مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويقراءة في كتاب

إصدار جديد بعنوان “زاوية أسا وإشعاعها عبر التاريخ”

تعززت المكتبة الصحراوية بإصدار جديد يهم زاوية أسا، ضمن منشورات مركز النخيل للتوثيق التابع لجمعية النخيل للثقافة والتربية بكلميم.

وهذا الكتاب الجماعي الذي طبع ونشر بدعم من وزارة الثقافة بالمغرب طبعته الأولى 2020، عن مطبعه شمس برنت سلا، قام بتنسيق أعماله الدكتور حسين حديدي، وجاء في 230 صفحة موزعة على إحدى عشر دراسة مستفيضة عن زاوية أسا، وأدوارها التاريخية والتي ألقت بظلالها على مختلف مجالات الحياة العامة في الصحراء. فجاء عنوان الكتاب عاكسا لهذا المعطى المتنوع؛ “زاوية أسا وإشعاعها عبر التاريخ”.

ونقرأ في افتتاحية الكتاب أن أحد أهم الأسباب الداعية إلى التأليف حول زاوية أسا كونها “إحدى أقدم المؤسسات الدينية والعلمية بالصحراء، التي انطلقت في بداية أمرها من رباط للعلم والجهاد مع الشيخ محمد إعزّى وِهدى الوافد من مراكش في القرن 7هـ/13م، وارتقت فيما بعد إلى زاوية للعلم والدين مع ثلة من تلاميذه وأحفاده ممن ساهموا في إسعاعها العلمي والروحي…”[1].

ومع ندرة المادة التاريخية حول أسا، ساهم ثلة من الدارسين والباحثين بالمنطقة الذين انتبهوا إلى هذه الإشكالية البحثية في رفع الالتباس والفراغ الملحوظ[2]. وفي ذات السياق “يتوخى هذا الكتاب تسليط الضوء على جوانب مهمة من التراث الروحي والعلمي لزاوية أسا، ومحاولة التعريف به”[3].

وجاءت الدراسة الأولى لمنسق الكتاب الباحث حديدي الحسين بعنوان “زاوية أسا: الأصول والإمتداد”، ضمن مبحثين كبيرين؛ اعتنى المبحث الأول بأصول زاوية أسا وظروف تأسيسها نهاية العصر الوسيط، بينما ناقش المبحث الثاني امتداد نفوذ زاوية أسا وإشعاع تراثها الروحي والعلمي والاقتصادي خلال العصر الحديث والمعاصر، مقدما في الخاتمة أهم الاستنتاجات والخلاصات.

أما الدراسة الثانية فكانت تحت عنوان: “زاوية أسا: التاريخ والوظائف والأدوار”، للباحث الحسان منصوري الذي سبق إلى الاشتغال على تاريخ زاوية أسا منذ سنة 1989 في إطار بحث التخرج للإجازة في التاريخ من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير.

وتلخصت مداخلة منصوري في خمسة محاور مركزة؛ أولها حول مؤسس الزاوية، والثاني حول اسم الزاوية تاريخيا، والثالث في مناقب إعزى وهدى وكراماته وأعماله الفكرية، والرابع في وظيفة قصر الزاوية، ثم “الزاوية في وسطها الاجتماعي” محورا خامسا.

وفي مساهمة الباحث محمد الصافي الموسومة ب “زاوية أسا عبر التاريخ: نظرة على الأدوار العلمية والجهادية”، يتعرف القارئ على التحديد الجغرافي والبشري والتاريخي لمنطقة أسا في المحور الأول، ثم الإشعاع العلمي لزاوية أسا حيث فصل الصافي القول فيه  ضمن خمس عناوين فرعية، قبل أن يعرض في محور أخير نماذجَ لبعض أولياء منطقة أسا.

وتأتي الدراسة الرابعة التي تقدم بها الباحث سويلام امبارك بوغدا، في موضوع “الزاوية الوهداوية حفريات في ذاكرة مجال أسا” لتطلعنا في محاور ثلاثة على جملة من الإشكالات التاريخية ومقاربتها عبر “شواهد وفرضيات حول الزاوية الوهداوية” (المحور الأول)، و”البنية الدينية بمجال أسا”(المحور الثاني)، ثم واحات أسا: مناطق الجذب” (المحور الثالث).

ثم بعدها عالجت مساهمة الباحث وديع أكونين زاوية أسا من منطلق العلم والعمران، حيث تناول المحور الأول في دراسته لمحة عن الشيخ اعزى وهدى برصد مظاهر العلم والصلاح في حياته، بينما تعرض في المحور الثاني انعكاس العلم والصلاح على المشهد العمراني لأسا وأماكن انتشار السلالة الوهدوية وتلاميذ الشيخ، مبرزا ارتباط الحركة العلمية والروحية في الصحراء وانتشار سلاسل الصلاح والعلم بحركة العمران والتمدين.

وأما الباحث عمر ناجيه فقد أبرز في بحثه الموسوم بـ “صلحاء الصحراء بين الاشعاع الروحي والاستنفار الجهادي: الشيخ إعزى وهدى نموذجا” -بعد حديثه عن شخصية الشيخ- ظروف قدوم إعزى وهدى إلى بلاد الأفنان (أي أسا كما في وثيقة تاريخية تعود لمحمد البربوشي)، ثم زاويةَ أسا من التأسيس إلى التقديس، ثم الإشعاع الجهادي لأيت إعزى وهدى، والإشعاع الثقافي الذي صار للزاوية.

وجاءت المساهمة السابعة التي أعدها الباحث محجوب كماز بعنوان: “أولياء أيت إعزى وهدى بزريويلة بين الوجود والاستمرارية”، لترصد مجموعة من الصلحاء بمنطقة زريويلة (قرية بالجنوب الغربي لكلميم)، وذلك في محور أول بعنوان: زريويلة تلك الواحة المنسية، وثان حول أماكن القداسة في ازريويلة، وثالث حول عبد الرحمن ايت إعزى وهدى أحد فروع الشيخ.

بينما تناول الرابع الأصول التاريخية للموسم السنوي المقام بالزاوية، والخامس الطقوس المصاحبة لموسم أسا، والسادس زيارة سيدي عبد الرحمن ايت إعزى وهدى.

بعد هذه الدراسة، يجد القارئ بحثا آخر أعده الباحث في الخطاب الصوفي أحمد شيخي، حول “الإمتداد الروحي لآل إعزى وهدى من أسا إلى درعة“، حيث تناول بالتحليل في المحور الأول البناء الفكري والمنهج الصوفي للشيخ اعزى وهدى، ثم انتقل للحديث في مقام ثان عن رباط الشيخ في أسا، قبل أن يخص بالحديث زوايا آل اعزى وهدى بدرعة، وذلك باستعمال منهج علمي تحليلي يلتزم بطبيعة الموضوع قيد البحث.

وحول إشكالية “نسب الفروع الوهداويين بين أصالة الإنتماء ودسائس الادعاء”، جاءت مساهمة الباحث الحسين أكروم لتبرز أولا الأصول النسبية للشيخ سيدي اعزى وهدى، ثم النسب الوهداوي بين الحقيقة والادعاء ثانيا، ثم أصول العلامة محمد الشبكي بين الاتصال بالنسب الجعفري واحتمال الانفصال عن الوهداوي، حيث ناقش الخلاف الدائر حول نسب الشيخ محمد الشبكي دفين أسا ومتى عاش، موظفا منهجا تحليليا وتاريخيا في التوصل إلى نتائجه.

وفي الدراسة العاشرة تناول الباحث بوزيد الغلى، إحدى “أسر آل إعزى وهدى العالمة: الأسرة الأَفْرنية بحاحا” (نسبة إلى جبل أفرْني)، ويقصد بالأسرة الأفرنية في هذا المقام الأعلامَ الذين ينتمي نسبهم إلى الشيخ إعزا وهدى وحطّوا الرحال ببعض قرى جبل أفرني، ليجد القارئ فوائد عن أعلام ثلاثة وهم: سيدي محمد بن يحيى دفين إمزي، وسيدي الحاج يعقوب الأفرني، وسيدي الحسن بن أحمد المعديزي.

وفي ختام الكتاب دراسةٌ موسومة “بجمعيات الأموات واللعب بأوراق الوفيات الديني والاجتماعي بالصحراء من خلال زاوية أيت اعزا وهدى”، للباحث محمد شرايمي، الذي حاول مقاربة إشكالية تناول الحديث عن ايت اعزى وهدى بين من يعتد بالإرث الديني المتمثل في شخصية الشيخ اعزى وهدى، وبين من يقدم معطيات اجتماعية بما تنسجه من ترابط قبلي في الصحراء، وذلك من خلال محور أول بعنوان: اعزى وهدى في أسا، وثان بعنوان: احتفال المولد النبوي السنوي، وثالث حول العائد الاقتصادي التنموي، مستخلصا أهم الاستنتاجات حول الموضوع.

والكتاب كما يتبين من فصول دراساته غني متنوع، فإنه جمع شتات المادة العلمية حول أسا وزاويتها، كما يقدم بين دفتيه بيانات تاريخية وافرة عن الشيخ اعزى وهدى وسلالته وتلاميذه، وعن دور الرباط الوهداوي عبر قرون طويلة، هذا فضلا عن رؤى ومناهج بحثية مختلفة في تحرير البحث حول إحدى أعرق زوايا الصحراء ومعالمها التاريخية والدينية.

وديع أكونين باحث بمركز علم وعمران

[1] زاوية أسا وإشعاعها عبر التاريخ، تنسيق د الحسين حديدي، الطبعة الأولى ص:3.

[2] نذكر من جملة الدراسات المنشورة التي خصصت أسا بالبحث: “أسا ديوان الصالحين  هيبتن الحيرش وحمادي هباد”، “زاوية أسا جدل التاريخ والأسطورة بوزيد الغلى، منشورات المجلس العلمي المحلي لأسا الزاك”، “ملامح حركة جهادية بسوس والصحراء في القرن التاسع الهجري أيت إعزى وهدى بأسا المهدي السعيدي ضمن أعمال ندوة الصحراء وسوس من خلال الوثائق والمخطوطات التواصل والآفاق تنسيق عمر أفا.”، “حاضرة اسا عمق التاريخ وغنى الذاكرة، تنسيق محمد بوزنكاض، جمعية الباحثين الشباب للدراسات والأبحاث الصحراوية، أعمال ندوة المطبعة والوراقة الوطنية مراكش 2012″، “موسم زاوية أسا تاريخ يحمل نبراسا مجموعة من الباحثين منشورات مركز الصحراء للدراسات والأبحاث الميدانية أسا ط 2016)”مقامي بأسا محكي حي، هنري بيير بيران، ترجمة هيبتن الحيرش، مركز الدراسات والأبحاث مشاريع”. هذا فضلا عن دراسات وبحوث جامعية عديدة نوقشت بمختلف الجامعات المغربية. وأما الدراسات الأجنبية فنذكر منها:

-de furst ,Etude sur la tribu des Ait oussa. 1939

-Vincent monteil, Chronique de la zawia d’Assa (cercle Goulmmim) datée de (1362-27 ed), in mélanges Mohammed el Fassi, Université Mohammed V ,Rabat , 1967

[3] زاوية أسا وإشعاعها عبر التاريخ ص: 4.

ذ. وديع أكونين

  • باحث بمركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق