وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

إسهام الزاوية الوزانية في التنمية الفلاحية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

 

دافع أكثر من واحد عن صلة صلحاء المغرب بالعمران [1] الشامل، بمعناه الواسع، للتنمية المجالية التي من تجلياتها التنمية الفلاحية، بشكل يؤكد فرضية دعواها: الصلحاء رواد التنمية الأولى عامة، والتنمية الثانية خاصة.

  وفي صلة منهجية بذلك، مثّل شرفاء وزان بعض هؤلاء الرواد. حيث ورث المولى عبد الله بن إبراهيم الوزاني عن أبيه سيدي إبراهيم بن موسى اليملاحي العلمي "عرصة مغروسة بدوالي العنب وأشجار الكرم"، بتاصروت، وغابة زيتون، بغيرها [2]. ولعله ورث أرضا مشتركة، ببلاد الفحص عمل قصر كتامة كان أبوه يحرثها، مع شريكه، بدابتين فرس وبغلة [3]. وظل المترجم يداوم هذا الحرث [4].

  ويبدو أنه أخذ علم الفلاحة التطبيقي عن سيدي علي بن أحمد اللنجري، نزيل زاوية صرصر قرب القصر الكبير، والذي لعله أخذه عن سيدي يوسف بن محمد الفاسي [5]. فحين لزم المولى عبد الله الوزاني خدمته جعله في بستان له يخدم، ينقي أشجاره، ويجري سواقيه، ويصلح جميع ما يحتاج إليه. ولما دخل شيخه مرة إليه رفقة بعض أصحابه قال له: إيتنا بشيء من الرمان، فأتاه به. فقال له الشيخ: إن هذا الرمان حامض. فأجابه بقوله: والله ما ذقته قط، ولا عرفت حامضه من حلوه [6].

  ولما أتى المترجم مدشر شقرا "كانت تلك البلاد لا ينبت فيها إلا الريحان البري، أو غيره من نبات الغابة، محرومة، وليس يزرع فيها زرع ولا قطاني، وكان أهل تلك البلاد لا يعرفون الاشتغال بعمل الفلاحة، وإنما كانوا هم تجار يمترون الكتّان من أحجيب إلى فاس، وغيرها من بلاد المغرب، فقراؤهم يحصدون الريحان  ويبيعونه، فلما سكنها مولاي عبد الله المذكور وأولاده، طوّعها وصارت بلاد زرع  وضرع، والمواشي والأجنة وأنواع الفلاحة والنحل" [7].

  ولما انتقل المولى عبد الله الوزاني إلى مدشر وزان، لم تكن "بلاد زرع ولا مزارع، ولا ينبت بها نبات ترعاه المواشي، ليس به أجنة الفواكه، وإنما ينبت به نبات الريحان البري، وغيره من نبات الغابة، فتلك البلاد تعد من البلاد المحرومة، وحكمها حكم البلاد المحرومة الميْتة، يعمها ما في "الصحيح" مرفوعا: "من أحيا أرضا ميْتة فهي له".

  ولم "يكن به يومئذ عيون ولا مياه جارية، وإنما كان به ما كان يسمى بالعنصر، وهي العين التي يبدو جريانها في دجنبر أو بعده وينقطع جريان الماء منها في أواخر ماي، فإذا جاء الفصل المذكور، عاد الماء إليها، وجرى فيها على عادته؛ أو ما يسمى بالبير، وهو كذلك، فإذا خرج ماي انقطع جريانه، ولا يوكح الماء منه، بل يستمر الماء ملازما به من غير أن يكون يجري به إلى فصل الشتاء".

  وأمام هذا الوضع قام المترجم باستصلاح الغابة القريبة من داره. "وحفر السواقي للماء، وغرس الأجنة بأنواع الفواكه، واتخذ مواضع للخضرة" [8]، في علاقة جدلية رابطة بين البركة والخبرة الهيدرولوجية والفلاحية [9].

  ويبدو أن المولى الطيب بن محمد الوزاني قد ورث الاهتمام بالفلاحة عن جده المولى عبد الله الشريف. حيث احترف منذ شبابه الحرث والغرس [10]. وامتلك في عدة مناطق أرباعا وبساتين وثمارا وأشجارا [11]. مثل ما امتلك عزيبا سُرق منه ثوران، وقتل السراقُ القائمَ عليه ليلا [12]. وكان له عزيب آخر يقال له بني ماض في الطريق بين وزان وفاس التي زارها مرة فرافقه في العود لداره بوزان سيدي قاسم ابن رحمون وسيدي أحمد الخضار. وحين زارا دار الضمانة قفل معهما المولى الطيب فباتوا في العزيب المذكور [13].

  وكانت له عرصة قرب ضريح أخيه المولى التهامي الوزاني [14]، وأخرى قرب داره هو لقيه بها سيدي محمد بن علي المنالي. وكان مع المولى الطيب إمام مسجد وزان الفقيه علي العسري، وسيدي علي- الجمال- بن عبد الرحمن العمراني [15].

  ويبدو، بذلك، أنه "لا تخلو بلاد من بلاد المغرب عن أملاكه مما هو معتبر من  ديار عجيبة، وأشقاص في صنعها غريبة" [16]. وتابع شرفاء وزان الاهتمام بالزراعة. ولعل زاويتهم كانت تستفيد من عمليات الحرث الجماعي [17] أو لعلها كانت تمتلك بعض أو معظم بساتين الزيتون والبرتقال القريبة من الحاضرة [18]. وكانت تعتني بالثروة الحيوانية، بحسب ما يأتي.

 الاعتناء بالثروة الحيوانية :

  يظهر أن المولى عبد الله الوزاني كان مهتما بتربية الماشية [19]. حيث ورث عن أبيه إبراهيم اليملاحي العلمي دواب وبقرا وماعزا وزريبة نحل [20]. ونمى تركته. إذ قال عبد الكبير الشريف أعْلِوَات: "جاء خديم مولاي عبد الله ببقرة أرغت حليبا، من نسل البقر الذين ورثهم عن أبيه، واستعمله عليهم، بأخذ البطون في أجرته، وكانت عادته معه إذا ولدت له بقرة يأتيه بها، فإذا غرزت يردها له، فتبقى عنده حتى تلد ثانية، فلما جاءه بتلك البقرة على العادة، قال له مدشر شقرا لي أشقرا: ارفع عنا بقرتك هذه فإنك لا تملك معنا بلادا تسرح فيها بقرتك" [21].

  ولعل موقفهم كان من أسباب اهتمام المترجم باستصلاح أرض موات، بالمدشر نفسه، فأصبحت بلاد ضرع، ومواشي، ونحل [22]. ويبدو أن تركته اشتملت إثر وفاته "على ما يزيد على 100. 1 من رؤوس الغنم وما يقرب من 100 من البقر والدواب" [23]. وتابع سيدي الطيب الوزاني اهتمام جده بالثروة الحيوانية. حيث سأله سيدي محمد بن علال القادري: "أين الزيت والزرع والدراهم والبقر والغنم" [24]. وظل شرفاء وزان مهتمين بتربية الماشية [25].

  ويظهر أن اهتمام المولى عبد الله الوزاني بالفلاحة هو الذي ساعده على عولة نفسه خلال دراسته بفاس. حيث رافقته حين ذهابه إليها بهيمتان "عليهما عسل وسمن وزيت وفاكهة، والجميع من متروك والده" [26]. وساعده الاهتمام نفسه على إنشاء زاوية من وظائفها الاجتماعية إطعام الطعام للوراد [27].

  ولما منع أهل مدشر أشقرا المولى عبد الله الوزاني من أن ترعى البقرة التي جيء بها إليه، ذبحها وطبخها، "وجمع جميع أهل مدشر "شقرا" وأطعمها لهم على طعام كسكس" [28]. وخلال مجاعة في زمنه كان يبعث حفيده المولى التهامي بن محمد الوزاني رفقة أصحابه لحفر (الكرنين) ليطعم به الفقراء والمساكين [29].

  ودأبت الزاوية الوزانية على أداء وظيفتها الاجتماعية: إطعام الطعام [30]. فحين زارها المولى علي بن التهامي الوزاني قادما من بسطة، وجد والده يأكل بطيخا. فقدم إليه طعاما [31] وكان للمولى الطيب الوزاني اهتمام بإطعام الناس على اختلاف طبقاتهم. حيث يخص أهل الحواضر بطعامهم الذي يناسبهم، وأهل البوادي كذلك [32]. وحين زاره المولى قاسم ابن رحمون رفقة سيدي محمد بن علال القادري، بحي القشريين، بالجهة الغربية من وزان، لم يجد ما يطعمهم، فقدم لهم خبز شعير وزيتون [33].

  ولما ترد الفواكه من بطيخ ودلاع كان المولى الطيب الوزاني يعطي لكل واحد من أهل الدار نصيبه، ويجعل الباقي في بيت إلى وقت احتياجه، بحسب رواية أخته التي كانت زوجة للمولى هاشم بن عبد العزيز الطاهري، ابن عم الفقيه حمدون بن محمد الطاهري [34]، صاحب "تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان".

 وبذلك، مثل مسير الزاوية الوزانية طقسا ثقافيا يمكن استثماره من أجل الإسهام في تأسيس تنمية فلاحية قائمة على العلم والصلاح (القيم الكونية).

 

والله الموفق للصواب والمعين عليه

 

الإحالات:

[1] العمران الصوفي بين الأسطورة والتاريخ، جمال بامي، في: مجلة أمل، العدد 41، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص16- 28.

[2] فهرسة مولاي عبد الله الشريف الوزاني، عبد السلام القادري، تحقيق: عبد السلام المنصوري، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، 2017 م، ص175.

[3] نفسه، ص175.

[4] نفسه، ص178.

[5] الروض العطر الآنفاس، محمد بن عيشون، تحقيق: زهراء النظام، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1997 م، ص95، وص97؛ والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج8، العباس السملالي، تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1977 م، ص283.

[6] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، حمدون الطاهري، تحقيق: محمد العمراني، فاس، مطبعة سايس كَرافيك، 2011 م، ص130؛ وفهرسة مولاي عبد الله الشريف، ص179، وص206، وص207- 209.

[7] فهرسة مولاي عبد الله الشريف، ص215.

[8] نفسه، ص219.

[9] العمران الصوفي بين الأسطورة والتاريخ، في:  مجلة أمل، العدد 41، ص20.

[10] نشر المثاني، ج4، محمد القادري، تحقيق: محمد حجي- أحمد التوفيق، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1986 م، ص178.

[11] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، ص184.

[12] نفسه، ص197.

[13] نفسه، ص185.

[14] نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ج4، ص180.

[15] سلوك الطريق الوارية، محمد المنالي الزبادي، تحقيق: عبد الحي اليملاحي، تطوان، مطبعة الخليج العربي، 2012 م، ص204- 205.

[16] نشر المثاني، ج4، ص178. انظر: كتاب التقاط الدرر، القسم الثاني، محمد القادري، تحقيق: هاشم العلوي القاسمي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1983 م، ص448؛ واكتشاف جبالة، أوجست مولييراس، ترجمة: عز الدين الخطابي، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص356.

[17] تصوف الشرفاء: الممارسة الدينية والاجتماعية للزاوية الوزانية، محمد المنصور، في: التاريخ وأدب المناقب، الرباط، مطبعة عكاظ، 1989 م، ص22.

[18] اكتشاف جبالة، ص356.

[19] فهرسة مولاي عبد الله الشريف، ص175.

[20] نفسه، ص175، وص178، وص215.

[21] نفسه، ص215.

[22] نفسه. انظر: المصدر عينه، ص219.

[23] تصوف الشرفاء، في: التاريخ وأدب المناقب، ص17- 18.

[24] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، ص184.

[25] تصوف الشرفاء، في: التاريخ وأدب المناقب، ص22. انظر: تحفة الإخوان، ص184، وص197؛ ونشر المثاني، ج4، ص178.

[26] فهرسة مولاي عبد الله الشريف، ص178.

[27] نفسه، ص214، وص215، وص217، وص218، وص219، وص230، وص236؛ وتحفة الإخوان، ص132؛ ووزان دار الضمانة، ج2، عبد السلام البكاري & محمد احمامو، 2020 م، ص459.

[28] فهرسة مولاي عبد الله الشريف، ص215.

[29] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، ص168- 169.

[30] اكتشاف جبالة، ص356؛ وتصوف الشرفاء، في: التاريخ وأدب المناقب، ص24.

[31] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، ص177.

[32] نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ج4، ص179.

[33] تحفة الإخوان، ص183 والهامشان 16، و17.

[34] نفسه، ص195 والهامش 136.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق