مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي”. للدكتورة خديجة العزيزي”

 

إلياس بوزغاية

 

 


يتمحور كتاب “الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي” حول فكرة أساسية هي أهمية الوعي بالبعد الفلسفي للفكر النسوي الغربي بدءا من تعريفه وتاريخه واتجاهاته إلى عرض أطروحاته النظرية والتطبيقية. الكتاب الذي ألفته الدكتورة الأردنية خديجة العزيزي في 359 صفحة، وصدر عن دار بيسان للنشر والتوزيع سنة 2005، يتوجه للقارئ العربي ليطلعه – على مدى ستة فصول-  على أبرز الحركات التي يتمحور حولها المذهب النسوي وعلى أبرز الشخصيات التي ساهمت في تشكيله وعلى الموضوعات ذات الصلة التي يتناولها الفكر النسائي الغربي.

يتطرق الفصل الأول من الكتاب إلى مناقشة المذهب النسوي في تاريخه ومدارسه وأبرز مفاهيمه حيث يشار إلى أن المذهب حديث النشأة رغم أن الفكر الداعي لتحرير النساء موجود قدم التاريخ. وقد عرف هذا المذهب ثلاث موجات أثرت في مساره حيث أن الموجة الاولى انطلقت في القرن 18 وعملت على الدفع بمكانة المرأة بالتركيز على تفرد النساء ونقاوتهن الروحانية وتجربتهن للأمومة في تمثل رومانتيكي للأنثى مقابل العقلانية الجنسية التي كانت سائدة من قبل. وفي العام 1960 انبعث الفكر الفكر النسوي مع الموجة الثانية التي وسعت اهتماماتها وعمقت نقدها مستعملة مصطلحات القمع والتحرير في ظل حركات تحرر أخرى. أما اليوم وفي ظل الموجة الثالثة فإنه لا يمكن القول بأن المذهب النسوي تمثله مدرسة أو حركة نسائية معينة بل هو خليط من أفكار متعددة تنتمي إلى إديولوجيات وفلسفات وسياقات مختلفة. ومن أبرز التوجهات النسوية اليوم: الحركة النسوية الليبرالية، الحركة النسوية الماركسية، الحركة النسوية الراديكالية، الحركة النسوية السحاقية، الحركة النسوية الفرنسية. وجدير بالذكر أنه في العقود الثلاثة الأخيرة حدث تطور سريع في المفاهيم النسوية نظرا لتأثرها بنظريات مثل الليبرالية والماركسية والفوضوية والوجودية والبنيوية والتفكيكية ونظريات التحليل النفسي وافكار الانتربولوجيا والاقتصاد، وهو ما سمح بتطوير مفاهيم متأصلة حاليا في الفكر النسوي مثل مفهوم الجنوسة “gender” المستوحى من العبارة المشهورة لسيمون ديبوفوار ” إن الواحدة من النساء لا تولد امرأة، لكنها تصبح امرأة” ومفهوم القهر oppression  ومفهوم القمع repression ومفهوم التمكين empowerment ومفهوم النظام الذكوري patriarchy.

في الفصل الثاني المعنون ب نقد المذهب النسوي للفلسفة السياسية الغربية عرضت الكاتبة تحليلا ونقدا لآراء عدد من فلاسفة الحركات النسوية وصنفتهن إلى اتجاه رافض للفلسفة السياسية التقليدية واتجاه ناقد للفلسفة السياسية الغربية. كما اعتبرت أن جل المذاهب النسوية عملت على مراجعة النظريات الفلسفية السابقة وفي أذهانهن سؤال إن كانت الافتراضات والفلسفات والأنظمة الثقافية هي السبب الكامن واء النظرة الدونية للمرأة على مر العصور، وقد تنوعت الآراء وأحيانا تعارضت بسبب انطلاق المفكرات النسائيات من خلفيات وإديولوجيات معينة وأيضا حسب عمق اطلاع كل واحدة منهن.

وقد عرف الفكر النسوي الغربي تركيزا على الإبيستيمولوجيا النسائية حيث اعتبرت المفكرات النسائيات أن عملية إنتاج المعرفة (الابستيمولوجيا) عرفت احتكارا ذكوريا وإقصاء أنثويا مما يستوجب معه تأسيس نظرية معرفية نسوية (Feminist Epistemology). وفي معرض الحديث عن العقلانية واللاعقلانية من المنظور النسوي، اختلفت المفكرات النسائيات في ما إذا كانت العقلانية صفة يجب أن تشمل النساء لكي تتساوى مع الرجال أو أن اللاعقل صفة مميزة للنساء وخصوصية يجب المحافظة عليها. وقد تم الاعتماد على التفكيكية deconstruction كأداة لنقد الواقع وهي نفس الأداة التي اعتمدها مفكرو ما بعد الحداثة مما ساهم في تشظي وتشتت المشروع الفلسفي النسوي في خضم تضارب الآراء حول العقل والمنطق والمعرفة. كما أن هناك تشابكا كبيرا بين المعرفة والسياسة والتحيز وفلسفة العلوم تقتضي مراجعة أولويات هذا الترتيب.

الفصل الرابع من الكتاب الرؤية النسوية لطبيعة المرأة يعرض بعض الرؤى المتبناة من طرف بعض التيارات النسوية الغربية، فالليبرالية تدعوا للاعتراف بالفروق البيولوجية لكنها تؤكد على أن المرأة هي نتاج الأدوار الاجتماعية المفروضة عليها وبذلك تسقط في التناقض بين القول بأن هناك اختلاف بيولوجي والدعوة للمساواة التامة. أما الماركسية فترى أن صيغ الإنتاج والنظام الطبقي هي ما يشكل طبيعة المرأة وبالتالي فإن دورها يختزل في كونها أداة للإنتاج تتوزع بين المجال العام والخاص بالإضافة إلى أن النموذج الماركسي لم يحقق أي تغيير للمرأة في الأنظمة الاشتراكية. ومن منظور راديكالي نسوي فإن ماهية وهوية المرأة متفردة ويجب الدفاع عنها وبالتالي فإن النظام الذكوري يجب أن ينقلب رأسا على عقب، وقد انتقد الناقدون هذا الطرح لأنه يؤدي إلى الصراع بين الجنسين وليس للمساواة. على العموم يبقى النقاش حول طبيعة المرأة متأرجحا بين الرؤية البيولوجية للجنسين (الجنس البيولوجي يحدد الطبيعة) والرؤية الثقافية gender (الجندر الثقافي يحدد الطبيعة). والأهم من ذلك ما تعنيه كل رؤية على مستوى التنزيل.

على مستوى التنزيل تتحدث الكاتبة في الفصل الخامس الفكر الاجتماعي والسياسي للنسوية انطلاقا من الشعار الذي رفعته الحركة النسائية في الموجة الثانية ” كل ما هو شخصي هو سياسي” (the personal is political) حيث تشكل أنذاك إجماع بضرورة العمل السياسي من أجل مبادئ الحرية والمساواة رغم أن الاديولوجيات والمقاربات السياسية تختلف، فالليبرالية مثلا ترفض بشكل مطلق تدخل الدولة في الشأن الخاص والحريات الفردية للمرأة خاصة، لكنها لم تنتبه إلى أن هذا لن يسمح بتطبيق برامج سياسية من الدولة لصالح المرأة. أما الماركسية فإنها لا تولي قضية المرأة أهمية على اعتبار أن الأولوية هي القضاء على الرأسمالية، كما أنه وضمن التيار الماركسي لم تتبلور بعد أية رؤية واضحة أو موحدة حول الموضوع. أما فيما يخص الراديكالية النسوية فإن هدفها هو خلق تنظيمات ومؤسسات منفصلة عن عالم الذكور، وهو ما يضرب بشكل صارخ في مبدأ الديموقراطية والانخراط في التغيير السياسي مما يزيد من تعميق الهوة بين الجنسين.

تصل الكاتبة إلى الفصل السادس الفلسفة الأخلاقية من منظور نسائي وتقدم تحليلا ونقدا لآراء فلاسفة الحركات النسوية حول استقلال المرأة واستقلاليتها، وحول موضوعات تتعلق بالقيم والفضائل والتشريعات القانونية وأخلاق الرعاية والمجتمع الأمومي وتخصص بهذا الصدد خلاصات أهمها:

  • محاولة خلق توازن بين الحرية الفردية للإنسان وطبيعته الاجتماعية،
  • محاولة خلق توازن بين أولويات مبادئ العقل والعدل والمساواة والحرية.
  • الانتباه إلى توسيع التفكير في قضايا النساء إلى البعد العالمي،
  • السعي من أجل الاستفادة من الدراسات العلمية كسند للمقولات النسوية،
  • ترجمة شعار “ما هو شخصي هو سياسي” (the personal is political)  إلى برامج عمل مرنة وفعالة،
  • العمل على الربط بين القانون والأخلاق والدين في تفاعل الآراء النسائيات بطريقة معتدلة.

يشكل كتاب “الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي” عملا بحثيا قيما تتجلى أهميته في جعل القارئ العربي والمسلم يطل بشكل موضوعي على الفلسفات المؤسسة للفكر النسوي الغربي مما سيساعد حسب صاحبة الكتاب “على تشكيل وعي بالمواقف التي يجب فيها المقاومة والمواقف التي يجب فيها الاقتحام”، كما أن الكتاب يشكل استفزازا للعقل المسلم لكي يرقى في خطابه من حيث العمق والمعالجات الفلسفية الجادة لمشاكل النساء، خاصة أن معظم الأعمال تبقى رهينة تسليط الضوء على معاناة المرأة العربية في ضوء ثنائية الثرات والمعاصرة والتقليد والتجديد. وفي الأخير فإن الكتاب، كما يقول ناصيف نصَّار في تقديمه له “يفتح الباب لدراسات جديدة تكمِّله أو تتجاوزه؛ وهو محاولة جادة لتطبيق مبدأ الانفتاح والكونية دون فقدان الذات والهوية. وذلك ما نحتاج إليه بحق في هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر.”

 

 

نشر بتاريخ: 02 / 12 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق