مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويطبيعة ومجال

إبداع المرأة الصحراوية في المجال الطبي

كانت المرأة الصحراوية تهاجم الأمراض التي كانت تنتشر في المجال الصحراوي نتيجة درايتها بطرق معالجتها، حيث لم تخلو خيمة من الأعشاب الصالحة للتداوي لتلعب المرأة الصحراوية بذلك دور الممرضة والطبيبة لأفراد أسرتها وسنعطي أمثلة لنساء خدمن الطب وأعطين الكثير في هذا المجال.

 الشيخة منت سيدي المختار 1

كانت الشيخة منت سيدي المختارعلى قدر كبير من رقة القلب حيث كانت تنهمر دموعها عند كل آية من القرآن تتعلق بغضب الله على أمة من الأمم2. وقد تتأثر كثيرا برؤية المريض مما جعلها تخصص جانبا من تعليمها للطب، حيث كانت تعالج المرضى في مخيمها أو في المخيمات الأخرى بالأدوية التي تحت يدها باذلة بذلك جهدها في تحسين أحوالهم الصحية 3.

تزوجت سنة 1757 وهي بنت عشر سنوات. وقد ظهرت عليها علامات وبشائر الصلاح منذ طفولتها، ذلك أنها تنبأت بقدوم الشيخ المختار الذي لم تكن تعرفه، إلى مخيم عائلتها، وأعطت وصفا جسديا له ، وأشاعت في الوقت نفسه أنها ستكون زوجة له4.

وعلى مستوى مشوارها الدراسي " كانت دراستها كاملة إذ نالت تعليما إسلاميا مسهبا جدا، وليس في ذلك ما يدعو للإستغراب، بالنظر إلى الثقافة العالمة التي تتلقاها كل النسوة من الأحرار في خيام الصحراء "5. وقد كانت علاقاتها الاجتماعية متميزة للغاية مع المكونات الاجتماعية سواء في مخيمها أو في المخيمات الأخرى القريبة منها ، فكانت تقية ونعمة وبركة .

وقد شمل حبها ورأفتها حتى الطيور والحيوانات، فعندما ترى فرخ عصفور في يد طفل يلهو به تدفع له فدية إطلاق سراحه، وإذا ما رأت طيرا أو كلبا يشكو من الظمأ تضع الماء تحت متناوله6.

وقد توفيت الشيخة يوم 14 يناير من سنة 1810 أي قبل ستة عشر شهرا من وفاة زوجها . وقد خلفت هذه الشخصية وقعا كبيرا في نفس ولد الشيخ محمد الكنتي الذي خصص لها ملحقا طويلا ذكر فيه تفاصيل دراستها وفضائلها الاجتماعية والدينية، وقد جاء ذلك في مؤلفه الذائع الصيت الذي عنونه بكراماتها إضافة إلى كرامات زوجها، تحت عنوان " كتاب الطرائف والتلائد في كرامات الشيخين الوالدة والوالد"7.

 توليد النساء (الجدة)

يذكر  خوليو كاروبروخا أنه تكون للمرأة الحامل من ضمن الجارات والقريبات امرأة ذات خبرة مشهود لها تمارس مهمة القابلة، ويبدو أن هذه القابلة ترفع المرأة الحامل المقبلة على الوضع، وذلك بان تشدها من تحت ذراعيها وتضع خلف ظهرها شيئا ما تستند إليه . وهذه المرأة هي التي تقطع حبل الوصال للمولود وتنظفه بالماء الدافئ وتلفه في قطعة من قماش قبل أن تضعه في حضن أمه8.

وأثناء لحظة الولادة تحضر القابلة أو "الجدة" بالحسانية ماء بارد توضع فيه أحجار ساخنة، تضاف إليها بعض حبات القرنفل وتفرج المرأة الحامل ساقيها وتتم تدفئتها بفعل تصاعد البخار الذي يساهم في توسعة فوهة الرحم ليخرج الجنين في امن وسلام. كما تلجأ للغاية نفسها إلى إذابة ميالة حرة "اللبان" وشربها ممزوجة بالحليب وحب الرشاد.. وحين يقترب الطلق، تمسك المرأة الحامل بحبل مربوط بأحد ركائز الخيمة وتشرع بترديد:"يا لطيف… يا رب".. أما المرأة الجدة بالحسانية أي القابلة فتردد مجموعة من الأدعية والآيات القرآنية. وعندما يتعذر الوضع، يتم اللجوء إلى حجاب أي فقيه حيث يكتب لها حرز يسمى "حجاب لفصال"وتضعه على رأسها أو في فخضها أو تتناوله شرابا "كتبه" أما عندما تتم الأمور بشكل طبيعي تقوم الجدة بربط مكان قطع الحبل السري الذي يربطه بأمه بخيط بشكل جيد وذلك بقياسه إلى مستوى الركبة أو الثدي ثم تقطعه، ثم تعمل إلى الخلاص تجمعه وتضعه في حفرة أسفلها الملح… ثم تقوم بغسل المولود بالماء الدافئ وتقطير ماء بارد "نسبيا" في أذنه ولفه في قماش نظيف، وفي ممارسات أخرى غسل المولود ودهنه بزيت الزيتون ونثر الحناء تحت إبطه وأسفل رقبته وأعلى فخذيه وتركه بجانب أمه بعد لفه بقطعة القماش ثم يتم تحضير غربال توضع به الحناء والقرنفل والكحل والملح والسكن التي قطع بها الحبل السري وفي المعتقدات أن الغربال يرمز إلى التكاثر ولا يتم التخلص منه إلا بعد الأربعين التي ترمز إلى"أربعينية ادم بين الماء والطين"، ويؤذن في أذنه لينشأ على فطرة الإسلام أي "إياك يعود مسلم مولان"، وبعد ذلك يتم تحضير صرة بها الملح والحرمل وحبات من الشعير يعلقها المولود أخرى تعلقها أمه9.

 هذا وقد استطاعت أن تبدع في أحلك الظروف واستطاعت أن تخترع في لحظة ولادة طفل غير مكتمل بحيث تقوم بوضعه في لفة من شحم الغنم ليكتمل نموه، وكانت تساعد الطبيب التقليدي في إعداد الوصفات الطبية.

وعلى الرغم من التطور الطبي في شتى مجالاته وتوافره فان العديد من النساء الصحراويات ما يزالون يختارون ويزاولون الطب التقليدي "الطبيعي" ويعود هذا التفضيل إلى الارتباط العضوي للإنسان الصحراوي ببيئته واهتمامه بالنباتات والحشائش التي يستمدها من رحاب طبيعة الصحراء ، ولأنه لا يستقر في مكان ودائم الترحال فلم يكن أمامه سوى مجاله الطبيعي الواسع يستمد منه جميع مستلزمات حياته وخاصة الأعشاب التي تلزم في التطبيب وبالممارسة والتجربة أصبح يصنف لكل داء دواء. فلهذا أصبحت المرأة الصحراوية بحكم ما تعلمته من الآباء و الأجداد أو لقن لها تعي جيدا أدبيات التطبيب واحترفته واستطاعت أن تبصم في تاريخ الطب التقليدي ببصمات خالدة.

 

أدو الشيخ ماء العينينشيخاني

      

 


1 مقال نساء عالمات من الصحراء للدكتور عمر ناجيه باحث في الثقافة والصحراء

-2  بول مارتي، كنتة الشرقيون ، تعريب محمد محمود ولد ودادي، مطبعة زيد بن ثابت، دمشق ، 1985 ، ص 48

– نفسه ، ص 50 .  3

–  نفسه 4

  –  نفسه5

بول مارتي ص 49 6

 بول مارتي ص 50 7

 دراسات صحراوية خوليو كاربورخا  " الحياة في المخيم من يوم الازدياد إلى الزواج" ص/2498

9 مجلة وادي درعة العدد 12 سنة 2005 الطقوس الشعبية بالصحراء"طقوس الولادة" ذ. ابراهيم الحيسن 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق