البحث عن جذور الإسلام المتسامح في القارة الأوروبية
لمياء قدور مؤلفة كتاب "امرأة ألمانية مسلمة" تدق ناقوس الأمل للأقليات الإسلامية
تدعو الباحثة الألمانية، ذات الأصول السورية لمياء قدّور، في كتابها الجديد "امرأة ألمانية مسلمة" إلى تفسير الإسلام تفسيرًا معاصرًا، وسط تحذيرها من مخاطر الرفض الجماعي للإسلام في ألمانيا، وتضيف الباحثة أنه لكي يحافظ الإسلام على أهميَّته في عصرنا الحاضر، يجب على المرء البحث عن تفسير جديد لمبادئه.
وقد تكون هذه الفكرة، بمثابة الأرضية المؤسسة التي تؤسس عليها الباحثة المختصة في العلوم الإسلامية ومعلِّمة التربية الدينية، في الأفكار التي تطرحها في كتابها الذي صدر بعنوان رئيسي "امرأة ألمانية مسلمة" وبعنوان فرعي منهجي "طريقي إلى إسلام يناسب العصر".
(صدر الكتاب عن دار النشر "بيك فيلاغ" بمدينة ميونخ الألمانية. الطبعة الأولى 2010.)
والكتاب في الواقع، عبارة عن خليط مكوَّن من ذكريات شخصية وأفكار وملاحظات فقهية ودعوة سياسية، حيث تقوم لمياء قدّور بصياغة تصوّرها عن مفهوم الإسلام الذي يتناسب مع الحاضر الألماني.
وهي تتقصى الأسباب التي جعلت غالبية المسلمين في ألمانيا لا يفهمون دينهم حتى الآن بمثل هذا الفهم الحديث والمستنير، كما أنَّها تعدِّد العقبات التي تقف حسب وجهة نظرها في طريق تحقيق هذا التصوّر، حسب ما جاء في قراءة أعدتا الناقد الألماني أولريش فون شفيرن، ونشرت مؤخرا في موقع "قنطرة" الإلكتروني.
ولدت لمياء قدّور في عام 1978 في مدينة آلن الألمانية في مقاطعة شمال الراين فيستفاليا، وتنتمي إلى جيل الشباب المسلمين الذين لم يعودوا يعرفون ثقافة بلد آبائهم وأمَّهاتهم وتقاليدهم وكذلك أيضًا تصوّراتهم عن الدين إلاَّ من القصص، وليس من خلال تجاربهم الخاصة.
وبذلت المؤلفة ما في وسعها من أجل دراسة دينها دراسة واعية، وأخيرًا تخصَّصت في دراسة العلوم الإسلامية. وبعد أن عملت طيلة أعوام مدرِّسة لمادة التربية الإسلامية في مدرسة أساسية وكذلك في مدرسة ثانوية وبعد أن عملت أيضًا في مجال التربية الدينية، شاركت في جامعة مونستر في إقامة حلقتين دراسيتين لتدريب رجال الدين المسلمين وتأهيل معلمي مادة التربية الإسلامية.
ولكنها لم تصبح معروفة في كلِّ أنحاء ألمانيا إلاَّ في العام 2008، وذلك من خلال مشاركتها في إعداد كتاب بعنوان "سفير" يعتبر أوَّل كتاب مدرسي ألماني لتدريس مادة التربية الإسلامية في ألمانيا، وكذلك من خلال مشاركتها في إصدار كتاب يحمل عنوان "القرآن للأطفال والبالغين"؛ وهذا الكتاب يُقابل بالكثير من المديح ولكنه يعتبر موضوع جدال لدى ممثِّلي الجمعيات الإسلامية في ألمانيا.
ولمياء قدّور التي تعدّ مسلمة متديِّنة ولكنها عصرية. ومعلوم أنه في النقاش الألماني الدائر حول الإسلام يوجد الكثير من النقَّاد وخاصة الناقدات ممن ينطلقون من تجاربهم السلبية الخاصة في كتب غالبًا ما تكون شخصية للغاية، ليرسموا صورة للإسلام تغلب عليها جرائم الشرف والزواج القسري وعمليات الختان وتشويه الأعضاء التناسلية، وهم يخدمون بذلك وعن طيب خاطر الأحكام المسبقة الموجودة لدينا.
وعندما تقوم مؤلفة في النهاية بتحرير نفسها من قيود الإسلام وتجد في الغرب ملجأ، يستطيع كلّ قارئ ألماني أن يشعر قليلاً بأنَّه منقذ.
وتقدِّم لمياء قدّور قراءتها طبقًا لطرق التحليل النقدي التاريخي على أنَّه من الممكن للمرء أن يحلّ الكثير من التناقضات الظاهرة بين الدين والحداثة، وذلك من خلال وضع الأحكام القرآنية المناسبة ضمن سياقها التاريخي والموضوعي والكشف بذلك عن معناها الحقيقي.
ومن الواضح أنَّ لمياء قدّور سعت إلى تقديم عرض سهل القراءة وقريب من الواقع، إذ إنَّها تضمِّن كتابها الكثير من القصص الصغيرة التي أخذتها من الحياة اليومية لأسرتها ذات الأصول السورية ومن حياتها هي كمعلمة لمادة التربية الإسلامية.
وهنا يدور ذات مرة في أثناء تقطيع البقدونس نقاش حول طبيعة الله، وفي أثناء احتساء القهوة الحلوة تتم محاربة الخرافات، كما أنّهاَ تدع تلاميذها وآباءهم يتحدَّثون بإسهاب، ما يقدِّم للقارئ نظرة حسنة على تفكير المسلمين الألمان الشباب.
وفي الفصل الأخير من كتابها نجد أشياء كثيرة مما تطلبه لمياء قدّور من المجتمع الألماني وكذلك أيضًا من أفراده المسلمين لا تبدو غريبة أو جديدة تمامًا.
ولكن مع ذلك فهي محقة عندما تشير إلى أنَّ الرفض الجماعي للإسلام لا يقدِّم أي حلّ، مثلما هي الحال مع تمسّك المسلمين بتقاليدهم وإصرارهم عليها، وذلك لأنَّ الإسلام سوف يبقى دائمًا في ألمانيا ولأنَّ تكيّف المسلمين مع المجتمع الألماني إلى حدّ ما يعتبر أمرًا حتميًا. وفي النقاشات التي تتم إثارتها حاليًا يبدو أحيانًا أنَّه من الضروري في الحقيقة تكرار سرد مثل هذه البديهيَّات مرة أخرى.