مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

 

قال الشارح رحمه الله مبينا جواز الاعراض البشرية على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع بيان الحكم من وقوعها، وذلك عند قول الناظم:

جواز الأعراض عليهم حجته                       وقوعها بهم تَسَــلٍّ حكمته

 “(جواز الأعراض) البشرية (عليهم حجته، وقوعها بهم) مشاهدة لمن عاصرهم ولقيهم، وبالنقل تواترا لمن بعدهم، والوقوع يستلزم الجواز. (تسل) عن الدنيا أو تبيين أحكام أو إعظام أجور أو إعلاء منزلة أو ائتساء بهم (حكمته)، أي حكمة ذلك الوقوع، فهذه خمس فوائد فلنبسطها بعض البسط:

 الأولى التسلي عن الدنيا، أي التصبر عنها ووجود اللذة بفقدها، والتنبه لخسة قدرها عند الله بسبب ما يراه العاقل من مقاساة خير خلق الله لشدائدها، وفي الحديث: “الدنيا جيفة قذرة لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء]، وانظر جوابه صلى الله عليه وسلم لعمر لما نظر في بيته صلى الله عليه وسلم فلم ير فيه إلا شطر شعير، وهو نائم على حصير قد أثر في جنبه فبكى، فسأله ما يبكيك، قال: وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله وخيرته من خلقه، وهذه ملوك كسرى وقيصر تتبختر في الحرير والديباج، فقال:” يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة”. وحاصل هذا الوجه سقوط منزلة  الدنيا من القلب وبرودتها فيه بحيث لا يبقى لها وقع فيه، وهذا رأس كل خير، كما أن رأس الخطايا حبها.

 الثانية تبيين الأحكام الشرعية وتعليمها لأممهم بسبب ما ينزل بهم من نوائب الدنيا ومصائبها، كصلاة الخوف وما فيه من الفروع، واتخاذ الحراس عند الخوف، والتداوي من المرض، وأن ذلك لا ينافي التوكل، واستعمال الصبر والرضى والتفويض عند نزول المكاره، وكجواز الدعاء على المتمردين لدعائه عليه السلام على أبي جهل وحزبه لحق الله لا لحق نفسه، وكتعليم أحكام السهو في الصلاة، وصلاة المريض، وآداب الأكل والشرب والنوم واللباس وقضاء الحاجة ومعاشرة النساء والجماع وغير ذلك.

 الثالثة إعظام الأجور في الحديث: “من يرد الله به خيرا يصب منه”، وفي آخر عن الله سبحانه: “إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا”، وفي آخر: “إذا أراد الله بعبد خيرا وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا فإذا دعاه قالت الملائكة صوت معروف فإذا دعاه ثانيا فقال يارب قال الله سبحانه لبيك عبدي وسعديك لا تسألني شيئا إلا أعطيتك أو دفعت عنك ما هو أكبر أو ادخرت لك عندي ما هو أفضل منه فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوفوا أعمالهم بالميزان أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينصب لهم ديوان يصب عليهم الأجر صبا كما كان يصب عليهم البلاء صبا فيود أهل العافية في الدنيا لو كانت أجسامهم تقرض بالمقاريض لما يرون مما يذهب به أهل البلاء من الثواب فذلك قوله سبحانه:(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)[الزمر:10].

 فإن قيل الله تعالى قادر على أن يوصل لرسله ذلك الأجر العظيم بلا بلاء ولا مشقة تلحقهم، قلنا نعم ولكن ترتيبه على ذلك مقتضى حكمته، لا يسأل عما يفعل كما في شرح الصغرى، قال الشيخ سيدي عبد الرحمن الفاسي: من سر ابتلائهم إظهار سر العبودية والصدق فيها من الرضى والتسليم والانقياد والامتثال وغير ذلك، قال تعالى:(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)[العنكبوت:2]، أي يختبرون:(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين)[مجمد:31] الآية”. قلت: وقد اشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: “إن الله يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز ومنهم دون ذلك ومنهم من يخرج أسود محرقا”. وانظر حكاية السري السقطي مع الجنيد في ابن عباد عند قول الحكم: “ليخفف ألم البلاء عنك علمك بأنه سبحانه هو المبتلي لك فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار”.

 الرابعة إعلاء المنزلة وإنالة البغية من رضوان الله عن عبده، وذلك أن رضى العبد عن مولاه في كل الأحوال يثمر رضى الرب عن عبده الذي هو أسنى المطالب وأقصى المآرب،(ورضوان من الله أكبر)[التوبة:72]، (اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا)، وفي الحديث:إ”ن الله ليتجلى للمؤمنين فيقول سلوني فيقولون رضاك”.

 الخامسة الاقتداء بهم عليهم الصلاة والسلام، أي التخلق بأخلاقهم عند نزول البلايا، وهذا غير علم الأحكام؛ لأن العلم لا يستلزم العمل، ومن أخلاقهم عند الإساءة إليهم ما في آية:(خذ العفو) إلى (الجاهلين)[الأعراف:199]، روي أنها لما نزلت سأل صلى الله عليه وسلم جبريل عنها: فقال: حتى أسأل، ثم رجع فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك”، ولذا قيل

مكارم الأخلاق في ثلاثـــــــــة     من كملت فيه فذلك الفتى

إعطاء من يحرمه ووصل من     يقطعه والعفو عمن اعتدى”

 

 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ

 سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227

 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين.

 ص 106- 107.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق