وحدة الإحياءدراسات محكمة

إعمال السياق المقامي في الاجتهاد المالكي مظاهر وآفاق

 لا تكاد فترة من فترات التاريخ الفكري الإسلامي، تخلو من حوارات هادئة تارة، ومجادلات قوية تارة أخرى؛ حول منهج فهم النصوص الشرعية لاسيما الحديثية منها، وكانت تدور في أغلبها على إشكال أساس: هل النصوص الشرعية، في غالب أمرها، معقولة المعنى، ومناطة بعلل ومقاصد هي ضالة الفقيه المجتهد أنى وجدها فهو أولى بها يُحكمها في مرحلة الاستنباط من النصوص ثم في مرحلة تنزيلها على الواقع، أم أن هذه النصوص ملزمة بظاهرها للمكلفين، وجب عليهم الامتثال لها تعبدا، سواء عقلوا معناها أم عجزوا عن ذلك.

إذا كان الأمر بالنسبة لمناصري المنهج الظاهري، سهلا وواضحا؛ لأنه لا يتجاوز معرفة اللغة العربية واستعمالاتها من أجل الحكم على التصرفات والمستجدات؛ فإن إصدار الاجتهادات والفتاوى وفق المنهج المقاصدي في غاية الصعوبة؛ لأن المجتهد يجد نفسه أمام ضرورة الحسم في عدة قضايا: هل الموضوع المجتهد فيه تعبدي أم معلل؟ هل اللفظ الوارد في النص الشرعي مناط بمناط خاص أو عام؟ دائم أو مؤقت؟ كيف يمكن إعمال المنهج المقاصدي دون إخلال بقدسية النصوص الشرعية وحاكميتها؟ ما هي حدود إعمال المقاصد؟ وما مدى سلطتها التشريعية؟ كيف يمكن تنزيل المقاصد على واقع دائم التحول والتغير؟

ورغم كثرة هذه الأسئلة وتشعبها، فإنه قد ظهر لي، بعد التأمل، أن الحسم فيها ينطلق من البحث في إشكال أساس: ما هي المنهجية الأنسب لمعرفة مناط الحكم في زمن نزوله أو وروده؟ وبعبارة أخرى ما المقصود الذي تغياه الشارع من كل نص على حدة؟ لا ريب هذا السؤال يعد محوريا لأن الوصول إلى مقاصد النصوص زمن نزولها أو ورودها يمثل إضاءة بالغة الأهمية لمجال وكيفية توظيفها وتنزيلها على الوقائع المختلفة.

وللإجابة عن هذا الإشكال توجه العلماء إلى السياق باعتباره كاشفا عن المعاني، ومجليا للعلل، حتى نجد من يستعمل كلمة (السياق) في موضع (الغرض من صدور النص)، لما بين هذين المصطلحين من تبادل للوظائف وتكامل في مهمة الكشف عن مراد الشارع[1].

   وقد تعددت مشارب تتبع مساقات نصوص الشرع، وهي المساقات تنتظم، عموما، في اتجاهين كبيرين: سياق المقال، وسياق المقام. برزت في الأول، بالخصوص، الدراسات القرآنية ذات الطابع البلاغي الرامية إلى تتبع العلاقات بين الآيات، وكذا الدراسات الأصولية، لاسيما الحنفية منها التي جعلت من سوق الكلام معيارا لوضوح الدلالة. أما سياق المقام فقد تعاونت عليه علوم عدة، عبر مباحث كثيرة، فالمكي والمدني وأسباب النزول وأسباب الورود، وترجيح الراوي المشاهد للواقعة على غيره، وترجيح رواية الفقيه على غيرها… أشكال لمجهودات العلماء للاقتراب من زمن الرسالة، وملاحظة أحواله تنويرا لطريق الاستنباط من النصوص قرآنية كانت أم حديثية.

 وإذا كان المالكية يشتركون مع غيرهم في هذه المباحث، فإن لهم خصوصيات منهجية،       وتطبيقات اجتهادية، أدعي بها أن اهتمامهم بالسياق المقامي يفوق غيرهم، وأثر ذلك على اجتهادهم يميزهم عمن عداهم. ولإثبات هذا الادعاء أتطرق في هذا البحث للعناصر الآتية:

أولا: السياق المقامي: المفهوم والأهمية[2]

1. مفهوم السياق المقامي

لقد جرى تعريف السياق بكونه “ما انتظم القرائن الدالة على المقصود من الخطاب، سواء كانت القرائن مقالية أم حالية، فهو عبارة شاملة جامعة لكل دليل لفظي ومعنوي وحالي يفسر الغرض من الخطاب.

ومن هنا، فإن السياق يمكن أن ينقسم باعتبار القرائن التي يحويها إلى سياق مقالي، وسياق مقامي. ويراد بالسياق المقالي العبارات المكونة والسابقة واللاحقة ذات الترابط النحوي أو المنطقي. ويراد بالسياق المقامي ما ينتظم القرائن الحالية التي تفسر الغرض الذي جاء النص لإفادته، سواء أكانت قرائن في الخطاب ذاته أوفي المتكلم أوفي المخاطب أوفي الجميع”[3].

إذا كان هذا النص يجمع بين السياق المقالي والسياق المقامي، فإنه يميز بينهما على اعتبار أن الأول يستمد وجوده وفاعليته من ذات النظم القرآني أو الحديثي، أما الثاني، فإن محيط النص، والظروف التي تحفه هي التي تحدده، بما في ذلك من علاقات وعادات وأحداث خاصة وعامة، وأجواء سائدة، وطبيعة المخاطَبين بكل نص… وتقترن هذه المعطيات بعضها ببعض لتوجه المتفقه للنص الشرعي إلى اكتشاف مقصده، ومن هناك اكتشاف مفاهيمه ومجالات تنزيله وكيفية تطبيقه، إذ المقصد بوصلة التفقه في النص.

2. أهمية السياق المقامي

نطق أئمة أعلام بأهمية السياق في عملية فهم نصوص الشرع، منهم ابن دقيق العيد الذي قال: “السياق طريق إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات، وتنزيل الكلام على المقصود منه، وفهم ذلك قاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه. ولم أر من تعرض لها في أصول الفقه بالكلام عليها، وتقرير قاعدتها مطولة إلا بعض المتأخرين ممن أدركنا أصحابهم، وهي قاعدة متعينة على الناظر، وإن كانت ذات شغب على المناظر[4]“.

إن نص ابن دقيق العيد هذا يبين أهمية اعتبار السياق في فهم النص الشرعي، ويمكن تفصيل مظاهر هذه الأهمية فيما يلي:

أ. رفع احتمالية الدلالة اللفظية؛ إن الدلالة اللفظية، غالبا، لا تستطيع أن تعبر لوحدها عن مراد الشارع، لكثرة الاحتمالات الواردة عليها، والتي جمعها الرازي في عشرة احتمالات[5]، ولذلك احتاج المجتهد إلى قرائن تنفي الظنية ما أمكن عن النصوص الشرعية للتوصل لمراد الشارع، قال الشيخ الطاهر بن عاشور: “إن الكلام لم يكن في لغة من لغات البشر، ولا كان نوع من أنواعه وأساليبه في اللغة الواحدة بالذي يكفي للدلالة على مراد اللافظ دلالة لا تحتمل شكا في مقصده من لفظه؛ ولكن تتفاوت دلالة ألفاظ اللغات ودلالة أنواع اللغة الواحدة تفاوتا في تطرق الاحتمال إلى المراد من ذلك الكلام.. وبذلك لم يستغن المتكلمون والسامعون عن أن تحف بالكلام ملامح من سياق الكلام، ومقام الخطاب، ومبينات من البساط، لتتظافر تلك الأشياء الحافة بالكلام على إزالة احتمالات كانت تعرض للسامع في مراد المتكلم من كلامه..[6]“.

ويعتبر، رحمه الله، الغفلة عن السياق سببا موقعا للعلماء في الأخطاء، يقول: “ومن هنا يقصر بعض العلماء ويتوحل في خضخاض من الأغلاط حين يقتصر في استنباط أحكام الشريعة على اعتصار الألفاظ، ويوجه رأيه إلى اللفظ مقتنعا به، فلا يزال يقلبه ويحلله ويأمل أن يستخرج لبه، ويهمل ما قدمناه من الاستعانة بما يحف بالكلام من حافات القرائن والاصطلاحات والسياق، وإن أدق مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها مقام التشريع[7]“.

ب. الدلالة على مقاصد الشريعة؛ لما كان السياق رافعا للاحتمالات التي يحتملها النص، فهو، إذن، وسيلة من وسائل إدراك المعاني المرادة من الشارع، واستقراء هذه المعاني هو أساس تحصيل مقاصد الشريعة، لك أن السياق يعد “وسيلة من وسائل التوصل إلى مقاصد الشارع، لكونه وسيلة من وسائل إدراك المعاني المرادة من النصوص التي هي مظان تجلي المقاصد، ودلائل كشفها، ومواد استخراجها واستقرائها[8]“. ولذلك نجد الشاطبي، رحمه الله، يعتبر الأوامر والنواهي الابتدائية أول مسالك تحصيل مقاصد الشريعة، وهو المسلك الذي “يعرف بمعونة القرائن المقالية والمقامية التي تظهر السوق الأصلي من النص[9]“.

إن بين السياق والمقاصد علاقة (وظيفية تبادلية)؛ فتارة يكون السياق دالا على المقصد، وتارة يكون المقصد موضحا دلالة السياق، ومعيار التقدم لمنزلة البيان هو الوضوح، فأيهما أوضح كان له زمام المبادرة إلى البيان[10] يقول نجم الدين زنكي: “السياق إذا لم يكن واضح الدلالة على المعنى، فإن المقصد الشرعي الملحوظ من نصوص الشريعة عامة ومن استقراء عللها ومن قواعدها العامة      وعموماتها المعنوية، قد يكون مسلكا من مسالك الكشف عن المعنى، ورفع إشكالات السياق وحل معضلاته وتجلية مواطن الخفاء فيه[11].”

ج. بيان مجال تطبيق النص؛ لما كان السياق المقامي دالا على مقصود الشارع، فهو بذلك، محدد لمجال النص وحدوده، هل هو تشريع ملزم للناس كافة في كل زمان ومكان، أم خاص بفئة معينة من الناس، أم بزمان معين دون غيره، أم يتوقف تنفيذه على توافر شروط قبلية في المخاطَبين، فهذه الاحتمالات جدير بالسياق المقامي أن يبث فيها؛ فلا يعقل أن يتساوى حديث احتفت به قرائن الاستمرارية والدوام فأفشاه الرسول، صلى الله عليه وسلم، ورواه صحابته وعملوا به وحثوا عليه، بحديث لم يرو عنه، صلى الله عليه وسلم، إلا من واحد، ولم تحتف به قرينة استمرارية العمل. كما أن  خطاب الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأولي العزم من الصحابة لا ينبغي أن يتساوى في مجال التشريع  مع خطابه سائر المؤمنين بله ضعفاء الإيمان والمؤلفة قلوبهم.

وهنا مسألة لابد من التنبيه عليها، ذلك أن بعض الغيارى على دين الله، عز وجل، قد يرى في هذا الكلام تزكية وتشجيعا للذين يقولون بتاريخية النص الإسلامي؛ أي أنه نص جاء لمعالجة ظروف تاريخية مضت، فهو قاصر على زمن نزول الرسالة، ولا علاقة له بواقع الناس الحالي.

  إن هذه النظرية مرفوضة قطعا، ولست الآن في مجال الرد عليها، وإنما وجب هنا أن أفرق بين مراعاة ظروف النزول وقرائن النص وبين قصر النص على زمن نزوله. إذ أن مراعاة السياق المقامي هو وسيلة لفهم مقصود الشارع، الذي يمَكن من توسيع مجال تطبيق النص على الحالات التي يتحقق فيها نفس القصد، وإن كان الظاهر أن هذا السياق مُخَصِص، لأنه يرفع بعض الاحتمالات اللفظية غير المرادة، إلا أنه في الحقيقة يعمم الحكم على الحالات المشابهة، وبذلك يوسع مجال الاجتهاد في فهم النص. والفرق شاسع بين قصر النص على زمن نزوله، وتنزيله على المقصود منه.

 ثانيا: المسالك المنهجية لاعتماد السياق المقامي في المذهب المالكي

إن الاهتبال بالسياق المقامي، والاقتناع بأهميته التشريعية لم يكن مقصورا على المذهب المالكي، فقد كان العلماء في عصر التابعين وتابعيهم يرحلون إلى المدينة المنورة “ليتبصروا من آثار الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأعماله، وعمل الصحابة ومن صحبهم من التابعين[12]“، إلا أن الذي أدعيه في هذا البحث أن المذهب المالكي جعل لإعمال السياق المقامي مسالك منهجية تفرد في واحدة منها، هي: عمل أهل المدينة، وتميز في أخرى هي: عمل الصحابي وقوله، وسبق في التنبيه للثالثة هي: اختلاف تصرفات الرسول وأقواله وباختلاف أحواله.

1. عمل أهل المدينة

إذا كان من المعروف أن عمل أهل المدينة المستند إلى النقل هو حجة عند الإمام مالك؛ لأنه نقل متواتر من زمن الرسالة إلى زمنه، ولذلك يقدم على خبر الآحاد عند التعارض؛ فإن البعد الذي أريد إبرازه هنا هو البعد المنهجي لعمل أهل المدينة في المذهب المالكي، ويتم ذلك عن طريق إثارة سؤال مهم: هل تقديم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد عند المالكية، هو ترجيح فقط، يستند إلى عدد الرواة، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى أبعاد منهجية غاية في الأهمية؟

إن المالكية يقولون في كثير من الأحاديث الصحيحة: ليس عليها العمل، فقد قال محمد الراعي الأندلسي: “قال ابن القاسم وابن وهب: رأينا العمل عند مالك أقوى من الحديث. قال مالك: وقد كان رجال من أهل العلم من التابعين يحدثون بالأحاديث، وتبلغهم عن غيرهم، فيقولون: ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على غيره[13]“.

 إن هذا النص يثبت أن ترك الحديث من أجل عمل أهل المدينة، لم يكن اجتهادا من مالك، رحمه الله، وإنما هو منهج موروث من علماء المدينة قبله.

يضعنا هذا الأمر، في نظري، أمام حرج: إذا كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد نطق بحديث شهدت الصناعة الحديثية بصحته  فما وجه تركه من لدن الصحابة؟ وإذا سلمنا الأمر لهم، رضوان الله عليهم، لعدالتهم وفقههم، ألا يعد تركهم لحديث معين تضعيفا له، وفي ذلك اتهام للصناعة الحديثية؟

إن التأمل في أقوال الإمام مالك المدافعة عن حجية عمل أهل المدينة تخرجنا من هذا الحرج، وتضع الأمر في سياقه، بقوله رحمه الله: ” لقد أشرف الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الثنية من غزاة خيبر  في نحو اثني عشر ألفا، مات منهم بالمدينة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرقوا في البلدان، فمن أحرى أن يؤخذ بقولهم، ويعمل بعملهم، من توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه هؤلاء عندهم؟ أومن عندهم الاثنان والثلاثة؟[14]“.

 مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عند صحابة المدينة، والعندية لا تقتضي أن يكونوا رواةَ أقوال وأفعال فقط، بل تقتضي، وهذا مهم للغاية، أن يكونوا علماء بأحواله، صلى الله عليه وسلم، لما لهذه الأحوال من دور جوهري في فهم خطابه، وإناطة النصوص بمناطاتها الحقيقية التي يستحيل أن يتوصل إليها المجتهد بالمعطيات اللفظية فقط. قال مالك: “فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به لم أر لأحد خلافه، للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها[15]“.

وهذا الإصرار على الدفاع عن عمل أهل المدينة المستند إلى النقل، لا يمكن أن يفهم، خصوصا لما علم عن الإمام مالك من تواضع وتحر، إلا باستحضار ما يمنحه عمل أهل المدينة للفقيه المجتهد من معطيات واقعية تقصر عنها آحاد الأخبار: فالاستمرار الواقعي العملي للحكم يثبت الحكم وينفي عددا من المحاذير المتوقعة في الدلالات اللفظية في آحاد الأخبار، مثل: الخطأ في النقل، والنسخ، والخصوصية[16]، واعتماد الظواهر والتأويلات غير المقصودة منه، وتنزيل حكم في غير منزله؛

 وهذه كلها محاذير غاية في الخطورة، تجعل غير المتنبه لها معارضا لمقصد الشرع من حيث لا يدري،  يقول الراعي الأندلسي: “الله تعالى أسعده؛ (أي الإمام مالك) وسدده لعمل أهل المدينة الذين ينقل أبناؤهم عن آبائهم  وأخلافهم عن أسلافهم الأحكام والسنن النقل المتواتر بسبب جمع الدار[17] لهم  ولأسلافهم، فيخرج المستند عن حيز الظن والتخمين إلى حيز العلم واليقين، وغيره لم يظفر بذلك. ولذلك لما شاهد أبو يوسف مستند مالك في الصاع والمد والأذان والأوقات وكثير من الأحكام رجع عن مذهب صاحبه فيها إلى مذهب مالك رحمه الله تعالى[18]“.

 فعمل أهل المدينة مستند إلى مشاهدة مقامات واقعية وأحوال نبوية، اطلع عليها الصحابة الأولون بالمدينة المنورة، فتحكمت في طريقة تعاملهم مع الدلالات اللفظية لأخبار الآحاد، فجعلتهم يخصصون بها العام ويقيدون بها المطلق، ويؤولون المحتمل، وقد يقصرون الخبر على حالة خاصة، ولذلك يقول من بعدهم: ليس عليه عمل.

وقد فهم العلامة المالكي أبو العباس القرطبي هذا البعد المنهجي في عمل أهل المدينة فقال المستند إلى النقل فقال بعد أن صرح بحجيته: “ودليلنا على ذلك أن المدينة مأرز الإيمان، ومنزل الأحكام، والصحابة هم المشافهون لأسبابها، الفاهمون لمقاصدها، ثم التابعون نقلوها وضبطوها، وعلى هذا فإجماع أهل المدينة ليس حجة من حيث إجماعهم؛ بل إما هو من جهة نقلهم المتواتر. وإما من جهة مشاهدتهم لقرائن الأحوال الدالة على مقاصد الشرع[19]“، ولذلك أقول بأن عمل أهل المدينة المستند إلى النقل، ليس مجرد ترجيح بسبب كثرة الرواة، وإنما هو نقل لمقامات وقرائن تضيء النص الشرعي وتحدد مجال تطبيقه.

وبهذا المنهج يتجاوز المالكية الطابع الشخصي لإعمال السياق المقامي عند غيرهم، فقد قرر ابن دقيق العيد أن دلالة السياق ذوقية[20] لا تحتاج إلى دليل[21]، وقد أيده الصنعاني على ذلك ودافع عنه وبين مراده، فقال: “وذلك لأن دلالة السياق[22] ذوقية، والأذواق تختلف، فرب شخص يدرك دلالة السياق على معنى لا يدركه غيره، وكل مخاطب بما أدرك وفهم. ولذلك اختلفت الاستنباطات واستخراج الأدلة       والنكات[23]“، فرغم أنني أقر بالطابع الذوقي لكثير من الاستنباطات المعتمدة على السياق المقامي، فإن ما ثبت بعمل أهل المدينة خارج عن هذا الإطار.

2. قول الصحابي وعمله

اعتمد المذهب المالكي في إثباته لحجية قول الصحابي نفس المنطق الواقعي الذي اعتمده في إثبات عمل أهل المدينة، أقصد عدالة الصحابة وشدة تمرسهم، بدرجات متفاوتة، بالنهج النبوي في الامتثال والاجتهاد. قال الشاطبي مبينا أهمية بيان الصحابة للنصوص الشرعية، بعد أن بين علو كعبهم في اللغة العربية: “والثاني مباشرتهم للوقائع والنوازل وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة فهم أقعد في فهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب  فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات أو تخصيص بعض العمومات فالعمل عليه صواب، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة فإن خالف بعضهم فالمسألة اجتهادية[24]“؛

 فاللفظ في النص الشرعي يحتمل عددا من الاحتمالات في كثير من الأحوال، وليس أقرب إلى فهمه ممن شاهدوا نزول القرآن وورود الأحاديث، ويمثل الإمام الشاطبي لهذه الوظيفة التفسيرية، فيقول: “مثاله قوله عليه الصلاة والسلام: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر[25]“، فهذا التعجيل يحتمل أن يقصد به إيقاعه قبل الصلاة ويحتمل عكسه، فكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان يصليان المغرب قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة بيانا أن هذا التعجيل لا يلزم أن يكون قبل الصلاة، بل إذا كان بعد الصلاة فهو تعجيل أيضا، وأن التأخير الذي يفعله أهل المشرق شيء آخر داخل في التعمق المنهى عنه[26]“. ولاشك أن مجرد اللفظ لا يفيد هذا المعنى، ولكن اطلاعهم على القرائن المحتفة بالحديث جعلتهم ينصبوا أنفسهم قدوة للناس تفاديا للعمل بظاهر لا يوافق مقصود الخطاب.

   قد يعترض معترض على هذا بأن الصحابة لم يكونوا دائما مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليكونوا مطلعين على القرائن الحالية لكل الأحاديث؛ لكن سرعان ما يضمحل هذا الاعتراض لما نرى احتفالا كبيرا عند الإمام مالك، رحمه الله، بما أثر عن الخلفاء الراشدين بالخصوص وبفقهاء الصحابة، الذين كانوا يفتون ويُستشارون في القضاء، لما يعلمه من انبناء فتاويهم وأقضيتهم على منطق الشورى والتباحث العلني، مما يوفر بيئة صالحة لإقرار الصواب وتزكيته وإبعاد الخطإ وهجره.        وقد اشتغل مالك اشتغالا كبيرا في الاطلاع على أقضية الصحابة حتى وصل في ذلك مرتبة عالية جدا، يقول القرافي، رحمه الله، في مميزات الإمام مالك: “وامتيازه بضبط أقضية الصحابة، حتى يقول إمام الحرمين  رحمه الله: “وأما مالك، رحمه الله، في أقضية الصحابة، رضي الله عنهم، فلا يشق غباره[27].”

وبسبب كل ذلك  نجد الإمام مالكا يعتمد قول الصحابي وعمله ليقرر أحكاما تفصيلية، أو يفسر بها نصوصا عامة، وهي سمة مهمة تطبع كتاب الموطأ.

فعند قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ” (المائدة: 6).  نقل الإمام مالك، رحمه الله، تفسير زيد بن أسلم “أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم[28]” ولكنه جعل قبل هذا التفسير وبعده أثرين يدلان على صحته ويزيدان من توضيحه: الأول؛ عن عمر بن الخطاب قال: “إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ”، والثاني عن نافع أن ابن عمر كان ينام جالسا ثم يصلي ولا يتوضأ[29].

والخلاصة أن معرفة الصحابة بظروف النزول والورود، وتمرسهم بالمنهج النبوي في تنزيل الأحكام، جعل لاجتهادهم مزية كبرى في المذهب المالكي، فقولهم وعملهم وسيلة لفهم النص الحديثي وبيان مجال تطبيقه.

3. التمييز بين أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم

إن المجتهد وهو يطوف بين النصوص الشرعية قد يجد أحاديث، إذا عرضها على ما تحصل لديه من أصول وقواعد وضوابط شرعية، يحس بنوع من الحيرة العلمية بسبب ما يجده من صعوبة في إدراج بعض أخبار الآحاد ضمن الأصول والقواعد والضوابط، وفي نفس الوقت هو محترم للأحاديث يعز عليه تجاهلها أو تجاوزها؛ وما سبب هذه الحيرة في نظر الطاهر بن عاشور[30] إلا تلك النظرة الأحادية الجانب للأحاديث النبوية التي تجعلها على وزان واحد، دون مراعاة اختلاف أحوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، التي يمكن أن تكون مصدر قول منه أو فعل، فإذا وقعت الغفلة عن الحال وقع الزلل في فقه القول أو الفعل منه، صلى الله عليه وسلم..

 وهذا الاعتبار من مظاهر الاعتبار بالسياق المقامي، قال الشيخ الطاهر بن عاشور بعد تقرير كلام القرافي في الموضوع: “ومن ورائه نقول: إن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، صفات وأحوالا تكون باعثا على أقوال وأفعال تصدر منه، فبنا أن نفتح لها مشكاة تضيء في مشكلات كثيرة، لم تزل تعنت الخلق، وتشجي الحلق[31]“، ثم يستدل على صحة هذا المنهج فيقول: “وقد كان الصحابة يفرقون بين ما كان من أوامر الرسول صادرا في مقام التشريع، وما كان صادرا في غير مقام التشريع، وإذا أشكل عليهم  أمر سألوا عنه[32]“، ثم جلب حديثين صحيحين يثبت بهما هذا النهج[33].

ومن نتائج هذا الاهتبال بالمقام نجد الإمام القرافي المالكي، قد ميز في تصرفات الرسول، صلى الله عليه وسلم، بين تصرفه بالتشريع العام، وتصرفه بالفتيا، وتصرفه بالقضاء، وتصرفه بالإمامة.  ومثل لكل صنف منها بحديث نبوي. وكل تصرف له نتائج تشريعية تختلف عن التصرف الآخر. وهذا المسلك الاجتهادي يفتح بابا عظيما في الاجتهاد المقاصدي؛ لأنه يربط النص بالمناط الذي ورد فيه، لكي لا يقتصر التطبيق على جزء المناط أو يتجاوز به حدوده. ومعيار هذا التمييز عندهم هو القرائن المحتفة بالنص، يقول الطاهر بن عاشور: “فما يهم الناظر في مقاصد الشريعة تمييز مقامات الأقوال والأفعال الصادرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والتفرقة بين أنواع تصرفاته.

وللرسول، صلى الله عليه وسلم، صفات كثيرة صالحة لأن تكون مصادر أقوال وأفعال منه، فالناظر في مقاصد الشريعة بحاجة إلى تعيين الصفة التي عنها صدر منه قول أو فعل[34].”

 ولم يقف مجال التنظير لهذه المسألة عند ما حده القرافي، رحمه الله، بل توسع مع الإمام الكبير الطاهر بن عاشور الذي جعل أحوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، التي يمكن أن تكون مصدر قول منه أو فعل اثنا عشر حالا، هي: التشريع، والفتوى، والقضاء والإمارة والهدي والصلح والإشارة والنصيحة وتكميل النفوس وتعليم الحقائق العالية والتأديب والتجرد عن الإرشاد[35]“. ويجدر التأكيد هنا بأن التمييز بين أحوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، بدأ مع الإمام القرافي، من حيث التقرير النظري، أما التطبيق العملي فقد عُرف في زمن الصحابة، رضوان الله عليهم، وتميز به الاجتهاد المالكي المبكر، كما سنمثل له إن شاء الله.

 ثالثا: نماذج إعمال السياق المقامي في فهم الحديث النبوي

اتخذ النظر الفقهي المالكي منهجا دقيقا في التعامل مع النصوص الشرعية، خصوصا أخبار الآحاد، حيث كان يراعي في كثير من الأحيان ظروف ورودها، متخذا منها وسيلة لفهمها، لاسيما من جهة تحديد مجالها توسيعا أو تضييقا حسب ما تجمع لديه من قرائن وملابسات توجه الفهم وتسدد النظر، ثم من جهة استخراج مقاصدها لفتح آفاق اجتهادية واسعة، وأقدم نماذج من هذا التصرف، في أفق جمع مستوعب يصل بنا إلى بناء معايير مضبوطة لإعمال القرائن المقامية في الاستنباط من الحديث النبوي.

1. أخرج مسلم عن  عَائِشَةَ زَوجِ النَّبِىِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: “لَولاَ أَنَّ قَومَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، أَو قَالَ بِكُفْرٍ، لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ ولأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْر”. ظاهر هذا الحديث أن المانع الذي منع الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو حداثة العهد بالكفر، فكان القياس يقتضي، عند ارتفاع هذا المانع أن يرتفع الامتناع من تطبيق رغبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أراد الرشيد فعله، فقال مالك: “ناشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشأ أحد إلا نقص البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس[36]“.

إن الإمام مالكا قد أسس بهذه الاجتهاد لأمرين متلازمين عنده: الأول هو مراعاة  قرائن الأحوال، والثاني هو استنباط المقصد  منها لإعمالها في الصور المشابهة. قال القاضي عياض معلقا على هذا الحديث: “وفي قول النبي، عليه السلام، هذا، ترك بعض الأمور التي يستصوب عملها إذا خيف تولد ما هو أضر من تركه واستلاف الناس على الإيمان، وتمييز خير الشرين وإن سهل على الناس أمرهم، ولا ينفروا  ويتباعدوا من الأمور على ما ليس فيه تعطيل ركن من أركان شرعهم. وقد اقتدى بهذا مالك، رحمه الله، في هذه المسألة: “لما فهم إمامنا مالك أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، منع نفسه من إتمام بناء البيت مراعاة للحالة الدينية لقومه تجاه الكعبة، علم أن مناط تطبيق هذه الأمنية، هو سلامة النفوس واستعدادها لتقبل هذا التصرف دون أن يقع لهم خلل في الدين أو موازينه، ولذلك رأى أن واقع الناس الديني لا يمكن أن يلغى من الاعتبار أثناء النظر الفقهي  وتنزيل الأحكام، ولذلك راعى خطورة الصراع السياسي وضعف الوازع الديني أمامه، فناشد الرشيد ليكفه عما نواه من امتثال الحديث كما فعل الزبير، رضي الله عنه، والله وحده يعلم ما كان سيصير إليه الأمر لولا هذا النظر الفقهي الواقعي السديد.

2. عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَؤُمُّ الْقَومَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَواءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَواءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَواءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا ولاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ ولاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ[37]“.

 ظاهر الحديث يقضي بأن أولى الناس بالإمامة هو أحسنهم إجادة للقرآن الكريم، ولكن اختلف العلماء في العمل بهذا الظاهر، يقول ابن رشد: “اختلفوا فيمن أولى بالإمامة فقال: مالك: يؤم القوم أفقههم لا أقرؤهم، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد: يؤم القوم أقرؤهم. والسبب في هذا الاختلاف اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما، ولا يؤمن  الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه[38]“.

 وهو حديث متفق على صحته، لكن اختلف العلماء في مفهومه فمنهم من حمله على ظاهره  وهو أبو حنيفة، ومنهم من فهم من الأقرأ، هاهنا، الأفقه؛ لأنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة، وأيضا فإن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة وذلك بخلاف ما عليه الناس اليوم[39]“. هذه الجملة الأخيرة تدلنا على السياق المقامي الذي جعل الإمام مالكا يفهم اللفظ على غير ظاهره، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يخاطب أصحابه الذين كان شرط التفقه المانع من فساد الصلاة حاصلا فيهم، وهناك من ذهب إلى أن: “.. قوله صلى الله عليه وسلم: “يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله[40]” الحديث كان يراعي حالا معرفية كانت سائدة بين الصحابة، وهو اقتران القراءة بالفقه، وهما الصفتان اللتان تحتاج إليهما إمامة الصلاة، وهو المناط الذي حققه المالكية[41]“.

3. أخرج مالك في موطئه عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ ولَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ[42]. قال الباجي في معرض كلامه عن هذا الحديث: “.. فالموات على ضربين؛ ضرب يبعد من العمران، وضرب يقرب، فأما ما بعد من العمران، فقد قال مالك: يحييه بغير إذن الإمام خلافا لأبي حنيفة فبقوله: ليس لأحد أن يحيي مواتا من الأرض إلا بإذن الإمام، وقد رواه يحيى عن ابن نافع. والدليل على ما نقوله قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) وهذا عام فيحمل على عمومه.

ودليلنا من جهة المعنى أن هذه الأرض لا يتعلق بها حق لغير المحيي، فلم يحتج  في إحيائها إلى إذن الإمام كما لو ملكها المحيي…

وأما التي تقرب من العمران، فلا يحييها أحد إلا بإذن الإمام، رواه سحنون عن مالك وابن القاسم عن أشهب خلافا للشافعي في قوله: يحييها من شاء بغير، إذن، الإمام. ورواه ابن عبدوس عن أشهب، قال سحنون: وبه قال كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم.

والدليل على ما نقول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليس لعرق ظالم حق) والذي يحيي قرب العمران قد يظلم في إحيائه، ويستضر الناس بذلك لتضييقه عليهم في مسارحهم وعمارتهم ومواضع مواشيهم ومرعى أغنامهم، فاحتاج إلى نظر الإمام واجتهاده في ذلك[43]“.

 إن هذا التحليل الفقهي العالي اعتمد على مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية تعبر عنه مجموعة من القواعد كقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) و(الضرر يزال)، ويعتمد على قرينة واقعية مصاحبة للبشر غالبا، وهي تنافسهم ورغبتهم في المنفعة القريبة اليسيرة، وزهدهم عن البعيدة الصعبة، واعتمادا على ذلك تصرف النظر المالكي تصرفا عجيبا، حيث أخذ بعموم اللفظ وحرفيته حيث لا مانع من القرائن الواقعية التي توقع في الحرج أو المشقة أو المفسدة، وقيد عموم النص لما كانت القرائن الواقعية تنبئ بمفاسد ومضار تلحق البعض

4. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِى. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وصَوبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوجْنِيهَا. فَقَالَ: “فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيءٍ”، فَقَالَ لاَ واللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ: “اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا”. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لاَ واللَّهِ مَا وجَدْتُ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “انْظُرْ ولَو خَاتمًا مِنْ حَدِيدٍ”. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. فَقَالَ لاَ واللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ولاَ خاتمًا مِنْ حَدِيدٍ. ولَكِنْ هَذَا إِزَارِى، قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ، فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: “مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيءٌ وإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيءٌ”. فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، مُولِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِي فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: “مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ”. قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا. فَقَالَ: “تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ”. قَالَ نَعَمْ. قَالَ: “اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ[44]“.

يثبت هذا الحديث بظاهره صحة النكاح بخاتم من حديد أو بسورة من القرآن، وهو الأمر الذي منعه الإمام مالك، ودارت مناقشات كثيرة حوله بين المالكية وغيرهم، من ذلك مناقشة ابن الفخار القرطبي لمن اعترض على المالكية بسبب ذلك، قال رحمه الله: “مسألة: قال؛ (أي الخصم): وثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أجاز النكاح بخاتم من حديد، وبسورة من القرآن. وخالفتم أنتم في ذلك،  وقال مالك رحمه الله: لا يجوز. قال محمد بن عمر [ابن الفخار]: يأيها الرجل، قاتل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حنين في اثني عشر ألفا من أصحابه، فهل بلغك، أو بلغ أحدا من الناس أن واحدا منهم نكاح بما ذكرت، وعلى الصفة التي وردت في الحديث، بعد هذا الرجل المخصوص بذلك، مع وجود الفقر في المهاجرين، وأهل الصفة الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وفقراء أهل الصفة، أو بلغك عن أحد منهم بلاغا. لو أنعمت النظر لكان السكوت عن إيرادك للحديث المخصوص، وأن لا توجب به العموم أولى لك؛ لأن جميع حروف الحديث لو أنعمت النظر فيها، وتدبرتها، لدلت على التخصيص، ومن أنكر  أن هذا الحديث خصوص فقد كابر بغير دراية. من ذلك:

ـ أنها وهبت نفسها للنبي، صلى الله عليه وسلم، فهذا خاص.

ـ ومنها أنه، صلى الله عليه وسلم، أنكحها، ولم يظهر لنا أنه سألها: هل تحب نكاح غيره عليه السلام أم لا؟

ـ ومنها: أنه أنكحها عليه السلام، ولم يستأمرها، وهو، صلى الله عليه وسلم، يقول: “الأيم أحق بنفسها من وليها[45]“.

ـ ومنها: أنه لم يسألها في الحديث: هل رضيت بذلك الرجل؟ وفي النكاح بما معه من القرآن الذي ترضى؟

ـ ومنها أنه لم يسألها: هل تحفظ تلك السورة أم لا تحفظها؟ وكان ظاهره: (إني زوجتكها؛ لأن معك قرآنا تقرأه)، إذ لم يأمره أن يعلمها السور.

ـ وفي الحديث أنه لم يبح النكاح بخاتم الحديد حتى لم يجد شيئا، ومن خالفنا يبيح للموسر النكاح به، وقد ترك الحديث بالعراء، ولذلك لم يذكر أنه زوجها بقرآن مع الرجل حتى لم يجد شيئا، ولا خاتما من حديد، ومن خالفنا يجيز ذلك للغني، وهذا خلاف ظاهر الحديث، وليس في ظاهره تعليم السور، وإنما ظاهره: أنه زوجه إياها[46]“.

إن تحليل هذا الحديث من طرف العلامة ابن الفخار، يضعنا أمام مجموعة من القرائن المقامية التي جعلت المالكية يدعون الخصوصية في هذا الحديث، أكثرها أهمية هي عدم ورود خبر أو بلاغ عن أحد من الصحابة أنه تزوج على هذه الصفة؛ أي بدون مهر مالي، رغم أن كثيرا منهم كان في حالة من الفقر المدقع. ثم إن لفظ النص الحديثي يحيلنا على كثير من المعطيات المقامية، منها أنه في سياق الهبة، وغياب بعض مقومات عقد النكاح.

هذه بعض النماذج التي تبين منهج الاجتهاد المالكي في الأخذ بالسياق المقامي فهما للحديث النبوي وتنزيلا له على الواقع.

رابعا: آفاق إعمال السياق المقامي في الاجتهاد

  أنبأ كلام ابن دقيق العيد المنقول أعلاه، أن تحرير الكلام في مسألة السياق سواء كان مقاميا أو مقاليا قليل عند العلماء، وما ذلك إلا لاحتياجه، في نظري، إلى عقلية فقهية متمرسة بمقاصد الشريعة، محتكة بتنوع أساليب الخطاب الشرعي، عارفة بأحوال زمن النزول ومراحله المختلفة، ولذلك أرى أن الوفاء للمذهب المالكي، يقتضي الاجتهاد العميق والواسع في دراسة هذا الموضوع من عدة جوانب، حتى يصل البحث إلى تسطير قواعد متقنة تبين للمجتهد والمفتي، متى تُعمل القرائن المقامية ومتى تُهمل، وإذا أعملت فبأي درجة وفي أي مجال، ووفق أي حدود، وأقدم بعض الاقتراحات فتحا لباب خدمة هذا الموضوع عمليا لصالح مناهج الإفتاء والاجتهاد.

1. تعميق البحث التاريخي الموثوق به، في زمن الرسالة وما قبلها، تجميعا لأكبر قدر من المعطيات الصحيحة عن وسط نزول القرآن وورود الأحاديث سواء في مكة أو المدينة، سواء على صعيد الأحداث والوقائع، أو أساليب الحياة، أو العادات الاجتماعية، وأساليب التواصل، وخصائص القبائل، والمعاملات المالية،  والدوافع النفسية، والقيم المحترمة… فكلما اجتمعت لدى الفقيه المجتهد المعطيات الواقعية لزمن الرسالة، إلا واستطاع أن يصل في فهمه للنص الشرعي إلى بر الأمان، ويعتبر التنسيق بين شعبة التاريخ وشعب الدراسات الإسلامية في الجامعات والمعاهد من ضروريات هذا الهدف.

2. جمع مختلف الروايات المتعلقة بالأحاديث المروية وتكميل بعضها ببعض لاستخراج القرائن المقامية المساعدة على فقهها، قال الشيخ الطاهر بن عاشور: “وعلى الفقيه أن يجيد النظر في الآثار التي يتراءى منها أحكام خفيت عللها ومقاصدها ويمحص أمرها؛ فإن لم يجد لها محملا من المقصد الشرعي، نظر في مختلف الروايات لعله أن يظفر بمسلك الوهم الذي دخل على الرواة فأبرز مرويه في صورة تؤذن بأن حكمه مسلوب الحكمة والمقصد. وعليه أيضا أن ينظر إلى الأحوال العامة في الأمة التي وردت تلك الآثار عند وجودها[47]“.

3. جمع الأحاديث التي اعتبرها أحد علماء المالكية قضايا أعيان، ودراستها دراسة مستوعبة قصد استخراج القرائن التي دفعتهم إلى هذا الاعتبار. ليتجمع للباحثين رصيد كاف لتقعيد قواعد مضبوطة لإعمال السياق المقامي في مجال الاجتهاد الشرعي.

4. إنجاز دراسات عن علاقة السياق المقامي بفقه الأولويات؛ إذ من المعلوم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يراعي حال المخاطَبين وظروف الخطاب، وينزل على كل حالة ما يلائمها، والمرجو أن تمكن هذه الدراسات من استخراج قواعد للسلم الأولوي عند المجتهد يستمد مصداقيته من فهم النص الشرعي على ضوء مقامه وظروفه. وكلما كانت هذه الدراسات تطبيقية استقرائية، كلما رفعت البحث إلى حيز القبول والاطمئنان.

خاتمة

إذا كان السياق المقامي يحظى بأهمية كبرى عند العلماء، فإنني أرجو أن أكون قد توفقت في بيان تميز المذهب المالكي في هذا المجال؛ إذ لم يكن اعتبار السياق المقامي فيه، مجرد قاعدة محصورة الحيز، تحضر هنا وتغيب هناك، بل لقد راعاه هذا المذهب تأصيليا، حيث دافع عن مسالك إثباتية تبرزه وتفرض اعتباره،  ولذلك اعتبرت أن اهتمام المذهب المالكي بعمل أهل المدينة، وعمل الصحابة، واختلاف أحوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، أصول منهجية تقود جميعها إلى مراعاة السياق المقامي في الاجتهاد المالكي، وشفعت هذا التأصيل بأمثلة من اجتهادات الإمام مالك، تثبت هذا المنحى الاجتهادي الفريد، وتفتح الباب لأعمال علمية كثيرة وعميقة، تمكن المجتهد من معطيات عن زمن الرسالة.

ولا شك أن تحقيق هذه الدراسات كفيل بإعطاء دفعة مباركة لقراءة متجددة للنصوص الشرعية، لا ينتهي تدفقها، تمد المجتهد بإمكانيات تشريعية ضخمة، كفيلة بصد الهجمة الدهرية التي تريد إقناع الناس بمحدودية الحلول الدينية للقضايا المعاصرة.

 الهوامش


[1]. قال نجم الدين قادر كريم زنكي: “ولقد تلازم تصور السياق ووجود المقصود من الخطاب في منظور الأصوليين، حتى إنهم أطلقوا السياق بمعنى الغرض الذي من أجله ورد النص، وحملوا كثيرا من العبارات التي وردت فيها كلمة (المقصود) على معنى السياق”. بحث بعنوان: (السياق وأثره في فهم مقاصد الشارع)، مجلة: (إسلامية المعرفة) عدد: 48، السنة: 12، ص35.

[2]. الكلام على هذا العنصر مختصر هنا لأنه تداول بكثرة من طرف باحثين عدة، ولاسيما في الندوة التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء بالدار البيضاء أيام: 10-11-12 جمادى الثانية 1428ﻫ الموافق لـ26-27-28 يونيو2007م. وقد نشرتها الرابطة تحت عنوان: أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة الأعمال بالأحكام، الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط1، 2007م.

[3]. نجم الدين قادر كريم الزنكي، السياق وأثره في فهم مقاصد الشارع، مجلة: إسلامية المعرفة، ع: 48، السنة 12، ربيع (1428ﻫ/2007م)، ص40.

[4]. تقي الدين ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، تحقيق: حامد الفقي، مراجعة: أحمد شاكر، مطبعة السنة المحمدية، 2/232.

[5]. قال الرازي: “وإنما قلنا إنه [الاستدلال بالخطاب] مبني على مقدمات ظنية لأنه مبني على نقل اللغات ونقل النحو والتصريف وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والإضمار والتخصيص والتقديم والتأخير والناسخ والمعارض وكل ذلك أمور ظنية. انظر الرازي، المحصول في علم الأصول، تحقيق طه جابر فياض العلواني، نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ط1، 1400ﻫ، 1/547-548.

[6]. محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق ودراسة: محمد الطاهر الميساوي، نشر: البصائر للإنتاج العلمي، ط1، (1418ﻫ/1998م)، ص135.

[7]. المرجع السابق، ص135-136.

[8]. مجلة إسلامية المعرفة، م، س، ص69.

[9]. المرجع نفسه، ص 69.

[10]. ينظر بحث د. نجم الدين زنكي: السياق وأثره في فهم مقاصد الشارع، م، س، ص71.

[11]. مجلة إسلامية المعرفة، م، س، ص72.

[12]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص 136.

[13]. محمد الراعي الأندلسي، انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب مالك، تحقيق: محمد أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1981، ص201.

[14]. المرجع نفسه، ص237. وقد جلبه من كتاب: (نظم الدرر للشارمساحي).

[15]. القاضي عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك، المحمدية: مطبعة فضالة/المغرب، ط1، 1،/21.

[16]. أقصد بالخصوصية اختصاص الحكم بشخص معين أو وضعية معينة أو لسبب خاص.

[17]. الدار هي المدينة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)  (الحشر: 9).

[18]. انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب مالك، م، س، ص170.

[19]. نقل كلامه الزركشي في البحر المحيط في أصول الفقه،  تحرير: عمر سليمان الأشقر، راجعه: عبد الستار أبوغدة ومحمد سليمان الأشقر، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط1، (1409ﻫ/1988م)، 4/486.

[20]. لا يراد بالذوق القول بالتشهي، إنما الذوق في الاستعمال العلمي هو كما قال الطاهر بن عاشور: “والذَّوقُ كَيْفِيَّةٌ لِلنَّفْسِ بِهَا تُدْرِكُ الْخَواصَّ والْمَزَايَا الَّتِي لِلْكَلَامِ الْبَلِيغِ” التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، 1984، 1/21.

[21]. إحكام الأحكام مع شرحه العدة، المتن من تأليف ابن دقيق العيد. والشرح تأليف السيد محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق وتعليق: علي بن محمد الهندي. تقديم وإخراج وتصحيح: محب الدين الخطيب، 3/285-286.

[22]. يوضح الزنكي أن السياق الذي يتكلم عنه هنا ابن دقيق والصنعاني محمول على معنى: الغرض الذي سيق لأجله النص، وهو يحتاج إلى التأمل في كلام المتكلم وفي ظروف الخطاب، أما السياق المقالي فيخضع لقواعد منضبطة. ينظر: بحث نجم الدين قادر الزنكي: (السياق وأثره في فهم مقاصد الشارع)، م، س، ص61.

[23]. العدة على إحكام الأحكام، م، س، 3/285-286.

[24]. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، شرح: الشيخ عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، د. ت، 3/251.

[25]. صحيح مسلم، كتاب: الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه، بيروت: دار الجيل ودار الآفاق الجديدة.

[26]. الموافقات، م، س، 3/551-552.

[27]. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الذخيرة، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994، 1/34. وينظر: انتصار الفقير السالك، م، س، ص157.

[28]. جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، دار الفكر، د. ت، 1/44.

[29]. المرجع نفسه.

[30]. أحسب أنه في ذلك معبرا عن رأي كثير من العلماء، لاسيما الذين سلكوا هذا المسلك قبله عمليا كالإمام مالك أو نظريا كالإمام القرافي.

[31]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص139.

[32]. المرجع نفسه.

[33]. الحديث الأول: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْفَعْ لِى إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَا بَرِيرَةُ اتَّقِى اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوجُكِ وأَبُو ولَدِكِ”. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِى بِذَلِكَ قَالَ: “لاَ إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ”. فَكَانَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لِلْعَبَّاسِ “أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وبُغْضِهَا إِيَّاهُ” قال الألباني صحيح، سنن أبي داود، كتاب: الطلاق، باب في المملوكة تعتق وهي تحت عبد أوحر.

الحديث الثاني: عن جابر، رضي الله عنه، قال: “أصيب عبد الله وترك عيالا ودينا فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا من دينه فأبوا فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فاستشفعت به عليهم فأبوا”، صحيح البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون، باب: الشفاعة في وضع الدين.

[34]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص137.

[35]. المرجع نفسه، ص140.

[36]. إكمال المعلم بفوائد مسلم: تأليف: القاضي عياض، تحقيق: يحيى إسماعيل، ط1، (1419ﻫ/1998م)، 4/428.

[37]. صحيح مسلم: كتاب المساجد، باب: من أحق بالإمامة.

[38]. صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة.

[39]. أبو الوليد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، نشر: دار الجيل، ط1، (1409ﻫ/1989م)، 1/261-262.

[40]. لفظ مسلم: “يؤم القوم أقرؤهم”، صحيح مسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، الحديث رقم: 290، (1/465).

[41]. زيد أبو شعراء، فقه الواقع وتنزيل الأحكام الشرعية، منشور بمجلة: المجلس (يصدرها المجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية) عدد مزدوج: 10/11، ص26.

[42]. موطأ مالك مع تنوير الحوالك، م، س، كتاب الأقضية، باب: القضاء في عمارة الموات، 2/217.

[43]. القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا. نشر: دار الكتب العلمية، ط1، (1420ﻫ/1999م)، 7/377-378.

[44]. صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم القرآن.

[45]. المرجع نفسه، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق.

[46]. محمد بن الفخار القرطبي، الانتصار لأهل المدينة، ص129-130-131-132.

[47]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص166.

Science

د. بنعُمر لخصاصي

كلية أصول الدين/تطوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق