الـمَلفوظِ التّصريحيّةِ والتّضمينيّةِ، كلِّها، من جهةٍ ثانيةٍ.*

**3-  فعلُ الكَلام:

 يـَعـُـدّ الفيلسوفُ الإنجليزيّ جون أوستين(J.L.Austin) 5 «فعلَ الكلامِ (الذي يُدعى أحياناً فعلَ التّعبيرِ أو فعلَ الخطاب) [شَبيهاً] بالـمَفاهيم الرّئيسةِ في التّداوليّاتِ اللّسانيّة» (مانجونوMangueneau, 1996: 10)، وهنا «يُميّزُ بين ثلاثةِ أنواعٍ من أفعالِ الكلامِ:

1- الفعل التّعبيريّ (acte locutoire) أو التّعبير، وهو فعلٌ بسيطٌ من أفعالِ إنتاجِ عَلاماتٍ صوتيّةٍ بحسبِ ما يُتيحُه القانونُ الدّاخليّ لِلُغةٍ ما.

2–الفعل الإنجازيّ(acteillocutoire) أو الإنجاز، ويتحقّقُ الإنجازُ بقولِ فعلٍ معيّنٍ وليسَ بمجرّدِ النّطقِ بمَضمونٍ معيّنٍ، بل يتحقّقُ بالبَيانِ الصّريحِ – أحياناً – لكيفيّةِ تأويلِ القولِ داخلَ سياقِ التّلفّظِ به.

 3- وأخيراً الفعلُ التأثيريّ(acteperlocutoire) أو التأثير، ويحصلُ بإحداثِ تأثيراتٍ في الـمُخاطَبينَ (مثل فعل حَرَكة مُعيّنةٍ، أو الخوف، أو الضّحك، أو الحُزن).

وكلُّ حَديثٍ أو بناءِ قولٍ يَستحضرُ هذه المظاهرَ الثَّلاثةَ من مَظاهرِ فعلِ الكَلامِ، على دَرجاتٍ مُتفاوتةٍ » (بلانشي،Blanchet, 1995: 32). 

وما من تَحقيقِ قولٍ إلاّ وتجدُه مُشرَباً بقيمةٍ شعوريّةٍ، تُمثّلُ كلاًّ – مُتجانساً أو غيرَ مُتجانسٍ – مركَّباً من رؤيةٍ للعالَم، وأفكارٍ قبليّةٍ، ومَشاعرَ صادرةٍ عن المتحاوِرين، وتضميناتٍ–تأتي على هيئةِ افتراضاتٍ أو مُضمَراتٍ، يحتملُها الكلامُ. وبناءً على ذلكَ يُمكنُ أن يُقالَ إنّ على المتَحاورينَ –في كلّ حوارٍ بينهم- أن يُدركوا في آن واحدٍ الدّلالةَ المضبوطةَ للمَقولِ ولغيرِ المقولِ (القيمة اللّسانيّة والدّلاليّة)، والقيمةَ التي يملأ بها كلُّ فردٍ قولَه الذي يلفظُ به، على اختلافٍ بين الأفرادِ (القيمة المزاجيّة واختلاف الطَّبائع). وهذا يدلُّ على أنّ المعرفةَ الجيّدةَ باللّغةِ وبالثّقافةِ الـمُشتركةِ لا تَكفي للتّوصُّل إلى نقلٍ وتَلَقٍّ شامليْنِ وكافيينِ؛ حيثُ ينبغي أن يوضَعَ في الاعتبارِ «أنّ التّلفُّظَ بشيءٍ ما يُحدثُ في الغالبِ الأعمّ آثاراً معيّنةً في الـمَشاعرِ والأفكارِ وأفعالِ الـمُستمعينَ أو أفعالِ المتكلّمينَ أو غيرهم من الأشخاصِ… ونَستطيعُ أن نتحدّثَ أيضاً في موضوعِ العَزمِ أو النّيّةِ أو القصدِ إلى إثارةِ هذه الأعمال (أوستين Austin, 1970: 114).

غيرَ أنّه يَلزَمُنا أن نُذكّرَ بأنّ الإنجازَ (illocution) أمرٌ “اتّفاقيّ عُرفيّ”، أمّا التأثيرُ (perlocution) فليسَ كذلِكَ[…] ويَقَعُ الإنجازُ في حيّزِ التّلقّي، ولكن يَصعبُ على المرسِل ضبطُه، ويتحدّدُ موقعُه في التأويلِ الذي يُمارسُه المتلقّي […]»(بلانشيBlanchet, 1995: 32). إنّ هذا الأمرَ الذي «يتعذّرُ ضبطُه والتّحكّمُ فيه» يَعني على كلّ حالٍ أنّ فعلَ التأثيرِ ميدانٌ زَلِقٌ، بقدرِ ما نجدُ ذلكَ في تقويمِ هذا الفعلِ وتقديرِه. «فأمّا الفعلُ الإنجازيّفـهو ذو طبيعةٍ لغويّةٍ إلى درجةِ أنّه يرتبطُ بالتّلفّظِ على نحوٍ ما، وأمّا الفعلُ التأثيريُّ فلا يخضعُ لميدانِ اللغة» (مانجونوMaingueneau, 1996: 10 )

لأنّ الأمرَ ههنا يتعلّقُ بتقديرِ ظروفِ الكلامِ –بطريقةٍ دقيقةٍ وحَذِرةٍ- وتَقويمِ كلّ الإشاراتِ الدّالّةِ، ويتعلّقُ بالكشفِ عن نيّةِ المتكلّمِ أو قَصدِه (وهما أمرانِ يكونانِ في الغالبِ مُضمَرينِ أو غامضيْنِ أو مُبهَميْنِ) على حسابِ مُخاطَبِه: «[…] قد يكونُ سؤالٌ ما موجّهاً إلى الـمُحاورِ لـمُداهنتِه وإطرائه، أو للتّظاهرِ بالبَساطةِ، أو لـمُضايقةِ شخصٍ ثالثٍ…» (مانجونوMaingueneau, 1996: 10 ).4- أمثلَة : ولتحقيق ما ذكرْناه آنفاً، لنأخذْ مَلفوظَين اثنيْنِ على سبيلِ المثالِ:

الـمَلفوظُ-المثالُ 1:

«اطمئنَّ، لستُ أؤاخذُك بشيءٍ»، هذه الصّيغةُ العِباريّةُ تُثيرُ القلقَ؛ لأنّها تُثيرُ إشكالاً معيّناً وهو معرفةُ ما إذا كنتُ أحقدُ على مُخاطبي، في حين أنّني أنفي أصلاً أن تكونَ بيننا مُشكلةٌ. بل يَنتفي ويَزولُ الجوابُ نفسُه بالنّفيِ، ومن ثَمّ لَن يبقى على سَبيلِ الحلولِ الممكنةِ إلاّ الجَوابُ الـمُقابلُ، وهو أنّني “أنقِمُ عليه شيئاً ما” […]، ويُعدُّ هذا الـمَسارُ أحياناً بعيداً عن أن يَكونَ عفويّاً تلقائياً، مبنياً بصراحةٍ على القَصد »  (ميـييMeyer, 1993: 74 ).

وسَواء أ تعلَّق الأمرُ بهذا الخطابِ أم تعلّقَ بغيرِه، نجدُ المتحاورينَ يحرصون على ألاّ يكونوا سُذّجاً سَريعي التّصديقِ أو مُغفَّلين، وذلك بالنّظرِ إلى أنّ الكلامَ البشريَّ قلّما يكونُ بريئاً وقلّما يُلفظُ به بمعناه الحقيقيّ الذي وُضعَ له.

وعليه، إذا كانَ الـمُحاوِرُ –في المثالِ الـمَلفوظِ الأوّل أعلاه- يعتمدُ على الرّصيدِ الـمَوروثِ ولا يعتقدُ مُباشرةً في صدقِ الادّعاءِ (عَدَم الصّدقِ مَفهوم مهمّ عند أوستين)- فإنّه بلا شكٍّ سينتابُه الشّكّ أو الخوفُ أو القلقُ، وهذا ما يُدعى – على نَحو ما سَبَقَت الإشارةُ إليه – بالفعلِ التأثيريّ (الذي يحصلُ بإحداثِ تأثيراتٍ أو عَواقبَ على الـمُتَحاوِرينَ)، أمّا ما يتعلّقُ “بقانونِ الصّدق” فمن الـمُؤكَّد أنه لا يُدَّعَى إطلاقاً الاعتقادُ بحقيقةِ ما نزعمُه، ولا بالنّيّةِ الثّابتةِ في الالتزامِ بالوُعودِ، ولا بالقُدرةِ على الاستجابةِ للمطالبِ (كيربرات-أوريتشيونيKerbrat-Orecchioni, 1986 : 204).

أمّا ما يُفضي إلى فعلِ التأثيرِ –وهو فعلٌ سلبيّ في الإشكالِ الذي نُعالجُه- فهو الضّمنيُّ الـمُضمَرُ الذي يُمكنُ تعريفُه على النّحو التالي: «الـمَقصودُ بالـمَضمونِ التّداوليّ الـمُضمرِ: الاستدلالاتُ التي يستخرجُها الـمُحاوِرُ من السّياقِ، بواسطةِ برهنةٍ تلقائيّةٍ تقريباً […]» (مانجونوMaingueneau, 1996: 77 ).

لنَلْفِت الانتباهَ إلى أنّ الملفوظَ –أعلاه- يَبدو مُطَمْئناً، على مستوى السّطحِ، فهو يَبعثُ على الانتشاءِ؛ لأنّه يُحاولُ أن يُسلّيَ السّامعَ، لكنّه يَبْدو في العُمقِ مُثيراً للقلقِ، وذلك بالنّظرِ إلى الآثارِ السلبيّةِ الـمُحتمَلَةِ على الـمُتحاورينَ، كالشّكّ أو الخَوف أو القَلق. 

ومن ثمّ فإنّ الـمُتكلّمَ يُخفي –وهو يتكلّم- مَضموناً آخرَ (مُضمراً) وراءَ المضمون الصَّريح لكلامِه، وهو يعني بذلكَ: «أنّني أنقِمُ منك شيئاً، وأنتَ تعرِفُه (أو تُحسّه) كما أعرفُه، غيرَ أنّ عندي نيّةً وقصداً إلى نقضِ هذا المضمونِ الـمُضمَر لإخْفاءِ هذه الحقيقةِ الجليّةِ». ومن الطّبيعيّ أن يُنسَبَ إلى الـمُحاوِر تجليةُ هذه الدّلالةِ الـمُضمرةِ وإيضاحُها بوساطةِ أماراتٍ ودلائلَ مُختلفةِ الأنواعِ (عَلامات ذات صلةٍ بالنّصّ، وعلامات أخرى تَناصّيّة، وأخرى سياقيّة)، وفي هذا الاتّجاه يَعرضُ مثالٌ من أمثلةِ فوش (Fuchs)، ليَدعمَ مذهَبَنا في موضوع المضمَر: «[…] إنّ المعْنى الـمُضمرَ الـمَسكوتَ عنه –بخلاف ذلِك- يُمكنُ أن يُقيّدَ المثالَ التالي: “هذا الثّوبُ يُناسبُك إلى حدّ الرّوعَةِ، ماأجملَه إذ يُبدي جسمكِ نَحيفاً!هذا لفظُ المثال الظّاهِرُ، ولكن يَختفي وراءَ مَعنى المدحِ والثّناءِ تَعريضٌ بالـمُتحدَّث عنها، من طَرْفٍ خَفيّ. (“إذا زعمتُ لكِ أنّكِ جميلةٌ عندَما تَبدينَ أنحفَ جسماً بهذا الثّوبِ، فلكي ألـمّحَ إلى أنّك في الواقعِ بدينَةٌ». ومهما تكنْ الدلالاتُ الصريحةُ والدّلالاتُ الضّمنيّةُ متمايزَةً ومتناقضةً فإنّهما معاً تُسهمانِ في فهمِ الرّسالة، وأنّ التّفكيكَ الكاملَ لهذه الرّسالَة (من قِبَل المتلقّي) يستلزمُ منه إعادةَ تركيبِ الطّبقتَيْن معاً، من غيرِ أن يَختارَ إحداهُما على الأخرى» (فوشFuchs, 1996: 19, 20 ).

الـمَلفوظُ-المثالُ 2:

أذاعَت قَناةُ التّلفزةِ الفرنسيّة الخامسَة الدّوليّة (TV5 internationale) (7 على 7،يوم 12 مارس عام 1995) حَديثَيْن أدلى بهِما إدوارد بالادور (Edouard Balladur)6 مُختَلفَيْن من حيثُ القيمة التّداوليّة؛ فهو عندَما صرَّح بقولِه: «أعِدُ بفرنسا دولةً قويّةً ومزدهرةً، موحَّدةً وحرّةً»، فإنّما جاءَ كلامُه، على حدّ مُصطلحاتِ أوستين، حديثاً إنجازياً. ويَعْني هذا أنّ بالادور يفعَلُ شيئاً، يُنجزُ شيئاً (أي يَعِدُ) بمجرَّدِ فعلِ التّلفّظ. ومعنى ذلكَ أنّ هذا الحديثَ لا يصفُ الحدثَ (لأنّ وصفَ الحدثِ يَصدُقُ على الحديثِ التّقريريّ) بل هو الحدثُ عينُه (عندَما نقولُ إننا نَعِدُ بشيءٍ فمعنى ذلكَ أنّنا نعِدُ بكلّ شيء). أي إنّ المتكلّمَ (بالادور) بمجرّد التّلفّظِ بحديثِه هذا، يستحيلُ علينا أن نُقدّرَ بخصوصِ حديثِه ما إذا وُفِّقَ أم لا؛ لأنّ التّوفيقَ يتعلّقُ ببعضِ شروطِ تحقيق الفعلِ وليسَ يتعلّقُ بالتّلفّظِ ذاتِه.

ومن وجهةِ نظرٍ أخرى نجدُ أنّ “بالادور” عندَما يُتابعُ كلامَه بقولِه: «لَن تأتيَ العوائقُ من جهتي» فإنّما يتعلّقُ الأمرُ في تصريحِه هذا – في الوقتِ نفسِه – بظاهرةٍ تداوليّةٍ. ومن ثمّ فإنّ الإشكالَ الـمُثارَ، بالإضافَة إلى قضيّةِ الـمُضمرات والتّضميناتِ، هو الاقْتضاءُ (présupposition)؛ أي إنّه حيثُما وُجِدَ طرفٌ موضوعٌ مُثْبَت (le posé) وُجدَ طرفٌ مُستلزمٌ (le présupposé). ولْنبسّطْ هذا المفهومَ بالرّجوعِ إلى فاشز (Fuchs) :

«يُعدُّ المضمونُ الـمُضمَرُ مُستلزَماً إذا كانَ يقتضيه الشّكلُ ذاتُه من أشكالِ بعضِ العباراتِ اللغويّةِ» فوشFuchs, 1996: 18 )،ولا يتعلّقُ حُضورُ العنصرِ الـمُستلزَمِ ببعض الشّروطِ الـمُعيّنةِ مثلَما يتعلّقُ حُضورُ العنصرِ الـمُضمرِ بتلك الشّروطِ.

وفضلاً عن ذلكَ يَتساءَلُ إيكو (Eco) عن سببِ اللّجوءِ إلى الاستلزامِ: «إنّ وحداتِ الإخبار لا تستطيعُ أن تكونَ  جميعاً خاضعةً للقانون الواحدِ ولا أن تكونَ بالأهمّيةِ ذاتها […]، وبمعنى آخَرَ تكونُ بعضُ المعلوماتِ مُضمرةً في عُمقِ الخطاب، بينما تكونُ معلوماتٌ أخرى –على وجه الخُصوصِ- مُظهَرةً […] وليسَت الاستلزاماتُ إلاّ عُدّةً من بين كثيرٍ من الأجهزةِ والوسائلِ اللّغويّة التي تُتيحُ التّوزيعَ الهرميّ للمدلول» (إيكو (Eco, 1992: 311, 312 .

ولْنعُدْ إلى الجزء الثاني من الـمَلفوظ/الـمِثال لنؤوِّلَه ونفسّرَه في ضوءِ هذه الشّروحِ :

1) الموضوع أو الـمُثبَت (le posé): يَعِدُ المتحدّثُ بشيءٍ و يُثْبِت أنّه لن يكونَ سبباً في العَرقلَة، أو بعبارةٍ أخرى لن يكونَ مُعيقاً في تحقيقِ فعلِ البناءِ «لفَرْنسا قويةٍ ومزدهرةٍ، موحّدةٍ وحرّةٍ»،

2) المستلزَم (le présupposé) : يستلزمُ كَلامُ المتحدِّث أنّه ستوجَدُ عوائقُ أمامَ عزمه على تحقيقِ فعلِه الإنجازيّ الذي هو “الوَعْد” ، وأنّ  نجاحَه سيتوقَّفُ حتماً على أهميةِ العَوائقِ: وهذا مَعنى مُضمَرٌ مُتضمَّن غيرُ مذكورٍ،

3) الـمُضمرُ الـمَسكوتُ عنه الأوّلُ (1)، يُلمّحُ المتحدِّثُ تلميحاً (أو يُضمرُ) إلى أنّ العَوائقَ مصدرُها /الآخَرون/، من غيرِ أن يُصرِّحَ بهم أو يذكُرَ أسماءَهم

4) الـمُضمرُ الـمَسكوتُ عنه الثاني (2)، يبدو الـمُتحدّثُ كأنّه يُضمرُ ما يلي: «قد يحدُثُ ألاّ ألتزمَ بالوَفاءِ بوَعدي، وأنا مِن الآن أنبّهكم (ضمناً لا تصريحاً حتّى لا أُفْزِعَكم) إلى أنّ العَوائقَ المحتمَلَةَ التي تأتي من الآخَرين (المعنى الـمُستلْزَم) هي التي قد تُعرّضُني للفَشَل (معنى مُضمر)». و لْـــنُشِـــرْ مباشرةً إلى أنّ المتحدّثَ لا يتكلّمُ بصراحةٍ عن حضورِ /الآخَرين/ (/الـمُعارِضين/) ولا عن احتمالِ حُدوثِ /فشلٍ/؛ لأنه بكلّ تأكيد يجدُ هذه الكلماتِ أشدَّ إثارةً للقلقِ إذا تلفَّظَ بها بصراحةٍ. فليست إلاّ معلوماتٍ مُختفيةً داخلَ الخطابِ. 

إنّ “الموضوعَ الـمُثْبَت” و”المستلْزَم” الـمُسجَّلَيْـنِ داخلَ البنية اللّغويّة (مع الإشارَة إلى أنّ الـمُستلزَمَ أقلّ إضماراً من الـمَسكوتِ عنه)، والعناصرَ المسكوتَ عنها، تَقودُنا إلى التّفكيرِ -الـمُحيط الجامعِ- في دلالةِ هذا الـملفوظِ وقصدِ الـمتكلِّم من اللّفظِ به.

ويظهرُ لنا أنّه من الـمُمكنِ بمَكانٍ أن الـمُتحدِّثَ (بالادور) كانَ على وعيٍ بصعوبةِ إنجازِ وعدِه، وأنّه لم يُردْ أن يَتحمّلَ وحدَه مسؤوليةَ /فَشَل/ مُحتَمَل، وقد أضافَ على الفورِ كلاماً بعدَ وعدِه الغَليظِ؛ لإنذارِ مُواطِنيه بالعوائقِ الـمُحتَمَلَة التي يُحدثُها /الآخَرون/ وليسَ هو الذي يُحدثُها. أمّا في حالةِ ما إذا وقَع /فشلٌ/ فسيتخلّصُ هو من جميعِ الـمَسؤولياتِ،وسيتملَّصُ من كلِّ التَّبِعاتِ، وسيدَّعي حينئذٍ أنه بَذَل ما في وُسعِه، فإن لم يَفِ “بالوَعْد” فـلأنّ العوائقَ التي أحدَثَها /الآخَرون/ هي المسؤولةُ عن الفَشَل وعن عَدمِ الوَفاءِ بالوعدِ.***5- خاتمـــة :يتبيّنُ لنا في خاتمةِ الحديثِ عن النّظريّةِ التّداوليّةِ –من خلالِ المثالَيْنِ الـمُفسِّرَيْن- أنّ التّداوليّاتِ تُعالجُ في الأساسِ، موضوعَ مُنجِزي الكَلامِ (تلفّظاً وتأويلاً) وعَلاقتهم باللغةِ. وبناءً على هذا الغرضِ تَستدعي التّداوليّاتُ مَجالاتٍ لسانيّةً عدّةً، غير أنّها تظَلُّ جزئياً على هامشِ ميدانِ اللغةِ الملموسِ والجليّ والعلميّ؛ ذلك لأنّ إدراكَ الدّلالةِ الدّقيقةِ لرسالةٍ لفظيةٍ ما وتَمييزِها (من قِبَل المخاطَبينَ)، وخاصّةً إذا تعلّقَ الأمرُ بالتّضمينِ والإضمارِ، قضيةٌ تأويليّةٌ في الـمَقامِ الأوّل، ومَيْدانٌ عارضٌ غيرُ مُستقرٍّ. وممّا يجعلُ مهمّةَ الباحثِ التّداوليّ أحياناً مهمّةً متقلّبةً متغيّرةً، أنّ مَبلغَ التأثيرِ الطّارئ على الـمُتَحاوِرينَ، والتّأويلَ الجيّدَ(لميدانِ الـمَعاني الـمُضرَة الـمَسكوتِ عنها) الـمَبنيَّ في هذا الاتّجاه؛ ليسا واضحَيْن دائماً وليسا صالحَيْن في كلّ الأحوالِ.

وهذا أمرٌ مؤكَّدٌ لا يُمكنُ إنكارُه؛ لأنّ تأويلَ الـمَعاني الـمُضمرَة ودرجةَ التأثيرِ الحاصلِ في الـمُخاطَبِ، أمرانِ مرتبطانِ ارتباطاً قوياً بخصائصِ كلِّ مؤوِّلٍ، وخَصائص كلِّ حالةٍ من حالاتِ التّواصُل، وكلِّ ظرفٍ من ظروفِ الكلامِ .وكما توجدُ حالاتٌ لا يَكونُ فيها التأويلُ التّداوليّ صحيحاً ولا مَعقولاً، إلاّ في ظروفٍ ومَقاماتٍ مُحدّدةٍ، تأتي بالقَدر نفسِه حالاتٌ يَكونُ فيها فكُّ رُموزِ رسالةٍ مُضمَرةٍ ما، وفهمُها بدقّةٍ، أمراً مُفضياً -من غيرِ جدالٍ- إلى واقعٍ جليّ ونتيجةٍ مَعقولةٍ؛ لأنّه على الرّغمِ من أنّ أفكارَ كلّ متكلّمٍ وأحاسيسَه ذاتُ جانبٍ فرديّ خاصٍّ (غَير عُرفيّ)، نجدُ بَني البَشَر عُموماً وأفرادَ مجموعةٍ لغويّةٍ معيّنةٍ عندَما يُنجزون أقوالَهم ويُنظّمونَها فإنّهم يَتقاسَمونَ بعضَ المواقفِ والأوضاعِ (العُرفيّة الـمُتّفَق عليها) وبعضَ الأنساقِ الذّهنيّة، في عَلاقتهِم باللّغةِ. وهذا ما يُفسّرُ لنا لِـــمَا كانَت الجُهودُ التّداوليّةُ نَفيسةً متميّزةً وستظلُّ كذلِكَ ما دامَت تَسعى إلى البحثِ عن الكلّيّاتِ والـمَبادئِ العامّةِ عندَ تَفكيكِ الأقوالِ الـمُضمرَة وتَقديرِها، مَع أخذِ مواقفِ المتكلّمينَ وعاداتهم بعينِ الاعتبارِ. وسَيكونُ من السّائغِ الـمُباحِ التّذكيرُ في نهايةِ هذا الـمَقالِ بأنّ اللّسانيّاتِ والدّلاليّاتِوالتّداوليّاتِ كلّها في خدمةِ مَيدانٍ واسعٍ ذي اختصاصاتٍ مُشتركةٍ (interdisciplinaire) يُسمّى « تَحْليل الخِطاب »

الهوامش  :

1- عنوان المقال في الأصل:La Pragmatique et l’Impliciteنُشر في مجلة:Synergies Turquie n° 1 – 2008 pp. 153-159الكاتبة: إيدجيكوركوت،EceKorkutأستاذة باحثة لسانية من جامعة أنقرَةHacettepe-Ankara متخصصة في التداوليات وتحليل الخطاب، لها مؤلفات وبُحوثٌ ومقالات عديدةٌ، منها:- Pour apprendre une langue étrangère, 2004- Pour comprendre et analyser les textes et les discours: Théories et applications, 2009- La valeur thymique: Euphorie – dysphorie, 2011(المترجم)

2-علاقة اللغة بالتداوليات: تطورَت اللسانياتُ التّداوليّة على أساس نظرية أفعال الكلام، وتَرى هذه النّظريّةُ أنّ وظيفة الكلام لا تقلُّ عن تَسهيلِ الأفعال وَتَيسيرِها (المعرفَة من أجل الفعل، حسَب قاعِدَة روجر بيكون)، وقد طوّرَ جون سيرل، الفيلسوف الأمريكيّ ، اللّسانياتِ التّداوليّةَ ، داخلَ دائرة اجتهاد أستاذه أوستين. (المترجم)

3- شارل موريس Charles W. Morris(1901-1979). تَقومُ مُقاربةُ موريس السيميائيّةُ على تَقسيمِ السّيميائياتِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: التّركيب، والدّلالَة ، والتّداوليّات، وقد اقترَحَ في كتابه الأول “أسس نظرية العَلامات” (Foundations of the Theory of signs) تقسيماً ثلاثياً للعَلامةِ السّيميائيةِ: اتجاه العَلامَة (sign vehicle) والـمُعيَّن أو الـمُشار إليه (designatum) والمؤوِّل (interpreter). من مؤلفاته:- Foundations of the Theory of Signs (1938).- Signs, Language, and Behavior (1946)- Signification and Significance (1964)- Writings on the General Theory of Signs (1971)- The Pragmatic Movement in American Philosophy (1970)- Six Theories of Mind- Logical Positivism, Pragmatism, and Scientific Empiricismمعلومات مأخوذة من موقع: wikipedia , the free encyclopedia(المترجم)

4- أمبرتو إيكوUmberto Ecoالفيلسوف والسيميولوجيوالروائي الإيطالي المشهور، ولد سنةَ 1932، أستاذ كرسي السيميائيات ومدير المدرسة العليا للعلوم الإنسانية ببولونيا، من أهم اهتماماته العلمية اللسانيات والهرمنوطيقا أو التأويليات والإبستمولوجيا أو المعرفيات والإستطيقا أو الجماليات والأدب، من أهم مؤلفاته:Le Nom de la rose – Le Pendule de FoucaultSémiotique et Philosophie du langage – Lector in fabula- Les Limites de l’interprétationتأثر بأرسطو و توماس الإكويني و شارلز أندرس برس وكارل بوبر…المعلومات مُستفادَة من الأكاديمية الملكية للعلوم والآداب والفنون الجميلة ببلجيكا (المترجم)Académie royale des sciences, des lettres et des beaux-arts de

Belgique.5-  جون أوستينJohn Langshaw Austin (1911-1960)، الفيلسوفُ الإنجليزيّ، صاحبُ نزعة الفلسفة التحليلية، والمهتم بقضية المعنى من الزاوية الفلسفية، والمَشهور بفلسفَة اللغة العادية philosophie du langage ordinaire، وَضَع نظريةَ أفعال الكلام actes du langage، التي تلقّفَها مِن بعدِه و طوّرَها جون سيرل ودانييل فانديرفيكن، ومن أشهر مؤلفاته:  How to do ThingswithWords (1962)المشهور في فرنسا بـ : Quand dire c’est faire، والمقصودُ بفعل الكلامacte de langage أنه وسيلةٌ يستخدمُها المتكلّمُ ليؤثّرَ في بيئته بكلماتِه: إنّه يَسعى إلى إخبارِ مُخاطَبيه أو حَثّهم أو سؤالِهم أو وَعدِهم…، بواسطةِ هذه الوسيلَة، فعل الكَلام. وقد طَوّرَ أوستين هذه النّظريّةَ المرتبطةَ بفلسفَةِ اللغةِ العادية، في كتابه [عندَما نَقولُ نفعلُ 1962]، ثمَّ طوّرَها من بعدِه جون سيرل. وتؤكّدُ نظريةُ “أفعال الكَلام” أنّ وراءَ المضمون الدّلالي للعبارات المُثبَتَة أي وراء المَعْنى المَنطقيّ المجرّدِ من سياقٍ واقعيّ، نجدُ أنّ المحاوِرَ عندَما يتوجّه بالخطابِ إلى مُخاطَبِه فإنّما يفعلُ ذلِك بنيّةِ فعلٍ شيءٍ ما وليسَ فقَط بقصدِ قولِ شيءٍ ما. فالقَصدُ التواصُليّ لفعلِ الكَلامِ يسعى إلى تحقيقِ فعلٍ وتأثيرٍ باللغةِ، في المخاطَبِ. وهناكَ شتّى الأنواعِ التي يُمكنُ عَدُّها من صميمِ أفعالِ الكَلامِ كالإخْبارِ والاستنتاجِ وضربِ المثالِ والتَّقْريرِ والالتماسِ والاعتراضِ والدّحضِ والقَبولِ والنُّصْحِ والتَّمييزِ والتأثيرِ والمبالَغَةِ والاستهزاءِ والسّخريّةِ والتّطمينِ والتّصغيرِ والتّقويمِ. فالتّعرفُ على فعلِ الكلامِ يُفيدُ في تأويلِ الرسالَةِ اللغويّةِ الـمُتلقّاةِ من المتكلّمِ، ومُجاوَزَة ظاهرِ المَعنى الذي تدلُّ عليه، فقولُك للمُخاطَب: لقَد بَلَغني أنّك حصلتَ على الشهادَة، يحتملُ أنّ الـمُتكلّمَ يقصدُ إلى تهنئةِ الـمُخاطَب أو التأكّدِ من حُصول الحَدَث أو السخريّةِ من تأخّرِ نَيْله للشهادَة أو يقصدُ مجرَّدَ الإخبارِ .

أمّاجون سيرل فقَد طوّرَ نظريّةَ أفعالِ الكَلامِ في العشرينَ سنةً الأخيرَة وجَمَعَ نظراته وتحليلاته في آخرِ كتابٍ أصدرَه في الموضوع سنَةَ 2008، وهو كتابُ: الفلسفة في قرن جديد :John R. Searle. Philosophy in a New Century: Selected Essays. Cambridge University Press.2008وقَد حرَصَ في فصول الكتابِ على الربطِ بينَ ثلاثِ فلسفاتٍ كانَت متباعدةً من قبلُ، هي: فلسفة العَقل، وفلسفة اللغة، وفلسفة المجتمع.(المترجم)

6- إدوارد بالادوررجل سياسي فرنسي من أصول أرمينية وُلد بإزمير التركية سنة 1928، تولى أعباءَ الكتابة العامة للرئاسة الفرنسية سنة 1973، ثم أصبحَ وزيرا للدولة، ثم الاقتصاد، ثم عُيّنَ سنةَ 1993 وزيراً أولَ عندما نجَحَت قضية “الوحدة من أجل فرنسا”، ثم استقر في عضويته البرلمانية وفي رئاسته للجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني حتى سنة 2007 

الــمَراجع :

Austin  J.L. 1970 pour la version française. Quand dire c’est faire. Paris. Editions du Seuil, coll. Essais.

Blanchet Ph. 1995. La Pragmatique. D’austin à Gauffman. Paris. Bertrand-Lacoste.

Eco U. 1992 pour la version française. Les Limites de l’intérpretation. Paris. Bernard Grasset, coll. Le Livre de poche, série Biblio/essais.

Fuchs Ch. 1996. Les ambiguïtés du français . Paris. Editions Ophrys, coll. L’Essentiel Français

Kerbrat-Orecchioni Ch. 1986. L’implicite. Paris. Armand Colin, coll. Linguistique.

Maingueneau D. 1996. Les Termes de l’analyse du Discours. Paris. Editions du Seuil, coll. Memo, Lettres.

Meyer M. 1993.Questions de rhétorique. Paris. Librairie générale française,Le Livre de poche, coll. Biblio, Essais.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق