مركز الدراسات القرآنيةشذور

أمهات مآخذ تفسير كلام رب العالمين

الأمهات جمع أم؛ وأم كل شيء أصله، وما يجتمع إليه غيره. قال الخليل: كل شيء يضمّ إليه ما سواه مما يليه، فإنّ العرب تسمّي ذلك الشيء أمّاً، ومن ذلك أمَّ الرأس وهو الدّماغ… وأم القرآن: فاتحة الكتاب، وأم الكتاب: ما في اللوح المحفوظ [1].
ومآخذُ: جمع مأخذ، وهو اسم مكان، من أخَذَ، وهو موضع الأخذ، ومآخذ الشَّيْء مصادره، فمآخذ الكتاب؛ هي: المصادر والمراجع التي أخذت منها المعلومات المتعلقة بموضوعه.
فأمهات مآخذ التفسير هي الأصول التي ترجع إليها مصادر أخذ تفسير القرآن الكريم، واستفادة معانيه.
وقد تحدث الإمام بدر الدين الزركشي عن أمهات مآخذ التفسير في كتابه النفيس: البرهان في علوم القرآن، فقال:
((لطالب التَّفْسِيرِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ:

الْأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ الْأَوَّلُ؛ لَكِنْ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الضَّعِيفِ فِيهِ وَالْمَوْضُوعِ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ… فَمِنْ ذَلِكَ تَفْسِيرُ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ (الأنعام: 82)، وَتَفْسِيرُ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ بِالْعَرْضِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَتَفْسِيرُ القوة في ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ (الأنفال: 60) بِالرَّمْيِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ…

الثاني: الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ

فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ، وَأَيْنَ نَزَلَتْ. وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ، وَقَالَ أَيْضًا: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ مَعَانِيهِنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ».

الثالث: الأخذ بمطلق اللغة

فإن القرآن نزل بلسان عربي مبين…رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نِكَالًا.

الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ

وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلِ».
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيٍّ: «هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، أَوْ فَهْمٌ يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ».
وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الذَّوْقِ: لِلْقُرْآنِ نُزُولٌ وَتَنَزُّلٌ، فَالنُّزُولُ قَدْ مَضَى، وَالتَّنَزُّلُ بَاقٍ إِلَى قيام الساعة.
ومن ها هنا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَأَخَذَ كُلُّ واجد برأيه على مقتضى نَظَرِهِ فِي الْمُقْتَضَى.
وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾…وَأَمَّا الرَّأْيُ الَّذِي يُسْنِدُهُ بُرْهَانٌ فَالْحُكْمُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ جَائِزٌ)) [2].

الهوامش:

[1] أحمد بن فارس، مقاييس اللغة، وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية)(1/19-20).
[2] الزركشي أبو عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: دار المعرفة، 1391م)(2/ 156-162)، وقد تم التصرف في كلام الزركشي بحذف بعض الفقرات قصد الإيجاز والاختصار.

Science

د. مصطفى اليربوعي

باحث بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق