مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

اختصار كتاب الكشف والبيان، لما يرجع لأحوال المكلفين من عقائد الإيمان

للشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت.1345هـ)

لأبي العباس الرهوني (ت.1373هـ)

يزدان الإنتاج المغربي في ميدان العقائد وعلم الكلام بضروب مختلفة من التأليف؛ فعلاوة على المتون العقدية والمصنفات الكلامية، التي يؤلفها أصحابها أصالة، اشتُهر المغاربة ـ كما المشارقة ـ بالاحتفاف بهذه المصنفات شرحا، ونظما، ونقدا، واختصارا، وتلخيصا، وتحشية، وتطريرا، وتعليقا.. كلُّ هذه الضروب المتمايزة تعكس وجوها من العناية والرعاية التي أولاها علماؤنا للمنتوج العقدي ـ مغربيا كان أو مشرقيا ـ إيلاءً اقتضته أسباب متعددة؛ منها ما هو علمي أو تعليمي، ومنها ما هو تاريخي اجتماعي يتعلق بواقع الشارح أو الناقد أو المحشي.. وفي كلا الحالتين تنعكس هذه العناية على المؤلَّف المعتنَى به سلبا أو إيجابا من جهة الأمانة والكفاية في عرض أفكاره أو بسط معانيه أو نظم منثوره أو فك مغلقه أو تلخيص معاقده.. كما تنعكس على الدرس العقدي من حيث الإسهامُ في تجديده وتطويره أو التسببُ في عقمه وانكماشه. 
ويهمنا في هذه الورقة أن نعرض، بين يدي القارئ، نموذجا حيا لضرب من هذه الضروب متمثلا في اختصار بعض المؤلفات الكلامية، ويتعلق الأمر بمختصر كلامي قيده العالم التطواني أبو العباس الرهوني (ت.1373هـ/1953م) على كتاب “الكشف والبيان، لما يرجع لأحوال المكلفين من عقائد الإيمان”(1) للشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت.1345هـ). وقد ضمّنه في ترجمته للمصنِّف في كتابه الماتع “عمدة الراوين في تاريخ تطاوين” معللا ذلك بقوله: «وأحببت إثباته في ترجمته لعموم النفع به»(2). والحق أنه كثيرا ما تحفظ لنا كتب التراجم والتاريخ مختصراتٍ لمصنفات ضاع أصلُها وبقي اختصارُها، فيقع النفع بها من هذا الجانب. أما بخصوص الكتاب المختصَر (الكشف والبيان) فقد كُتب له البقاء هو أيضا ربما لكونه من مؤلفات المحدثين (القرن العشرين الميلادي) بخلاف كتب القدماء التي اندرس جزء عظيم منها لتباعد الزمن وتلاحق المتغيرات من حروب وفتن وغيرها. 
هذا، وقد تنكب الصوابَ محقق “عمدة الراوين” عندما اعتبر هذا الكتاب لا يزال مخطوطا ينتظر من يعتني به(3)، والحال أن الكتاب حُقق من طرف أحد الطلبة الباحثين في كلية أصول الدين في إطار رسالته في الدكتوراه وذلك سنة 2003م(4) لكن لم يُكتب له النشر بعد. بيد أن صدور كتاب “عمدة الراوين” محققا حملني على تجريد ما تضمنه من مختصر للكتاب المذكور وإفراده بالعرض في موقع مركز أبي الحسن الأشعري تسهيلا للوصول إليه وتعميما لفائدته، في انتظار إخراج نص الكتاب الأصلي المحقق من عتمة دواليب المكتبات الجامعية إلى نور الطباعة والنشر.
وجدير بالذكر أن هنالك كتابا آخر يحمل العنوان نفسه للكتاب المختصَر عدا استبدال حرف الجر “في” بنظيره “من”، وهو “الكشف والبيان لِما يرجع لأحوال المكلفين في عقائد الإيمان” لأبي الفضل فتح الله ابن أبي بكر بن محمد بناني الرباطي (ت.1353هـ) الفقيه الصوفي الكبير(5)، ذكره أبو عبد الله سباطة الرباطي في “الفتح الرباني في التعريف بالشيخ فتح الله بن الشيخ أبي بكر بناني”(6). وهذا الأثر (العنوان) إذا وجدت عينُه وصحّت نسبتُه إلى الشيخ المذكور فإنه يفتح بابا للتساؤل عن السبب الذي حمل شيخ الطريقة الشاذلية في وقته على استنساخ العنوان نفسِه لكتاب محمد بن جعفر الكتاني المحدث الصوفي رغم المجايلة وقرب الشقة! 
وعلى العموم، فإن النص الذي نقدم له في هذه الورقة يتناول كما هو لائح من عنوانه موضوع أحوال المكلفين فيما يتعلق بالإيمان من حيث الجزمُ به من عدمه، ومن جهة الاستدلال عليه وجوبا أو ندبا أو اتباعا أو تقليدا وما يستتبع ذلك من أحكام شرعية، كما يعرض لضوابط الكفر ومراتب الجهل بالتوحيد مع ما يترتب عليها من أحكام أيضا.
وفيما يلي نص الاختصار بقلم أبي العباس الرهوني مذيلا بحواشي تبسط بعض ما طوي في المتن بسبب الاختصار خصوصا ما تعلق بالأعلام:
قال أبو العباس الرهوني:
وحاصله، أن الناطق بالشهادتين، إما أن يكون جازما بمعناها، مستندا للدليل التفصيلي، مع القدرة على حل الشبه على طريق المتكلمين. وهذا(7) آت بالكفائي والعيني.
وفي التفصيلي 4 أقوال: 
1ـ الوجوب الكفائي في كل قطر.
 2ـ الندب.
 3ـ الوجوب العيني. وهذا شاذ.
 4ـ الحرمة. وهو للسلف. وجمع بينه وبين الأول بحمل الأول على من فيه الأهلية، وهذا على من لا أهلية له.
وإما أن يجزم، مع معرفة الدليل الجملي، كدلائل “المرشد”، و”الصغرى”، وكـ”الدلائل” المنقولة عن بعضهم، المذكورة في سيدي الطيب(8) وغيره. وهي كأن يقال: ما الدليل على وجود الله؟ فيقول: هذه المخلوقات؛ ويعجز عن كيفية الاستدلال. وهذا غير عاص.
وفي الدليل الجملي 6 أقوال:
1ـ شرط في الإيمان على الأعيان. ونسب للأشعري.
2ـ واجب عينا، فرعا لا أصلا، على المتأهل وغيره، لتيسره. حكاه السنوسي.
3ـ واجب عينا، فرعا مع القدرة والقابلية. وهو الراجح عند غير واحد من المحققين.
4ـ مندوب، لبعض الصوفية والفقهاء.
5ـ جائز. نقله الأقليشي(9).
6ـ حرام. حكاه غير واحد. وهو مرغوب عنه، شاذ.
وإما أن يكون جازما مع عدم الاستناد إلى دليل أصلا، كمن في جزيرة مثلا. وفيه 7 أقوال:
1ـ كافر. حكاه في “الكبرى”(10)، عن جمع من المحققين. وقال: هو الحق. وحكى عليه الإجماع. ورُد بأن هذا بقية اعتزالية في مذهب أهل السنة. وقد اعتمد أنه مؤمن جماعة وافرة. وأنكروا وجود هذا القول لأهل السنة. وإنما هو للجبائي والرماني، وذلك كالعارف الفاسي والمنجور وابن زكري والقشيري. وقال: إنه مكذوب على الأشعري. وقد رجع عنه [أي السنوسي] في “الصغرى” و”المقدمات”، وكذا سيف الدين الآمدي، حاكيا عليه الاتفاق، والنووي في “شرح مسلم”، والغزالي وابن فورك وابن رشد مكفرا من كفر العوام، وزروق في “شرح الرسالة” قائلا إنه مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم. وكذا البَكِّي قائلا إنه لسائر الفقهاء والمحدثين، وابن عباد في “رسائله”، واليوسي في “حواشي الكبرى” والسمناني والباجي. وبالجملة فهو غريب(11).
قلت: ولما ذكروا وجوب الدليل، ظن السنوسي وجوب الأصول، مع أن المراد وجوب الفروع كما قاله شيخنا القادري(12).
2ـ مؤمن عاص، فيه أهلية أم لا، لتيسر الدليل الجملي لكل أحد.
3ـ مؤمن غير عاص، إذا لم تكن فيه أهلية؛ وإلا أثم. نسبه الآمدي للجمهور. وصححه السنوسي في “شرح صغرى الصغرى” وابن زكري وشارح “الإرشاد” واستظهره اليوسي ورُجح واعتمد.  ورُد على هذا القول الثاني بأن فيه التكليف بالمحال، ولم يقع فضلا.
4ـ مؤمن تارك لمندوب. ونسبه في “شرح المقدمات” للجمهور أي غير المتكلمين، وفي “شرح الصغرى” لابن أبي جمرة وابن رشد والغزالي وجماعة من الصوفية ولابن عباد في “الرسائل” وجوابٍ له.
5ـ مؤمن غير عاص ولا تارك لمندوب. عزاه الأقليشي للأكثر، نقله عن الشيوخ، كما نقله العارف في “حواشي الصغرى”.
6ـ مؤمن آت بالواجب، الذي هو التقليد، والنظر حرام لأنه مظنة الوقوع في الشبه، وهو فاسد. كيف يذم ما أمر الله به في 700 آية، ويحب ما ذمه الله، بقوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [سورة الزخرف: 22] {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله} [سورة البقرة: 170] 
7ـ وقيل: مؤمن، إن قلد ما لا يقبل الخطأ كالقرآن والسنة المتواترة لاتباعه القطعي. بل نفى بعض المحققين التقليد عمن استند إلى القرآن والسنة فيخرج من الخلاف حينئذ. بل قالوا إن دليله أقطع الدلائل وهو دليل السلف في الغالب. وانظر “جامع” ابن المَشري(13)، ففيه ما يرى في هذا الموضوع.
وعليه فالخروج من التقليد سهل، حتى ذهب جمع من المحققين إلا أن كل المؤمنين عارفون لا مقلدون كما صرح بذلك السيوطي (ت.911هـ) عن عبد الله بن سعيد الشافعي، وأبو منصور الماتريدي في “المقنع” وبعض شراح “المرشد” والشيخ الطيب ابن كيران (1227هـ) والسعد وغيرهم.
لكن الصواب كما لليوسي (ت.1102هـ) والسكتاني والأمير (ت.1200)(14) أن المقلد قد يوجد بين ظهر الناس، وأن المدار في الأحكام على كل شخص بعينه.
والحق أن من معه دليل من الكتاب والسنة المتواترة، ولو جمليا، عارف، ومن لا، فمقلد.
والصحيح وجوده في المدن وغيرها، وأنه مؤمن عاص، إن لم يرجع برجوع مقلَّده؛ وإلا فلا خلاف في كفره. وهذا بالنظر لأحكام الآخرة. وأما في الدنيا، فكل ناطق بالشهادة مسلم؛ تجري عليه الأحكام، كما قاله اليوسي رحمه الله.
وإما أن يكون غير جازم. وهذا كافر، كما صرح به سيدي زروق (ت.899هـ) واليوسي (ت.1102هـ) في “حواشي الكبرى” والسنوسي في “شرح الكبرى” ناقلا الإجماع عليه، كالجهل المركب. وكذا في “شرح الصغرى”. وكذا ميارة (ت.1072هـ) وسيدي الطيب (ت.1227هـ) في “شرحيهما” على “المرشد”، حكيا الإجماع على كفرهما.  
وإما أن يكون جازما مفرقا بين الرسول والمرسل، إلا أنه جاهل بالعقائد الواجبة لا يعرفها ولو بالتقليد ككثير من النساء والعبيد والخدم وأهل البوادي. وهذا لا يؤمن عليه من أن يعتقد [ما] يُكفر به، كأن يجهل كونه عالما أو قادرا أو متكلما، أو يعتقد في حق الله أو الرسول ما هو كفر كالجسمية كالأجسام، وخصوص الرسالة بالعرب أو ينكر ما إنكاره كفر لعلمه ضرورة كالبعث.
ولو سُلّمت سلامته من الكفر، فهو عاص بترك معرفة العقائد الدينية إجماعا لوجوبها عينا، لأنها أحرَوية من الفروع. وقد شوهد تخليط العامة في العقائد. وقد نص على ذلك بعض شراح “المرشد”، وأنهم يعتقدون التجسيم والجهة، والتأثير بالطبع، وإثبات الغرض، وكون الكلام بالحرف بالصوت وأنه ينقطع، إلخ. وقد نص على ذلك السنوسي في “شرح الكبرى” وصدقه اليوسي في حاشيته، وذكر قضية المرأة القائلة: “الله يغفر لنا إن وفقه الله”. وهذا كفر. وصدقه الباجوري أيضا.
 وقد بقي المؤلف للأصل حفظه الله(15) يعلم بربريا كلمة الشهادة فما عرفها إلا بعد مشقة. وقال له فاسي يوما: لم يأتنا من الآخرة أحد. فقرر له الدليل وتركه.
وضابط الكفر 3 أمور: 
ـ ما يناقض الشق الأول من الشهادة، كاعتقاد الجهل والموت، وعدم الوحدانية والعدم وغير ذلك.
ـ وما يناقض الشق الثاني، كاعتقاد عدم الرسالة أو خصوصها إلى آخر ما فيه تكذيب.
ـ وفعل ما أجمع عليه، كالسجود للصنم تعظيما اختيارا، أو القول بقدم العالم، والتردد للكنائس تعظيما، ولبس الزنار، وجهل الصفة وإثبات ضدها كفر. وإن لم يثبت الضد؛ فإن جَهِلَ ما لا يُدخل في الإسلام إلا به كالوحدانية كَفَرَ، وإلا ففيه خلاف.
وقد قسم القرافي الجهل إلى 10 أقسام:
1ـ ما لا نؤاخذ به أصلا فضلا كالصفات التي لم تنصب عليها الآيات لأن “العجز عن الإدراك إدراك”.
2ـ وجحد الأحكام ككونه عالما مثلا وهو كفر إجماعا، وفي جهلها بدون جحد قولا الطبريِّ وغيره وإليه رجع الأشعري وهو المعتمد.
3ـ وإثبات الأحكام بدون الصفات كعالم بغير علم وهو رأي المعتزلة. وفي تكفيرهم قولا الشافعي ومالك. والخلاف مطلق في الدنيا والآخرة على الصواب.
4ـ وما اختلف في كونه جهلا أو حقا، ككون القدم والبقاء وجوديتين أو سلبيتين. وهو المعتمد.
5ـ والجهل بمتعلق الصفات، مع عدم إثبات الضد، وهو الجهل البسيط لا يكون عاصيا. فإن أثبت الضد كتخصيص المعتزلة متعلق القدرة والإرادة ببعض الممكنات فقولان: الراجح عدم التكفير.
6ـ والجهل المتعلق بالذات، كاعتقاد الجسمية لا كالأجسام والمكان والجهة، وهو مذهب الحشوية. والصحيح عدم التكفير. بخلاف البنوة والحلول فكفر إجماعا كالجسمية كالأجسام، وجهة غير العلو، أو قبل عقله غير ما اعتقد.
7ـ والجهل بقدم الصفة كاعتقاد الكرامية حدوث الإرادة فيه قولان: الصحيح عدم التكفير.
8ـ والجهل ما أخبر الشرع بوقوعه كفر إجماعا.
9ـ والجهل بما لم يخبر الشرع بوقوعه، وهذا لا يلزم عليه شيء.
10ـ والجهل بتعلق الصفة بما لا مصلحة فيه كما للمعتزلة، والصحيح عدم التكفير.
ومن اعتقاد العامة إثبات التأثير للقدرة بنفسها وهو كفر، وقوله القدرة فعالة، حرام أو مكروه لإيهامه. ومن ذلك إثبات الغرض وهو كفر أيضا. 
ومن ذلك إثبات التأثير للأسباب العادية بطبعها أو بعلة. وهو كفر، وإما بقوة مبدعة، والراجح عدم التكفير. 
وأما معتقد عدم التأثير مع الملازمة فمبتدع، والراجح عدم تكفيره أيضا. ولكن اعتمد اليوسي تكفيره لأنه يؤدي إلى إنكار ما ورد به الشرع. والاعتقاد الحق أن التأثير لله. وقد يتخلف بإرادته. وإذا كان كذلك فيجب على الجاهل التعلم، ويجب الإنكار عليه وهجره حتى يتعلم. نعم من ألهمه الله إياها كرامة له، كالأولياء فلا يجب عليهم تعلمها، وغيرهم يجب عليه التعلم، وعلى من عرف تعريفهم بقدر الإمكان.
الوجه السادس(16): أن ينطق بالشهادة جاهلا بالتوحيد والرسالة؛ سمع الناس يقولون شيئا فقاله كبعض البربر. وهذا كافر؛ لا يناكح ولا يؤم، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، ولا يدفن في قبور المسلمين، وهو مخلد في النار إن مات على ذلك، كما حكى ابن العربي (ت.543هـ) الاتفاق عليه وكما أفتى به علماء بجاية لما سئلوا عمن هذا حاله كسيدي أحمد ابن عيسى وسيدي عبد الرحمان الوغليسي وغيرهما.
ولا يشترط في الإيمان معرفة اندراج العقائد تحت الكلمة المشرفة كما للسكتاني في “حواشي السنوسية” وكما لليوسي في “حواشي الكبرى” وكما لابن يامون(17) وغيرهم.
انتهى. والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البدء والتمام. 
قلت: وقد حصل لشيخنا الشريف البركة سيدي امَحمد القادري في “حاشيته” على الشيخ الطيب، أن الجهل بالوجود والألوهية والوحدانية كفر. وما عداها لا يكفر بها جاهلها إلا أن ينفيها، ما عدا ما نفته المعتزلة فلا يكفر.
هذا ملخصه. انتهى. والحمد لله رب العالمين، وكتبه مختصره عبيد الله أحمد بن محمد الرهوني لطف الله به.
إعداد الباحث: محمد أمين السقال
(1) عمدة الراوين في تاريخ تطاوين لأبي العباس أحمد الرهوني، تح: جعفر ابن الحاج السلمي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، 1432هـ/2011م، ج9، ص. 35 ـ 41.
(2) المصدر نفسه، ص. 35.
(3) نفسه، هامش (53)، ص. 35؛ حيث صرح المحقق بقوله: «ما يزال هذا الكتاب حتى الآن، 1432هـ، مخطوطا ينتظر من يعتني به». وربما تابع في حكمه هذا محمد حمزة بن علي الكتاني محقق كتاب “الأربعون الكتانية في فضل آل بيت خير البرية صلى الله عليه وسلم” لمحمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2009، ص. 37. وبغض النظر عن هذه المسألة سيجد القارئ في كلا المصدرين ترجمة وافية لصاحب الكشف والبيان تغنينا عن ذكرها في هذا المقال: إذ القصد إثبات المختصر لا إثبات التراجم، فهذه محلها في نافذة أخرى من نوافذ المركز.
(4) الكشف والبيان لما يرجع لأحوال المكلفين في عقائد الإيمان، للشيخ الإمام الفقيه ‏المحدث الصوفي محمد بن جعفر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني(ت.1345هـ)، دراسة ‏وتحقيق، إعداد الطالب الباحث: عبد الرحمن بن علوش، (رسالة دكتوراه)، كلية أصول الدين – ‏جامعة عبد الملك السعدي، نوقشت في: (05/07/2003م).‏ راجع في هذا الصدد: مقالة: رسائل وأطاريح مغربية محققة: مسرد بيبليوغرافي، إعداد رشيد قباظ، ضمن موقع مركز الدراسات والبحوث وإحياء التراث  www.almarkaz.maالتابع للرابطة المحمدية للعلماء.
(5) انظر ترجمته في كتاب “طبقات الشاذلية الكبرى”، أبوعلي الحسن الكوهن الفاسي، وضع حواشيه مرسي محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2005م ـ 1426هـ، ص. 163 ـ 174.
(6) هذا الكتاب لا يزال مخطوطا، وقد أفدت هذه المعلومة من كتاب المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية” لخالد زهري، ص. 728، والذي سيصدر قريبا باسم مركز أبي الحسن الأشعري.
(7) “هذا” يكتبها المحقق “هاذا” جريا على قناعته واختياره العلمي والذي برره وسوغ له في مقدمة تحقيقه لـ”عمدة الراوين” (الجزء الأول). الأمر نفسه بخصوص “لكن” حيث يكتبها “لاكن” إضافة إلى بعض الكلمات الأخرى، لكني ارتأيت إثباتها على المعهود بيننا الدارج بين أهل الكتابة واللسان.
(8) يقصد بالمرشد المنظومة الشهيرة “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” لابن عاشر (ت.1040)، وبالصغرى “العقيدة الصغرى أو أم البراهين” للسنوسي أبي عبد الله (ت.995)، أما “سيدي الطيب” فالمقصود به أبو عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد ابن كيران الفاسي (ت.1227هـ) صاحب التصانيف في العقيدة وعلم الكلام، منها شرحه على توحيد ابن عاشر، وهو الشرح الذي اشتُهر بكثرة الحواشي عليه. 
(9) لعل المقصود به أبو العباس أحمد بن قاسم اللخمي الأُقليشي الأندلسي المقرئ (ت.410) صاحب “شرح أسماء الله الحسنى”. وهو شيخ حافظ المغرب ابن عبد البر النمري (ت.463هـ) في القراءات.
(10) المقصود بـ”الكبرى” “العقيدة الكبرى” للسنوسي وله عليها شرح، كما لغيره شروح كثيرة وحواشي عليها.
(11) ذكر في هذه الفقرة ـ كما في غيرها ـ أسماء مجموعة من الأعلام والمؤلفات على سبيل الاختصار ما يستوجب من القارئ أن يكون ملما بتاريخ علم الكلام خصوصا في المغرب؛ رجالاته وعناوين كتبهم. وبغض النظر عن الأسماء المعروفة الواردة في الفقرة، يقصد بـ”العارف الفاسي” أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي (ت.1036) صاحب الشروح والحواشي على متون السنوسي. والمنجور هو أبو العباس أحمد بن علي المنجور المكناسي الفاسي (ت.995) وله هو أيضا حواشي على عقائد السنوسي. أما ابن زكري فهو أحمد بن محمد ابن زكري المانوي التلمساني (ت.900) صاحب “محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد” وهي منظومة في العقائد عليها شروح. وأما البكي فهو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل قاسم الكومي البكي التونسي (ت.916) صاحب “تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب”، وابن عباد هو الصوفي الشهير أبو عبد الله النفزي الرندي الشهير بان عباد صاحب “الرسائل الكبرى” في التوحيد والتصوف وغيرهما.
(12) كثير من علماء المغرب ممن ألف في العقائد عرفوا بلقب “القادري” منهم: أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسني (ت.1110) صاحب القصيدة اللامية في التوحيد، وامَحمد بن قاسم القادري (ت.1331) صاحب الحاشية الكبرى على شرح الشيخ الطيب ابن كيران على توحيد المرشد المعين، ومحمد ابن الغالي القادري الحسني (ت.1350) صاحب “خلاصة الصفا على حديث «كنت نبيا». والمقصود بقول المختصِر “شيخنا القادري” هو امَحمد بن قاسم صاحب “الحاشية الكبرى” و”رسالة النجاة” المذكور وشيكا، وهو من أشياخ أبي العباس الرهوني. انظر ترجمته في: “عمدة الراوين، ج9، ص. 97 وما بعدها.  
(13) هو الشريف أبو عبد الله محمد بن المشري (ت.1224) ترجمان الطريقة التجانية وكاتب أبي العباس أحمد التيجاني صاحب الطريقة المشهورة، له كتاب “الجامع لما افترق من العلوم”. 
(14) لم يتمحض لي المقصود بـ”السكتاني” هل هو “موسى بن محمد بن مبارك السيمكي السُّكتاني (ت.1035هـ)” أم “أبو مهدي عيسى ابن عبد الرحمن السُّكتاني الرجراجي السوسي (ت.1062هـ)” وكلاهما مشارك في علم الكلام؟ وأرجح الثاني صاحب “الحاشية على شرح العقيدة الصغرى للسنوسي” خصوصا أن المختصِر ذكره في نهاية اختصاره مقرونا بحواشيه على السنوسي. أما “الأمير” فالمقصود به هو محمد السنباوي المالكي الأزهري المعروف بالأمير صاحب “حاشية على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد” التي كانت تدرس في الأزهر الشريف. توفي عام (1232هـ) وليس (1200هـ) كما أثبت المختصِر أو المحقق.
(15) هذا يدل على أن أبا العباس الرهوني اختصر كتاب “الكشف والبيان” في زمن المؤلف.
(16) “الوجه السادس” تبع للوجوه الخمسة السابقة وإن لم يسم كل واحد منها “وجها” فتأمل، وهي قوله: 1ـ إما أن يكون جازما بمعناها (أي الشهادتين) مستندا للدليل التفصيلي. 2ـ إما أن يجزم مع معرفة الدليل الجملي. 3ـ  وإما أن يكون جازما مع عدم الاستناد إلى دليل أصلا. 4ـ وإما أن يكون غير جازم. 5ـ وإما أن يكون جازما مفرقا بين الرسول والمرسل إلا أنه جاهل بالعقائد الواجبة لا يعرفها ولو بالتقليد.
(17) ربما هو قاسم بن أحمد بن موسى ابن ياتمون التليدي الخمسي (كان حيا عام 1088هـ) صاحب المنظومة الشهيرة في آداب النكاح وعليها شروح. ولم أقف على مؤلف له في علم الكلام أو حواشي على المتون العقدية. راجع معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف اليان سركيس، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د ت، ج1، ص. 286.

يزدان الإنتاج المغربي في ميدان العقائد وعلم الكلام بضروب مختلفة من التأليف؛ فعلاوة على المتون العقدية والمصنفات الكلامية، التي يؤلفها أصحابها أصالة، اشتُهر المغاربة ـ كما المشارقة ـ بالاحتفاف بهذه المصنفات شرحا، ونظما، ونقدا، واختصارا، وتلخيصا، وتحشية، وتطريرا، وتعليقا.. كلُّ هذه الضروب المتمايزة تعكس وجوها من العناية والرعاية التي أولاها علماؤنا للمنتوج العقدي ـ مغربيا كان أو مشرقيا ـ إيلاءً اقتضته أسباب متعددة؛ منها ما هو علمي أو تعليمي، ومنها ما هو تاريخي اجتماعي يتعلق بواقع الشارح أو الناقد أو المحشي.. وفي كلا الحالتين تنعكس هذه العناية على المؤلَّف المعتنَى به سلبا أو إيجابا من جهة الأمانة والكفاية في عرض أفكاره أو بسط معانيه أو نظم منثوره أو فك مغلقه أو تلخيص معاقده.. كما تنعكس على الدرس العقدي من حيث الإسهامُ في تجديده وتطويره أو التسببُ في عقمه وانكماشه. 

ويهمنا في هذه الورقة أن نعرض، بين يدي القارئ، نموذجا حيا لضرب من هذه الضروب متمثلا في اختصار بعض المؤلفات الكلامية، ويتعلق الأمر بمختصر كلامي قيده العالم التطواني أبو العباس الرهوني (ت.1373هـ/1953م) على كتاب “الكشف والبيان، لما يرجع لأحوال المكلفين من عقائد الإيمان”(1) للشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت.1345هـ). وقد ضمّنه في ترجمته للمصنِّف في كتابه الماتع “عمدة الراوين في تاريخ تطاوين” معللا ذلك بقوله: «وأحببت إثباته في ترجمته لعموم النفع به»(2). والحق أنه كثيرا ما تحفظ لنا كتب التراجم والتاريخ مختصراتٍ لمصنفات ضاع أصلُها وبقي اختصارُها، فيقع النفع بها من هذا الجانب. أما بخصوص الكتاب المختصَر (الكشف والبيان) فقد كُتب له البقاء هو أيضا ربما لكونه من مؤلفات المحدثين (القرن العشرين الميلادي) بخلاف كتب القدماء التي اندرس جزء عظيم منها لتباعد الزمن وتلاحق المتغيرات من حروب وفتن وغيرها. 

هذا، وقد تنكب الصوابَ محقق “عمدة الراوين” عندما اعتبر هذا الكتاب لا يزال مخطوطا ينتظر من يعتني به(3)، والحال أن الكتاب حُقق من طرف أحد الطلبة الباحثين في كلية أصول الدين في إطار رسالته في الدكتوراه وذلك سنة 2003م(4) لكن لم يُكتب له النشر بعد. بيد أن صدور كتاب “عمدة الراوين” محققا حملني على تجريد ما تضمنه من مختصر للكتاب المذكور وإفراده بالعرض في موقع مركز أبي الحسن الأشعري تسهيلا للوصول إليه وتعميما لفائدته، في انتظار إخراج نص الكتاب الأصلي المحقق من عتمة دواليب المكتبات الجامعية إلى نور الطباعة والنشر.

وجدير بالذكر أن هنالك كتابا آخر يحمل العنوان نفسه للكتاب المختصَر عدا استبدال حرف الجر “في” بنظيره “من”، وهو “الكشف والبيان لِما يرجع لأحوال المكلفين في عقائد الإيمان” لأبي الفضل فتح الله ابن أبي بكر بن محمد بناني الرباطي (ت.1353هـ) الفقيه الصوفي الكبير(5)، ذكره أبو عبد الله سباطة الرباطي في “الفتح الرباني في التعريف بالشيخ فتح الله بن الشيخ أبي بكر بناني”(6). وهذا الأثر (العنوان) إذا وجدت عينُه وصحّت نسبتُه إلى الشيخ المذكور فإنه يفتح بابا للتساؤل عن السبب الذي حمل شيخ الطريقة الشاذلية في وقته على استنساخ العنوان نفسِه لكتاب محمد بن جعفر الكتاني المحدث الصوفي رغم المجايلة وقرب الشقة! 

وعلى العموم، فإن النص الذي نقدم له في هذه الورقة يتناول كما هو لائح من عنوانه موضوع أحوال المكلفين فيما يتعلق بالإيمان من حيث الجزمُ به من عدمه، ومن جهة الاستدلال عليه وجوبا أو ندبا أو اتباعا أو تقليدا وما يستتبع ذلك من أحكام شرعية، كما يعرض لضوابط الكفر ومراتب الجهل بالتوحيد مع ما يترتب عليها من أحكام أيضا.

وفيما يلي نص الاختصار بقلم أبي العباس الرهوني مذيلا بحواشي تبسط بعض ما طوي في المتن بسبب الاختصار خصوصا ما تعلق بالأعلام:

قال أبو العباس الرهوني:

وحاصله، أن الناطق بالشهادتين، إما أن يكون جازما بمعناها، مستندا للدليل التفصيلي، مع القدرة على حل الشبه على طريق المتكلمين. وهذا(7) آت بالكفائي والعيني.

وفي التفصيلي 4 أقوال: 

1ـ الوجوب الكفائي في كل قطر.

 2ـ الندب.

 3ـ الوجوب العيني. وهذا شاذ.

 4ـ الحرمة. وهو للسلف. وجمع بينه وبين الأول بحمل الأول على من فيه الأهلية، وهذا على من لا أهلية له.

وإما أن يجزم، مع معرفة الدليل الجملي، كدلائل “المرشد”، و”الصغرى”، وكـ”الدلائل” المنقولة عن بعضهم، المذكورة في سيدي الطيب(8) وغيره. وهي كأن يقال: ما الدليل على وجود الله؟ فيقول: هذه المخلوقات؛ ويعجز عن كيفية الاستدلال. وهذا غير عاص.

وفي الدليل الجملي 6 أقوال:

1ـ شرط في الإيمان على الأعيان. ونسب للأشعري.

2ـ واجب عينا، فرعا لا أصلا، على المتأهل وغيره، لتيسره. حكاه السنوسي.

3ـ واجب عينا، فرعا مع القدرة والقابلية. وهو الراجح عند غير واحد من المحققين.

4ـ مندوب، لبعض الصوفية والفقهاء.

5ـ جائز. نقله الأقليشي(9).

6ـ حرام. حكاه غير واحد. وهو مرغوب عنه، شاذ.

وإما أن يكون جازما مع عدم الاستناد إلى دليل أصلا، كمن في جزيرة مثلا. وفيه 7 أقوال:

1ـ كافر. حكاه في “الكبرى”(10)، عن جمع من المحققين. وقال: هو الحق. وحكى عليه الإجماع. ورُد بأن هذا بقية اعتزالية في مذهب أهل السنة. وقد اعتمد أنه مؤمن جماعة وافرة. وأنكروا وجود هذا القول لأهل السنة. وإنما هو للجبائي والرماني، وذلك كالعارف الفاسي والمنجور وابن زكري والقشيري. وقال: إنه مكذوب على الأشعري. وقد رجع عنه [أي السنوسي] في “الصغرى” و”المقدمات”، وكذا سيف الدين الآمدي، حاكيا عليه الاتفاق، والنووي في “شرح مسلم”، والغزالي وابن فورك وابن رشد مكفرا من كفر العوام، وزروق في “شرح الرسالة” قائلا إنه مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم. وكذا البَكِّي قائلا إنه لسائر الفقهاء والمحدثين، وابن عباد في “رسائله”، واليوسي في “حواشي الكبرى” والسمناني والباجي. وبالجملة فهو غريب(11).

قلت: ولما ذكروا وجوب الدليل، ظن السنوسي وجوب الأصول، مع أن المراد وجوب الفروع كما قاله شيخنا القادري(12).

2ـ مؤمن عاص، فيه أهلية أم لا، لتيسر الدليل الجملي لكل أحد.

3ـ مؤمن غير عاص، إذا لم تكن فيه أهلية؛ وإلا أثم. نسبه الآمدي للجمهور. وصححه السنوسي في “شرح صغرى الصغرى” وابن زكري وشارح “الإرشاد” واستظهره اليوسي ورُجح واعتمد.  ورُد على هذا القول الثاني بأن فيه التكليف بالمحال، ولم يقع فضلا.

4ـ مؤمن تارك لمندوب. ونسبه في “شرح المقدمات” للجمهور أي غير المتكلمين، وفي “شرح الصغرى” لابن أبي جمرة وابن رشد والغزالي وجماعة من الصوفية ولابن عباد في “الرسائل” وجوابٍ له.

5ـ مؤمن غير عاص ولا تارك لمندوب. عزاه الأقليشي للأكثر، نقله عن الشيوخ، كما نقله العارف في “حواشي الصغرى”.

6ـ مؤمن آت بالواجب، الذي هو التقليد، والنظر حرام لأنه مظنة الوقوع في الشبه، وهو فاسد. كيف يذم ما أمر الله به في 700 آية، ويحب ما ذمه الله، بقوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [سورة الزخرف: 22] {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله} [سورة البقرة: 170] 

7ـ وقيل: مؤمن، إن قلد ما لا يقبل الخطأ كالقرآن والسنة المتواترة لاتباعه القطعي. بل نفى بعض المحققين التقليد عمن استند إلى القرآن والسنة فيخرج من الخلاف حينئذ. بل قالوا إن دليله أقطع الدلائل وهو دليل السلف في الغالب. وانظر “جامع” ابن المَشري(13)، ففيه ما يرى في هذا الموضوع.

وعليه فالخروج من التقليد سهل، حتى ذهب جمع من المحققين إلا أن كل المؤمنين عارفون لا مقلدون كما صرح بذلك السيوطي (ت.911هـ) عن عبد الله بن سعيد الشافعي، وأبو منصور الماتريدي في “المقنع” وبعض شراح “المرشد” والشيخ الطيب ابن كيران (1227هـ) والسعد وغيرهم.

لكن الصواب كما لليوسي (ت.1102هـ) والسكتاني والأمير (ت.1200)(14) أن المقلد قد يوجد بين ظهر الناس، وأن المدار في الأحكام على كل شخص بعينه.

والحق أن من معه دليل من الكتاب والسنة المتواترة، ولو جمليا، عارف، ومن لا، فمقلد.

والصحيح وجوده في المدن وغيرها، وأنه مؤمن عاص، إن لم يرجع برجوع مقلَّده؛ وإلا فلا خلاف في كفره. وهذا بالنظر لأحكام الآخرة. وأما في الدنيا، فكل ناطق بالشهادة مسلم؛ تجري عليه الأحكام، كما قاله اليوسي رحمه الله.

وإما أن يكون غير جازم. وهذا كافر، كما صرح به سيدي زروق (ت.899هـ) واليوسي (ت.1102هـ) في “حواشي الكبرى” والسنوسي في “شرح الكبرى” ناقلا الإجماع عليه، كالجهل المركب. وكذا في “شرح الصغرى”. وكذا ميارة (ت.1072هـ) وسيدي الطيب (ت.1227هـ) في “شرحيهما” على “المرشد”، حكيا الإجماع على كفرهما.  

وإما أن يكون جازما مفرقا بين الرسول والمرسل، إلا أنه جاهل بالعقائد الواجبة لا يعرفها ولو بالتقليد ككثير من النساء والعبيد والخدم وأهل البوادي. وهذا لا يؤمن عليه من أن يعتقد [ما] يُكفر به، كأن يجهل كونه عالما أو قادرا أو متكلما، أو يعتقد في حق الله أو الرسول ما هو كفر كالجسمية كالأجسام، وخصوص الرسالة بالعرب أو ينكر ما إنكاره كفر لعلمه ضرورة كالبعث.

ولو سُلّمت سلامته من الكفر، فهو عاص بترك معرفة العقائد الدينية إجماعا لوجوبها عينا، لأنها أحرَوية من الفروع. وقد شوهد تخليط العامة في العقائد. وقد نص على ذلك بعض شراح “المرشد”، وأنهم يعتقدون التجسيم والجهة، والتأثير بالطبع، وإثبات الغرض، وكون الكلام بالحرف بالصوت وأنه ينقطع، إلخ. وقد نص على ذلك السنوسي في “شرح الكبرى” وصدقه اليوسي في حاشيته، وذكر قضية المرأة القائلة: “الله يغفر لنا إن وفقه الله”. وهذا كفر. وصدقه الباجوري أيضا.

 وقد بقي المؤلف للأصل حفظه الله(15) يعلم بربريا كلمة الشهادة فما عرفها إلا بعد مشقة. وقال له فاسي يوما: لم يأتنا من الآخرة أحد. فقرر له الدليل وتركه.

وضابط الكفر 3 أمور: 

ـ ما يناقض الشق الأول من الشهادة، كاعتقاد الجهل والموت، وعدم الوحدانية والعدم وغير ذلك.

ـ وما يناقض الشق الثاني، كاعتقاد عدم الرسالة أو خصوصها إلى آخر ما فيه تكذيب.

ـ وفعل ما أجمع عليه، كالسجود للصنم تعظيما اختيارا، أو القول بقدم العالم، والتردد للكنائس تعظيما، ولبس الزنار، وجهل الصفة وإثبات ضدها كفر. وإن لم يثبت الضد؛ فإن جَهِلَ ما لا يُدخل في الإسلام إلا به كالوحدانية كَفَرَ، وإلا ففيه خلاف.

وقد قسم القرافي الجهل إلى 10 أقسام:

1ـ ما لا نؤاخذ به أصلا فضلا كالصفات التي لم تنصب عليها الآيات لأن “العجز عن الإدراك إدراك”.

2ـ وجحد الأحكام ككونه عالما مثلا وهو كفر إجماعا، وفي جهلها بدون جحد قولا الطبريِّ وغيره وإليه رجع الأشعري وهو المعتمد.

3ـ وإثبات الأحكام بدون الصفات كعالم بغير علم وهو رأي المعتزلة. وفي تكفيرهم قولا الشافعي ومالك. والخلاف مطلق في الدنيا والآخرة على الصواب.

4ـ وما اختلف في كونه جهلا أو حقا، ككون القدم والبقاء وجوديتين أو سلبيتين. وهو المعتمد.

5ـ والجهل بمتعلق الصفات، مع عدم إثبات الضد، وهو الجهل البسيط لا يكون عاصيا. فإن أثبت الضد كتخصيص المعتزلة متعلق القدرة والإرادة ببعض الممكنات فقولان: الراجح عدم التكفير.

6ـ والجهل المتعلق بالذات، كاعتقاد الجسمية لا كالأجسام والمكان والجهة، وهو مذهب الحشوية. والصحيح عدم التكفير. بخلاف البنوة والحلول فكفر إجماعا كالجسمية كالأجسام، وجهة غير العلو، أو قبل عقله غير ما اعتقد.

7ـ والجهل بقدم الصفة كاعتقاد الكرامية حدوث الإرادة فيه قولان: الصحيح عدم التكفير.

8ـ والجهل ما أخبر الشرع بوقوعه كفر إجماعا.

9ـ والجهل بما لم يخبر الشرع بوقوعه، وهذا لا يلزم عليه شيء.

10ـ والجهل بتعلق الصفة بما لا مصلحة فيه كما للمعتزلة، والصحيح عدم التكفير.

ومن اعتقاد العامة إثبات التأثير للقدرة بنفسها وهو كفر، وقوله القدرة فعالة، حرام أو مكروه لإيهامه. ومن ذلك إثبات الغرض وهو كفر أيضا. 

ومن ذلك إثبات التأثير للأسباب العادية بطبعها أو بعلة. وهو كفر، وإما بقوة مبدعة، والراجح عدم التكفير. 

وأما معتقد عدم التأثير مع الملازمة فمبتدع، والراجح عدم تكفيره أيضا. ولكن اعتمد اليوسي تكفيره لأنه يؤدي إلى إنكار ما ورد به الشرع. والاعتقاد الحق أن التأثير لله. وقد يتخلف بإرادته. وإذا كان كذلك فيجب على الجاهل التعلم، ويجب الإنكار عليه وهجره حتى يتعلم. نعم من ألهمه الله إياها كرامة له، كالأولياء فلا يجب عليهم تعلمها، وغيرهم يجب عليه التعلم، وعلى من عرف تعريفهم بقدر الإمكان.

الوجه السادس(16): أن ينطق بالشهادة جاهلا بالتوحيد والرسالة؛ سمع الناس يقولون شيئا فقاله كبعض البربر. وهذا كافر؛ لا يناكح ولا يؤم، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، ولا يدفن في قبور المسلمين، وهو مخلد في النار إن مات على ذلك، كما حكى ابن العربي (ت.543هـ) الاتفاق عليه وكما أفتى به علماء بجاية لما سئلوا عمن هذا حاله كسيدي أحمد ابن عيسى وسيدي عبد الرحمان الوغليسي وغيرهما.

ولا يشترط في الإيمان معرفة اندراج العقائد تحت الكلمة المشرفة كما للسكتاني في “حواشي السنوسية” وكما لليوسي في “حواشي الكبرى” وكما لابن يامون(17) وغيرهم.

انتهى. والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البدء والتمام. 

قلت: وقد حصل لشيخنا الشريف البركة سيدي امَحمد القادري في “حاشيته” على الشيخ الطيب، أن الجهل بالوجود والألوهية والوحدانية كفر. وما عداها لا يكفر بها جاهلها إلا أن ينفيها، ما عدا ما نفته المعتزلة فلا يكفر.

هذا ملخصه. انتهى. والحمد لله رب العالمين، وكتبه مختصره عبيد الله أحمد بن محمد الرهوني لطف الله به.

 

                                            إعداد الباحث: محمد أمين السقال

 


الهوامش:

 

(1) عمدة الراوين في تاريخ تطاوين لأبي العباس أحمد الرهوني، تح: جعفر ابن الحاج السلمي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، 1432هـ/2011م، ج9، ص. 35 ـ 41.

(2) المصدر نفسه، ص. 35.

(3) نفسه، هامش (53)، ص. 35؛ حيث صرح المحقق بقوله: «ما يزال هذا الكتاب حتى الآن، 1432هـ، مخطوطا ينتظر من يعتني به». وربما تابع في حكمه هذا محمد حمزة بن علي الكتاني محقق كتاب “الأربعون الكتانية في فضل آل بيت خير البرية صلى الله عليه وسلم” لمحمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2009، ص. 37. وبغض النظر عن هذه المسألة سيجد القارئ في كلا المصدرين ترجمة وافية لصاحب الكشف والبيان تغنينا عن ذكرها في هذا المقال: إذ القصد إثبات المختصر لا إثبات التراجم، فهذه محلها في نافذة أخرى من نوافذ المركز.

(4) الكشف والبيان لما يرجع لأحوال المكلفين في عقائد الإيمان، للشيخ الإمام الفقيه ‏المحدث الصوفي محمد بن جعفر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني(ت.1345هـ)، دراسة ‏وتحقيق، إعداد الطالب الباحث: عبد الرحمن بن علوش، (رسالة دكتوراه)، كلية أصول الدين – ‏جامعة عبد الملك السعدي، نوقشت في: (05/07/2003م).‏ راجع في هذا الصدد: مقالة: رسائل وأطاريح مغربية محققة: مسرد بيبليوغرافي، إعداد رشيد قباظ، ضمن موقع مركز الدراسات والبحوث وإحياء التراث  www.almarkaz.maالتابع للرابطة المحمدية للعلماء.

(5) انظر ترجمته في كتاب “طبقات الشاذلية الكبرى”، أبوعلي الحسن الكوهن الفاسي، وضع حواشيه مرسي محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2005م ـ 1426هـ، ص. 163 ـ 174.

(6) هذا الكتاب لا يزال مخطوطا، وقد أفدت هذه المعلومة من كتاب المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية” لخالد زهري، ص. 728، والذي سيصدر قريبا باسم مركز أبي الحسن الأشعري.

(7) “هذا” يكتبها المحقق “هاذا” جريا على قناعته واختياره العلمي والذي برره وسوغ له في مقدمة تحقيقه لـ”عمدة الراوين” (الجزء الأول). الأمر نفسه بخصوص “لكن” حيث يكتبها “لاكن” إضافة إلى بعض الكلمات الأخرى، لكني ارتأيت إثباتها على المعهود بيننا الدارج بين أهل الكتابة واللسان.

(8) يقصد بالمرشد المنظومة الشهيرة “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” لابن عاشر (ت.1040)، وبالصغرى “العقيدة الصغرى أو أم البراهين” للسنوسي أبي عبد الله (ت.995)، أما “سيدي الطيب” فالمقصود به أبو عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد ابن كيران الفاسي (ت.1227هـ) صاحب التصانيف في العقيدة وعلم الكلام، منها شرحه على توحيد ابن عاشر، وهو الشرح الذي اشتُهر بكثرة الحواشي عليه. 

(9) لعل المقصود به أبو العباس أحمد بن قاسم اللخمي الأُقليشي الأندلسي المقرئ (ت.410) صاحب “شرح أسماء الله الحسنى”. وهو شيخ حافظ المغرب ابن عبد البر النمري (ت.463هـ) في القراءات.

(10) المقصود بـ”الكبرى” “العقيدة الكبرى” للسنوسي وله عليها شرح، كما لغيره شروح كثيرة وحواشي عليها.

(11) ذكر في هذه الفقرة ـ كما في غيرها ـ أسماء مجموعة من الأعلام والمؤلفات على سبيل الاختصار ما يستوجب من القارئ أن يكون ملما بتاريخ علم الكلام خصوصا في المغرب؛ رجالاته وعناوين كتبهم. وبغض النظر عن الأسماء المعروفة الواردة في الفقرة، يقصد بـ”العارف الفاسي” أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي (ت.1036) صاحب الشروح والحواشي على متون السنوسي. والمنجور هو أبو العباس أحمد بن علي المنجور المكناسي الفاسي (ت.995) وله هو أيضا حواشي على عقائد السنوسي. أما ابن زكري فهو أحمد بن محمد ابن زكري المانوي التلمساني (ت.900) صاحب “محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد” وهي منظومة في العقائد عليها شروح. وأما البكي فهو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل قاسم الكومي البكي التونسي (ت.916) صاحب “تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب”، وابن عباد هو الصوفي الشهير أبو عبد الله النفزي الرندي الشهير بان عباد صاحب “الرسائل الكبرى” في التوحيد والتصوف وغيرهما.

(12) كثير من علماء المغرب ممن ألف في العقائد عرفوا بلقب “القادري” منهم: أبو محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسني (ت.1110) صاحب القصيدة اللامية في التوحيد، وامَحمد بن قاسم القادري (ت.1331) صاحب الحاشية الكبرى على شرح الشيخ الطيب ابن كيران على توحيد المرشد المعين، ومحمد ابن الغالي القادري الحسني (ت.1350) صاحب “خلاصة الصفا على حديث «كنت نبيا». والمقصود بقول المختصِر “شيخنا القادري” هو امَحمد بن قاسم صاحب “الحاشية الكبرى” و”رسالة النجاة” المذكور وشيكا، وهو من أشياخ أبي العباس الرهوني. انظر ترجمته في: “عمدة الراوين، ج9، ص. 97 وما بعدها.  

(13) هو الشريف أبو عبد الله محمد بن المشري (ت.1224) ترجمان الطريقة التجانية وكاتب أبي العباس أحمد التيجاني صاحب الطريقة المشهورة، له كتاب “الجامع لما افترق من العلوم”. 

(14) لم يتمحض لي المقصود بـ”السكتاني” هل هو “موسى بن محمد بن مبارك السيمكي السُّكتاني (ت.1035هـ)” أم “أبو مهدي عيسى ابن عبد الرحمن السُّكتاني الرجراجي السوسي (ت.1062هـ)” وكلاهما مشارك في علم الكلام؟ وأرجح الثاني صاحب “الحاشية على شرح العقيدة الصغرى للسنوسي” خصوصا أن المختصِر ذكره في نهاية اختصاره مقرونا بحواشيه على السنوسي. أما “الأمير” فالمقصود به هو محمد السنباوي المالكي الأزهري المعروف بالأمير صاحب “حاشية على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد” التي كانت تدرس في الأزهر الشريف. توفي عام (1232هـ) وليس (1200هـ) كما أثبت المختصِر أو المحقق.

(15) هذا يدل على أن أبا العباس الرهوني اختصر كتاب “الكشف والبيان” في زمن المؤلف.

(16) “الوجه السادس” تبع للوجوه الخمسة السابقة وإن لم يسم كل واحد منها “وجها” فتأمل، وهي قوله: 1ـ إما أن يكون جازما بمعناها (أي الشهادتين) مستندا للدليل التفصيلي. 2ـ إما أن يجزم مع معرفة الدليل الجملي. 3ـ  وإما أن يكون جازما مع عدم الاستناد إلى دليل أصلا. 4ـ وإما أن يكون غير جازم. 5ـ وإما أن يكون جازما مفرقا بين الرسول والمرسل إلا أنه جاهل بالعقائد الواجبة لا يعرفها ولو بالتقليد.

(17) ربما هو قاسم بن أحمد بن موسى ابن يامون التليدي الخمسي (كان حيا عام 1088هـ) صاحب المنظومة الشهيرة في آداب النكاح وعليها شروح. ولم أقف على مؤلف له في علم الكلام أو حواشي على المتون العقدية. راجع معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف اليان سركيس، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د ت، ج1، ص. 286.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق