مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

إسهام العلوم الإنسانية والاجتماعية في العالم الرقمي المعولم في القرن الواحد والعشرين

1 ـ  العلوم الإنسانية والاجتماعية ضابطا ومفسرا لظاهرة الانفجار المعلوماتي.
تميز العصر الرقمي بسرعة تطور المعرفة في الاقتصاد والمجتمع بسبب انتشار التكنولوجيا والإعلام و السينما. فقد فاقت أدوات هذا العصر الرقمي الأدوات التقليدية في التعبير، والتعليم، والتأثير. وأحدث الانتشار السريع لوسائل التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعية، والأخبار، ما يمكن وصفه بـ”الانفجار المعلوماتي”. فأصبحت الحاجة ماسة إلى العلوم التي تضبط لنا التعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات، والتغير السريع فيها، وفي أنماط التفكير. وهي العلوم الإنسانية والاجتماعية. فتجددت الحاجة إلى هذه العلوم بعد أن كان قد تراجع الاهتمام بها للجهل بقيمتها.
تقول Petra Dierkes-Thrunإن “الأجيال القادمة ستحتاج إلى أن يتم إرشادها وتعليمها كيف تتصفح هذا الانفجار الفوضوي للقصص والصور والفيديوهات والأخبار والآراء على شبكة الإنترنت. الكثير تغير، ومع ذلك لسنا قادرين تماما على استيعاب ما الذي حقيقة يتضمنه أو يقتضيه هذا التغيير. لقد بنينا الأدوات، والآن نحن بحاجة إلى مُثُل وإلى توجيه لاستعمال هذه الأدوات لجعل العالم فعلا مكانا أفضل.”.

 

 

1 ـ  العلوم الإنسانية والاجتماعية ضابطا ومفسرا لظاهرة الانفجار المعلوماتي.

تميز العصر الرقمي بسرعة تطور المعرفة في الاقتصاد والمجتمع بسبب انتشار التكنولوجيا والإعلام و السينما. فقد فاقت أدوات هذا العصر الرقمي الأدوات التقليدية في التعبير، والتعليم، والتأثير. وأحدث الانتشار السريع لوسائل التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعية، والأخبار، ما يمكن وصفه بـ”الانفجار المعلوماتي”. فأصبحت الحاجة ماسة إلى العلوم التي تضبط لنا التعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات، والتغير السريع فيها، وفي أنماط التفكير. وهي العلوم الإنسانية والاجتماعية. فتجددت الحاجة إلى هذه العلوم بعد أن كان قد تراجع الاهتمام بها للجهل بقيمتها.

تقول Petra Dierkes-Thrunإن “الأجيال القادمة ستحتاج إلى أن يتم إرشادها وتعليمها كيف تتصفح هذا الانفجار الفوضوي للقصص والصور والفيديوهات والأخبار والآراء على شبكة الإنترنت. الكثير تغير، ومع ذلك لسنا قادرين تماما على استيعاب ما الذي حقيقة يتضمنه أو يقتضيه هذا التغيير. لقد بنينا الأدوات، والآن نحن بحاجة إلى مُثُل وإلى توجيه لاستعمال هذه الأدوات لجعل العالم فعلا مكانا أفضل.”.

2 ـ من مبدأ “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، إلى مبدأ “نحن نشارك، إذن نحن موجودون”.

وقد ظل تدريس هذه العلوم لسنوات طوال معتمدا على طريقة التلقين أو “النظرة الديكارتية للتعليم” كما وصفها البروفيسور الباحث  جون سيلي براون (John Seely Brown) في إحدى محاضراته في جامعة إنديانا (Indiana University). وهاته الطريقة تؤدي إلى “رفض المعلومة” طبقا لأقواله. ولذلك يقترح البروفيسور جون سيلي براون، فيما يتعلق بالتعليم في القرن الذي غزت فيه التكنولوجيا حياتنا اليومية، وأصبح الوصول إلى المعلومة ميسرا، تغييرَ مبدأ “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، إلى “نحن نشارك، إذن نحن موجودون”. وهذا بالضبط هو الدور الذي تلعبه العلوم الإنسانية والاجتماعية في العالم الرقمي المعولم اليوم. 

إن العلوم الإنسانية و الاجتماعية أثرت في العالم الرقمي إيجابا عبر إسهامها في ربط التخصصات، وإثراء المحتوى الإلكتروني عن طريق خلق مواد علمية نافعة تتمثل في مواقع وموسوعات هائلة، وإنشاء العديد من الجامعات الإلكترونية، ومنصات التعليم، و البرمجيات (software)، وتسهيل النشر والتفاعل مع المهتمين بالتخصص، وتنظيم المعلومة، واستعمال تقنيات جديدة في التعليم تعتمد على الوسائط المتعددة قامت بخلق ثورة في إيصال المعلومة وتقديم العلوم الإنسانية والاجتماعية لعموم الناس. 

3 ـ من مفهوم التخصص إلى مفهوم الفضاء الموجود بين التخصصات.

إن من أهم ما ساهمت به العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم الرقمي هو تسهيل التلاقح والتلاقي بين التخصصات والتداخل بينها. يقول جون سيلي براون في مقالة له بعنوان “التعلم في العالم الرقمي (Learning in the Digital Age):”على الجامعة التي تجعل غرضها البحث العلمي في القرن الواحد والعشرين أن تدعم تطوير التعليم العالي الذي يركز على المشاكل بدلا من التخصصات. إن جذور المشاكل تكاد تجدها في الفضاء بين التخصصات…هناك حيث تصطدم الأفكار، مما سوف يؤدي إلى طرق جديدة، ومفاهيم جديدة للمساعدة في نقل المعرفة إلى الأمام.” عن طريق خلق برمجيات من مثل Pundit الذي تم ترشيحه لجائزة “العلوم الإنسانية الرقمية لـ2015 ( Digital Humanities Awards 2015 )” والذي يتيح للباحثين من جميع أنحاء العالم الاطلاع على ملاحظات و تذييلات وحواشي الباحثين الآخرين وإضافة ملاحظاتهم وحواشيهم وتذييلاتهم الخاصة، متيحاً بناء قاعدة بيانات خاصة بالباحثين في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية يستفيد منها الباحثون وغيرهم من المهتمين بهذه المجالات. هذه المبادرات تسمح للباحثين الاستفادة المتبادلة وتجعل عملية البحث العلمي عملية اجتماعية تشاركية، كما أنها تتيح للباحثين الاستفادة من تخصصات بعضهم البعض عن طريق تلاقح التخصصات والثقافات واللغات المختلفة. 

إن مثل هذه المنصات تجعل من الجميع مشاركا وفاعلا محتملا في عملية صناعة المعلومة وتطويرها، ويكون الحاصل نتائج أفضل وأكثر تكاملا بفضل تعقيب الباحثين بعضهم على بعض بالإضافة، والتحليل، والتنظير، ومقارنة النتائج.

إن إغناء البحث العلمي والاستفادة المتبادلة هو أهم ما تحققه هذه المشاريع عن طريق تنظيم المعلومة في قواعد بيانية (database)، وتسريع الوصول إليها. هذا النمط من التعاون بين الباحثين والمؤسسات والجامعات يمكن أيضا من مواكبة تطور المعلومة وتسهيل تحليلها، كما يحمي هذه المعلومات من التلف أو الضياع. بفضل هاته التقنيات و التقنيات المشابهة لها، يمكن لباحث في مجال العلوم الإنسانية الوصول إلى العلوم المتعلقة بموضوع بحثه، وتحديد المراجع الأساسية والثانوية في وقت يسير جدا. إن هاته التقنيات التي تُضم تحت مسمى “العلوم الإنسانية الرقمية” لا تسهم فقط في العالم الرقمي، بل تسهم كذلك في تسهيل مهمة الباحثين وتنظيم المعلومة.

4 ـ قلة التكلفة، وسهولة الحصول على المعلومة، وسرعة الإنجاز. 

لقد تعودنا في تقاليد البحث المتوارثة أن نشيد بالمجهود الذي يبذله الباحث في جمع المادة، أو في الحصول على المعلومة، أو في الصبر على إنجاز الأعمال التي تقتضي منه السنوات الطوال. واليوم فقدت هذه المحامد قيمتها القديمة، بعد أن بدأت مؤسسات وجامعات رائدة بوضع محتويات مكاتبها للعموم على شبكة الإنترنت للانتفاع العام. وظهرت مشاريع مكتبات إلكترونية ضخمة للمخطوطات، والكتب القيمة، والصور التاريخية وما شابه ذلك مما كان لا يمكن الوصول إليه لولا هذه المبادرات التي نجد من أشهرها مشروع Gutenberg ، وHistory E-Book Project 

يقول المؤرخ الأمريكي STANLEY N. KATZ في مقاله لماذا تهم التكنولوجيا؟: العلوم الإنسانية في القرن الواحد و العشرين (Why technology matters: the humanities in the twenty-first century إنه “بالنسبة للباحث في مجال العلوم الإنسانية، ربما ليس هناك ما هو أكثر أهمية من القدرة على البحث في هياكل ضخمة من المعلومات وتنظيمها. تاريخيا كانت بعض من أكبر المشاريع الإنسانية عبارة عن فهرسة (البيبليوغرافيات). كنا دائما ملتزمين بتجميع الهياكل الهائلة من المعلومات ذات الصلة، سواء كانت أعمالا كاملة لكتاب محددين أو سجلات تاريخية لمؤسسات معينة. لقد كرس مشاهير العلماء حياتهم لمثل هذه المشاريع، دون أن يتمكنوا، في كثير من الأحيان، من رؤيتها منجزة”. 

عربيا، هناك مشروع معجم الدوحة والذي هو عبارة عن معجم لألفاظ اللغة العربية، يسجل تاريخ استعمالها بدلالاتها الأولى وتاريخ تحولاتها البنيوية والدلالية، مع تحديد مستعمليها و تعزيز ذلك بالشواهد الموثقة. 

5 ـ دمقرطة المعلومة، وربط الفصول الدراسية بالعالم.

ولم تكتف الجامعات و المؤسسات بوضع مكتباتها للتصفح المجاني على الأنترنت، بل قامت أيضا بإطلاق جامعات ومنصات إلكترونية تقوم أساسا على مبدأ التعاون و التعلم المبني على الاكتشاف بدل التعليم الموجه المبني على المحاضرات. وقد جعل نجاح هذه المبادرات العلمية صحيفة النيويورك تايمز تطلق على عام 2012عام MOOC . MOOC هي اختصار لـ Massive Online Open Courses أو (الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر). وعبر مواقع أو منصات مثل Coursera ، EdX، Khan Academy،أو Udacity صار بإمكان أي شخص شغوف بالمعرفة أن يستفيد من الدروس التي تمنحها عدد من الجامعات عبر العالم بما في ذلك جامعات النخبة هارفارد (Harvard)، براون (Brown) و ستانفورد (Stanford )في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تشكل مقرراتها نصف عدد مقررات الموقع تقريبا. هذه المبادرة و شبيهاتها وجه من أوجه إسهام العلوم الإنسانية و الاجتماعية إلى جانب غيرها من العلوم في العالم الرقمي اليوم. إن ما قامت به هاته الجامعات هو “دمقرطة” المعلومة وجعلها مجانية تماما. إذ أن هذا يمكن من الوصول لأكبر عدد من الناس، و من جعل المعلومة بيد الجميع، و ليس فقط من يسمح لهم وضعهم المادي أو وقتهم بارتياد مقاعد الجامعات. عربيا، نجد مبادرة (إدراك) الأردنية، ومبادرة (رواق) السعودية، و (تغريدات) الإماراتية، كما نجد كذلك منصة الرائد بالمغرب التي أطلقتها الرابطة المحمدية للعلماء والتي تختص بـ”تقديم العلم الشرعي والسياقي، بطريقة فاعلة، وناجعة، ووظيفية، ومتزنة، ووسطية.”

6 ـ من التلقي السلبي للمعلومة إلى المساهمة في إنتاجها.

ومما نذكره هنا تجربة الأستاذة المحاضرة  Petra Dierkes-Thrun من جامعة Stanford، حيث حاولت تدريس العلوم الإنسانية و الاجتماعية بشكل مختلف، و توسيع نطاقها. أو بعبارتها هي “محاولة ربط فصلها الدراسي بالعالم، وجعل الجميع يفهم لماذا العلوم الانسانية ما زالت مهمة وجعلهم يستمتعون بها.” وهو ما قالته في محاضرة لها في مؤتمر DLD سنة 2015 حيث ألقت فيه محاضرة بعنوان “العلوم الإنسانية في العالم الرقمي” (The Humanities in the Digital World). 

وكان من رأيها أن هذه المبادرات تجعل من الأدب “تجربة اجتماعية حية”. حيث قامت بإعطاء “واجب” لطلبتها يتمثل في تحديث لمحتوى ويكيبيديا كأحد أكثر مصادر المعلومات التي يُرجع إليها على الإنترنت، بعد أن لاحظت أن أغلب محتوياتها تكتب من طرف فئات بعينها. بالإضافة إلى ذلك، قامت هي وطلبتها بإنشاء مدونة يضعون فيها الأوراق الجامعية التي هم مطالبون بكتابتها بدل تسليمها إليها لتقرأها هي فقط، وبهذه الطريقة ينشرون معرفتهم المكتسبة الجديدة مع غيرهم من الطلاب و المهتمين بالمواضيع التي يدرسونها. ومثل هذه المبادرات من أستاذة وطلبتها في العلوم الإنسانية لا تغني فقط المحتوى الإلكتروني بل أيضا تعود بالنفع على الطلبة و الأساتذة أنفسهم. عندما أصبحت العلوم الإنسانية والاجتماعية جزءا من الأنترنت فهي أعطت الفرصة لمشاركة المعلومة، كما أعطت الفرصة للطلاب بأن يكونوا طلابا وأساتذة في الوقت نفسه، مخرجة إياهم من مجرد التلقي السلبي للمعلومة إلى المساهمة بشكل فاعل في إنتاجها.

7 ـ من التلقي المتدرج أو البطيء إلى التلقي السريع أو الفوري، ومن النشر المراقب إلى النشر الحر.

ومما يرتبط بالتفاعل الذي نحن في صدد معالجة الحديث عنه، ما يتعلق بنشر الكتب، والمقالات، والأعمال الإبداعية، والترويج لها، والإعلان عنها، حيث نجد الآن كتابا ينشرون لأنفسهم ولو على صفحات الفيسبوك، ويقومون للترويج لكتبهم بشكل مختلف عما كان من قبل. حيث التفاعل مع الكاتب فوري، ومعرفة رد فعل القراء فوري كذلك، على اختلاف هاته الردود. وبهذا غيرت المواقع الاجتماعية مفهوم النشر.

ومثال ذلك ما قامت بها الأستاذة Cathy Davidson من جامعة ديوك(Duke) صاحبة كتاب “مستقبل التفكير: المؤسسات التعليمية في العصر الرقمي (The Future of Thinking: Learning Institutions in a Digital Age) (و الذي ذكرته المحاضرة ثورن في المؤتمر نفسه). وهو أنها جعلت طلابها يقومون بالتعاون مع بعضهم بنشر كتاب إلكتروني – عوض كتابة أوراق أكاديمية – في الموضوع الذي درسوه معا ثم عرضه للبيع في أمازون. بهاته الطريقة لم يقوموا فقط بإغناء المحتوى الإلكتروني بل تعلموا أيضا كيف ينشرون لأنفسهم بأنفسهم.

لتضيف أن “أهمية إسهام العلوم الاجتماعية و الإنسانية في العالم الرقمي يكمن في كون “العلوم الإنسانية اليوم -حقيقة- قاعدة عظيمة للتفكير حول التواصل و القيم في العصر الرقمي” حيث أن دور العلوم الإنسانية هو دراسة الثقافة الرائجة والتاريخ وضبط المعلومة و تحليل الظواهر بجميع أنواعها. وفي عالم سريع التغير، هذه خدمة تسديها العلوم الإنسانية والاجتماعية للإنسانية.

8 ـ من النص إلى ما بعد النص.

تستطيع العلوم الإنسانية بدخولها العالم الرقمي أن توفر الآن أكثر من مجرد نصوص، وتستطيع أن تفهم بأكثر من طريقة، وأن تصل للناس بأشكال مختلفة، وذلك عن طريق الوسائط المتعددة (Media).”إن الوسائط المتعددة الرقمية تمكننا من تصور الظواهر الثقافية بطرق لا تسمح بها حتى الطباعة التناظرية الأكثر تقدما”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق