مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

إسهام علماء القرويين في العلوم الحقة: الطب البيطري نموذجا

       سنحاول من خلال هذه المقالة العلمية المتواضعة أن نبسط الحديث عن الإسهام المتميز الذي قدمه علماء القرويين في مجال العلوم الحقة؛ تدريسا وتأليفا وممارسة، وعلى وجه التحديد المجال الطبي وضمنه الطب البيطري الذي هو موضوع هذه المقالة. وقبل أن نسلط الضوء على التراث الذي خلفه هؤلاء الأعلام الأفاضل في هذا المجال، نرى بضرورة الحديث أولا عن هذا المجال العلمي بشكل عام وكيف تطور في الحضارة الإسلامية، والوقوف عند أهم ما أدلى به علماء الإسلام في هذا الباب، لنصل بعد ذلك إلى ما قدمه علماء القرويين في هذا المجال العلمي الحيوي، والبحث في نوعية الإضافات التي قدموها، والوقوف عند الأهمية التي تصدرها هذا المجال العلمي ضمن المقررات الدراسية داخل أسوار جامعة القرويين.

أولا: الطب البيطري عند علماء الإسلام:

إن ما يجعلنا نعرض لهذا الجانب من الموضوع؛ كونه يعتبر مدخلا هاما لمعرفة الحركة العلمية داخل القرويين، وتداخلها مع السياق العام الذي كانت عليه الحالة العلمية في الواقع الإسلامي؛ إذ معلوم أن القرويين لم تكن بمعزل عما كان متداولا في المجال العلمي عربيا وإسلاميا، ومعلوم أيضا أنها كمعلمة ومنارة علمية بارزة كانت منخرطة ومنضوية في الحركة العلمية التي شهدتها الحضارة الإسلامية. ومن هنا فإن عناية علماء القرويين بالطب البيطري لا يخرج عما كان متداولا بين جمهور المسلمين، لذا ارتأيت التمهيد للموضوع بهذا المدخل السياقي العام ليتسنى لنا أخذ فكرة عامة عن مدى الإسهام الذي قدمه المغاربة بهذا الشأن وعلى وجه الخصوص علماء القرويين.

1: نظرة شرعية وتاريخية:

معظم العلوم التي تعرف اليوم رواجا وازدهارا لافتا في وقتنا الراهن تجد مستندها في التراث الإنساني القديم، فهي تطورت انطلاقا مما خلفه الأوائل من تراث هام حولها، خاصة ما تضمنه هذا الموروث من إمكانات هائلة بخصوص عدد كبير من هذه العلوم؛ بيّن خلالها الأوائل أصولها وقواعدها وأساسياتها، ومن بينها علم الطب بما فيه الطب البيطري الذي هو موضوع هذا المقالة؛ فهذا المجال على الرغم من كونه يعرف اليوم تطورا كبيرا –كما غيره من باقي المجالات العلمية الأخرى- بحكم التخصصات المعاصرة التي أضحى يعرفها وما يتخلله من تفريعات علمية دقيقة، إلا أنه ليس علما جديدا وإنما هو من العلوم القديمة جدا، وقد شهد تطورا كبيرا عند المسلمين وكان من المظاهر المميزة الدالة على إنجازاتهم في المجال الطبي بشكل عام، فلقد تطورت البيطرة في ظل الإسلام ولاقت عناية كبيرة بفضل الاجتهاد الذي بذله العلماء المسلمون في هذا الباب وفقا لتعاليم الإسلام التي تحث على الرفق بالحيوان والعناية به وحسن معاملته والسهر على ما فيه بقاءه واستمراره، بما يتضمنه ذلك من تغذية وتطبيب وتنظيف، والرفق به وعدم تحميله ما لا يطيق، وألا يتم قتله إلا لضرورة، ولو تتبعنا التعاليم الإسلامية بهذا الخصوص وجدناها كثيرة جدا، وعديدة هي النصوص الشرعية التي تبيّن هذا الجانب وتوجه المسلمين لكيفية التعامل مع الحيوانات.

انطلاقا من هذا التوجيه الشرعي عمل علماؤنا على العناية بالحيوانات عناية فائقة، وقد تبلور هذا البعد في مجال علمي خالص هو الطب البيطري الذي اهتم بالحيوان وبحْث في احتياجاته الصحية، وهذا أمر نتلمسه جيدا من خلال كتب الفقه وما تضمنته من أحكام شرعية بهذا الخصوص، ومن ذلك تحريم استعمال المناخس المعدنية الجارحة لدفع الحيوان على الإسراع، وكذا تحريم خرم الأنف لشد الحيوان منه لما يسببه له ذلك من إيلام شديد، وتحريم الوشم على وجهه لما فيه من تشويه لملامحه الطبيعية، بالإضافة إلى تقنين عملية الذبح التي وضع لها الشرع الكريم شروطا وضوابط بحيث إن كل ذبح مخالف لهذه الشروط يعتبر ذبحا حراما مثلما هو مثبت ومبيّن في كتب الفقه، كما أن الشريعة الإسلامية نهت عن اتخاذ أجساد الحيوانات وحياتها مدعاة للعبث واللهو والتسلية كما هو الحال بالنسبة لمصارعة الثيران الذي نشهده اليوم في بعض الدول الأوربية فهذا من أقسى أنواع التعذيب التي يمكن أن يتعرض لها الحيوان.

لقد كان لهذه التعاليم الإسلامية الفضل الكبير في عناية المسلمين بالحيوانات على وجه العموم، وخاصة تلك التي ارتبطت بشكل مباشر بمعيشهم اليومي؛ وفي طليعتها الخيول التي اهتم بها المسلمون كثيرا؛ بالنظر للحاجة الكبيرة التي كانت تسدها سواء في الحرب والجهاد أو في الأسفار، ولذا اعتنوا بها وبكل تفاصيلها؛ وهذا واضح في كثير من الكتابات التي ألفت بوجه مستقل عن الخيول أو تلك التي تضمنت قسما خاصا عنها، وهذه المؤلفات في مجموعها تضمنت الحديث عن أنواع الخيول ومميزات كل واحد منها وعيوبه، كما تناولت أدق التفاصيل التي ترتبط بصفاتها الصحية وأمراضها وعلاجاتها. واهتموا أيضا بحيوانات أخرى كالإبل والبقر والمواشي والحمير والبغال، واهتموا بالطيور وعلى رأسها الصقور لارتباطها الكبير بالصيد والرياضة، وغيرها من أنواع الحيوان الأخرى.

لا تقتصر مظاهر عناية المسلمين بالحيوان فقط فيما نجده من الكتب العلمية التي عنيت بهذا الجانب خاصة؛ أي الكتب التي ألفت بوجه خاص عن الحيوان وصحته، وإنما أيضا تبرز هذه الأهمية من خلال ما نجده في الكتب العامة؛ مثل كتب التاريخ والتراجم والأدب، فهذه المؤلفات بدورها -وهي التي أرخت لحياة المسلمين في مختلف أبعادها- نجدها تتضمن الكثير من التفاصيل والمعطيات عن الحيوان، ويكفي أن نذكّر في هذا السياق بكتاب الحيوان للجاحظ الذي وإن لم يكن كتابا في الطب إلا أنه تضمن الكثير من التفاصيل العلمية عن الحيوان، وهذا دليل على العناية الفائقة التي أولاها المسلمون للحيوان ولجوانبه الصحية.

لقد أحرز العلماء المسلمون تقدما كبيرا في ميدان الطب البيطري، ولا أدل على ذلك من الشهادات التي قدمها علماء الغرب في حقهم في هذا المجال، وذلك على غرار ما أحرزوه من تقدم في مجال الطب بشكل عام، ومما يكشف لنا هذا التطور الذي حصّلوه في هذا التخصص؛ ما توصّلوا له من مراحل جدّ متقدمة في علم تشريح الحيوان؛ سواء لغرض العلاج أو من أجل توسيع المعرفة الطبية، وكذلك ما عرفه هذا الميدان المعرفي من مجموعة كبيرة من العلماء الذين نبغوا فيه واشتهروا به أمثال العالم المشهور (ابن البيطار) الذي كان أباه –وكما يدل على ذلك اسمه- متخصصا في الطب البيطري، فلأهمية علم البيطرة عندهم ولشدة تقدير المسلمين لهذه المهنة نجد الكثير من العائلات التي كانت تحمل كنية البيطري.

ويكفي أن نتتبع الكتابات التي خلفها المسلمون منذ وقت مبكر في الطب البيطري، حتى نأخذ فكرة عن مدى التطور والازدهار الذي عرفه هذا المجال العلمي عند المسلمين، ويكفينا في هذا السياق أن نورد بعض الأبواب من كتاب “الفروسية” لصاحبه أحمد بن الحسن بن الأحنف (البيطار) سنة 600هـ، وهو عبارة عن موسوعة علمية شاملة في أمراض الخيل وتربيتها[1]، حتى نتبين مدى العلمية التي وصلها المسلمون في هذا المجال، فقد تناول في الباب الأول دراسة أسنان اللبن والأسنان الثابتة، وفي الباب الثاني المظهر الخارجي والصفات العامة المميزة للفرس والحمار والبغل، وفي الباب الثالث وظائف الأعضاء الخارجية، وفي الباب الرابع تناول جوانب عن الفروسية وطريقة الركوب، وفي الباب الخامس سباق الخيل، وفي الباب السادس العيوب الوراثية في الخيل، وفي الباب السابع الصفات السيئة والعيوب الجسمية، وفي الباب الثامن تناول فيه تقسيم البطن، وفي الباب التاسع أمراض الرأس والعيوب الخلقية، وتناول كذلك أمراض الرقبة والحلق، وأمراض الكتف والصدر، وأمراض الظهر، والأمراض الداخلية والباطنية، وكذلك الذيل وعيوبه، والفخذ والساق، ثم أمراض الأعصاب، والكسور والخلع وجبرها، ثم حميات الخيل وما يتعلق بأكلها، والأمراض الجلدية مثل الجرب والحكة والدمامل والجدري والجذام والحروق، ثم الجنون والهيجان، والعلاقات الجنسية والتناسلية، والإجهاد من الحر والبرد، وحالة الضعف العام والهزال، والتسمم من النباتات السامة، ومرض الكلب، وقرص العقرب والثعبان وعلاجها.

فمن خلال ملاحظتنا لهذه التفاصيل الدقيقة التي تناولها المؤلف نرى مدى العناية الدقيقة التي وصلها علماء الإسلام بهذا المجال الطبي وكيف أنهم اهتموا بكل متعلقات الحيوان وما يتصل بأحواله الجسدية والصحية، بل وحتى السلوكية؛ فقد كانوا سباقين للحديث عن “سلوك الحيوان” الذي يعتبر من الفروع الحديثة في علم البيطرة، ومن ذلك ما نجده في تذكرة داود الأنطاكي حيث جعل فصلا إضافيا عن أخلاق الحيوان وفصّل وبيّن فيه الجبلّي منها والمكتسب وكيفية العمل على تحسينها.

بالإضافة إلى هذا، فإن هناك العديد من المؤلفات التي حفل بها التراث العربي والإسلامي التي تعرضت بدورها إلى مختلف أمراض الحيوان وتناولتها بالتحليل الممل والوصف الدقيق وذلك باختلاف أنواع الحيوان منها الخيول والأبقار والكلاب والطيور وغيرها، فذكروا من بين تلك الأمراض البرص والسعال واليرقان والبهق والخناق والاستسقاء ومرض القلب وضعف الكلى والنقرس والقروح وأمراض العيون والحوافر وغيرها، بل إن البعض من العلماء ذهب إلى الاهتمام ببعض أنواع الطفيليات التي تصيب الحيوانات والطيور؛ مثلما فعل الصاحب تاج الدين في كتابه “البيطرة” حيث قدّم وصفا تفصيليا عن علامات وجود الديدان في بطن الخيول والقروح المتولدة عنها، كما تحدّث الجاحظ في كتابه “الحيوان” عن الذباب وكيف ينقل الأمراض بين الحيوان، ودوّن العالم البيطري الغطريف الغساني في كتابه “ضواري الطير” العديد من الملاحظات عن أنواع الطفيليات التي تصيب الطيور الجارحة، كما تطرقوا أيضا بشيء من التفصيل إلى علاجات هذه الأمراض ومداواتها، وغير ذلك من التفاصيل البيطرية الدقيقة التي تضمنتها المؤلفات الإسلامية في هذا الباب، والتي شكلت مرجعا أساسا لتطور علم البيطرة في صورته الحديثة. وحتى نأخذ فكرة عامة عن هذا العلم والإسهامات التي قدمها العلماء المسلمون فيه، يمكننا أن نورد بعض هذه الإسهامات حتى نتبين مدى الغنى الذي راكمه علماؤنا في هذا المجال.

2: ملامح من حركة التأليف العربي والإسلامي في الطب البيطري:

عرف التاريخ العربي والإسلامي حركة تأليفية واسعة في شتى صنوف المعرفة الإنسانية؛ وذلك بالنظر للتطور الكبير الذي بلغته الحضارة الإسلامية في شتى ميادين العلوم وصنوف المعارف، ومن بين هذه المجالات التي عرفت هذه الحركية والنشاط التأليفيين؛ المجال الطبي بما فيه طب الحيوان أو الطب البيطري، فبرجوعنا لتاريخ المكتبة العربية والإسلامية نجد كثير من المصنفات في هذا الباب، وفي هذا السياق يمكن أن نورد جملة من هذه المؤلفات حتى نعرف الأهمية والمكانة التي تبوؤها هذا المجال في الحياة العلمية والعملية للمسلمين، ومنها كتاب الشيخ أبي بكر أحمد بن وحشية ألفه في القرن الثالث الهجري تحدث فيه عن الحيوانات المعينة على الفلاحة مثل البقر والغنم والإبل وغيرها، كما جعل بابا خاصا للحمام والطيور، وهذا يكشف لنا كيف أن الكتابة في هذا المجال بدأت منذ وقت مبكر، إلى أن تطور الأمر في العهود الموالية خاصة في القرن السادس الذي عرف انتعاشا كبيرا في هذا المجال.

وحتى نأخذ فكرة وافية عن مدى الغنى والإسهام الكبير الذي قدّمه علماؤنا في مجال الطب البيطري، يمكن أن نورد بعض مؤلفاتهم التراثية في هذا الميدان العلمي الدقيق سواء التي ترتبط بالطب البيطري الذي يعنى بصحة الحيوان، أو ما يتصل بالبيترة وهو العلم المتعلق بطب الطيور، وبهذا الصدد يمكن أن نورد نماذج من هذه المؤلفات في كل من المجالين، فبالنسبة للبيطرة يمكن أن نورد النماذج الآتية:

  • مختصر كتاب البيطرة، لأحمد بن الحسن بن الأحنف 605هـ. والمتصفّح لهذا الكتاب يدرك مدى التقدّم الكبير الذي أحرزه المسلمون في هذا الميدان.
  • وأيضا لنفس المؤلف كتاب آخر لا يقل أهميّة عن الكتاب الأوّل، وهو “كتاب الفروسيّة”، وهو عبارة عن موسوعة علمية في أمراض الخيل ورعايتها.
  • البيطرة الروحية، ليعقوب بن إسحق المحلى605 هـ.
  • المغني في البيطرة، للملط الأشرف 691هـ.
  • فصل الخيل، للدمياطى 705هـ.
  • كامل الصناعتين لابن البيطار 741هـ.
  • التذكرة في معرفة البيطرة، للسلطان على المؤهة العشان 764هـ.

فهذه بعض مؤلفاتهم في علم البيطرة. هذا بالإضافة إلى تفردهم في مجال طب الطيور وهو ما عُرف عندهم بالبيترة بالتاء بدل الطاء، ومن المؤلفات التي نوردها في هذا الباب على سبيل المثال لا الحصر: البترة لإبراهيم البصري، والبترة لإسحق الكندى، والبترة لمحمد بن عبد الله بن عمر البازيان، وغيرها من المؤلفات ذات الصلة بالطيور وصحتها.

وبهذا نلاحظ كيف أن هذا المجال بدوره عرف انتعاشا ورواجا بين العلماء، وذلك منذ العهود المزدهرة الأولى للحضارة الإسلامية، خاصة في العصر العباسي الذي وصل فيه المسلمون إلى درجة عالية من التقدّم في سائر العلوم، وقد كان للطب البيطري أهميته في ظل هذا التطور العلمي الذي عرفه المسلمون، بحيث كان عندهم فرعا من فروع الطب، وكان معتمدا بشكل كبير لارتباطهم الكبير بجملة من أصناف الحيوان التي كانت تؤثث معيشهم اليومي، وتبقى المؤلفات التي أوردناها خير شاهد على النبوغ الذي وصلوه في هذا الميدان، بحيث يمكن أن نعتبر هذه المؤلفات بمثابة اللبنة والأساس الذي انبنى عليه علم البيطرة في صورته الحديثة؛ بالنظر إلى التفاصيل المملة التي احتوتها تلك المؤلفات عن حياة الحيوان وأمراضه وعلاجاته. وقد اتسع مجال الكتابة عن الحيوان وحياته، بحيث لم يقتصر فقط لديهم على الجانب الصحي والبيطري للحيوان بقدر ما شمل مختلف الجوانب المرتبطة به، خاصة الحيوانات التي هي قريبة من الحياة اليومية للإنسان، وهذه المؤلفات منها ما تكلم عن الحيوان بشكل عام مثل كتاب الحيوان للجاحظ، ومنها من تحدثت عن نوع مخصوص منها، فنجد كتب حول الطير مثل الكتاب الذي ألفه الحجاج بن حثيثة، وكتب حول الإبل، وهناك كتب في الحيات والعقارب والذباب والجراثيم، وهناك كتب كثيرة في الوحوش تحدثوا فيها عن النمر والثعالب والذئاب وغيرها مثل كتاب الوحوش للأصمعي، وكتبوا أيضا في صيد الحيوان مثل كتاب البزاة والصيد لأبى دلف (226هـ)، وكتاب الصيد والجوارح للفتح بن خاقان (247هـ)، وغيرها، وأكثر ما كتبوا في الخيل مثل كتاب الخيل، للنفر بن شميل (204هـ)، وكتاب الفرس، لأبي عبيدة معمر بن الحسني (209ه)، وكتاب الخيل لعبد الملك الأصمعي (216ه)، وغيرها. وأيضا كتبوا في الفروسية مثل كتاب “مباهج السرور والرشاد في الرمي والسباق والصيد والجهاد” لزين الدين عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي. بل نجدهم لكثرة عنايتهم بالخيل ألفوا في “أنساب الخيل” وهذا باب لم سبق أن كتب فيه من غير العرب والمسلمين وهو يكشف لنا عن مدى العناية التي أولوها للخيل، ومن الأمثلة في هذا الباب كتاب “أنساب الخيل في الجاهلية والإسلام” لهشام بن محمد بن السائب الكلبي (206هـ)، وكتاب “أسماء الخيل” لأبي عبيد معمر بن المثنى التيمي (209هـ)، وكتاب “أسماء خيل العرب وفرسانها” لأبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي (230هـ)، وكتاب “الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام” لمحمد بن كامل الصاجي التاجي (697هـ)، وغيرها.

يتبين -من كل ما أوردناه- الاهتمام الكبير الذي أولاه المسلمون للحيوان بشكل عام، خاصة فيما يرتبط بجوانبه الصحية التي اختص بها الطب البيطري، وقد كانت إسهاماتهم في هذا المجال اللبنة الأساس التي انبنى عليها الطب البيطري الحديث، وذلك بفعل ما بلغوه من تقدم كبير في هذا المجال، إذ تمكنوا من الوقوف عند تفاصيل جسم الحيوان وشخّصوا غالبية الأمراض التي تصيبه ووضعوا لها العلاجات المناسبة، بل قد خطوا أشواطا كبيرة في تشريح أجسام الحيوانات، وقد عرفت كتاباتهم في هذا المجال ثراء كبيرا استفاد منها العلماء المعاصرون بشكل كبير.

ثانيا: إسهام علماء القرويين في خدمة الطب البيطري:

لم يكن المغرب -وهو الذي عرف امتدادا جغرافيا وحضاريا كبيرا غطت مساحته مجالا واسعا من العالم الإسلامي وصل إلى الأندلس- بمعزل عن التقدم العلمي الكبير الذي عرفته الحضارة الإسلامية، فقد كان فاعلا ومساهما في هذه الحركة العلمية بشكل كبير، ويشهد لهذا؛ الإسهام المتميز الذي قدمه المغاربة في شتى الميادين العلمية والثقافية، ويكفي أن نذكّر في هذا السياق بأن القرويين تعتبر أقدم جامعة في العالم بما زخرت به هذه المعلمة من صنوف المعارف والعلوم وصل مداها إلى كل العالم الإسلامي، ومن ثم فإن هذه المعلمة بما قدمته من إسهامات شاهد على دور المغاربة في التقدم والتطور الذي عرفته حضارتنا الإسلامية إلى جانب باقي الأقطار الإسلامية الأخرى، لذا أردت تسليط الضوء على هذا الإسهام وبخاصة ما قدمه علماء القرويين في مجال بعينه هو الطب البيطري والبحث في نوعية الإضافات التي قدموها في هذا الباب، والوقوف عند الأهمية التي تصدرها هذا المجال ضمن المقررات الدراسية داخل أسوار الجامعة، لكن قبل ذلك لابد أن نعطي لمحة عامة عن الحركة العلمية التي عرفتها هذه المعلمة خاصة في العلوم الحقة.

1: الحركة العلمية بجامع القرويين وإسهام علماء القرويين في العلوم الحقة:

عرفت فاس منذ السنوات الأولى من تأسيسها حركة علمية واسعة، ومع مرور الوقت زادت هذه الحركة فأصبحت فاس مدينة ذات إشعاع ثقافي وعلمي كبير، ولم يقتصر هذا النشاط على العلوم الدينية وحسب، وإنما كذلك شمل العديد من العلوم التقنية والتطبيقية؛ مثل: الرياضيات، والكيمياء، والجغرافيا، والفلك، والهندسة، والطب، وغيرها، فقد شهدت هذه العلوم ازدهارا واسعا في رحاب القرويين خاصة في زمن الموحدين، حيث كثرت فيها التآليف، ونبغ فيها كثير من الأسماء من أعلام القرويين، فقد تضمنت ساحة التدريس بالقرويين كل هذه العلوم، حيث درست فيها كتب الجغرافيا خاصة كتاب “نزهة المشتاق” للشريف الإدريسي، وكتب الرياضيات؛ ومن أشهر الراضيين الذي درسوا في القرويين ابن البنا المراكشي (ت723هـ)، إضافة إلى علم التوقيت بما في ذلك كتاب “جامع المبادئ والغايات في علم الميقات” لأبي الحسن المراكشي، والكيمياء ومن أشهر العلماء الذين تصدروا لهذا العلم بجامع القرويين أبو الحسن علي الأنصاري المعروف بابن النقرات، وغير ذلك من المواد العلمية الأخرى، وقد كانت للقرويين ملحقات خاصة لتدريس هذه العلوم خاصة التطبيقي منها مما يُحتاج فيه إلى التجربة، كما ذهب إلى ذلك العلامة الحسن السائح في كتابه “الحركة العلمية بجامع القرويين”[2].

2: إسهام علماء القرويين في خدمة الطب البيطري:

الجدير بالذكر أن الطب البيطري باعتباره تخصصا طبيا لم يكن منفصلا عن الطب العام وكذا علم النبات والأعشاب ووضع العقاقير، من هنا فإن حديثنا عن الطب وتطوره يشمل هذا الجانب المرتبط بطب الحيوان أيضا، بل إن طب الإنسان ازدهر في جانب كبير منه في ارتباط وثيق بطب الحيوان؛ بفعل التجارب التي كانت تجرى في هذا الجانب للاستفادة منها في صحة الأبدان سواء تعلق الأمر بالإنسان أم بالحيوان.

في هذا السياق يمكن التأكيد على أن فاس قد عرفت ومنذ زمن مبكر نشاطا ورواجا لافتا في مجال الطب، حيث شهد هذا المجال ازدهارا كبيرا منذ القرن الثالث الهجري، إلى أن تطور الأمر أكثر فأكثر فيما بعد، فقد ذكر ابن القاضي في كتابه “جذوة الاقتباس” أنه في العصرين المرابطي والموحدي اشتهر عدد من العلماء في الطب وذكر منهم أبو العلاء بن زهر (ت503هـ) الذي ذاعت شهرته في المجال، والذي ألف مجموعة من الكتب منها “كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد“؛ ألفه للأمير المرابطي إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، وكتاب “التيسير في المداواة والتدبير”، و”كتاب الأغذية”، وقد لاقت هذه الكتب رواجا كبيرا في سائر الحواضر المغربية بما فيها حاضرة فاس، هذا بالإضافة إلى مؤلفات ابنه عبد الملك بن زهر (ت557هـ) التي لاقت هي الأخرى انتشارا كبيرا –منذ زمن صاحبها-  في مختلف حواضر المغرب بما فيها مدينة فاس، فقد وصل مداها إلى قلب جامع القرويين وتلقاها الطلبة والعلماء باهتمام كبير وكانت تدرّس في رحاب الجامع، ومن جملة هذه المؤلفات نجد “كتاب الزينة” و”تذكرة في أمر الدواء المُسهِّل وكيفية أخذه” كتبها لولده الطبيب أبي بكر محمد الذي سمي فيما بعد بالحفيد و“مقالة في عِلل الكلى” و“رسالة في علتي البرص والبهق“، و“تذكرة في علاج الأمراض”، ويبقى كتاب “التيسير في المداواة والتدبير” أهم مؤلفات ابن زهر، صنفه في أوائل عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، وقد كان لابن زهر فضل كبير في اكتشاف مجموعة من العلاجات لعدد من الأمراض، ومن ثم فقد أسهم بشكل كبير في تطوير الطب في زمانه، وقد لاقت مؤلفاته رواجا فيما بين طلبة العلم في مدينة فاس بفضل نخبة من العلماء الأندلسيين الذين وفدوا إلى فاس ودرّسوا بها كتبه وأشاعوها بين طلبة العلم، ومن أبرز هؤلاء أبو الحجاج يوسف بن فتوح القرشي المعروف بالعشاب (ت562هـ) من أهل المرية، نزل فاسا، وحدث بها، وكان من جملة من نقلوا مؤلفات ابن زهر إلى مدينة فاس[3].

كل هذا جعل فاس تحظى منذ هذا الزمن المبكر وبالضبط منذ القرن الرابع الهجري بمدرسة طبية مزدهرة، حيث تضمنت جامعة القرويين العديد من الأسماء الوازنة في المجال، سواء في الزمن المرابطي أو الموحدي، ومن بين أهم الأسماء التي زخرت بها جامعة القرويين في الزمن الموحدي ابن باجة الفيلسوف أو أبو بكر ابن الصائغ الذي زاوج بين الفلسفة والعلوم، خاصة الطب والحساب، وهو من العلماء الأندلسيين الذين استوطنوا فاس وارتبط اسمهم بجامع القرويين. وكذلك ممن اشتهروا بالطب الفيلسوف أبو بكر ابن طفيل؛ فهو على الرغم من شهرته بالفكر والفلسفة إلا أنه كان من الأطباء، وفي فترة معينة كان الطبيب الخاص للسلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وقد كتب أرجوزة طويلة في الطب توجد نسخة منها بخزانة القرويين، وكانت هذه الأرجوزة من المواد المدرسة ضمن مقررات القرويين.

بالإضافة إلى هؤلاء الأعلام، اشتهرت العديد من الأسر بالطب، أبرزها أسرة أبناء زهر، وعبد الملك الزهراوي، كانوا ممن وفدوا على المغرب من الأندلس وأسهموا في الحركة العلمية داخل أسوار القرويين.

إضافة إلى أعلام آخرين برزوا في المجال في العهد الموحدي أمثال سعيد الغماري، له كتاب “ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة“. ومن الأطباء الذين عرفتهم القرويين أيضا أبو جعفر الذهبي نقيب الطلبة الأطباء في عهد الموحدين ومعاصره أبو بكر بن بقي السلامي، وأيضا يوسف بن فتوح القرشي المري قاضي فاس، كانت له معرفة كبيرة بعلم النبات وغيرهم[4]. كل هذا جعل من القرويين حاضنا كبيرا للمجال الطبي، مع ما عرفته من حركة تأليفية هامة في هذا الباب، وقد كان الطلبة داخل هذه المعلمة يولون عناية فائقة بكتب الطب ويقبلون على دراستها، ومن الكتب التي حظيت باهتمام طلبة القرويين كتاب “الكامل” للرازي، و”القانون في الطب” و”المنظومة” لابن سينا، وكتاب “زبدة الطب” للجرجاني، وكتاب “التذكرة” للسويدي، و”التذكرة” للأنطاكي، و”الكليات” لابن رشد، و”المفردات” لابن البيطار، و“كشف الرموز في شرح العقاقير والأعشاب” وهو أهم مؤلفات عالم النبات الجزائري عبد الرزاق ابن حمدوش، وهو كتاب يحتوي على نحو الألف نبتة مرتبة على الحروف، ينقل عن ابن سينا، وابن البيطار والأنطاكي، وله أيضا “تعديل المزاج بحسب قوانين العلاج“، فهذه الكتب كلها كانت تدرّس في القرويين وهو ما أكده “دلفان” حيث أوردها في كتابه حول “فاس وجامعتها والتعليم العالي بها”، طبع عام 1889[5].

إن ما ميز الطب داخل جامعة القرويين هو كونه لم يكتف فقط بما أخذه عن المدرسة العربية التي كانت تفد إليه من المشرق والأندلس، وإنما إضافة إلى ذلك، استند إلى الموروث الطبي المحلي، كما اعتمد بشكل كبير على الدراسات الإفريقية في المجال، إضافة إلى انفتاح علماء هذه المعلمة على مجموعة من الموروثات الطبية للحضارات السالفة، ومنها التراث الإغريقي، فقد كان أغلب أطباء القرويين يتقنون اللغة اللاتينية كأبي عبد اللَّه الصقلي الذي كان يتكلم الإغريقية بطلاقة.

من هنا، كانت المدرسة الطبية المغربية بشكل عام مدرسة غنية وزاخرة، وهو ما جعلها تنجب مجموعة كبيرة من الأطباء نبغوا في المجال وكانوا يديرون كبريات المستشفيات في وقتهم، كما توصلوا إلى اكتشاف عدد من الأدوية المفردة وشخصوا العديد من الأمراض الدقيقة، وقد كانت لإسهاماتهم دور كبير في تطوير وإغناء المجال الطبي، فكان لهم بذلك تأثير كبير في المشرق كما كان لهم دور في تعريف أوربا بأسرار الطب[6].

إن السر في هذا التطور الكبير الذي عرفته القرويين في مجال الطب يرجع بالأساس إلى التنوع والانفتاح الذي عرفته هذه المعلمة على مختلف أنواع العلوم، فعلماء القرويين لم يكونوا منحصرين في العلوم الدينية وحسب، وإنما كانوا يزاوجون فيما بينها وبين العلوم التطبيقية؛ ومن بينها علم الطب الذي كان مشاعاً بين طبقة الفقهاء والمحدثين والأدباء، وقد كانت لهم إسهامات جد متميزة في هذا الباب، فقد ذكر أحمد بابا التنبكتي (ت1036هـ) في “نيل الابتهاج أن الإمام السنوسي صاحب العقيدة الكبرى وضع شرحا على رجز ابن سينا في الطب[7]، مما يبين لنا هذا الجمع التوفيقي الذي حصله علماء القرويين بين العلوم الدينية والعلوم التطبيقية بما فيها علم الطب.

إننا وإن ركزنا أكثر في هذه المقالة على الطب البيطري وعناية علماء القرويين به، فإنه من المهم التنبيه إلى أن هذا التخصص العلمي لم يكن بمعزل عن النشاط الكبير الذي عرفه المجال الطبي بشكل عام داخل أسوار القرويين، وقد كان هذا المجال بدوره في صلب اهتمامات أعلامها وانشغالاتهم العلمية، وهو ما أكده صاحب كتاب “صفحات من تاريخ الطب البيطري بالمغرب”، الأستاذ محمد زين العابدين الحسيني حيث ذهب إلى أنه “إذا كانت العلوم الملقنة بالقرويين تكتسي طابع التنوع فإنها كانت تتصف بالوظيفية، حيث كان الذين يتلقون علوم الفلك والتنجيم والهيأة يمارسون مهمة التوقيت، وهي مهمة لم تكن باليسيرة باعتبار أن القرويين كانت تلعب دور القاطرة فيما يخص الأذان للصلوات الخمس، وكان الذين يتلقون الطب والبيطرة والتعشيب (الصيدلة) يمارسون مهمة الطب وعلاج العلل والأمراض التي تصيب الإنسان والدواب، ووضع وصفات علاجية مركبة من مكونات  نباتية أو معدنية، وهو الأمر الذي كان يتطلب الإلمام بعلم الكيمياء الذي كان بدوره يدرس وفق مرجعيات وضوابط وقوانين يدعمها العقل والمنطق”[8]. وبحسب ما قرره الباحث نفسه فإن طب الدواب كان يمارس بالموازاة مع طب الإنسان، بمعنى أن البيطرة كانت لا تنفصل عن الطب بشكل عام، كما أن التعشيب أو الصيدلة كان يتم بالاشتراك فيما بين طب الإنسان وطب الحيوان، ومع هذا فقد كانت البيطرة تتم وفق ضوابط وقواعد تضبطها بحيث “كانت تعتبر علما من بين العلوم البحتة تحكمها ضوابط وحدود منطقية، تعتمد على مصادر تتضمن نتاج ما أفرزته أفكار وعقول العلماء في هذا المجال سواء في المشرق أو المغرب. إن البيطرة كوسيلة لعلاج الدواب كانت من الأدوات والوسائل وتعتمد العديد من العمليات والإجراءات التي ما زالت تعتمدها البيطرة الحديثة رغم التطورات التقنية التي عرفها الحقل العلمي، وضمنه الطب البيطري…”[9]. ومن ثم فقد كانت للمغاربة -خاصة علماء القرويين- إسهامات جليلة في هذا الباب، وقد أبرز الباحث محمد زين العابدين الحسيني جملة من هذه الجهود ضمن كتابه السابق، أوضح بشكل خاص جهود علماء القرويين في هذا الباب حتى إنه قد خصص الفصل الثالث من الكتاب حول الطب البيطري في القرويين وعنونه بـ “تدريس البيطرة بالقرويين دليل على الاهتمام بالمجال العلمي”، مع أن الكتاب يتضمن ثلاثة فصول فقط، مما يعني أن ما يزيد عن ثلث الكتاب خصصه إلى مجال البيطرة داخل جامع القرويين، وهذا يؤكد على الأهمية التي تبوؤها هذا المجال العلمي في الساحة التدريسية داخل القرويين، مع أنه لم يكن ينفصل كثيرا عن الطب بشكل عام.

إجمالا، فإن علماء القرويين قدموا إسهامات جليلة في مجال الطب بما في ذلك الطب البيطري، إلى جانب علم الأعشاب ووضع العقاقير، وقد نبغ في مختلف الحقب التاريخية التي عرفتها القرويين ثلة من العلماء في هذا المجال، بداية من زمن الأدارسة ثم المرابطين والموحدين وصولا إلى المرينيين الذين شهد فيه عصرهم تطورا كبيرا لهذا المجال، خاصة في نهاية هذا العصر حيث ازدهرت الدراسات الطبية في القرويين بشكل أكبر، ونبغ علماء كبار في الطب وعلوم الحياة والطبيعة ومنهم العلامة أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن العربي الفاسي المعروف بالعارف توفي سنة (1525م)، وهو صاحب كتاب “رسالة في تفسير الأعشاب والعقاقير الشائعة“، وجاء بعده في العصر السعدي الوزير الغساني (ت1019هـ) ومن أشهر كتبه حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار“ وهو كتاب علمي دقيق جمع فيه تفاصيل علمية وطبية عن كثير من أنواع الأعشاب والعقاقير، وقد كان الغساني طبيب البلاط السعدي إبان حكم السلطان أحمد المنصور الذهبي. أيضا فإن العصر العلوي بدوره عرف نخبة وازنة من العلماء الذين اشتهروا بنبوغهم في المجال الطبي والعلوم الطبيعية أمثال الطبيب محمد بن أحمد الحسني العلمي الفاسي المتوفى بها سنة (1322هـ)، صاحب كتاب “ضياء النبراس في حل مفردات الأنطاكي بلغة فاس” وهو كتاب نفيس تتبع فيه صاحبه النباتات والأعشاب التي وردت في تذكرة داود الأنطاكي الضرير، كما وضع مقابلات أسمائها المشرقية بنظيرتها المغربية، وقد أهدى نسخة من هذا الكتاب إلى السلطان مولاي الحسن. وبالإضافة إلى الطبيب العلمي فقد عرفت القرويين نبوغ مجموعة من الأسماء الأخرى التي نبغت في المجال.

أخيرا، فإن ما يمكن التأكيد عليه هو أن الطب البيطري كان في صلب اهتمامات علماء القرويين وقد كانت لهم إسهامات جليلة في هذا الباب من خلال ما لقنوه لطبتهم، وكذا من خلال ما أسهموا به من تآليف في هذا الباب سواء ما يتعلق بالأعشاب والوصفات المرتبطة بالحيوان، أو المرتبطة بالتشريح، مما ينبهنا إلى الأهمية التي حظي بها هذا المجال، بالإضافة إلى المجالات العلمية الأخرى ضمن المواد الدراسية داخل جامعة القرويين، ومن هنا يمكن التأكيد على إسهام هذه المعلمة في خدمة وتطور العديد من فروع العلوم الحقة بما فيها المجال الطبي بما يتضمنه من مجال طب الحيوان أو الطب البيطري، إذ كان هذا المجال بدوره في صلب اهتمامات علماء القرويين وطلبتها، إلى جانب العديد من العلوم التطبيقية الأخرى، فمعلمة القرويين لم تكن تقتصر على العلوم الدينية وحسب، وإنما كانت أيضا منارة للعلوم التطبيقية، وما الإسهامات التي قدمها أعلام هذه المنارة في شتى صنوف المعارف والعلوم لخير شاهد على هذا الرسوخ والعطاء العلمي الزاخر الذي شهدته القرويين والتي امتد إشعاعها إلى سائر بلدان العالم الإسلامي.

الهوامش:


[1] ـ توجد نسخة منه في المكتبة التيمورية بالقاهرة، رقم 108.

[2]  ـ ينظر: العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، للمنوني، ط2، 1977، ص: 131.

[3]  ـ ينظر: جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، أحمد ابن القاضي المكناسي، دار المنصور للطباعة والوراقة-الرباط، 1973، ص: 553-554. وكذا: المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي، اعتنى به ابن الأبار، الطبعة الأولى 2000، مكتبة الثقافة الدينية-مصر، ترجمة رقم: 311.

[4]  ـ ينظر: النبوغ المغربي، عبد الله كَنون، ص: 218.

[5] ـ ينظر: العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، المنوني، ص: 131.

[6]  ـ نفح الطيب، المقري، 1/244.

[7]  ـ ينظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي (ت1036)، تحقيق د. علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية-القاهرة، الطبعة الأولى 2004، 1/260.

[8]  – صفحات من تاريخ الطب البيطري بالمغرب، محمد زين العابدين الحسيني، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع- الرباط، الطبعة الأولى 2013، ص: 12.

[9]  – صفحات من تاريخ الطب البيطري بالمغرب، ص: 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق