مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةدراسات محكمة

إسهام بادية الشياظمة في العلوم الكونية الحلقة الأخيرة

 

مصطفى مختار باحث بوحدة علم وعمران

تحت إشراف : الدكتور جمال بامي

عدول منطقة الشياظمة المطلعون على علم الحساب:

عثرنا على وثيقة عدلية دالة على معرفة بعلم الحساب، بخط العدل إبراهيم السكياطي، متعلقة بفريضة المقدم الحاج بلة بن محمد الرجراجي، صاحب الضريح المعروف بحم، جاء فيها: “الحمد لله، وبعد، فقد صحت فريضة المرحوم بكرم الله المرابط المقدس بالله السيد الحاج بلة المقدم بن سيدي محمد بن سيدي محمد (فتحا) ابن حميدة الولي المشهور، بعد الاختصار وإعمال المناسخات من اثنين وثلاثين سهما، فخرج للعاصب السيد إدريس الكانوني العاصب ثلاثة أسهم وثمن، ولكلثوم زوجة سيدي محمد ثلاثة أسهم غير ربع وللعاصب سيدي المكي بن أحمد في ميراثه وفي زوجته عشرة أسهم، وفي أبيه ولفاطمة زوجة السيد الحسين بنت العربي، وفاطمة بنت علال زوجته الثانية ربع سهم لكل واحدة منهما، ولبنتيْ السيد الحسن أم هاني وءامنة سهم ونصف لكل واحدة منهما، ولابن أخيه السيد محمد المفقود سهم غير ثمن تعصيبا، وللسيد أحمد زوج عائشة بنت الحاج بلة ثلاثة أسهم وثمن السهم، وللسيد صالح وأبناء خديجة السيد محمد ومنانة وفطومة ستة أسهم غير ربع وثمن، والعلم لله وحده، إبراهيم بن محمد السكياطي وفقه الله“[74].

      ومن العدول الشياظميين المطلعين على علم الحساب السيد محمد بن مبارك أَوْ بريك الرجراجي[75] الذي كتب رفقة العدل سعيد بن بوجمعة وكالة للسيدة فاطمة بنت الطاهر الرجراجي، بتاريخ 12 رمضان 1214 هـ، يبدو منها إلمامهما بعلم الحساب[76]. وكتب الأول منهما رفقة العدل محمد الرجراجي عقد زواج، بتاريخ 11 شوال عام 1214 هـ[77]. ومنهم علي بن محمد الرجراجي موثق إشهاد رفقة عدل آخر، بتاريخ 25 ربيع الأول عام 1281 هـ[78].

      ومنهم الطاهر بن الحبيب الشياظمي الحاجي إمام جامع سيدي يوسف، بالصويرة، والمدرس به. عاد بعد تلقيه العلم من مراكش إلى الشياظمة. وانخرط في سماط العدول. ودرس بمدرسة أولاد الحاج بالشياظمة. ثم انتقل إلى دكالة ليدرس بها. وأسس مدرسة ثانية بها في قبيلة الرواحلة. وخلال أيام البرد كان طلبته يستدفئون بحطب “الكندول“. وظل يشتغل هناك بالفلاحة والتدريس[79].

      ومنهم مولود بن أحمد الشيظمي المسكالي الذي تولى عدالة الديوانة مرارا بالصويرة[80]. ومنهم العدل سعيد بن محمد الرجراجي موثق إشهاد شراء بالأجل، بتاريخ فاتح شوال عام 1315 هـ [81]. ولعله سعيد بن محمد الرجراجي البطريطشي موثق، رفقة عدل آخر، رسم عتق رقبة، بتاريخ 26 ربيع الأول عام 1317 هـ[82].ويبدو أنه هو المدعو ابن زعيتر الذي كان يزور الزاوية البنحميدية الرجراجية في العيد أو لقضاء بعض الأشغال الهامة[83].

ومنهم العدل حميد البطريطشي الرجراجي ورفقته العدل المحجوب بن عبد الكريم الرجراجي القرمودي كتبا إشهادا، بتاريخ 29 ذي الحجة عام 1317 هـ[84]. ومنهم العدل حميد الرجراجي القرمودي موثق إشهاد، بتاريخ 4 محرم عام 1318 هـ[85]، والعدل عبد الرحمان بن الطاهر الرجراجي البطريطشي، موثق الإشهاد شبه الطبي المذكور سابقا، بتاريخ آخر ربيع الأول عام 1319 هـ [86]، وأخوه عبد الحميد بن الطاهر البطريطشي الذي تولى بعد موت شقيقه العدالة، وخلافة النقيب أحمد بن البشير السعيدي الرجراجي. وأخذ الطريقة التجانية عن سيدي الحاج محمد النظيفي[87].

وهكذا ينصهر العمل العقلي (علم المواريث- علم الحساب) مع الهمة الصوفية لتشكيل عمل رائد متجذر تراثيا ومستشرف للآفاق، بشكل يجعل منه عملا دينيا متجددا باستمرار.

ومن العدول الشياظميين الملمين بعلم الحساب سيدي الحاج محمد من أولاد علي بآسفي المنتمين إلى زاوية أبي العلم الرجراجية. كان أمينا بمرسى آسفي، وعدلا بطرفاية مع الوفد العزيزي[88].ومنهم العدل عبد الرحمان المسكالي الذي قُبض عليه مع أعيان آخرين عام 1325 هـ[89]. وكان من المتوجهين لحاضرة فاس بالبيعة والهدية إلى المولى عبد الحفيظ بن الحسن العلوي[90].

ومنهم سعيد بن أحمد العرائشي الرجراجي البطريطشي، قريب العلامة الحاج علي بن عبد الصادق الرجراجي. تولى خطة العدالة. وكان كثير الزيارة لزاوية سيدي محمد بن حميدة الرجراجية صيفا وشتاء مرتديا بزة العلماء وعليها حائك[91].

ومنهم سيدي محمد بن سعيد الشيظمي الصديقي[92] الذي درَس منظومة الرسموكي في الميراث وغيرها على الفقيه سيدي عبد الله القشاش أو القشاشي بن محمد بن إبراهيم الشيظمي الحنشاوي المدرس والمقدم للطريقة التجانية والخطيب بجامع سيدي يوسف بالصويرة. وشغل الصديقي خطة العدالة بالمحكمة الشرعية، والخطابة بمسجد البواخر، بالمدينة المذكورة، ثم تدريس التفسير والحديث بالجامع المحمدي من مدينة الدار البيضاء[93].

ومنهم الحاج علي التوبالي الصحراوي، حفيد سيدي محمد بن محمد التوبالي مؤسس الزاوية الناصرية، بأقرمود. شغل حفيده المذكور مدرسا ومقدما، بالمدرسة القرمودية. ثم انتقل إلى مدينة الصويرة. حيث اشتغل بائعا أبازير، بسوق الغزل، وواعظا، بمسجد سيدي عبد الله أو عمر، وخطيبا، بمسجد القصبة العتيق، وعدلا[94]. ولا شك أن هذه المهنة الأخيرة تقتضي العلم بالفرائض والمواريث الذي لعله قرأه أو درّسه بالمدرسة المذكورة.

ومنهم العدل عمر بن محمد من زاوية أولاد ابن سليمان بعبدة المنتسبين إلى سيدي واسمين الرجراجي[95].ومنهم البشير بن ابريك الكدالي الرجراجي العبدي، من البيت الرجراجي السكياطي بعبدة. درس بمراكش وأخذ عن علمائها العلم والصلاح. وتولى خطة العدالة[96].

ومنهم الطيب الرجراجي السكياطي الماجري مدفنا. كان فقيها عدلا مدرسا[97].ومنهم السيد عمر بن محمد الرجراجي الشهلاوي العبدي الذي تولى نيابة القضاء والعدالة ما يزيد عن ثلاثين سنة[98].ومنهم الرجراجي السكياطي العدل المرابط بزاوية سكياط[99]. ومنهم الحاج محمد بن علي بن عبد الصادق الرجراجي المنتسب إلى العريشات في الاكريمات المنتسبين، بدورهم، إلى الصالح سيدي سعيد السابق[100].

      ومنهم الفقيه العدل أبو سالم إبراهيم بن عمر، من أولاد التراب الرجراجيين. وكثيرا ما كان يزور زاوية محمد بن حميدة الرجراجية، ببئر كوات، بالشياظمة، قصد الاستجمام ولقاء العلماء والصلحاء[101].

      ولعل من هذه الأسرة العدل سيدي محمد بن الحاج محمد التراب، بمدينة مكناس، الذي قرأ بمكتب سيدي أحمد زروق، بحومة السويقة، ومكتب سيدي عبد الواحد الأشقر، بحومة القبابين، وغيرهما. ودرس بالجامع الكبير الحساب والفرائض ورسالة المارديني في التوقيت على الفقيه سيدي عبد الرحمان بريطل الرباطي[102].

      ومن المحتمل أن بعض العدول تولوا خطة العدالة بمنطقة الشياظمة. ومنهم السيد عبد الله بن أحمد السملالي الحميري موثق إراثة، بتاريخ 21 ربيع الثاني عام 1233 هـ[103]. وكان مقبول الشهادة في بلاد الشياظمة وزوايا رجراجة حيث بقي فيها إلى وفاته[104]. ومنهم السيد عبد الجليل هشوم موثق اعتراف، بتاريخ 5 صفر عام 1311 هـ[105]، والعدلان المدعوان الغيسي والعيساوي موثقا إشهاد، بتاريخ 11 صفر عام 1325 هـ[106]، والسيدان عبد الرحمان بن الطيب السملالي الحسني والعيساوي موثقا صدقة، بتاريخ 8 محرم عام 1328 هـ[107]. ومنهم السيد المدني ابن عمارة[108].

      وإذ أسهبنا في الحديث عن معالم العلوم التطبيقية بمنطقة الشياظمة ومحيطها، وعن رجالات هذه العلوم المذكورة في المجال المدروس، نتساءل الآن كيف يمكن للمواطن المغربي المعاصر أن يستثمر ذلك؟.

استثمار الحديث عن العلوم التطبيقية بمنطقة الشياظمة:

يمكننا استثمار الحديث عن رواج العلوم التطبيقية، بمنطقة الشياظمة، خلال ثلاثة مستويات. أولها: المستوى الفردي. وثانيها: المستوى المحلي. وثالثها: المستوى الوطني.

المستوى الفردي:

يبعث الحديث عن تجذر العلوم التطبيقية بمنطقة الشياظمة وغيرها من مناطق المغرب اعتزازا لدى المواطن المغربي بالذات المغربية العالمة، وافتخارا بالانتماء إلى هذه الذات الواعية، بشكل يصبح فيه وعي المواطن بذاته الوطنية العالمة محفزا للإسهام في التنمية المغربية المستديمة، والتصدي للتحديات الداخلية والخارجية.

المستوى المحلي:

من الممكن إدماج الحديث عن رواج العلوم الكونية بالمنطقة المدروسة خلال طقس رجراجة الشهير. حيث لا يتم الاقتصار فيه على الحديث عن الصلاح التاريخي وحده دون التطرق إلى الجوانب العلمية الأخرى التي عرفها المجال المذكور، باستثمار المطويات والمجسمات والعروض النظرية والتطبيقية. وبذلك، يصبح الصلاح الرجراجي صلاحا واعيا عارفا منصهرا مع طرق العلم التطبيقي القديم، بشكل يحفزه على الانصهار مع طرق العلم التطبيقي الراهن.

المستوى الوطني:

إن الإسهاب في الحديث عن العلوم التطبيقية، بمنطقة الشياظمة، لا ينفصل عن الحديث عن البادية المغربية العالمة التي استثمرت كثيرا من تقنيات العلم المغربي القديم.

وبذلك، تصبح هذه البادية المغربية العالمة والواعية بذاتها تقنيا وتاريخيا مستشرفة لاستثمار تقنيات العلم التطبيقي الحديث من أجل تحولها إلى بادية للعيش المتمدن الكريم الذي يمنح سكانها فرص العمل والاستثمار والانتماء إلى التربة المغربية المعطاء، مما سيقلص كثيرا من عمليات الهجرة القروية إلى المدن التي يتم بها تفقير البادية المغربية.

ويمكن لهذه البادية المغربية العالمة المستثمرة للصلاح التاريخي والتقنية القديمة والحديثة أن تكون مجال جذب للاستثمار، ومجال جذب للهجرة المعكوسة من المدينة إلى البادية التي ستصبح بادية مستديمة بفضل الرأسمال الرمزي (الصلاح الصوفي)،والرأسمال الثقافي (أنواع العلوم)، والرأسمال البشري (سكان البوادي والمهاجرون من المدن)، والرأسمال المادي (رؤوس الأموال المحلية والجهوية والوطنية والدولية).

وتبعا لذلك، ستصبح هذه البادية المغربية العالمة والواعية بتاريخها وحاضرها والمستشرفة لمستقبلها المستديم، بادية مدرة للأرباح ومسهمة في الرأسمال الوطني بفضل صادراتها وضرائبها المستخلصة من أنشطتها.

والله الموفق للصواب والمعين عليه

الإحالات :

[74] السيف المسلول، ج2، ص188- 19

[76] السيف المسلول، ج2، ص211، وص213.

[77] السيف المسلول، ج1، ص131- 134؛ وج2، ص214- 215.

[78] السيف المسلول، الملحق، ص337.

[79] توفي في متم ذي الحجة عام 1303 هـ/ 29 شتنبر 1886 م. راجع: مادة الشياظمي الحاجي، الطاهر بن الحبيب، في: معلمة المغرب، ج16، ص5438.

[80] توفي يوم الثلاثاء 3 ربيع الثاني عام 1310 هـ. انظر: إيقاظ السريرة، ج1، ص106.

[81] السيف المسلول، الملحق، ص355.

[82] السيف المسلول، ج1، ص138.

[83] توفي فيما بعد 1320 هـ. انظر: السيف المسلول، ج2، ص311- 312.

[84] السيف المسلول، ج2، ص273، الهامش رقم 1.

[85] السيف المسلول، ج2، ص273، الهامش رقم 1.

[86] السيف المسلول، ج1، ص138؛ وج2، ص260، الهامش رقم 1.

[87] توفي عام 1358 هـ. انظر عنه: السيف المسلول، ج2، ص254- 255.

[88] السيف المسلول، ج1، ص96. راجع بخصوص الزاوية المذكورة: المصدر نفسه، ص95- 96.

[89] إيقاظ السريرة، ج1، ص140.

[90] إيقاظ السريرة، ج1، ص142.

[91] توفي عام 1330 هـ. انظر عنه: السيف المسلول، ج2، ص311- 312.

[92] ولد عام 1319 هـ. ولما توفي عام 1395 هـ دفن بمقبرة ابن امسيك من مدينة الدار البيضاء.

[93] إسعاف الإخوان الراغبين، بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، محمد ابن الحاج السلمي،تقديم: عبد الله كنون، مراجعة: جعفر ابن الحاج السلمي، منشورات جمعية تطاون أسمير، تطوان، مطبعة الخليج العربي، ط. الثانية، 1437 هـ- 2016 م، ص196 والهامش رقم 181؛ وإتحاف المطالع، ج2، ص460.

[94] توفي يوم الجمعة 15 محرم عام 1401 هـ/ 21 نونبر 1980 م. راجع: مدارس التعليم العتيق بالإقليم الصويري، ص324- 325.

[95] السيف المسلول، ج1، ص100.

[96] السيف المسلول، ج2، ص198.

[97] السيف المسلول، ج2، ص210.

[98] السيف المسلول، ج2، ص299؛ والملحق، ص362.

[99] السيف المسلول، الملحق، ص359- 360.

[100] السيف المسلول، الملحق، ص370.

[101] السيف المسلول، ج1، ص107، وص123، وص126، وص135.

[102] توفي يوم الثلاثاء 7 رجب عام 1406 هـ. وصلي عليه بضريح سيدي قدور العلمي، ودفن بضريح سيدي أحمد ابن خضراء، داخل باب البرادعيين من مكناس. انظر عنه: إسعاف الإخوان، ص134.

[103] السيف المسلول، ج1، ص134؛ وج2، ص229.

[104] توفي في استقبال جمادى الثانية عام 1277 هـ. انظر: السيف المسلول، ج2، ص229.

[105] السيف المسلول، ج1، ص135.

[106] السيف المسلول، ج2، ص273، الهامش رقم 1.

[107] السيف المسلول، ج1، ص136. انظر: السيف المسلول، ج2، ص229.[108]السيف المسلول، ج2، ص178.

 

 

 

 

 

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق