مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

الآثار في صفة الصحابة الكرام رضي الله عنهم (1)

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم»([1]).

من المعلوم أن الله جل شأنه رأفة بعباده اختار محمدا صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته الخالدة للناس، واختار له أصحابا جعلهم أنصارا لدينه، ووزراء لنبيه، ونموذجا لكل مسلم يريد القرب من الله؛ فبذلوا نفوسهم وأموالهم ومهجهم في سبيل الله وإعلاء كلمته وتبليغ رسالته، فصاروا بقيادة أفضل الأنبياء صلى الله عليه وسلم سادة الدنيا وفرسانها، فقائدهم أفضل الأنبياء، وهم صفوة الخلق بعد الأنبياء، والمرسلين، فهم خير الصديقين، وأفضل الصالحين، وأعظم المجاهدين، وسادة الشهداء. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([2]). عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ»([3]).

وضعوا أيديهم في يد رسول الله، فآمنوا بدعوته، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل نصرة دينه، فاستطابوا المرارات والمكاره في سبيل الدعوة إلى الله، وصدرت عنهم عجائب الإيمان بالغيب، والحب لله ورسوله، والرحمة على المؤمنين والشدة على الكافرين، قال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}([4]) وآثروا الآخرة على الدنيا، والغيب على الشهود، قال تعالى: {لِلْفُقَرَآء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تبوّءو الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([5]). فأخرجوا خلق الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، والشوق للقاء الله، فنشروا الدين في أصقاع الدنيا، وبذلوا في ذلك مُهَجَهُمْ وحُرَّ أموالهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا. فرضي الله عنهم، قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}([6]) ـ

وفيما يلي درر من كلام ابن عباس رضي الله عنه في ثنائه على بعض الصحابة رضي الله عنهم.

أخرج الطبراني([7]) عن رِبْعي بن حِرَاش قال: اسْتَأْذَنَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ تَحَلَّفَتْ عِنْدَهُ بُطُونُ قُرَيْشٍ، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ قَالَ: يَا سَعِيدُ، والله لأُلْقِيَنَّ على ابن عباس مسائل يَعْيَى بجوابها، فقال له سعيد: ليس مثل ابن عباس يعيى بمسائلك، فلما جلس قال له معاوية: ما تقول في أَبي بكر؟ قال: «رحم الله أبا بكر، كان – والله للقرآن تالياً، وعن المَيْل نائياً، وعن الفحشاء ساهياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، ومن دنياه سالماً وعلى عدل البرية عازماً، وبالمعروف آمراً وإِليه صائراً، وفي الأحوال شاكراً، ولله في الغدو والرواح ذاكراً، ولنفسه بالمصالح قاهراً. فَاقَ وَرَاقَ أَصْحَابَهُ وَرَعًا وَكَفَافًا، وَزُهْدًا وَعَفَافًا، وَبِرًّا وَحِيَاطَةً، وَزَهَادَةً وَكِفَايَةً، فَأَعْقَبَ اللهُ مَنْ ثَلَبَهُ اللَّعَائِنَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

قال معاوية: فما تقول في عمر بن الخطاب؟ قال: « رَحِمَ اللهُ أَبَا حَفْصٍ، كَانَ وَاللهِ حَلِيفَ الْإِسْلَامِ، ومأوى الأيتام، وَمَحَلَّ الْإِيمَانِ، وَمَلَاذَ الضُّعَفَاءِ، وَمَعْقِلَ الْحُنَفَاءِ، للخَلْق حِصْناً، وللناس عَوْناً، قام بحق الله صابراً محتسباً حتى أَظهر الله الدين، وفتح الدِّيَار، وذُكِر الله في الْأَقْطَارِ وَالْمَنَاهِلِ، وعلى التِّلَالِ، وفي الضواحي والبقاع، وعند الخَنى([8]) وقوراً، وَفِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ شَكُورًا، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنَاءٍ ذَكُورًا، فَأَعْقَبَ اللهُ مَنْ تَنَقَّصَهُ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الْحَسْرَةِ» .

قال معاوية رضي الله عنه: فما تقول في عثمان بن عفان؟ قال: «رحم الله أبا عمرو، كان – والله – أَكرم الحَفَدة، وأَوصلَ البَرَرَةِ، وَأَصْبَرَ الْقُرَّاءِ، هَجَّادًا بِالْأَسْحَارِ، كثيرَ الدموع عند ذكر الله، دائمَ الفكر فيما يُعِينُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نَهَّاضًا إِلَى كُلِّ مَكْرُمَةٍ، يسعى إلى كل مُنْجِيَةٍ، فَرَّارًا مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ، وصاحب الجيش والبئر، وخَتَن المصطفى على ابنتيه، فأعقب الله من سبَّه الندامة إلى يوم القيامة».

قال معاوية: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: «رحم الله أَبا الحسن كان – والله – علمَ الهدى، وكهفَ التُّقَى، وَمَحَلَّ الْحِجَى، وَطَوْدَ النُّهَى، وَنُورَ السُّرَى فِي ظُلَمِ الدُّجَى،  وَدَاعِيَةً إِلَى الْحُجَّةِ الْعُظْمَى، عالماً بما في الصحف الأُولى، وقائماً بالتأويل والذكرى، متعلِّقاً بأسباب الهدى، وتاركاً للجَوْر والأَذى. وحائداً عن طرقات الرَّدَى، وخير من آمن واتَّقَى، وسيِّد من تقمَّص وَارْتَدَى، وأَفضل من حجَّ وسعى، وأسمحَ من عدل وسوَّى، وأَخطبَ أَهل الدنيا إِلا الأنبياء والنبي المصطفى، وصاحب القبلتين، فهل يوازيه موحِّدٌ؟ وزوج خير النساء، وأبو السبطين، لم تَرَ عيني مثله، ولا ترى إِلى يوم القيامة واللقاء، من لعنه فعليه لعنةُ الله والعباد إِلى يوم القيامة».

قال: فما تقول في طلحةَ والزبير؟ قال: «رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا، كَانَا وَاللهِ عَفِيفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، بَرَّيْنِ طاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ، شَهِيدَيْنِ عَالِمَيْنِ، زَلَّا زَلَّةً وَاللهُ غَافِرٌ لَهُمَا إِنْ شَاءَ اللهُ بِالنُّصْرَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالصُّحْبَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالْأَفْعَالِ الْجَمِيلَةِ».

قال معاوية: فما تقول في العبَّاس؟ قال: «رحم الله أَبا الفضل كان – والله – صِنوَ أَبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرَّة عين صفيِّ الله، كهف الأقوام، وسيّد الأعمام، وقد عَلا بصراً بالأمور ونظراً بالعواقب. قد زانَه علمٌ، قد تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته، وتباعدت الأسباب عند فَخْرِ عشيرته، وَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ سَاسَهُ أَكْرَمُ مَنْ دَبَّ وَهَبَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ أَفْخَرُ مَنْ مَشَى مِنْ قَرِيبٍ وَرَكِب» ؟([9]). ([10])

————————————————————————————–

([1]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم:4/1963 رقم: 2533.

([2])  سورة التوبة آية 101.

([3]) أخرجه أحمد في المسند: 6/84، وقال المحقق شعيب الأرنؤوط: (إسناده حسن).

([4]) سورة الفتح آية 29.

([5])  سورة الحشر، آية: 8، 9.

([6])  سورة الفتح، آية: 18، 19.

([7])  المعجم الكبير: 10/238-240.

([8])  الخنى: من قبيح الكلام والفحش. تاج العروس للزبيدي: 38/21.

([9]) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم. مجمع الزوائد: 9/160.

([10])  -المعجم الكبير أبو القاسم الطبراني-المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي-دار النشر: مكتبة ابن تيمية – 1415 هـ – 1994 م.

     -حياة الصحابة تأليف: محمد يوسف الكاندهلوي-تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف-مؤسسة الرسالة-ط 1- 1420هـ/1999م.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق