مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

 

بعد أن بين الشارح ما يجب للرسل عليهم الصلاة والسلام و ما يستحيل عليهم من الأوصاف وما يجوز في حقهم عليهم الصلاة والسلام، أعقب ذلك ببيان براهين تلك الأوصاف، وكذا بيان معنى الإعجاز والمعجزة، فقال رحمه الله عند قول الناظم:

       لو لم يكونوا صادقين للزم             أن يكذب الإله في تصديقهم

       إذ معجزاتهم كقوله وبـــــر             صدق هذا العبد في كل خبر

” ثم شرع في براهين وجوب الصفات الثلاث لهم فقال:

(لو لم يكونوا صادقين للزم * أن يكذب الإله في تصديقهم) بما خلقه على أيديهم من المعجزات؛ (إذ معجزاتهم كقوله) سبحانه (و) قد (بر)، أي صدق في جميع أخباره أو في تصديقهم، (صدق هذا العبد) أي الرسول المتحدي بالمعجزات التي ظهرت على يده على وفق تحديه (في كل خبر) يبلغه عني، فلو كان الرسل عليهم الصلاة والسلام كاذبين، وقد صدقهم الله بالمعجزات، وتصديق الكاذب كذب، لزم كذبه تعالى، وهو في حقه محال؛ إذ خبره على وفق علمه الواجب مطابقته للواقع، فيكون خبره مطابقا لامحالة، وإذا بطل كون خبره كاذبا وجب أن يكون تصديقه لهم صدقا، فيجب أن يكونوا صادقين وهو المطلوب.

 فإن قيل لا يجب كون خبر المخبر على وفق العلم، فإن الكاذب عمدا مخبر بما لا يعلمه، بل بما يعلم خلافه، قلنا كلامنا في الكلام النفسي لا في الألفاظ؛ لاستحالة اتصاف الباري بها، والعالم بالشيء يستحيل أن يخبر المحل الذي قام به العلم منه بالكذب، غايته أنه يجد في نفسه تقدير الكذب لا الكذب، وتحقيقه أنه إذا علم أحد النقيضين لا يمكن أن يكون متكلما في نفسه بالنقيض الآخر على معنى التصديق به، وما لم يحصل تصديق وحكم لم يحصل إخبار، فلا يكون مخبرا في نفسه بنقيض معلومه، وهو مطلوبنا، وإنما نجد في أنفسنا تصورنا لذلك النقيض، والتصور لا يستلزم التصديق، والشاهد سُلَّم للغائب فيما أريد فهمه، فعلم أنه تعالى لا يكون مخبرا بنقيض معلومه، وأيضا كل عالم يصح أن يخبر على وفق علمه، وما يصح في حقه جل وعلا يجب له؛ إذ لا يتصف بجائز؛ لأن الجائز حادث، فخبره على وفق علمه واجب له وهو الصدق، وأيضا لو قبل الكذب لوجب له لما مر، فلا يتصف بالصدق وهو استحالة لما علمت صحته وجوازه، وهو من قلب الحقائق المحال، وأيضا الكذب نقص وهو على الله محال.

 والإعجاز لغة: جعل الغير عاجزا وتصييره كذلك، والمعجز: المصير غيره عاجزا، ثم استعمل الإعجاز في الشرع في إظهار عجز المرسل إليهم عن المعارضة، ثم في إظهار صدق الرسول في دعواه مجازا، واستعملت المعجزة فيما ظهر به عجز المرسل إليهم وتصديق الرسول كإحياء ميت وإعدام جبل وانفجار الماء بين الأصابع، والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الإسمية، وقيل للمبالغة كتاء علامة، ص102وهي بهذا المعنى هي التي عرفها في جمع الجوامع بقوله: “أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة، والتحدي الدعوى.” قال في شرح الصغرى: “التعبير بأمر دون فعل ليدخل الفعل كانفجار الماء من بين الأصابع، وعدم الفعل كعدم إحراق النار لإبراهيم.” قال المحلي: “خرج غير الخارق كطلوع الشمس كل يوم، والخارق من غير تحد وهو كرامة الولي” اهـ.

 وهذا على القول بأن الولي لا يتحدى بالكرامة على دعوى الولاية، وأما على جواز تحديه فالتعريف صادق على الكرامة، وقد ذكر القشيري القولين، وصحح المقترح الجواز بأن يخلق الله له علما ضروريا بأنه ولي، فيتحدى فيقول أنا ولي الله، وآياتي أن أطير في الهواء مثلا ثم يفعل، وخرج بقوله مقرون بالتحدي الإرهاصات وهي ما يتقدم على البعثة تأسيسا لها، مأخوذة من الرهص بالكسر وهو أساس الحائط، وذلك كالنور الذي كان يظهر في آبائه عليه السلام، وارتجاج إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرافة منه، وخمود نار فارس عند ولادته، وتظليل الغمام له وهو صبي عند حليمة يسير معه ويقف، وتظليل الملائكة حتى رأتهم خديجة ومن معها من النسوة قبل تزوجه إياها، وغير ذلك، قال المحلي: “ويخرج به أيضا الخارق المتأخر عن التحدي  بما يخرجه عن المقارنة العرفية”. قلت كوجود اسمه مكتوبا في جنب مولود بخراسان كما في الشفا، وفي جنب حوت كما في روض الرياحين لليافعي، وفي شحمة أذن سمكة كما في شرح البردة لابن مرزوق، انظر المواهب في مقصد الأسماء. وخرج بشرط عدم المعارضة السحر والشعوذة، وفي كون السحر خارقا أو معتادا أو غرابته للجهل بأسبابه قولان، والشعوذة كما في القاموس: خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين اهـ. ويقال الشعوذة بالموحدة.

وقد ضرب العلماء لدلالة المعجزة على صدق الرسول مثالا تتبين به، فقالوا: مثل ذلك أن يقوم رجل في مجلس ملك جمع فيه أهل مملكته، وهم بمرأى من الملك ومسمع، فيقول إن الملك قد بعثني إليكم بكذا، وها هو ذا عالم بمقالتي لكم، سميع بصير، قادر على إهلاكي إن كذبت عنه، وآية صدقي فيما ادعيت عليه أن أطلب منه أن يصدقني بأن يفعل كذا، ولم تجر عادته به يخصني به عمن يريد معارضتي وتكذيبي، ثم يطلب من الملك الفعل فيفعله له كما طلب، ولا يجيب معارضه إلى مثله، فيعلم بالضرورة أن الملك قد صدقه، وأن ذلك الفعل من الملك منزل منزلة صريح قوله لهم: قد صدق فيما ادعى من بعثي إياه إليكم، وفي كل ما يبلغه عني.”

 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ

 سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227

 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين.

 ص 101- 102.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق