مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةمفاهيم

الإمام الجنيد وصفات الأولياء

دة. ربيعة سحنون                 

باحثة بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

   لأولياء الله الصالحين صفات وسمات تختلف عن غيرهم من عامة الناس، سلكوا طريق الحق سبحانه وتعالى، عرفوه حق المعرفة، وقفوا ببابه عز وجل، ولزموا أعتابه جل في علاه، منيبين إليه، خاضعين، خاشعين، ذاكرين، متوسلين، ضارعين، فبلغوا غايتهم، ونالوا مقصودهم، تميزوا عند عامة الناس قبل خاصتهم، فسيماهم على وجوههم، وأفعالهم وأخلاقهم وأحوالهم شاهدة عليهم…

   قال الجنيد رضي الله عنه: هم قوم شموا روح ما دعاهم إليه، فأرسلوا إلى قطع العلائق الشاغلة عنه، وهجموا بالنفوس على معانقة الجد، وتجرعوا مرارة المكابدة، وصدقوا الله تعالى في المعاملة، فأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب في كل ما يلقون لديه، وعرفوا قدر ما يطلبون، فسجنوا نفوسهم وهممهم عن الالتفات إلى مذكور سوى وليهم، فحيوا حياة الأبد بالحي الذي لم يزل ولا يزال[1].

   وقال رحمة الله عليه: إن لله عبادا صحبوا الدنيا بأبدانهم، وفارقوها بعقود إيمانهم، أشرف بهم علم اليقين على ما هم إليه صائرون، وفيه مقيمون، وإليه راجعون، فهربوا من مطالبة نفوسهم الأمارة بالسوء، والداعية إلى المهالك، والمعينة للأعداء، والمتبعة للهوى، والمغموسة في البلاء، والمتمكنة بأكناف الأسواء، إلى قبول داعي التنزيل المحكم الذي لا يحتمل التأويل؛ إذ سمعوه يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾، [سورة الأنفال. آية 24]، فقرع أسماع فهومهم حلاوة الدعوة لتصفح التمييز، وتنسموا بروح ما أدته إليهم الفهوم الطاهرة من أدناس خفايا محبة البقاء في دار الغرور، فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوب المراقبين معها، وهجموا بالنفوس على معانقة الأعمال، وتجرعوا مرارة المكابدة، وصدقوا الله في معاملته، وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب، وعرفوا قدر ما يطلبون، واغتنموا سلامة الأوقات وسلامة الجوارح، وأماتوا شهوات النفوس، وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم، وحرسوا قلوبهم عن التطلع في مراقي الغفلة، وأقاموا عليها رقيبا من علم من لا يخفى عليه مثقال ذرة في بر ولا بحر، ومن أحاط بكل شيء علما، وأحاط به خبرا، فانقادت تلك النفوس بعد اعتياصها، واستبقت منافسة لأبناء جنسها، نفوس ساسها وليها، وحفظها بارئها، وكلأها كافيها.

   فتوهم يا أخي إن كنت ذا بصيرة ماذا يرد عليهم في وقت مناجاتهم؟ وماذا يلقونه من نوازل حاجاتهم؟ ترى أرواحا تتردد في أجساد قد أذبلتها الخشية، وذللتها الخدمة، وتسربلها الحياء، وجمعها القرب، وأسكنها الوقار، وأنطقها الحذار، أنيسها الخلوة، وحديثها الفكرة، وشعارها الذكر، شغلها بالله متصل، وعن غيره منفصل، لا تتلقى قادما، ولا تشيع ظاعنا، غذاؤها الجوع والظمأ، وراحتها التوكل، وكنزها الثقة بالله، ومعولها الاعتماد، ودواؤها الصبر، وقرينها الرضا، نفوس قُدِّمت لتأدية الحقوق، ورُقِّيت لنفيس العلم المخزون، وكُفيت ثقل المحن[2].

   ﴿لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون﴾، [سورة الأنبياء. آية 103]. ﴿نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم﴾، [سورة فصلت. آية 31-32].

   ويصف رضي الله عنه الولي بقوله: من صفة الولي ألا يكون له خوف؛ لأن الخوف ترقب مكروه يحل في المستقبل، أو انتظار محبوب يفوت في المستأنف، والولي ابن وقته، ليس له مستقبل ليخاف، وكما أنه لا خوف له لا رجاء له؛ لأن الرجاء انتظار محبوب يحصل، أو مكروه يكشف، وذلك في التالي من الوقت، كذلك لا يحزن لأن الحزن من حزونة الوقت، فمن كان في ضياء الرضا وروضة الموافقة فأين يكون له حزن، كما قال الله تبارك وتعالى:  ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾. [سورة يونس. آية 62].[3]

 


[1] الإمام الجنيد سيد الطائفتين، أحمد فريد المزيدي، ص: 235.

[2] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، 280/10-281.

[3] كشف المحجوب، الهجويري، ص ص: 247-248.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق