مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ كتاب لبدر الدين مُحَمَّد بْن عبدالله الزركشي (ت794هـ)

لم تقتصر جهود العلماء على طرق موضوع عامة أصحاب النبي رضوان الله عليهم من جانب واحد، هو التعريف بهم وسرد مناقبهم وإبراز معالم سيرهم، بل أفرغ بعضهم جهودهم في تتبع دقائق أحوال بعض الصحابة واقتفاء آثار مروياتهم واستخلاص ما تميزوا من سعة العلم وكثرة المحفوظات ودقة الفهم وصواب الترجيح.

وأجل شخصية نالت اهتماما كبيراً من قبل العلماء المتقدمين والمتأخرين الذين لا تخلو كتاباتهم من الإشادة بها، وأفردت لها التآليف الكثيرة في بيان مناقبها عامة وإبراز ما وهبها الله من مزايا علمية كثيرة، هي شخصية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذه السيّدة العالمة كان لها أثر عظيم في تاريخ الإسلام، ملأت الدنيا وشَغَلَتِ الناس على امتداد الأزمنة والدهور، وما تزال آثارها إلى اليوم محط اهتمام العلماء والدارسين في مشارق الأرض ومغاربها، فهذه فتاواها العديدة المبثوثة في كتب الفقه تدرس في مختلف كليات الشريعة، كما اعتنى علماء الحديث بمروياتها من خلال دراسة مسندها، والانكباب على استخلاص فقهها، وتجلية فهمها الحسن للنصوص الشرعية، كما اهتم بأعمالها كلُّ دارس لتاريخ العرب والمسلمين.

كانت عائشة رضي الله عنها واسعة العلم بالحديث والتفسير والفقه والأنساب وأشعار العرب وعلى دراية بالطب، وامتازت بذهن متوقد وذكاء عال، وأوتيت قوة الحفظ وسرعة الاستذكار أهّلَاها ذلك إلى توسيع محفوظاتها من الأحاديث الكثيرة التي بلغ مجموعها 2210 أحاديث.

 وإن كبار الصحابة أدركوا عن قرب جليل علمها وسمو قدرها في المعارف التي حصلتها وهي تصحب النبي عليه الصلاة والسلام، وتعلم مواطن الأحكام وأسباب نزول الكثير من الآيات، فهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول في حقها: (ما أشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قطٌّ، فسألنا عائشةَ؛ إِلاَّ وجدنا مِنْهُ عِلماً)[1]، كانت بحقٍّ حاملة لواء العلم والمعرفة في عصرها، والنبراس الذي يهدي طريق أهل العلم وطُلّابه، كان يختلف إلى مجلسها جماعة من الصحابة، وكثير من التابعين والتابعيات؛ يستفسرونها عن عويص العلم ومُشْكِلِهُ، فتُجِيبُهُمْ جَوَاباً شافياً مشبعاً بدقة التحقيق؛ مما لا يتسنى تلقيه إلا لمن أدرك في العلم شأناً كبيراً.

وتجلية لمقام السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه، وإبرازا لمناقبها ومزاياها الخلقية، وتنويها بفضلها وسمو درجتها في العلم، وبيانا لما استدركته على جمع من الصحابة، بادر العلامة بدر الدين مُحَمَّد بْن عبدالله الزركشي (ت794هـ) إلى تصنيف كتاب جامع في بابه، قيم في موضوعه، جمع فيه ما تفرق في غيره من كتب الحديث، مما استدركته الصديقة عائشة رضي الله عنها على جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وسمى كتابه: (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَة). وعلى عادة المصنفين أفصح الإمام الزركشي في طالعة كتابه عن موضوع كتابه المفيد، موضحا أهم ما امتاز به جمعه لاستدراكات السيدة عائشة رضي الله عنها، مع التنويه بجميل صنيعه في هذا الكتاب، قائلا:

(وبعد؛ فهذا كتاب أجمعُ فيه ما تفرَّدَتْ به الصديقة رضي الله عنها، أو خالفتْ فيه سواها برأي منها أو كان عندها فيه سُنّة بَيِّنَة، أو زيادة علم متقنة، أو أنكرتْ فيه على علماء زمانها، أو رجع إليها أجِلّة من أعيان أوانها، أو حرّرته من فتوى، أو اجتهدتْ فيه من رأي رأته أقوى؛ مُورِدًا ما وقع إليَّ من اختياراتها؛ ذاكراً من الأخبار في ذلك ما وصل إليَّ من رواتها. غير مدع في تمهيدها للاستيعاب، وأن الطاقة أحاطت بجميع ما في هذا الباب. على أنّي حرّرت ما وقع لي من ذلك تحريراً ونمّقت بروده رقمًا وتَحْبِيراً؛ مع فوائدَ أضُمُّها إليه وفرائدَ أنثُرها عليه، ليبقى عقدًا ثمينةٌ جواهرُه، وفلكا منيرةٌ زواهرُه).

لقد أغفل الإمام الزركشي في مقدمة كتابه الإشارة إلى من سبقه من العلماء في طرق موضوع استدراكات عائشة رضي الله عنها، أو التلميح إلى أسماء مصنفاتهم، لكن يفهم من خلال سياق النصوص الواردة في الكتاب أنه اطلع على أول كتاب صنف في استدراكات عائشة على الصحابة، وهو من وضع العلامة أبي منصور عبدالمحسن بن محمد البغدادي (ت 489هـ)، وقد أفاد الزركشي من دون شك من كتابه وأضاف عليه أحاديث كثيرة.

  وكعربون تقدير وإجلال لعلامة عصره عزالدين عبدالعزيز بن محمد ابن جماعة (ت 767هـ) أهدى الزركشي كتابه  إليه، مع إشادة كبيرة بفضله وعلمه، وحرص المؤلف على الإشارة إلى ذلك في مقدمة كتابه.

إن كتاب (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَة) كما وضعه مؤلفه يتألف من مقدمة وبابين:

الباب الأول: في ترجمة السيدة عائشة رضي الله عنها، وبيان خصائصها، ويندرج تحته فصلان:

الأول في ذكر شيء من حالها،

 والآخر في خصائصها الأربعين.

وأما الباب الثاني: في استدراكاتها على أعلام الصحابة:

ويتألف هذا الباب من 24 فصلا

والباب الأخير: في الاستدراكات العامة.

وهذا الباب يتألف من 11 فصلا.

وقد أجاد وأفاد الزركشي وهو العالم الواسع الاطلاع على كتب الرجال في وضع ترجمة مفصلة للسيدة عائشة رضي الله عنها، مع توثيق النصوص المتعلقة بمسار حياتها، ولم يكن يحشر النصوص حشرا دون تمحيص، فكثيرًا ما كان يتدخّل لإبداء ملاحظته حول خبر أوالحكم عليه بالصحة أو الضعف، فعندما ذكر كنية السيدة عائشة رضي الله عنه: (أم عبدالله)، أورد خبرًا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه أن عائشة أتت بسقط فسمّاه النبي عبدالله، وكنّاها به. علّق الزركشي على هذا الخبر بقوله: (وفي إسناده نظر، لأن مداره على داود بن المحبر صاحب كتاب العقل)[2].

واستعرض الزركشي في هذه الترجمة جميع مناحي حياتها، مع التذكير بمجموع الأحاديث التي روتها، مع إيراد أسماء من روى عنها من الرجال والنساء، كما لم يغفل التعريف بمن كانوا تحت كفالتها من الموالي والخدم أمثال: بريرة، سائبة، مرجانة، أبو يونس، أبو عمرو.

وسعيا إلى الإشادة بفضلها وإبراز مزايا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه، سرد الزركشي مجموع الخصائص التي نالتها هذه السيدة الكريمة، وهي خصائص لم يشركها فيها أحد من أزواج النبي الأخريات، وقد أبلغها المؤلف إلى أربعين خصيصة، منها:

  • (أنه صلى الله عليه وسلم، لم يتزوّج بكرًا غيرها).
  • (نزول آية التيمم بسبب عقدها حين حبس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، الناسَ).
  • (نزول براءتها من السماء بما نسبه إليها أهل الإفك في ست عشرة آية متوالية، وشهِدَ الله لها بأنها من الطيبات، ووعدها بالمغفرة والرزق الكريم).

ولا يخلو كتاب الزركشي من وقفات علمية مع بعض تلك الخصائص، بتوثيق نصوصها، وشرح ما يحتاج إلى بيان، وتصويب أخطاء صدرت من بعض العلماء، وإيراد فوائد مناسبة لخصائص السيدة عائشة، ومثالا لجهد الزركشي في هذا الباب، وإبرازا لعمله في التوثيق، ومناقشة من سبقه من العلماء،  أورد الفقرة التالية:

(التَّاسِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: تَسَابُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا

رَوَاهُ: أَبُوْدَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَفِيْهِ فَائِدَةٌ جَلَيْلَة: وَهِيَ جَوَازُ السَّبْقِ مِنَ النِّسَاءِ، خِلَافًا لِّمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي “الْإِفْصَاحِ” أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ السَّبْقُ وَ الرَّمْيُ مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.

وَقَدْ نَقَلَهُ الرَافِعيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ. وَهُوَ مُشْكَلٌ بِمَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنْ يُخَصَّصَ الْمَنْعُ بِمُسَابَقَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ)[3].

لم يرتب العلامة بدر الدين الزركشي استدراكات أم المؤمنين رضي الله عنها على أبواب الفقه، بل رتبها على أسماء الصحابة، وخص كل فصل من الباب الثاني لما استدركته عائشة على كل صحابي، وفي هذا الباب مجموعة وافرة من الأحاديث. وممن رجعوا إلى رأي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أو استدركت عليهم من الصحابة كما جاء في كتاب الزركشي:

رجوع أبي بكر الصديق إلى رأيها ـ واستدراكها على: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، ومروان بن الحكم، وأبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وزيد ين أرقم، والبراء بن عازب، وعبدالله بن الزبير، وعروة بن الزبير، وجابر بن عبدالله، وأبي طلحة، وأبي الدرداء. ورجوع شيبة إليها، واستدراكها على: عبدالرحمن بن عوف، وعبدالرحمن بن أبي بكر، وفاطمة بنت قيس، وأزواج النبي عليه الصلاة والسلام.

أما الباب الأخير فجعله الإمام الزركشي خاصا باستدراكاتها العامة وهي تتناول موضوعات فقهية مختلفة وهي:

المرأة لا تقطع الصلاة ـ الصلاة على الجنازة في المسجد ـ القيام للجنازة ـ تحريم المتعة ـ البول قائما ـ صلاة الضحى ـ غسل الجمعة ـ الاستنجاء بالماء ـ صيام النبي عليه الصلاة والسلام لعشر ذي الحجة ـ صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالليل في رمضان وغيره.

وإن المتأمل في استدراكات أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي التي اجتهدت في بيان خطأ أو وهم أو سهو في روايات كثيرة صدرت عن جماعة من الصحابة، سيجد صاحبة تلك الاستدراكات كانت تتسم بميزات كثيرة أبرزها: سعة العلم، ودقة الفهم، وصحة النظر، وصواب النقد، وجودة النقاش، وحضور الحفظ.

وقد جلّى الامام الزركشي تلك الميزات جميعها وغيرها في كتابه: (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ)، وهذا مثال مما استدركته أم المؤمنين رضي الله عنها:

(اسْتِدْرَاكُهَا عَلَى ابْن مَسْعُوْد: رَوَى أَبُوْ مَنْصُورٍ الْبَغْدَاديّ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطنافسي قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ عن خيثمة، عن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها، فقال مسروق: قال عبدالله بن مسعود: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كرِهَ لقاء الله كرِهَ اللهُ لقاءَه»، فقالت عائشة: يرحم الله أبا عبدالرحمن، حدّث بأول الحديث ولم تسألوه عن آخره: « إن الله إذا أراد بعبد خيرًا، قيض له قبل موته بعام ملكا يوفقه ويسدّده، حتى يقول الناس: مات فلان خير ما كان، فإذا حضر ورأى ثوابه من الجنة تَهَوّع بنفسه- أو قال: تهوعت نفسه- فذاك حين أحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه، فإذا أراد الله بعبد شرّا قيَّض له قبل موته بعام شيطانًا فافتتنه، حتى يقول الناس: مات فلان شرَّ ما كان، فإذا حضَرَ ورأى ما ينزل عليه من العذاب تبلغ نفسه، وذاك حين كرِه لقاء الله وكره الله لقاءه»)[4].

إن كتاب (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ) يُعدّ بحَقٍّ عصارة تجربة الإمام الزركشي الطويلة في طرق المسائل العلمية، وهو يمثل خلاصة مطالعاته الكثيرة في المدونات الحديثية وغيرها، وقد ضمن كتابه هذا من التحقيق العلمي، والجمع المفيد، والاستدراك الدقيق، ما أثار اهتمام العلماء على مر العصور الذين أفادوا من هذا الكتاب إفادات كثيرة، منوهين في الآن ذاته بعطاءات صاحبه ودقة ملاحظاته وحسن ترتيب أوضاعه التأليفية.

وإذا كان فضل السبق في طرق موضوع استدراكات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يعود إلى العلامة أبي منصور عبدالمحسن بن محمد البغدادي (ت 489هـ) صاحب كتاب: (رد العقول الطائشة بذكر ما استدركته عائشة)[5]، وعمل المؤلف فيه اقتصر على جمع الأحاديث في موضوعه دون الكلام عنها، أو شرحها، ومجموع ما تسنى له جمعه من استدراكات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 25 حديثا، وهذه الأحاديث متناثرة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، ولكن عمل الإمام الزركشي امتاز عن الكتاب السالف الذكر بميزات كثيرة من حيث جمع النصوص الحديثية، وزيادة عددها، والشرح والتخريج، وبيان علل الأحاديث ومشكلها، وغامض لفظها[6]. وجملة ما ذكره العلامة الزركشي في (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ) 74 حديثا وهي تزيد بنحو ضعف الأحاديث التي أوردها كتاب أبي منصور البغدادي.

ولعل أبلغ تعبير عن قيمة كتاب (الإِجَابَة لِإِيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ)، والتنويه بعلم صاحبه، وما وفق إلى إنجازه من تأليف جليل النفع عظيم الفوائد، هو ما صدر عن العلامة ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) الذي جاء فيه:

(أصلُ هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبدالمحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي، الفقيه، المحدث، المشهور. رأيته في مجلَّدةٍ لطيفة، وجُملَةُ ما فيه منَ الأحاديث خمسةٌ وعشرون حديثًا. وكان الكتاب المذكور عند القاضي برهانِ الدين بن جماعة، فما أدري: هل خَفِيَ عليه وقتَ تقديم هذا له أو أعلمه به؟

نعم، لمصنف “الإجابة” حُسْنُ التَّرتيب والزِّياداتُ البيِّنَةُ والعَزْو إلى التَّصانيف الكبار، والأول -على عادة مَنْ تقدم- يقتصر على سَوْقٍ الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه. وجُمْلَةُ مَنْ أخرج ذلك عنه مِنْ شيوخه نحوٌ مِنْ ثلاثين شيخًا مِنْ شيوخ بغداد، ومصر وغيرهما، ولا يعزو التَّخريج إلى أحد. وقد نقل هذا المصنّفُ عن أبي منصور في هذا الكتاب، فعُلِمَ أنَّه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبِّهَ على ذلك)[7].

ومن خلال كتاب (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) يَتَّضِحُ للدارس سعة علم الرجل وإحاطته الكبيرة بمصادر السنة النبوية ومصنفات التفسيروالفقه، فموارد المؤلف في كتابه هذا بلغت 95 كتاباً في مختلف فنون العلم صرح بأسمائها، كما نقل الزركشي عن علماء كثيرين دون ذكر مؤلفاتهم، وقد بلغ عددهم عنده 46 عالماً، فمجمل عدد موارده في هذا الكتاب وصل إلى 141 مورداً[8].

وخلاصة القول إن كتاب (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) فريد في بابه، طرق المؤلف موضوعه باستفاضة، وجمع فيه الفوائد الكثيرة التي لا يستغني عنها المحدث والفقيه. وهو يعد نموذجا أصيلا نطلع من خلاله على نقد متن الحديث في صدر الإسلام، ويتبين لنا أن هذا الفن ظهر في عصر النبوة، وأن من أبرز أعلامه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

والجدير بالذكر أن هذا الكتاب قام باختصاره العلامة السيوطي (ت911هـ) في رسالة سماها: (عين الإصابة، في استدراك عائشة على الصحابة)، لكنه انتهج سبيلا آخر في ترتيب الكتاب، غير الذي وضعه الزركشي، حيث رتبه على أبواب الفقه، مقتصرا على ذكر المتون، وحذف البيان الذي أوضح فيه الزركشي كيف وقع الوهم عند بعض الصحابة، وتصحيح عائشة لهم باستدراكها عليهم[9].

وتعرف اليوم نسختان خطيتان من هذا الكتاب:

الأولى: في المكتبة الظاهريّة (دمشق). رقم: عام 3769. مجموع 32 (ورقة 68– 114)؛ مؤرخة في 794 هــ؛ وهي بخطّ المؤلّف؛

الأخرى: في مكتبة بايزيد (تركيا). رقم7951. (ورقة 65– 119).

 وقد ظهر هذا الكتاب إلى عالم المطبوعات محققا في عدة نشرات منها:

  • تحقيق سعيد الأفغاني، نشره أولا سنة 1358هـ/ 1939م، وأعيد نشره سنة: 1970 ـ 1985ـ 1989م.
  • تحقيق رفعت فوزي عبدالمطلب. مكتبة الخانجي. القاهرة. 1422هـ/ 2001م.
  • تحقيق محمد بنيامين أرول. مؤسسة الرسالة. بيروت. 1425هـ/2004م.
  • تحقيق محمد عبدالرحمن المرعشي. دار النفائس. بيروت.1437هـ/ 2016م.
    ———————————————————————————————

[1]  أخرجه الترمذي في السنن. أبواب المناقب. بَابُ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. حديث 3883. 6/188. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

[2]  الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة. ص82.

[3]  الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة. ص 136..

[4]   الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة. ص 238.

[5]  طبع الكتاب باسم: جزء فيه استدراك أم المؤمنين عائشة على الصحابة. بتحقيق محمد عزيز شمس. نشرته الدار السلفية. بومباي. الهند. ط1. 1416هـ/ 1996م.

[6]  جهود الإمام الزركشي في الحديث وعلومه. أعمر فطان. ص467.

[7]  الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر. السخاوي.1/392.

[8]  مؤلفات الزركشي، قيمتها العلمية، وموارده فيها. الشريف حاتم بن عارف العوني. (موقع الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني). رابطه:  http:// www.dr-alawni.com%2Fusers.articles.php%3Fshow%3D2&usg=AOvVaw17vOFtd3JTZQlaxmseOK0_

[9]  مقدمة كتاب: زهر العريش. للزركشي. تحقيق: الدكتور أحمد فرج. ص20.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق