وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

الاجتهاد الفقهي من الاستنباط إلى التنزيل: فقه تحقيق المناط نموذجا

تمهيد

إذا كان فقه التنزيل هو الصلة بين أحكام الشريعة وأفعال المكلفين، وكذا بينها وبين ذوات الأشياء وصفاتها، فإن تحقيق المناط هو أحد أهم سبل ذلك الوصل وأبرز خطواته المنهجية مما يكاد يرقى به إلى درجة الأصل الكلي في منهج التنزيل. ذلك أن مجرد حصول الحكم الشرعي متصورا في الذهن، لا يرشحه لأن يؤول إلى التفعيل بصفة تلقائية مباشرة نظرا لأنه يكون كليا عاما، والوقائع المراد التنزيل عليها تكون جزئية مشخصة، وهذا يستدعي اعتماد خطوة منهجية وسيطة ضامنة لحسن التطبيق، وهي التحقيق في مناطات الحكم من جهة صورها الجزئية لمعرفة ما تتوفر فيه دواعي تنزيله عليها مما لا تتوفر فيه.

إن تحقيق المناط بهذا المعنى هو آخر المراحل التي يقطعها الناظر في اتجاه الربط بين النص والواقع؛ لأن عمله يقوم على أساس تعيين صلاحية المحل لتنزيل المقدمة النقلية عليه، وإذا تبين من خلاله أن المحل فرد من أفراد الصورة الكلية للحكم، فإن مقصود الخطاب يتعلق به ويلزم تنزيل الحكم على وفقه. والتحقيق هو آخر مراحل التنزيل؛ لأنه مسبوق بتحديد متعلق الحكم تنقيحا أو تخريجا، والذي بموجبه يتم استخلاص الحكم واستخراجه من دليله التفصيلي.

ـ كما أن تحقيق المناط من شأنه أن يكفل ديمومة الشريعة الإسلامية وقدرتها على استيعاب سائر ما يستجد من الوقائع والنوازل والحوادث؛ “وذلك لما علم قطعا من أن النوازل والحوادث في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد، ويعلم –قطعا- أنه لم يرد في كل حادثة نص، ولا يتصور ذلك أيضا، والنصوص إذا كانت متناهية –وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى– علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار، حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد[1].”

ومنه فإن المجتهد لا يمكن أن يستغني عن عملية تحقيق المناط كلما أراد أن يكشف عن حكم الشريعة في الوقائع الجديدة. فهو إما أن ينظر في مدى تحقق معنى القاعدة التشريعية الكلية في الواقعة المعينة، أو أن يقيس فيلحق النازلة بأصل قد تقرر حكمه سابقا نظرا لاشتراكهما في علة واحدة وتساويهما في مناط مشترك، والأمران معا لا يمكن تحققهما بمعزل عن تحقيق المناط.

ووعيا بأهمية تحقيق المناط وعلاقته بالحفاظ على استمرارية شمول الشريعة واستيعابها لحياة المكلفين، فقد ذهب الإمام ابن تيمية إلى أن الاجتهاد فيه لابد منه، وأنه مما اتفق عليه المسلمون، بل هو مما اتفق عليه المسلمون والعقلاء أيضا؛ لأنه لا يمكن أن ينص الشارع على حكم كل واقعة وشخص، وإنما يتكلم بكلام عام[2]. ويبقى عمل المجتهد ضروريا لتبين مدى انتظام الجزئيات والأفراد المعينة في معنى ذلك العام أو عدم انتظامها فيه، وهذا لا يتم إلا بتحقيق المناط.

ـ أن تحقيق المناط ليس مهما في مواجهة المستجد من الوقائع فحسب، ولكنه ضروري أيضا للنظر في الوقائع التي علمت أحكامها من قبل. فالتقليد لا يجدي أي شيء حينما يكتفي اللاحقون بما سبق أن حققه السلف من مناطات الأحكام؛ وذلك على اعتبار “أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة، تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وكل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وليس ما به الامتياز في المعينات والصور المستأنفة معتبرا في الحكم بإطلاق، فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل[3].”

وبذلك تبرز أهمية التبصر المتجدد من طرف المجتهد بالواقع الذي يكتنف الواقعة محل الحكم الشرعي سواء كانت جديدة في ذاتها أم لم تكن كذلك؛ لأنها في الحالتين معا مصوغة بحسب الواقع الذي يلابسها ومتأثرة بالغ التأثر به؛ إذ هو المجال الذي تتشكل فيه الظروف والأحوال والحيثيات التي قد تجعل لبعض المكلفين وضعا خاصا ومختلفا يتميزون به عن سائر المكلفين الآخرين، وإن كانوا يشتركون معهم في مناط عام واحد.

ـ أن تحقيق المناط يعتبر من أهم الوسائل التي ينبغي أن يعول عليها المجتهد لتطبيق أحكام الشريعة على أرض الواقع ولإنزالها من حيز التنظير والتجريد الذهني المحض إلى ميدان العمل والمشاهدة حتى تصير مجسدة في حياة المكلفين؛ ذلك لأن “الأحكام الشرعية تتسم بالعموم والتجريد: أما تجريدها، فلأنها تقع في الذهن متعلقة بمدركها، وأما عمومها، فلأنها لا تختص بواقعة معينة أو شخص معين بالذات، بل تشمل هذه الأحكام المكلفين على الإطلاق والعموم، فالحكم التكليفي قبل مرحلة تطبيقه عام مجرد[4].”

ومن هنا يتضح أن النظر في الأحكام يحتاج إلى البحث عن مفرداتها وجزئياتها ولا يكفي الوقوف على ما تتضمن من معنى كلي؛ لأن الاكتفاء بهذا الوقوف وحده يبقيها حبيسة للتصور الذهني المجرد ويعزلها عن أداء وظيفتها التكليفية التي بنيت على أساس منها. وهذا المعنى هو ما عبر عنه الشاطبي بقوله: “ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد [يقصد تحقيق المناط] لم تنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الذهن؛ لأنها مطلقات وعمومات، وما يرجع إلى ذلك منزلات على أفعال مطلقات كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة فلا يكون الحكم واقعا عليها إلا بعد معرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق، أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلا وقد لا يكون، وكله اجتهاد[5].”

ـ أن أهمية تحقيق المناط غير مقصورة على الفقيه والمجتهد فحسب، وإنما هي شاملة لعموم المكلفين أيضا؛ وهذا ما أشار إليه الشاطبي بقوله: “فهو؛ [أي تحقيق المناط] لابد منه بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومفت، بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه[6].” فتحقيق المناط، إذن، ليس منه بد حتى بالنسبة للعوام، ووجه إلزامهم به راجع إلى أنه الوسيلة التي تمكنهم من الامتثال الصائب للتكليف؛ إذ المكلف محتاج باستمرار إلى أن ينزل أفعاله على وفق ما تقضي به أحكام الشريعة وإلا لم يكون ملتزما فعليا بالتشريع، “فإذا سمع العامي، مثلا، أن الزيادة الفعلية في الصلاة سهوا من غير جنس أفعال الصلاة أو من جنسها، إذا كانت يسيرة فمغتفرة، وإن كانت كثيرة فلا، فوقعت له في صلاته زيادة، فلابد له من النظر فيها؛ حتى يردها إلى أحد القسمين، ولا يكون ذلك إلا باجتهاد ونظر، فإذا تعين له قسمها، تحقق له مناط الحكم[7].”

فالتكليف، إذن، من دون تحقيق للمناط تكليف بالمحال من حيث إن الامتثال لا يمكن أن يتم إلا بعد المعرفة بالمكلف به، والمعرفة بالمكلف به لا تكون إلا بعد تحقيق المناط، فهو شرط إمكان الامتثال، وفقده يؤدي إلى رفع هذا الإمكان. ومنه يمكن اعتبار تحقيق المناط من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به؛ لأن التكليف لا يتم إلا به.

ـ أن إغفال تحقيق المناط وعدم اعتباره عند إرادة تنزيل الأحكام على الوقائع مظنة حصول الحرج في الدين بالنسبة لمن ينزل عليه الحكم، ومظنة حصول التحريف لمراد الله في حكم الواقعة المعينة بالنسبة لمن ينزل من طرفه الحكم.

فمن دون تحقيق للمناط “يمكن أن يقع تنزيل الأحكام على غير ما وضعت له، أو على أكثر مما وضعت له، أو على أقل مما وضعت له، ويمكن أن يقع تعطيل الحكم مع وجود محله ومناطه[8].” وبيان ذلك أن إجراء الحكم في الواقع على أفراده المعينة دون نظر في مدى تحقق مناط ذلك الحكم فيها قد يفضي إلى تنزيله على أفراد مشتبهة في الظاهر بأفراده، دون أن تكون في حقيقة الأمر مندرجة ضمنها، كما قد يؤدي إلى تنزيل الحكم على كل أفراده بما فيها تلك التي تتضمن ملابسات خاصة أو تنطوي على أعذار تخرجها من انطباق الحكم عليها. وقد ينتج عن إغفال تحقيق المناط أيضا صرف للحكم عن سائر أفراده الحقيقية أو عن بعضها بحيث تخرج عن مجال تطبيقه.

وإضافة إلى هذه النتائج المترتبة عن تجاوز تحقيق المناط فقد نبه الشاطبي إلى نتيجة أخرى بالغة الخطورة، حيث عد البدعة ناشئة عن هذا السبب في كثير منها، فهي من “تحريف الأدلة عن مواضعها، بأن يرد الدليل على مناط، فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهما أن المناطين واحد وهو من خلفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله[9].” ومعلوم أثر البدعة البالغ في تحريف أحكام الدين وإفساد تدين المسلمين، وربطُ الشاطبي للبدعة بعدم تحقيق المناط على هذا المستوى يجعل مرتبته كمرتبتها من حيث إنها ضلالة، وهو ربط له وجهه على اعتبار أن تحقيق المناط يضبط عملية الاجتهاد في تنزيل الحكم على الواقع، وعدم الالتزام به يحيد بعملية الاجتهاد هذه عن أحد أهم ضوابطها، فتخرج بذلك من حدود الشرعية إلى فوضى البدعية.

مفهوم تحقيق المناط

تعددت أقوال الأصوليين ومناهجهم في التعريف الاصطلاحي لتحقيق المناط، وتنوعت بحسب ما يراه كل واحد منهم في طبيعة المناط الذي ينبغي البحث عن تحققه في الجزئيات. وذلك على النحو التالي:

المعنى الأول

تدور جملة من التعاريف الأصولية لتحقيق المناط على كونه بيان وجود العلة، بعد ثبوتها، في صورة من الصور، أو فرع من الفروع. ومن ذلك تعريفه بأنه “تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع[10].” أو “أن ينص الشارع على الحكم والعلة فيحقق المجتهد العلة ويثبت الحكم بها في الفرع[11].” أو أنه “النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها بنص أو إجماع[12].” أو أنه “النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها، وسواء كانت معروفة بنص أو إجماع أو استنباط[13].”

وبالنظر إلى هذه التعاريف يتبين أنها تتفق في الدلالة على أن تحقيق المناط هو بيان وجود العلة في الفرع، وأن وجه الاختلاف بينها إنما هو في تحديد ما يعد من العلة المعتبرة، فاشترط التعريف الأول أن يكون متفقا عليها، وهذا الشرط فيه تضييق على اعتبار أن هناك العديد من العلل التي اختلف الأصوليون في تعيينها ورغم ذلك بحثوا في تحقيقها في آحاد الصور، كاختلافهم في تعيين علة تحريم ربا الفضل في الأصناف المطعومة الأربعة: البر والشعير والتمر والملح.

أما التعاريف التي بعده فقد تنوعت بين ما يشترط في العلة أن تكون مستفادة من النص، أو من النص والإجماع، أو من النص والإجماع والاستنباط.

المعنى الثاني

مدار هذا المعنى على أن تحقيق المناط هو بيان وجود الحكم الكلي المأخوذ به أو المنهي عنه، والمعنى الذي تضمنه المأمور به أو المنهي عنه، في آحاد الصور[14].” وبموجبه فإن المعنى الذي يراد تحقيقه إما أن يكون مقتضيا لمشروعية الحكم ابتداء من الشارع، وإما أن يكون للمعنى الذي تضمنه مدلول الأمر أو النهي وهو المأمور به، أو المنهي عنه أو المحكوم به، بحيث إذا حقق حصل المطلوب أو الإجزاء.

مثال الأول قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الهر: “إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم.” فقوله صلى الله عليه وسلم: “إنها من الطوافين” هذا هو المعنى المقتضي لمشروعية الحكم ابتداء، فينظر أين يوجد الطواف، فأي محل وجد فيه قيل تحقق فيه المناط.

ومثال الثاني قوله تعالى: ﴿يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ (المائدة: 97)؛ فالمعنى المقتضي لمشروعية الحكم ابتداء هو قتل الصيد، والحكم هو الجزاء، أما المعنى الذي تضمنه المحكوم به فهو المثل، فينظر أين توجد المثلية، فأي محل وجدت فيه قيل تحقق المناط فيه المناط المأمور به أو المحكوم به، فحصل به المطلوب وصار مجزئا. فالمثلية ليست علة لثبوت الجزاء وإنما علة لكون الجزاء مجزئا.

المعنى الثالث

من التعاريف الأصولية ما يجمع في تحديده لمعنى تحقيق المناط بين مدلولين، فيجعله شاملا لبيان وجود المعنى الذي في القاعدة الكلية في صورة جزئية، وشاملا أيضا لبيان وجود العلة الثابتة في الأصل بنص أو إجماع في الفرع. ومن ذلك ما ذهب إليه ابن قدامة والطوفي من أن تحقيق المناط هو أن تكون القاعدة الكلية متفقا عليها، أو منصوصا عليها ويجتهد في تحقيقها في الفرع، وهو أيضا ما عرف علية الحكم فيه بنص أو إجماع فيبين المجتهد وجودها في الفرع باجتهاده[15]. ومن هذه التعاريف أيضا ما جاء في شرح مختصر الروضة من أن تحقيق المناط هو إثبات علة حكم الأصل في الفرع، أو إثبات معنى معلوم في محل خفي فيه ثبوت ذلك المعنى[16].

ويتفق هذان التعريفان في الدلالة على شمول تحقيق المناط لوجود القاعدة الكلية في صورة جزئية، وبيان وجود العلة في الفرع، وذلك لأن قوله في المعنى الثاني: “إثبات معنى معلوم” يقابل التعبير بلفظ القاعدة الكلية؛ لأن القاعدة قد تضمنت المعنى. والمراد بالقاعدة الكلية هو الحكم الكلي المأمور به أو المنهي عنه والمعنى الذي تضمنه المأمور به، أو المنهي عنه. وبتفسير القاعدة الكلية على هذا النحو يكون هذا المعنى الذي فسر به تحقيق المناط شاملا للمعنيين الأول والثاني.

المعنى الرابع

ومداره على تفسير تحقيق المناط بما يشمل بيان وجود المعاني أو المدلولات في موارد تطبيقها؛ أي بيان وجود المتعلق في الأنواع والأعيان. والمتعلق يكون علة أو سببا أو شرطا مانعا للحكم، أو معنى تضمنه الحكم المأمور به، أو المنهي عنه، أو معنى تعلق به لفظ التعريف، أو اللفظ العام، أو المطلق، وله أفراد ينظر في اندرجها تحته. ثم إن ذلك كله يكون في نصوص الشارع أو المجتهد أو المكلف من قاعدة أصولية أو فقهية أو ألفاظ آحاد المكلفين، فتكون مندرجة في هذا التعريف؛ لأنها في معنى ألفاظ الشارع من حيث كيفية العمل بها وتفسيرها، وربطها بمحالها ومواضع تطبيقها.

وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشاطبي كما يدل على ذلك استقراء ما جاء من كلامهما في هذا المجال. حيث يرى الأول في بيان تحقيق المناط أن الحكم معلق بوصف يحتاج في الحكم على المعين أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه[17]. ويقول في معرض تقديمه مثالا عن ذلك: “ومن هذا الباب لفظ الربا فإنه متناول كل ما نهي عنه من ربا النسأ وربا الفضل، والقرض الذي يجر منفعة، وغير ذلك، فالنص متناول لذلك كله، لكن يحتاج إلى معرفة الأنواع والأعيان في النص إلى ما يستدل به على ذلك، وهذا الذي يسمى تحقيق المناط[18].”

ولا يقف كلامه عند حد جعل تحقيق المناط بيانا لوجود المتعلق في الأنواع والأعيان فحسب، وإنما يعلل وجه الحاجة إلى ما يستدل به لمعرفة دخول تلك الأنواع والأعيان بأن الأحكام الجزئية من حل هذا المال لزيد، وحرمته على عمرو، لم يشرعها الشارع شرعا جزئيا وإنما شرعها شرعا كليا، مثل قوله تعالى: ﴿وأحلّ الله البيع وحرم الربا﴾ (البقرة: 274) (…) وهذا الحكم الكلي ثابت سواء وجد هذا البيع المعين أو لم يوجد، فإذا وجد بيع معين أثبت ملكا معينا، فهذا المعين سببه فعل العبد، [فـ] الشارع لم يحكم عليه في المعين بحكم أبدا، مثل أن يقول: هذا الثوب بعه أو لا تبعه، أو هبه أو لا تهبه، وإنما حكم على المطلق الذي إذا أدخل فيه المعين حكم على المعين [19].

وبالنظر إلى هذه النصوص المستشهد بها من كلام ابن تيمية، يتبين أن مفهوم تحقيق المناط عنده يتخذ بعدا أوسع وأشمل من المعاني المذكورة في التعاريف السابقة، والتي حصرته في معنى واحد أو معنيين وضيقت من مشمولاته. ونجد نفس المنحى لدى الشاطبي، فكلامه يفيد أيضا توسيع مدلول تحقيق المناط لديه، حيث ذهب في تقرير معناه إلى القول: “تحقيق المناط (…) معناه: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله، وذلك أن الشارع إذا قال: ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ (الطلاق: 2) وثبت عندنا معنى العدالة شرعا، افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة (…) فهذا مما يفتقر إليه الحاكم في كل شاهد[20].” فالتحقيق عنده بهذا المعنى مستوعب لتعيين محل كل حكم ثبت بمدركه الشرعي بإطلاق؛ أي بغض النظر عن ماهية ذلك المدرك، وبأي سبيل حصل، وبأي دليل تأتى.

وكما كشف ابن تيمية عن وجه الحاجة إلى بيان اندراج المحل بأنواعه وأعيانه في الحكم الكلي فقد بين الشاطبي وجه الحاجة إلى ذلك أيضا فأوضح أن الحكم الشرعي يحصل في الذهن كلياً، والمطلوب أن يطبق على أفراد الأفعال والصور وهي جزئية مشخّصة، وهي أيضاً متشابهة ومتداخلة. وفي ذلك يقول: “الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وليس ما به الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق، ولا هو طردي بإطلاق، بل ذلك منقسم إلى الضربين، وبينهما قسم ثالث يأخذ بجهة من الطرفين، فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل[21].

 ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد؛ [أي تحقيق المناط] لم تتنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الذهن؛ لأنها مطلقات، وعمومات وما يرجع إلى ذلك منزلات على أفعال مطلقات كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنما تقع مشخصة، فلا يكون الحكم واقعا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق، أو ذلك العام[22].

ضوابط تحقيق المناط

1. الخلفية المعرفية

إن تحقيق المناط ليس عملا متحررا من أي ضابط، وإلا كان محض اتباع للرأي المجرد، وتقول مبني على الهوى. وتظهر الحاجة لضبط عملية التحقيق بناء على سببين اثنين:

فيما يخص السبب الأول؛ فإن المشتغل بالحكم الشرعي لابد أن يكون عمله ملتزما بالضوابط المنهجية بدءاً من النظر في النص لاستخلاص الحكم، ومروراً بالتحقق من وجود مناطه في الواقعة، وانتهاءً بتنزيله على الواقع، وذلك نظرا للمقام الذي أقيم فيه. فهو حين يصدر الحكم الشرعي يكون مخبرا عن الله تعالى ومخبرا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وموقعا للشريعة على أفعال المكلفين بحسب ما يفضي إليه اجتهاده. فهو شارع من وجه سواء فيما هو منقول عن صاحب الشرع أو فيما هو مستنبط من ذلك المنقول. وقد نبه الشاطبي إلى ذلك بقوله: “إن المفتي شارع من وجه؛ لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغا، والثاني يكون فيه قائما مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق، بل القسم الذي هو فيه مبلغ لابد من نظرة فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام، وكلا الأمرين راجع إليه فيه، فقد قام مقام الشارع أيضا في هذا المعنى[23].”

أما السبب الثاني؛ فهو راجع إلى أن النصوص الشرعية حين ترد على مناطات حادثة تصير دلالتها ظنية، مما يستدعي مزيدا من التحري والضبط عند تنزيلها على الواقع، وضبط تحقيق المناط من أهم المداخل التي ينبغي اعتبارها في هذا المقام. وبيان ذلك أن “النصوص الشرعية إن وردت على مناطاتها الموجودة عصر التنزيل كانت مترددة بين القطع والظن تبعا لما يصاحبها من قرائن. أما إذا وردت على المناطات الحادثة، فإن النصوص مهما كانت قطعية في دلالاتها على مسمياتها وأحكامها، فإن تواردها على القضايا المستجدة قد يخفف من قطعيتها فيها. فالوقائع الجديدة لا تسمى جديدة إلا أن تتميز بتوابع تستقر في مناط الحكم فلا تكون منطبقة انطباقا كليا مع الوقائع التي نزلت عليها النصوص؛ إذ لو انطبقت عليها لكانت إياها ولم تكن جديدة[24].” فعدم الانطباق مضافا إليه خفة القطع مظنة الوقوع في الغلط ما لم يكن عمل المجتهد خاضعا للضوابط.

2. الخلفية المنهجية

يتم التحقق في مراتب تحقيق المناط بحسب ما وضعه العلماء لتقنين عملية الاجتهاد من ضوابط تستدعي الجمع بين التمكن من الأدوات الشرعية وتوفر عدد من الملكات النفسية والمواهب الإنسانية؛ إذ لابد لمن يشتغل بهذا المجال أن يكون “عارفا بكتاب الله (…) ويكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله (…) ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا[25].”

ومنه فإن تحقيق المناط يستدعي أولا المعرفة بالنص، والفهم الدقيق له وتمثله في الذهن تمثلا جيدا، ويستدعي بعد ذلك توفر مجوعة من الملكات والاستعانة بعدد من الوسائل التي تكفل الإحاطة التامة بالواقعة محل الحكم لاستنباط علم حقيقة ما وقع. ويتحقق ذلك من خلال:

أ. الاستعانة بالقرائن والأمارات المحيطة بالواقعة

ومثاله اعتبار التشريح أمارة على تحقيق مناط القتل العمد من حيث إن الوفاة حصلت بجناية أو لا، واعتبار الحمل قرينة تحقق مناط الزنى لمن هي غير ذات زوج.

ب. اعتبار الإقرار والبينة واليمين

وهي من وسائل تحقيق المناط في مجال القضاء وغيره.

ج. اعتبار العرف من حيث كونه وسيلة لتطبيق الشريعة وتنزيل الحكم

والعرف بهذا المعنى ذو علاقة بأدلة الشريعة وكذا بأفعال المكلفين. وبحسب الاعتبار الأول يكون مورده على الأدلة الشرعية التي يرجع تحديد مصداقها الخارجي ومن ثم تحقيق المناط فيها إلى المكلفين الذي ينزلونها على واقعهم تبعا لأعرافهم. ومثال ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “للنساء رزقهن وكسوتهم بالمعروف” وقوله أيضا: “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف”. فنفقة الزوجة والأولاد هو مما يرجع إلى المكلفين تقديره وفقا لما هو متعارف بينهم وموافق لمقاصد الشارع في التقدير[26].

وبحسب الاعتبار الثاني يكون مورده على أفعال المكلفين بغاية تفسير تصرفاتهم وألفاظهم والتصحيح لتقديراتهم قبل إدراج ذلك كله تحت أدلة الشريعة. ومثاله أن المتعاقدين إذا اختلفا في تقدير قيمة السلعة التالفة يكون المرجع إلى السوق ويتم الاحتكام إلى ما يعتبره التجار قيمة للسلعة[27].

د. اعتبار دلالة الحواس

فهي من أهم مداخل تحقيق المناط باعتبارها أداة الملاحظة الأولية للواقعة المراد تنزيل الحكم عليها. ومن نماذج كون الحواس وسيلة لتحقيق مناطات الأحكام أن الإهلال مناط لوجوب الصوم والرؤية مناط تحقيق الإهلال، وأن الذوق وسيلة لتحقيق مناط بقاء الماء على أصل خلقته وعدم تغير طعمه وهذا هو مناط صحة الوضوء به.

ﻫ. اعتبار نتائج العلوم الخارجة عن دائرة علوم الشريعة وإفادات المتخصصين فيها

ذلك أن الاطلاع على تفصيلات الواقعة وظروفها والتعرف على طبيعتها قد يحتاج في الغالب إلى تقرير وإفادة من طرف خبراء متخصصين في الحقول الطبية والاجتماعية والإنسانية وغيرها، من أجل تكوين تصور دقيق وتام عن كل متعلقات تلك الواقعة؛ لأن الحكم على الشيء لا يكون إلا بعد اكتمال تصوره في الذهن. في مرآة معينة، وكون الزوال مناط وجوب صلاة الظهر والحساب الفلكي أحد مناطات تحقيقه.

ويرد في هذا المقام تساؤل عن مدى اشتراط درجة الاجتهاد في هذه التخصصات بالنسبة لمن يقوم بتحقيق المناط. وجوابه أن المجتهدين درجات، أعلاها أن يكون عالما بهذه الوسائل بالغا فيها مبلغ الاجتهاد. ويليه في المرتبة أن يكون عالما بها، دائم الاطلاع على ما استجد دون أن يكون قادرا على الاجتهاد فيها. ثم يليه بعد ذلك أن يكون غير عالم بها لكنه يعرف احتياجه لها، ويرجع في الاستفادة منها إلى المختصين ويعمل بمشورتهم. وفي بيان هذه المراتب يقول الشاطبي: “هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالما بها مجتهدا فيها، وتارة يكون حافظا لها متمكنا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف إلا أنه عالم بغاياتها وأن له افتقارا إليها في مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته، فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يعتد بها في نيل المعارف المذكورة[28].”

و. حضور شرط التقوى وإخلاص القصد لله وحده

وهذا ضابط مهم من حيث كونه يساعد المحقق للمناط على الالتزام بالضوابط السابقة والإنصاف في استعمالها من دون تعسف أو ترخص، كما يساعده على إحسان الموازنات والترجيحات والاختيارات ويهديه لما اختلف فيه من الحق.

من خلال ما سبق يتضح أن عملية تحقيق المناط عملية منضبطة غير متسيبة، فهي خاضعة لمعايير معينة تكفل التعرف الدقيق على الواقعة المطلوب تحديد مدى تحقق المناط فيها..

الاختلاف في تحقيق المناط وأثره في تنزيل الأحكام الفقهية

لما كان تحقيق المناط عملا اجتهاديا بالأساس كان هامش مجانبة الصواب فيه واردا؛ إذ أن كل عمل اجتهادي عمل بشري محض، وهو من هذا الباب محتمل للصواب والخطأ بالضرورة. وتزداد قوة هذا الاحتمال وإمكان رجحان الخطأ فيه في عمل اجتهادي من قبيل تحقيق المناط، مما يستدعي تسييجه بالضوابط على النحو الذي تم بيانه في المطلب الرابع.

وكشأن أي اجتهاد قابل للصواب وخلافه، فإن تحقيق المناط عرضة لحصول الاختلاف فيه من قبل القائمين به، وتزداد أسباب هذا الاختلاف قوة بالنظر إلى طبيعة التحقيق نفسه؛ فهو من جهة عمل تتداخل فيه حيثيات متعددة وتتشابك على النحو الذي تم بيانه في المطلب الخامس الخاص بالأنواع، وهو من جهة أخرى عمل يشتغل على المتغير والنسبي، مما يجعل الاختلاف فيه أشد من الاختلاف في الاستنباط من النصوص الثابتة؛ إذ العمل على النصوص تعقل من نسبي لمطلق، بينما التحقيق تنزيل نسبي لذلك المتعقل النسبي. وإذا كانت هذه هي الأسباب النظرية العامة الرافدة للخلاف في التحقيق، فإن هناك أسبابا خاصة أكثر عملية تحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل.

ثم إن هذا الاختلاف التحقيقي من شأنه أن يجر اختلافا على مستوى آخر هو الاختلاف في الحكم التنزيلي على المحل موضوع التحقيق، وذلك نظرا لأن تحقيق المناط هو المرحلة النهائية من الاجتهاد التنزيلي والشق الإنجازي من العمل الفقهي، والاختلاف فيه هو اختلاف في نتائجهما معا. وهذه الخلاصة النظرية تحتاج إلى برهنة وتدعيم بالنماذج والأمثلة التطبيقية، وتحتاج أيضا إلى مزيد توضيح لفرزها عما يشتبه بها من اختلاف أصله في تحديد المناط وليس في تحقيقه.

1. أسباب الاختلاف في تحقيق المناط

إن من شأن الالتزام بضوابط تحقيق المناط أن يخفف من حدة الاختلاف فيه دون أن ينفيه؛ إذ يمكن أن تلتزم عملية التحقيق بالضوابط الموضوعة لها، ومع ذلك يستمر اختلاف الناظرين في مدى تحقق مناط الحكم في المحل المعين أو عدم تحققه. وتناول تحقيق المناط بما هو نظر في المناط من جهة تحققه في المحل يفسح المجال لتصنيف أسباب الاختلاف إلى أسباب متعلقة بالناظر، وأسباب متعلقة بالمناط، وأخرى متعلقة بالمحل.

أ. أسباب الاختلاف المتعلقة بالناظر

إن الاختلاف في تحقيق المناط من جهة الناظر يرجع بالدرجة الأولى إلى المحقق المجتهد دون المحقق المكلف؛ لأن الأول يبقى مصدرا للخلاف مهما التزم بالضوابط، بينما يرتفع الخلاف الحاصل من جهة الثاني بمجرد التزامه بها كما تبين في الحديث عن تحقيق المناط الظاهري والحقيقي. ووجه استمرار الاختلاف الحاصل من جهة المجتهد هو التفاوت في مقدار التمرس بالصنعة الفقهية وكذا في تحصيل الملكة الاجتهادية؛ إذ ليس كل المجتهدين في ذلك سواء. ذلك أن الاجتهاد استفراغ للوسع، والوسع في الناس مختلف، وأن الملكة “كيفية للنفس بها يتمكن من معرفة جميع المسائل، يستحضر بها ما كان معلوما مخزنا منها ويتحسب ما كان مجهولا[29]” وحضور الكيفيات في النفوس مختلف أيضا.

وإذا كان هذا التفاوت بين المجتهدين قائما بدرجات مختلفة، فإنها متحققة بشكل أقوى بين النبي، صلى الله عليه وسلم، وغيره من المجتهدين وخاصة فقهاء الصحابة كما هو الشأن في قضية  حاطب بن أبي بلتعة.

فعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا ِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: الْكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ” “فَإِنَّهُ قَدْ كَفَر قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ”  فَقَالَ النَّبِيّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت  قَالَ حَاطِبٌ: “وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ  وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” “وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا” “وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ” “مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ” “وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام” “أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ” “فقلت: أكتب كتاباً لا يضر” أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ  أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ  أَعْلَمُ.[30]

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه: ﴿يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة﴾ (الممتحنة: 1)[31].”

2. أسباب الاختلاف المتعلقة بالمناط

يعد الاختلاف في المناط الوارد من جهة اشتباهه أو استشكاله من أهم أسباب الاختلاف في تحقيقه. وبيان ذلك كالآتي:

أ. ما يشتبه فيه المناط

يمكن أن يقع الخلاف من جهة اشتباه المناط على المجتهد هل هو ظاهر الأسماء والأشكال أم هو ما وراءها من معان وأوصاف.

ومن الأمثلة الفقهية المعاصرة المثيرة للنقاش، الاختلاف في جواز التصوير الفوتوغرافي حيث تعلق المحرمون بلفظ أو بمناط التصوير بناء على الأحاديث الواردة  بالوعيد  للمصورين مثل ما رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: “إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون[32].”

وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقال: “من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور[33].”

حيث ذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إلى التحريم؛ لأن “التصوير الفوتوغرافي الشمسي من أنواع التصوير المحرم، فهو والتصوير عن طريق النسيج والصبغ بالألوان والصور المجسمة سواء في الحكم، والاختلاف في وسيلة التصوير وآلته لا يقتضي اختلافاً في الحكم، وكذا لا أثر للاختلاف فيما يبذل من جهد في التصوير صعوبة وسهولة في الحكم أيضاً، وإنما المعتبر الصورة فهي محرمة وإن اختلفت وسيلتها وما بذل فيها من جهد[34]. وهذا ما ذهب إليه أيضا  الشيخ ابن باز والشيخ محمد على الصابوني، وفي المقابل نجد المبيحين لا يتعلقون باللفظ.

ومن الذين ذهبوا الى جواز هذا النوع من التصوير عدد من العلماء منهم الشيخ محمد  العثيمين، رحمه الله، والشيخ صالح اللحيدان والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم.

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً وليس للإنسان أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير، وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله، عز وجل، بواسطة هذه الآلة فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة، إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله.

ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية، فإن هذه الصور التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً والناس يعرفون أن هذه كتابة الأول والثاني ليس له أي فعل فيها ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم فإنه يكون حراماً تحريم الوسائل[35].

ويبين الإمام الطاهر بن عاشور وجه الفصل في هذه المسألة بما يرفع الخلاف الوارد من جهة الاشتباه في المناط ويرفع من ثم الخلاف الحاصل بناء على ذلك في تحقيقه، حيث يوضح كيف أن مجرد التسمية لا يكون مناطا للحكم؛ إذ الأسماء، إنما تدل على مسمى ذي أوصاف هي مناط الأحكام، فالمنظور إليه هو الأوصاف خاصة. وفي ذلك يقول: “حق الفقيه أن ينظر إلى الأسماء الموضوعة للمسمى أصالة أيام التشريع وإلى الأشكال المنظور إليها عند التشريع من حيث أنها طريق لتعرف الحالة الملحوظة وقت التشريع لتهدينا إلى الوصف المرعي للشارع، (…) ولذلك فإن الأسماء الشرعية، إنما تعتبر باعتبار مطابقتها للمعاني الملحوظة شرعا في مسمياتها عند وضع المصطلحات الشرعية، فإذا تغير المسمى لم يكن لوجود الاسم اعتبار[36].”

ب. ما يستشكل فيه المناط

يمكن أن يقع الخلاف من جهة استشكال المجتهد للمناط وعدم اتضاحه وذلك بتزاحم أكثر من مناط في المسألة الواحدة، ومن شأن ذلك أن يفضي إلى الاختلاف في التحقيق.

ومن الأمثلة المعاصرة التي أثارت صخبا ونقاشا حادا إلى درجة الاستهزاء والسخرية ما ذهب إليه أخيرا الدكتور عطية رئيس قسم الحديث  بجامعة الأزهر  بجواز رضاع الموظف من لبن الموظفة التي تشتغل معه بنفس المكتب تحقيقا للمحرمية من الرضاع ورفعا لحرج الخلوة والتخفف من اللباس  بناء على  جواز رضاع الكبير اعتمادا على ما ورد عن مالك في الموطأ “فلما أنزل الله في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل، فقال تعالى: ﴿اَدعوهم ءلابائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم﴾ (الأحزاب: 5) رد كل واحد من أولئك إلى أبيه، فإن لم يعلم أبوه رد إلى مواليه، فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر من لؤي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل، وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (فيما بلغنا): أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها. وكانت تراه ابنا من الرضاعة[37].

فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في رضاعة سالم وحده. لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد. فعلى هذا كان أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، في رضاعة الكبير، فتردد المناط بين مطلق المخالطة وبين المقيدة بالتبني.

3. أسباب الاختلاف المتعلقة بالمحل

إن من شأن الأحوال التي تعتري المحل أن تسهم في إحداث الاختلاف في تحقيق المناط ومن ثم الاختلاف في الحكم التنزيلي الذي يتوصل إليه المجتهد. ومن أهم الأسباب المتعلقة بالمحل ما يعتوره من تغير صورته بتغير الأعراف أو بأخذ الواقعة شبها من ناحيتين، وتفصيل ذلك كالآتي:

أ. تغير الأعراف

إن من أسباب اختلاف الفقهاء عند تحقيقهم للمناط اختلاف الأعراف التي يبنى عليها الحكم وما يستتبعه من اختلاف في توجيه دلالة النصوص، من ذلك قبض المبيع حيث يختلف الحكم بتحققه  حسب العرف فقد جرى بأن يحصل القبض فيما ينقل كالثياب والحيوان بنقله وفيما يتناول كالاثمان والجواهر بتناوله إذا لعرف فيه ذلك[38].

ب. أخذ الواقعة شبها من ناحيتين

إن من أسباب الاختلاف في تحقيق المناط تردد الواقعة بين طرفين وضح في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحد الطرفين والنفي في الطرف الآخر، بحيث لا يمكن الجزم بأن المسألة تلحق بجانب دون الآخر. ومثال ذلك زكاة الحلي. حيث انفرد الأحناف بالقول بوجوب الزكاة في الحلي مطلقا، وفي الذهب والفضة. والمالكية “بوجوب الزكاة في الذهب والفضة إذا كان نقدا، أما إذا كانت مصاغة للزينة أو كانت حليا فلا زكاة عليه، سواء كانت الصياغة محرمة (…) أو جائزة[39].” أما الشافعية والحنابلة فقد اتفقوا في الراجح عندهم مع المالكية في القول بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباحة، وخالفوهم في المحرم أو المكروه وقالوا بوجوب الزكاة فيه[40].

ويظهر أن سبب الاختلاف هنا مرتبط بالمحل وعلى ماذا ينبغي قياسه، فالحلي تتردد بين طرفين وضح في كل منهما قصد الشارع، فلقد أجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في النقدين؛ لأنهما معدان للتعامل والثمنية بخلقتهما، كما أجمعوا على عدم وجوب الزكاة في العروض المرصودة للاستعمال المباح كأثاث البيت وغير ذلك؛ لأنها فقدت المعنيين اللذين تجب بسببهما الزكاة، وهما الثمنية والتعامل؛ أي التجارة.

أما الحلي فأخذت وصفا واحدا من النقدين وهو الثمنية، ولكنها فقدت وصف التعامل باستعمالها للزينة، كما أنها شاركت العروض التي لا تجب فيها الزكاة في وصف القنية وخالفتها في أنها ثمن بأصل خلقتها. فالذين غلبوا الثمنية قالوا بوجوب الزكاة في الحلي، والذين غلبوا الاستعمال والقنية قالوا بعدم وجوب الزكاة.

أثر الاختلاف في تحقيق المناط على الاختلاف في التنزيل

إن من أبرز الأسباب التي أورثت الخلاف بين الفقهاء عند تنزيل الأحكام اختلافهم في عملية تحقيق المناط، وذلك حين يتفقون على أصل واحد ويختلفون في مدى تحققه وانطباقه على بعض الوقائع والجزئيات فتختلف حينئذ آراؤهم في حكم تلك الواقعة. ولابد في هذا المقام من التمييز بين أثر الاختلاف في المناط على التنزيل وأثر الاختلاف في تحقيقه على التنزيل نظرا لما قد يحصل بينهما من التباس، ذلك أن “التمييز بين الاجتهاد في استنباط الحكم وفهم المشروعية والاجتهاد في تحقيق المناطات أمر شائك في أرض الواقع؛ لأن التطبيق لا يكون إلا مع الفهم، ويراد من الفهم التطبيق فيتأثر أحدهما بالآخر؛ ولأن كل تحقيق مناط مرحلة قبلية في فهم أصل المشروعية وتكييف الحكم الشرعي ومن هنا يحدث خلط كبير لدى بعض الباحثين فينسبون ما هو من الفهم إلى التحقيق وينسبون ما هو من التحقيق إلى الفهم[41].”

ويكتسي هذا التمييز أهمية بالغة بالنظر إلى أن هناك من “يبنون على هذا التصور المعكوس قواعد فكرية تتعلق بالنص والحكم، فالمجاورة والملابسة الشادة بين الأمرين أدى ببعضهم إلى القول بأنه قد يجوز في تحقيق المناط ما لا يجوز في الاستنباط، وأدى بآخرين إلى إساغة تأويلات غير صحيحة لنصوص قطعية بحجة أنها تحقيق مناط في الواقع المعاصر[42].”

 1. الاختلاف التنزيلي الذي سببه الاختلاف في المناط

ويرد هذا النوع من الاختلاف حين يحقق طرف في فرع مناط أصل، ويحقق طرف آخر فيه مناط أصل آخر. ومثال ذلك حكم ما إذا أنتج المغصوب عند الغاصب، فادعى به عيبا حادثا. بحيث يذهب الطرف الأول إلى أن المغصوب إذا أنتج عند الغاصب، فادعى الغاصب أن النتاج ولد بهذا العيب وهو عيب حادث، كان القول قول المالك في نفي ولادته معيبا؛ لأن الأصل السلامة ودوامها. في حين يذهب الطرف الثاني إلى أن المغصوب إذا أنتج عند الغاصب، فادعى الغاصب أن النتاج ولد بهذا العيب، وهو عيب حادث، كان القول قول الغاصب؛ لأن الأصل براءة ذمته.

فالطرف الأول حقق في هذا الفرع مناط قاعدة: الأصل السلامة ودوامها. والطرف الثاني حقق فيه مناط قاعدة: الأصل براءة الذمة. وقد جر اختلاف المناطين الاختلاف في الحكم المراد تنزيله على الواقعة.

2. الاختلاف التنزيلي الذي سببه الاختلاف في تحقيق المناط

ويرد هذا النوع من الاختلاف حين يتحد الأصل المراد تحقيقه وتختلف الأطراف في عملية تحقيقه.

ونعود مرة أخرى الى مسألة حكم التصوير الفوتوغرافي ومدى تحقق مناط المضاهاة الذي ارتبط به التحريم بالنص مثل ما ورد في الحديث القدسي: “ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي…[43].”

وقوله صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله[44].”

فالمحرمون تعلقوا بتحقق المضاهاة ومثال ذلك ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: فإن التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه، فهو مثله في علة المنع وهي إبراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر[45].

وقال أيضا: “بل الضوئي أشد فتنة من المجسم فإنه يأتي بشكل الأصل أتم وأكمل من غيره[46].”

بينما جمهور المعاصرين ذهبوا إلى الإباحة لانتفاء المضاهاة:

ـ تحقيق المناط  هو آخر المراحل التي يقطعها الناظر في اتجاه الربط بين النص والواقع..

ـ تحقيق المناط من شأنه أن يكفل ديمومة الشريعة الإسلامية وقدرتها على استيعاب سائر ما يستجد من الوقائع..

ـ المجتهد لا يمكن أن يستغني عن عملية تحقيق المناط كلما أراد أن يكشف عن حكم الشريعة في الوقائع الجديدة..

ـ أن النظر في الأحكام يحتاج إلى البحث عن مفرداتها وجزئياتها ولا يكفي الوقوف على ما تتضمن من معنى كلي..

ـ أهمية تحقيق المناط غير مقصورة على الفقيه والمجتهد فحسب، وإنما هي شاملة لعموم المكلفين..

ـ إغفال تحقيق المناط عند إرادة تنزيل الأحكام على الوقائع مظنة حصول الحرج في الدين لمن ينزل عليه الحكم، و حصول التحريف لمراد الله في حكم الواقعة المعينة لمن ينزل من طرفه الحكم.

  فمن دون تحقيق للمناط “يمكن أن يقع تنزيل الأحكام على غير ما وضعت له، أو على أكثر مما وضعت له، أو على أقل مما وضعت له.

 الهوامش


1. الشهرستاني، الملل والنحل، القاهرة: مطبعة محمد علي الصبيح، 1/199-200.

2. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم مكتبة المعارف الرباط، 13/11، 22/330.

3. الموافقات، تحقيق عبد الله دراز المكتبة التجارية الكبرى مصر، 4/189.

4. محمد فتحي الدريني، الفقه الإسلامي المقارن مع المذاهب، ط2، دمشق، 1986، ص38.

5. الموافقات، م، س، 4/93.

6. المصدر نفسه.

7. المصدر نفسه.

8. أحمد الريسوني، الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة، بيروت: دار الفكر المعاصر، 2000، ص64.

10. الشاطبي، الاعتصام، تحقيق عبد الرزاق المهدي، بيروت: دار الكتاب العربي، 1996، 1/249.

11. شهاب الدين القرافي، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، تحقيق طه عبد الرءوف، بيروت: دار الفكر، د. ت. ص389.

12. ابن الجوزي، الإيضاح لقوانين الاصطلاح، تحقيق فهد بن محمد السدحان. مكتبة العبيكان الرياض ط1، 1991، ص35.

13. كمال الدين بن الهمام، التحرير مع شرحه التقرير، المطبعة الأميرية بولاق مصر 1316ﻫ، 3/192.

14. الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق عبد الرزاق عفيفي مؤسسة النور الرياض ط1، 1382ﻫ، 3/302.

15. الغزالي، المستصفى، تحقيق محمد سليمان الأشقر ط 1، بيروت: مؤسسة الرسالة، 2/230-231.

16. ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، تحقيق عبد العزيز عبد الرحمن السعيد ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،1977 ص277. وانظر: الطوفي، شرح مختصر الروضة، تحقيق عبد المحسن التركي ط مؤسسة الرسالة 1410ﻫ، 3/233.

17. شرح مختصر الروضة، م، س، 3/236.

18. مجموع الفتاوى، م، س، 2/886-890.

19. المرجع نفسه، 19/283- 284.

20. المرجع نفسه، 29/153- 154.

21. الموافقات، م، س، 4/89- 90.

22. المرجع نفسه، 4/92.

23. المرجع نفسه، 4/93.

24. المرجع نفسه، 4/245.

25. الاجتهاد في مورد النص، ص181، بتصرف.

26. ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق عبد الرحمن الوكيل دار الكتب الحديثة مصر  1969، 1/51.

27. مجموع الفتاوى، م، س، 22/329.

27. الموافقات، م، س، 4/118.

29. المرجع نفسه، 4/107–108.

30. صديق بن حسن القنوجي، أبجد العلوم: الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1978، 1/53.

31. رواه البخاري ومسلم.

32. مجموع الفتاوى، م، س، 7/523.

33. أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب عذاب المصورين يوم القيامة انظره في الفتح (10/496)، ومسلم كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان انظره في شرح النووي لمسلم، (14/77).

34. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية مصر 1380ﻫ،  (10/387).

35. فتاوى اللجنة الدائمة، (1/458).

36. فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعداد أشرف عبد المقصود، 1/152.

37. مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق محمد الطاهر الميساوي دار الفجر ودار النفائس ط1 1999، ص253-254.

38. رواه البخاري ومسلم.

39. انظر ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 29/448.

40. الشيخ الدردير، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ت، 1/460.

41. المجموع شرح المهذب، بيروت: دار الفكر، د. ت، 5/518– 519. وانظر: ابن قدامة، المغني والشرح الكبير، مكتبة الرياض الحديثة، 2/204-603.

42. نجم الدين قادر كريم الزنكي، الاجتهاد في مورد النص دراسة أصولية مقارنة، بيروت: دار الكتب العلمية، 2006، ص196-197.

43. المرجع نفسه.

44. أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب: نقض الصور. ومسلم في كتاب: اللباس.

45. أخرجه البخاري في اللباس، باب: ما وطئ من التصوير فتح الباري (10/400) ومسلم كتاب اللباس، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان.

46. مجموع فتاوى محمد بن إبراهيم، (1/458).

47. المرجع نفسه، (1/459).

الدكتور فريد شكري

• أستاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ المحمدية.
• عضو المجلس العلمي بالمحمدية.
• معد ومقدم برامج إسلامية بقناة اقرأ الفضائية.
• خريج دار الحديث الحسنية بالرباط.
• دبلوم الدراسات العليا في طرق إثبات مقاصد الشريعة.
• دكتوراه في موضوع فقه التنزيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق