مركز الدراسات القرآنيةأعلام

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 58هـ

هي عائشة أم المؤمنين، بنت الإمام الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشي التميمي؛ فنسبها رضي الله عنها يجتمع مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم بمرة بن كعب، فنعم النسب الذي يتصل بنسب أشرف الخلق وحبيب الحق محمد عليه الصلاة والسلام.

كانت عائشة رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله، ابن أختها أسماء رضي الله عنها لأنها لم يكن لها ولد؛ وظفرت من الرسول صلى الله عليه وسلم، بألقاب أطلقها عليها، لم يشاركها فيها غيرها من أمهات المؤمنين؛ فقد نادها بقوله: (يا عائش) على الترخيم من العيش، كما خاطبها بقوله: (يا موفقة)؛ ومن الألقاب التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم عليها: (يا حميراء) تصغير الحمراء، يريد البيضاء، لأن العرب تطلق على الأبيض أحمر لغلبة السمرة على لون العرب.

ولدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمكة، في السنة الرابعة من البعثة، وقيل الخامسة، في بيت يعمره الإيمان، ومن أبوين مسلمين، فكانت تقول: “لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين” [صحيح البخاري، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده، كتاب بدء الوحي، رقم الحديث:2297].

نشأت رضي الله عنها في أسرة ذات مكانة كبيرة قبل الإسلام وبعده؛ وذلك لمكانة أبي بكر في الجاهلية، فلقد كان ذا منزلة في قومه، وهو من السابقين الأولين دخولا في الإسلام، فكان لهذا أثر مهم في إسلام  زوجته أم رومان، بنت عامر، وابنتاه: أسماء وعائشة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

من هذا نستخلص أن عائشة رضي الله عنها ولدت في الإسلام؛ لذا لم يخالط فكرها شيء من الشرك أو أباطيل الجاهلية؛ مما أكسبها صفاء ذهنيا، وطهارة في القلب، جعلها عالمة لها شأنها في عصرها، وما بعده من العصور، فكانت أفقه نساء الأمة على الإطلاق، بل لا توجد في النساء مطلقا امرأة أعلم منها.

هاجر بعائشة رضي الله عنها أبواها، وتزوجها نبي الله وهي بنت ست سنين، بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، وقيل بعامين ودخل بها في شوال، سنة اثنتين منصرفة عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر، وهي ابنة تسع، وكانت من أحب نساءه إليه فلقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: “كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام” [صحيح البخاري، باب قوله تعالى: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون)، كتاب بدء الوحي، رقم الحديث: 3411.].

وفضائلها رضي الله عنها وأرضاها كثيرة من العسير أن نحصرها في هذا المقام ولكننا سنذكر بعضا منها على سبيل المثال: وأول ما يجب ذكره، أن الله تعالى هو من زوجها لحبيبه عليه الصلاة والسلام، والحديث في ذلك معروف؛ وهي المرأة العالمة الطاهرة البريئة المبرئة التي برأها الله تعالى بآيات من سورة النور تتلى إلى يوم القيامة، براءة لها مما قذفها به أهل الإفك من الأباطيل.

نتيجة لعلم وفقه السيدة عائشة؛ أصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم، بعد التحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، حتى غدت هذه الحجرة، أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرا في تاريخ الإسلام، وكانت رضي الله عنها تضع حجابا بينها وبين تلاميذها.

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها عالمة مفسرة ومحدثة، حيث أنها كانت تسمع القرآن من فم والدها الصديق منذ نعومة أظافرها، وكانت تشهد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت رضي الله عنها تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات، فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا منه صلى الله عليه وسلم.

وقد جمعت رضي الله عنها كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها وعلو بيانها.
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده، ويتضح ذلك في أمثلة كثيرة لا يسعنا ذكرها. وكانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدة عائشة تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم .

وقد ذكر أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت. ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بما عرفت من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة.
وكانت رضي الله عنها وأرضاها تصحح للصحابة ما أخطأوا فيه أو خفي عليهم، حتى عرف ذلك عنها فصار كل من شك في رواية أتى عائشة سائلا، وإن كان بعيداً كتب إليها يسألها. ورجع إلى قولها كبار الصحابة كأبيها أبي بكر وعمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير.

خلفت السيدة عائشة رضي الله عنها تراثا مهما في التفسير؛ لا تخلو منه كتب الحديث المعتمدة، ولقد جمع وحقق مرارا في كتب تحت أسماء مختلفة؛ وكان تراثها هذا زادا للعلماء المتعاملين مع كتاب الله تعلما وتفسيرا.
وبعد عمر بلغ سبعا وستون سنة، أمضته أم المؤمنين في خدمة الإسلام، وفي ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك؛ في السنة الثامنة والخمسين للهجرة،  توفيت رضي الله عنها، ودفنت بالبقيع، بوصية منها قبل مماتها.

 
مصادر الترجمة:

  • سير أعلام النبلاء، للذهبي (330/5)
  • الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1881/4)
  • أسد الغابة (205-209/7)
  • موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين-حياتها وفقهها- تأليف الشيخ سعد فايز الدخيل.

 إنجاز: حفيظة برياط
مركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق