مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

يعد شرح العلامة الطيب ابن كيران على توحيد ابن عاشر من نماذج التقريب العقدي لدى علماء المغرب، حيث يعتبر من أهم الشروح الجامعة التي اعتنت بمتن ابن عاشر، والتي أفردت توحيد النظم بشرح واف ومستقل، وفيما يلي شرح العلامة الطيب ابن كيران على قول ابن عاشر:

وَقَوْل لاَ إلَــــــهَ إلاّ الله         مُحَمَّدٌ أَرْسَلَهُ الإِلــــــــــَهُ
يَجْمَعُ كُلَّ هَذِهِ الْمَعانِي          كانَتْ لِذَا عَلاَمَةَ الإِيمـــان
وَهِيَ أَفْضَلُ وُجُوهِ الذِّكْرِ       فَاشْغَلْ بِها الْعُمْر تَفُزْ بِالذَّخْر

 

 وحينئذ فمعنى الكلمة المشرفة: لا مستغني عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه إلا الله، بمعنى أن هذا المفهوم مقصور على الفرد الذي هو خالق العالم، فهو وحده و لا غيره معه المستغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه، ففيه قصر أفراد بالنسبة للمشركين الذين يعتقدون ألوهية غيره معه، وقصر قلب بالنسبة لمن يعتقد ألوهية غيره فقط كالمجوس القائلين بأن إله العالم هو النور والظلمة فقط، ولا محذور في كون قصر واحد للأفراد والقلب، فإن قلت القصر في الكلمة المشرفة حقيقي، وهم جعلوا محل التقسيم إلى قصر قلب والأفراد والتعيين القصر الإضافي، قلت لا منافاة بين كون القصر حقيقيا في نفسه وإضافيا بالنسبة الى ما اعتقد السامع مشاركته للمذكور في الحكم أو انفراده به دونه من بعض الأغيار إذا كانت بقية الأغيار لم يدع أحد ثبوت الحكم لها مع انتفاته عنها في الواقع تأمل.

 وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان اندراج العقائد الإلهية في التفسير المذكور، فالوجود يؤخد من استغنائه تعالى عن كل ما سواه، إذ لو لم يكن موجودا لافتقر الى موجد فلا يكون مستغنيا، و القدم كذلك، إذ لو كان حادثا لا افتقر إلى محدث فلا يكون مستغنيا، والبقاء كذلك، إذ لو انتفى لكان وجوده ممكنا، فيفتقر إلى مرجحه على مقابله من العدم، فيكون حادثا، فيفتقر إلى محدث، فلا يكون مستغنيا، والغنى المطلق أي عدم الافتقار إلى محل أو مخصص كذلك، إذ لو افتقر إلى أحدهما لم يكن مستغنيا، والمخالفة للحوادث كذلك، إذ لو ماثل شيئا منها لكان حادثا مثله، فيفتقر إلى محدث، ولا يكون مستغنيا، وتؤخد الوحدانية من افتقار كل ما سواه إليه، إذ لو تعدد لم يوجد شيء من العالم لما مر، فلا يفتقر إليه شيء، والقدرة والإرادة والعلم والحياة كذلك، إذ لو انتفى شيء من هذه الأربعة لم يكن وجود شيء من العالم فلا يفتقر إليه شيء، ويؤخد السمع والبصر والكلام من استغنائه تعالى عن كل ما سواه، إذ لو انتفى شيء منها لاتصف بأضدادها وهي نقائص، فيفتقر إلى من يدفع عنه النقص فلا يكون مستغنيا.

 واستحالة أضداد الصفات الواجبة كلها كذلك، لأنها نقائص، فلو اتصف بشيء منها لافتقر إلى من يدفع عنه النقص فلا يكون مستغنيا، ومن تلك الأضداد المستحيلة أن يكون له غرض في أحكامه وأفعاله، لأن ذلك مضاد للغنى المطلق، فيلزم الافتقار الى ما يحصل غرضه، فلا يكون مستغنيا.

 ويؤخد جواز فعل كل ممكن أو تركه من استغنائه تعالى عن كل ما سواه أيضا، إذ لو وجب عليه شيء منها عقلا كالثواب مثلا لافتقر إلى ذلك الشيء ليكتمل به، إذ لا يجب في حقه تعالى إلا ما هو كمال له، كيف وهو الغني عن كل ما سواه. ويؤخد حدوث العالم بأسره من افتقار كل ما سواه إليه، إذ لو كان شيء منه قديما لاستغنى عنه تعالى، فلا يكون كل ما سواه مفتقرا إليه، ويؤخذ انتفاء تأثير العلة والطبيعة من ذلك، والا كان ذلك الأثر مستغنيا عن مولانا فلا يكون كل ما سواه مفتقرا إليه. ويؤخذ عدم تأثير شيء من الكائنات بقوة جعلها الله فيه كالنار في الإحراق من استغنائه تعالى، لأنه يلزم أن يفتقر مولانا في إيجاد بعض الأفعال إلى واسطة فلا يكون مستغنيا. ويؤخذ عدم تأثير القوة الحادثة من استغنائه تعالى عن كل ما سواه أيضا لذلك، أومن افتقار كل ما سواه إليه لأنه يستلزم استغناء أفعالنا الحادثة عنه تعالى، فلا يكون كل ما سواه مفتقرا إليه، كيف وهو الذي يفتقر إليه كل ما سواه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق