مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

 

السابع:  إذا قلنا أن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس بناء على أن الإخراج من المحكوم به فلا إشكال في الكلمة المشرفة، وهو رأي أكثر الأصوليين، وقال أبو حنيفة: ليس الاستثناء من النفي إثباتا، وقيل عنه ولا العكس بناءا على أن الاستثناء من الحكم نفسه، فيدخل المستثنى في نقيضه وهو لا حكم، فيبقى مسكوتا عنه، فأجاب بأن الإثبات في كلمة الشهادة بعرف الشرع، وفي المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام.

 الثامن: يجب الاحتراز من لحن العوام في كلمة الشهادة، فقد يلحن بعضهم بقلب همزة إله ياء، والصواب قطعها، أو يقف على الإله ثم يبتدئ إلا الله، أو يسكت ويقول غيره إلا الله كما يفعل بعض المتفقرة، والصواب وصل إله بإلا الله، أو بقلب همزة إلا ياء أيضا، و الصواب قطعها، أو بتخفيف لام إلا، والصواب شدها، أو بإظهار تنوين محمد، والصواب إدغامه في راء رسول.

 التاسع: قال القلشاني: واختلف هل الأفضل المد في لا من لا إله إلا الله ليستشعر المتلفظ نفي الألوهية عن كل ما سواه تعالى، أوالقصر لئلا تخترمه المنية قبل التلفظ باسم الجلالة، وفرق الفخر  بين كونها أول كلمته فيقصر أولا فيمد.

 العاشر: قال صاحب حل الرموز: قد جمع الحق سبحانه معاني ذاته وصفات وجواهر حكمه وكلماته في صدفة كلمة الإخلاص، ثم أطلع الخواص على ما فيها من الخواص، وهي كلمة أولها نفي وآخرها إثبات، دخل أولها في القلب فخلا، ثم تمكن آخرها في القلب فجلا فنسخت ثم رسخت، وسلبت ثم أوجبت، ومحت ثم أثبتت، و نقضت ثم عقدت، وأفنت ثم أبقت،( هـ ).

 ((كانت ))هي أي الكلمة المشرفة، وهي مجموع الجملتين وسميتا كلمة بالإفراد تنبيها على كمال الارتباط بينهما، وأنه لا يحصل الإيمان بإحداهما دون الأخرى، لأن الإقرار بإحداهما لا يستلزم الإقرار بالأخرى كما لابن مرزوق في شرح البخاري، اللهم إلا أن  يقال اسم الجلالة يدل على الذات العلية دلالة جامعة لمعاني الأسماء والصفات التي منها أنه تعالى واحد لا شريك له، فإذا أضيف الرسول إليه بهذا الاعتبار كان الإقرار بالرسالة إقرارا بالوحدانية.

 (لذا) أي لجمعها تلك المعاني التي هي عقائد الإيمان، (علامة الإيمان ) في الشرع، ولم يقبل  من أحد الإيمان  إلا بها كما في الصغرى، وفيه أمور:

أحدها أنها تتعين للدخول في الإسلام ولا يكفي لذلك غيرها من قول أو فعل يدل عليه، وقد حكى السبكي وغيره في ذلك قولين: تعينها، والاكتفاء بكل ما يدل على الإسلام من قول أو فعل، وفي نكاح المدونة وغيره ما يدل على الثاني  لأنه قال: لا توطأ الأمة المجوسية حتى تجيب إلى الإسلام بأمر يعرف كصلاتها ونحوه، هـ. والخلاف مبني على اعتبار التعبد بما عينه الشارع أو النظر إلى المعاني والمقاصد بما يدل عليها كيفما كان قولا أو فعلا بأي لغة كان، يدل للأول الحديث الصحيح: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه الا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله “، ويدل للثاني حديث خالد بن الوليد في قتله الذين قالوا صبأنا ولم يحسنوا غير ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: ” اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ووداهم و عذر خالدا بالاجتهاد. “

 ثانيها قال الأبي لا يشترط لفظ التشهد ولا النفي والإثبات، بل لو قال الله واحد ومحمد رسول الله كان مسلما هـ. فيحتمل أن يكون هذا مبنيا على القول بأنه يحصل الدخول  في الإسلام بما دل عليه من الأقوال والأفعال، ويحتمل أن يكون مبنيا على اشتراط الكلمة المشرفة بعينها أيضا، فيفيد أن قائل ذلك لا يشترط الصيغة المخصوصة  والترتيب المعين، بل ما في قوته مثله.

 ثالثها أن التلفظ بالشهادتين علامة على الإيمان بالنسبة إلينا فقط لدلالته على التصديق الخفي عنا، فالمنافق مؤمن فيما بيننا تجري عليه أحكام المسلمين، كافر عند الله تعالى أمرنا أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، قال تعالى: (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ))، وعكسه من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه مع تمكنه منه فهو إن كان كافرا باق على كفره فيما بيننا، فلا ينكح ولا يورث ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في قبور المسلمين، وأما فيما بينه وبين الله إذا لم يكن امتناعه كبرا أو حَذَار ِسَبَّةٍ فهل هو مؤمن اختلف فيه، فقيل نعم بناء على أن النطق شرط لإجراء الأحكام الظاهرة فقط من مناكحة وتوارث وغيرهما، فلا تجري عليه تلك الأحكام إلا بعد النطق والإعلان به وظهوره لمن يتعلق به بإجراء الأحكام من إمام وغيره، وهذا أعني كون المصدق بقلبه مؤمنا فيما بينه وبين الله تعالى قبل النطق الذي عليه ابن رشد، وهو الذي فهمه من المدونة، ففيها لابن القاسم إن اغتسل وقد أجمع على الإسلام أجزأه، لأنه إنما اغتسل له، ابن رشد، لأن إسلامه بالقلب إسلام حقيقي لو مات قبل نطقه مات مؤمنا.(هـ) وعلى هذا الغزالي أيضا فإنه قال كيف يعذب من قلبه مملوء بالإيمان وهو المقصود الأصلي، غير أنه لخفائه نيط الحكم بالإقرار الظاهر فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في أحكام الدنيا عكس المنافق، وهذا القول نسب للجمهور وأبي منصور الماتريدي، وقيل لا يكون مؤمنا عند الله بناءا على أن النطق شرط أي ركن من الإيمان، كما نسبه الجلال السيوطي لأكثر السلف كأبي حنيفة والشافعي، أو على أنه شرط لصحة الإيمان القلبي كما عليه الشيخ السنوسي في شرح الصغرى وابن العربي.وقول عياض إن التصديق وحده ليس بإيمان ولا ينجي من النار باتفاق أهل السنة يحتمل بناؤه على الشطرية وعلى الشرطية في صحة الإيمان القلبي، وقد ناقشه الأبي في نقله عن اتفاق أهل السنة بقول ابن رشد وغيره إن النطق شرط في إجراء الأحكام، والمصدق بقلبه مؤمن عند الله كما مر، والحاصل أن النطق بالشهادتين اختلف هل هو شطر أو شرط، وعلى الشرطية اختلف هل هو شرط في صحة الإيمان القلبي أو في إجراء الأحكام الدنيوية فقط.

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص:  112-113-114 .

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق