قال الإمام أبو القاسم ابن رضوان المالقي(تـ783هـ/1381م):
«اعلم أن أقسام الناس ثلاثة: كريم فاضل، ولئيم سافل، ومتوسط بينهما. فأما الكريم فمُلكه وضبطه بالإكرام والإنصاف والمودة والاستعطاف، والكريم مأمون إذا شبع وقدر، ومخوف إذا جاع وقهر، واللئيم مخوف إذا شبع وقدر، فارفع الكريم جهدك، فإنك كلما رفعته تواضع لك، وضع اللئيم جهدك، فإنك إذا رفعته ترفع عليك، وامزج للمتوسط الرغبة بالرهبة، وقابل له الإكرام بالإهانة، فإنه يطيعك خوفاً من عقابك، ورجاءً في ثوابك، وأما الكريم فلا بقاء له من خوف العقوبة عندك.
واعلم أنك إذا أهنت الكريم فتحت على نفسك بابا من اللوم والمضرة، وإذا أكرمت اللئيم اقتضيت منه شراً، وزاد بإكرامك له تمرداً، وإذا عاملت المتوسط بأحد الطرفين انتقض عليك الطرف الثاني منه. وقد كان بعض ملوك الفرس يجعل لكل طبقة من الناس جنسا من اللباس يعرف به مكانه، فلا ينتقل عن لباسه حتى يرى له من الفعل ما يستدل به على فضيلة، فينتقل بإذن الوزير إلى الطبقة التي فوقه، وذلك إحراز منهم لإيقاع السياسة موضعها، ومعاملة كل طبقة بما تستحقه.
واعلم أن المداراة درجة رفيعة لا يستغني عنها ملك ولا غيره، وأن القلوب جبلت على بغض من استعلى عليها، فعامل الناس بالموافقة في غير أماكن الغلظة.
واعلم أن الخلاف يهدم المحبة، ويدعوا إلى الفرقة، وقد قال أبو الفتح البُسْتي: ربما أغنت المداراة عن المباراة. ومن حسن التدبير أن يأمن أهل الورع والسلامة خوف عقوبتك، ويوطن أهل الريب والدعارة أنفسهم على نفوذ نقمتك، حتى يتخيلوا في خلواتهم أن في ذلك عيوناً على صنائعهم».
كتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة، لأبي القاسم ابن رضوان المالقي (تـ783هـ)، تحقيق الدكتور علي سامي النشار، دار الثقافة ـ الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1404هـ/1984.