مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

البُحوثُ الجامعيّةُ وأزمةُ الروابط اللّغويّة والفكريّة

أزمةُ كثيرٍ مِن البُحوث الجامعيّةِ المُنجَزَة اليومَ، أزمةُ رَبطٍ، وأزمة تعبير، وأزمةُ إحالَة :

–  فهي أولاً أزمةُ رَوابطَ منطقيّةٍ وفكريّةٍ وما يَتلوها من رَوابطَ لغويّةٍ ونحويّةٍ وتركيبيّةٍ… وتَظهر مَعالمُ أزمةِ الروابطِ في خُروجِ البحثِ إلى القارئِ مُفكَّكاً مُضطرباً يَحتاجُ إلى كثيرٍ من الرَّقعِ والجَبْرِ والـتّرميمِ، لأنّ الباحثَ قَد يفتقرُ إلى القُدرةِ على تطبيقِ مَفهومِ “النّصّ المتماسكِ لغةً المنسجمِ فكراً“. ومن الروابط اللغوية النحويةِ حُروف المَعاني على كثرتها وكثرة المصادر التي فَصَّلَت في التعريفِ بها وبوظائفها، ومن الروابطِ المُبْهَماتُ كالضمائر ووظائفها الإحالية، وأسماء الإشارَة بأنواعها المختلفَة وأسماء الموصول وأسماء الشرط وحروفها، وأسماء الاستفهام وحروفها، وأدوات النفي  وغيرها، وأدوات العطف والاستئناف والابتداء والاستدراك والتأكيد والاعتراض، وسائر الأدوات ذات الوظائف التركيبية والبلاغية.

– وهي أزمةُ روابطَ منطقيةٍ وفكريةٍ، وكلّ الروابط والأدوات التي تضمن تسلسُلَ الأفكار وتعلقَ بعضها ببعض بعلائقَ السببية أو الظرفية أو التمييزية أو التفصيلية أو الإجماليّة، وكل رابط منطقي في عالَم الفكر يُناسبُه رابط لغويّ دقيق في عالَم التركيب والنحو.

–  وهي أزمةُ عبارةٍ وتعبيرٍ وانتقاءٍ للأصلح من الكلماتِ والجُمَلِ، وأزمةُ عَجزٍ عن تحقيق التناسُب بين الألفاظِ بما يُعربُ عن التناسب بين المَعاني والأفكارِ والمَفاهيم، واختيار الكلمة الأقرب إلى المعنى واجتناب الأبعد. فإذا خَلا البحثُ من الروابط بنوعَيْها سَقَطَت منه صفة البحث العلميّ وصفة النصية المترابطة المُتسقَة.

– ومن أزمة الروابطِ ربطُ الإحالاتِ بمصادرها ومَراجعِها المُشارِ إليها في الحواشي، فلا تكادُ تجدُ القولَ معزواً إلى صاحبِه على وجه الضبط والدّقّة والتثبُّت، بل تجد النصَّ مُتصرَّفاً فيه تصرُّفاً يُفسدُه ويُخرجُه عن قصده، فإذا قرأه كاتبُه أنكَرَه.

يتساهلُ الناسُ في شروط نصّيّة البَحث ويستسهلونَها زاعمينَ أنّها أمورٌ شَكليّاتٌ لا على الطّالبِ إذا تَهاونَ في حَقِّها، فسقَطَت حُرمةُ كثير من البُحوث، ونَزَلَ السقفُ إلى أسفلَ، حتى استوَت البحوثُ الجيّدةُ القليلةُ والبحوث الرديئة في مَنح لَقَب القيمةِ العلميّة، في توزيع الميزات والتنويه غيرِ المُستَحَقِّ وما يترتّبُ من حُقوقٍ …

أمّا المُشرفونَ على البُحوث فقَد أتعبتهم المُتابعَةُ، ولو أنهم أنفقوا العُمر كلَّه لإصلاحِ ما خطَّته أقلام الباحثينَ لتحوَّل البحثُ تحولاً جذرياً ولانقلبَ رأساً على عقبٍ ولاستحقَّ أن يُنسبَ إلى مصحِّحه لا إلى كاتبِه الأوّل، ولا ننسى أنّ الباحثينَ يتلقَّونَ تداريبَ عديدةً طيلةَ سِني البحث والإعداد، ويُنَبَّهونَ على المزالقِ ويَلفتُ انتباهَهُم المُشرفون في مجالس التكوينِ إلى وُجوبِ اتخاذ ما صُحِّحَ أنموذجاً يُقاسُ عليه ما لم يُصححْ، فليست العبرةُ باستدرار شهاداتِ الحضورِ بقدر ما هي في استثمار مَجالس العلم والإفادَة منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق